عَودة المحَارب

أتدري الريحُ من ملكتْ زمامَهْ
تَشقُّ الغربَ أو تطْوي ظلامَهْ؟
هَفَتْ للشرق فاختلجتْ جناحًا
بِه، واستقبلتْ لثمًا غمامَهْ!
وقِيلَ: دنا وحَوَّم، فاشرأبَّتْ
ضفافُ النيل تستهدي حِيامَهْ
وعانقه الصباحُ على رُباها
غضيضَ الطَّرفِ لم ينفضْ منامَهْ
يضيء بورده الأزليِّ أُفقًا
تُظلِّله الرعايةُ والسلامَهْ
وواكَبَهُ على «سيناءَ» برقٌ
بِعينِ الملهمين رنا فشامَهْ
تَمَثَّلَ إذْ تألَّقَ ذكرياتٍ
وأمجادًا مُشَهَّرَةً مُسامَهْ
لمحتربٍ منَ الأبْطال فادٍ
يخاف الدهرُ أن يَلْقَى عُرامَهْ
حواريٌّ على كفَّيهِ قَلْبٌ
أبَى غَيْرَ الشهامة والكرامَةْ
نَحيفٌ من شُراةِ الخلد يحمي
تُراثَ الشرق أَوْ يَرْعَى ذمامَهْ
كَسَتْهُ خُشُونَةً غِيَرُ الليالي
وسلَّتْ عزمه وجَلَتْ حُسامه
أَشدَّ على قواضبها مراسًا
وأَنفذ من مضاربها هُمامهْ
أَقام على الفلاة طريدَ ظلمٍ
وَذِيدَ، فما أطاق بِها مقامهْ
وَبايعَ في شبيبته المَنايا
فعادت منه وادَّرأتْ حِمامهْ!
أَحلُّوا قتله وتطلَّبوهُ
دمًا حرًّا وروحًا مستهامَهْ
تُنَسِّي الحربُ كلَّ فتًى هواهُ
ولا يَنْسَى الكميُّ بِها غرامَهْ
زَئيرُ الليث يطربُ مِسْمَعَيْهِ
وتُشجيهِ بِرَنَّتها الحمامَهْ
ووثبُ الخيل أفراسُ الأمانِي
إلى خَطَرٍ تعشَّقهُ ورامَهْ
يَصُفُّ البيض وَالسُّمر العوالي
ويرقبُ مِن فم الصُّبح ابتسامَهْ
ويفرُك راحيته دمًا ونارًا
يُغَنِّي حُبَّهُ ويُديرُ جامَهْ
كذلك رأى الحياة فمَا اجتواها
ولا عرفَ الملالة والسآمَهْ
مفازعُ للرَّدَى إنْ لاح فَرَّتْ
وراءَ خطاهُ وارتدَّتْ أَمامَهْ!

•••

أخا الهجاءِ كيف شَهِدْتَ حَرْبًا
يُذكِّرُ هولُها يومَ القيامَهْ
وكيف رأيتَ بعد الحرب سِلْمًا
تَملأ بالضغينةِ واللآمه
وقالوا: عالَمٌ قد جَمَّلُوهُ
فلم يَعْدُ الشناعةَ والدمامَهْ
تناثرتِ الممالكُ فيهِ حتى
لتعجزَ أَنْ تُبِينَ لها حطامَهْ
متاهاتٌ تضلُّ بِها الليالي
ولا يدري بها فَلَكٌ نظامَهْ
فلسطينُ الشهيدةُ في دجاه
مُفَزَّعةُ الخواطرِ مستضامَهْ
أَقام المستبدُّ على حماها
فعاث بها وأفردها طَغامه
وجاء بآبقٍ لَفظَتْهُ دارٌ
وأفَّاقٍ يُحمِّلُها أَثامَهْ
أباح له على كيْدٍ جَنَاها
وشاطرهُ على خُبْثٍ مدامهْ
وعلَّمهُ الرماية واجْتباهُ
فسدَّد في مقاتلهِ سهامهْ!
نَديمُ الأَمس سَقَّاهُ بِكأْسٍ
أحسَّ لهيبها ورأى ضرامَهْ
رمى الشيطان عن فَخَّارتيها
وعضَّ على نواجذه نَدامَهْ
ألا لا يمرح الباغُون فيها
فَلَنْ يَنْسَى لها الحقُّ انتقامَهْ
مُحالٌ أن تَطيبَ لهم حياةٌ
عليها، أو تدوم لهم إقامَهْ
عروبَتُها على الأدهار أبْقى
وأثبتُ من رواسخها دِعامَهْ
أتهدأ وهي في الغَمرات تأسو
جريحًا؟ أو تشدُّ لهُ ضمامَهْ؟
ومفتيها الأمينُ ومفتديها
وراءَ تخومها يَشكو هيامَهْ؟
فتى أحرارها ما غابَ عنها
ولا منع الخيالَ بها لِمامَهْ
كأمسِ، كعهدها، لم يَغْفُ عينًا
بليلٍ أَقسمتْ ألَّا تنامَهْ
يؤلِّفُها على الأحداث صفًّا
جسورَ النفس جَبَّارَ العُرامَةْ
جهادٌ في العروبة واحتشادٌ
له التاريخ قد أَلْقَى زمامَهْ

•••

أخا الصَّبَواتِ هل شَفَتِ الليالي
جراحَ القلب أو رَوَّتْ أُوامهْ؟
حَللتَ بسوريا بعد اغترابٍ
وقد كاد الجلاءُ يُتِمُّ عامَهْ
فقلتُ: تحيَّةُ الزمن المعادِي
لمقتتلٍ أَطال بهِ صدامهْ
وأَشرقتِ الكتائبُ عن لواءٍ
يَدُ الشهداءِ لم تتركْ عِصامهْ
لأَصهبَ من أُسودِ الحرب يمشِي
بأصْهَبَ تُمسِكُ الدنيا لجامَهْ
حواكَ جلالةً فحنيتَ رأسًا
ولم تَخْفِضْ لجبَّارين هامَهْ
طريقُ المجد كم أثَرٍ عليه
لأهوالٍ لَقِيتَ، وكم علامَهْ!
وكم جبلٍ هبطتَ برأس وادٍ
يعزُّ الجنُّ أَن تَرقَى سنامَهْ
حميتَ الغاصبين خُطًى إليه
فصان عراقه وحمى شآمَهْ
بجيشٍ من «بَني عدنانَ» فادٍ
تَرَى نسرًا بهِ وترى أُسامَهْ
يروعكَ «خالدٌ» فيهِ وتلقى
«عُبَيْدَةَ» وهو في سيفٍ ولامَهْ
كأَن الفاتحين مِن الأوالِي
على أَسيافهم رفعوا خيامَهْ!

•••

حُماةَ الشرقِ، كم في الغرب باغٍ
عليهِ، أَذاقهُ بطشًا وسامَهْ
وكم أَيْدٍ عليه مُجرَّداتٍ
مخالبَ كاسرٍ يبغي التهامَهْ
ذئابٌ حول جَنَّتِهِ تَعاوَى
كأَنَّ بها إلى دمهِ نهامَةْ
فهزُّوه صوارمَ مُشْرعاتٍ
تَشُقُّ بكلِّ مُعْتَركٍ زحامَهْ
هو السيفُ الأَصمُّ إذا تَغَنَّى
صغا متجبِّرٌ وَوَعَى كلامَهْ
أَعِدُّوا حدَّه لصراع دهرٍ
صريعُ الوهم من يرجو سلامَهْ!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤