بطل الريف

لا السيفُ قَرَّ ولا المحارِبُ عادَا
وَيْحَ البشيرِ! بأيِّ سلْمٍ نادَى؟
الأرضُ من أجسادِ من قُتِلوا بها
تَجْنِي العذابَ وتُنْبِتُ الأحقادَا
فاض السحابُ لها دَمًا — مُذْ شَيَّعت
شمسَ النهارِ — فخالطتْهُ سَوادَا
رأتِ الحِدادَ به على أَحيائها
أتُرَاهمو صَبَغوا السماءَ حِدادَا؟
وَدَّ الطُّغاةُ بكلِّ مَطْلَعِ كوكبٍ
لو أطفئُُوهُ وأسقطوهُ رَمَادَا
وتخوَّفُوا وَمْضَ الشهابِ إذا هَوَى
وَبُروقَ كلِّ غمامةٍ تتهادَى
وَلَوَ انَّهم وَصَلُوا السماءَ بعِلْمِهِم
ضَرَبوا على آفاقها الأَسْدَادَا
لولا لوامِعُ من نُهًى وَبَصائرٍ
تَغْزُو كُهوفًا أو تَؤُمُّ وهادَا
لم يَرْقَ عقْلٌ أو تَرِقَّ سريرةٌ
وقضى الوجودُ ضلالةً وفسادَا
راعَ الطُّغاةَ شُعَاعُهُ فتساءَلوا
مَنْ نَصَّ هذا الكَوْكَبَ الوَقَّادَا؟
إنْ تَجْهَلوا فسَلُوا به آباءَكُم
أَيَّامَ شَعَّ عدالةً ورِغادَا
هل أبصروا حُرِّيَّةً إلَّا بهِ
أو شيَّدوا لحضارةٍ أَوْتادَا
حَمَلَتْ سَناهُ لهم يَدٌ عربيَّةٌ
تبني الشعوبَ وتنسجُ الآبادَا
هي أُمَّةٌ بالأمس شادتْ دَوْلةً
لا تعرفُ العُبْدانَ والأسيادَا
جُرْتُمْ عليها ظالمين بَعدِّكم
وعَدِيدِكم تتخايلون عَتَادَا
ومَنَعْتُموها من مواهب أَرْضِها
ماءً بهِ تجدُ الحياةَ وَزَادَا
في المغرب الأقصى فتًى من نورِها
قَدَحَتْ به كفُّ السماءِ زِنادَا
سَلَّتْهُ سيفًا كي يحرِّرَ قَوْمَهُ
وَيَزِيلَ عن أوطانهِ استعبادَا
ما بالُكم ضِقْتُم بهِ وحَشَدْتُمُ
من دونهِ الأسيافَ والأجنادَا
أشْعَلْتُموها ثورةً دَمَوَيَّةً
لا تعرفون لنارِها إخمادَا
حتى إذا أَوْهَى القتالُ جِلَادَكم
ومضى أشَدَّ بسالةً وجِلادَا
جئْتُمْ إليهِ تُهادِنون سُيوفَهُ
وسيوفُهُ لم تسكُنِ الأغمادَا
وكتبتمو عهدًا — بحَدِّ سيوفكم —
مَزَّقْتُمُوهُ ولم يجِفَّ مِدادَا

•••

الأَهْلُ أَهْلُك، يا أميرُ، كما تَرَى
والدَّارُ دارُكَ قُبَّةً وعِمَادَا
أنَّى نَزَلْت بمصرَ أو جاراتِها
جئْتَ العُروبةَ أُمَّةً وبِلادَا
مَدَّتْ يدَيْها، واحْتَوَتْكَ بصدرها
أُمٌّ يَضُمُّ حنانُها الأولادَا
ولو استطاعت رَدَّ ما اسْتَوْدَعْتَهَا
رَدَّتْ عليك المَهْدَ والميلادَا
وَأَتَتْكَ بالذِّكَرِ الخوالدِ طاقةً
كأَجَلِّ ما جمعَ المحبُّ وهادَى
ماذا لَقِيتَ من الزمان بصخرةٍ
قاسَيْتَ فيها غُرْبَةً ووِحادَا
وَبَلَوْتَ من صَلَفِ الطُّغاةِ وعَسْفِهم
فيها الليالي والسنين شِدَادَا
جعلوا البحارَ، ومثلُهُنَّ جبالُها،
سَدًّا عليك وأَوسعوك بِعادَا
دَعْهُم! فأنتَ سَخِرْتَ من أحلامهم
وأطَرْتَهُنَّ مع الرياحِ بِدادَا
عشرين عامًا، قد حَرَمْتَ عيونَهم
غُمْضَ الجفونِ، فما عَرَفْنَ رُقادَا
يَتَلَفَّتُون وراءَ كلِّ جزيرةٍ
ويسائلون الموجَ والأَطوادا
من أيِّ وادٍ … موجةٌ هتَفتْ بهِ
ومضى، فحمَّلَها السلامَ، وعادا
لو أنصفوا قَدَرُوا بطولَة فارسٍ
لبلادِهِ بدَم الحُشاشة جادا
نادَى بأحرار الرجال فقرَّبوا
مُهَجًا تموتُ وراءَه استشهادَا
يدعو لحقٍّ أو لإنسانيَّةٍ
تأْبى السجونَ وتَلْعَنُ الأَصفادا
شيخَ الفوارسِ حَسْبُ عَيْنِك أن ترى
هذي الفتوحَ وهذه الأَمجادا
«الرِّيفُ» هَبَّ منازلًا وقبائلًا
يدعو فتاهُ الباسلَ الذَّوَّادا
حَنَّ الحُسَامَ لقَبْضَتَيْكَ، وحَمْحَمَتْ
خيلٌ تُقَرِّبُ من يديك قِيادا
وعلى الصَّحارَى من صَدَاكَ مَلَاحِمٌ
تُشْجِي النُّسورَ وتُطْرِبُ الآسادَا
أَوْحَتْ إلى العُرْبِ الحُدَاءَ، وَأَلْهَمَتْ
فُرسانهم تحت الوغى الإنشادا
عبدَ الكريم انْظُرْ حِيالك هل ترى
إلَّا صراعًا قائمًا وجهادا
الشرق أَجْمَعُهُ لواءٌ واحدٌ
نَظَمَ الصفوفَ وهيَّأَ القُوَّادا
لم يتركِ السيفُ الجوابَ لسائلٍ
أو يَنْسَ من مُتَرَقِّبٍ ميعادا
سالت حلوقُ الهاتفين دمًا، وما
هزُّوا لطاغية الشعوب وِسادا
فصُغِ البيانَ بِه، وأنْطِقْ حَدَّهُ
يَسْمَعْ إليكَ، مكَرَّرًا ومُعادَا
كَذَبَتْ مودَّاتُ الشِّفاه ولم أجِدْ
رغم العداوة كالسيوف وِدادا

•••

لَهجَتْ قلوبٌ بالذي صَنَعَتْ يدٌ
شَدَّتْ لِجُرْح المسلمين ضِمادا
حَمَلَتْ نَدَى مَلِكٍ، ونَخْوَةَ أُمَّةٍ
صانت بها شرفًا أشمَّ تِلَادا
وحَمَتْ عزيزًا لا يقَرُّ، وأَمَّنَتْ
حُرًّا يقاسي الجورَ والإبعادا
فادٍ من الغُرِّ الكُمَاةِ مجاهدٌ
تتنازعُ الآلامُ منه فؤادا
جارت عليه الحربُ ثم تعقَّبَتْ
في السِّلْمِ تحت جَنَاحِهِ أكبادا
زُغْبٌ صِغارٌ مثل أفراخ القَطَا
وحرائرٌ بِتْنَ السنين سُهَادا
هو من رواسِي المجد إلَّا أنهُ
عَصَفَ الزمانُ بِجانبَيْهِ فمادا
رَجُلٌ رأَى شرًّا، ففادَى قَوْمَهُ
وأَحَسَّ عاديَةً، فهَبَّ، ورادَى
ظلموا هواهُ إذْ أحبَّ بلادَهُ
ما كان ذنبًا أَنْ أحبَّ ففادَى!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤