الأمِير المجاهِد

رزءُ العروبةِ فيكَ والإسلامِ
رزءُ النُّهَى وفجيعةُ الأقلامِ
هو مأتمُ الأحْرار في متوثِّبِ
بصفوفهم مستقتلٍ مقْدامِ
أأبا المثاليين صوتُكَ لم يزل
في الشرق وحيَ يراعةٍ وحسامِ
وَنداءَ فادٍ تسأل الدنيَا بهِ
أصريعَ حربٍ أم شَهيد سلامِ؟
لخلاص دارٍ أو فكاك عَشيرَةٍ
خُضْتَ الحياةَ كثيرةَ الآلامِ
واجتزتَ جِسْرَ العمر بين عواصفٍ
هُوجٍ وموجٍ مُزْبدٍ مترامي
وشهرتها حربًا على مستعمرٍ
مُتجبِّرٍ، أو غاصبٍ ظلَّامِ
تَلْقَى ببسمتك العريضةِ نارها
في مَوْكبٍ من ذائدين كرامِ
متفرِّقين على البعاد منازلًا
متجمِّعين على هوًى ووئامِ
كالبحر ماجَ وفي غواربهِ التَقى
سيلُ الرُّبَى وشوامخ الأعلامِ
وقفوا الحيَاة على الجهاد وقرَّبوا
دَعَةَ النفوس وصحَّةَ الأجسامِ
إرثُ الجدود الصيد أنت وَهَبْتَه
قلمًا يصاول دونه ويحامي
وشبابَ مهدور الدماءِ مجاهدٌ
في الله عَن عربٍ وعن إسلامِ

•••

الشاعرُ الغرِّيدُ نازحُ جَنَّةٍ
مَسْحُورةِ الأفنان والأكمامِ
أفياؤها ظُلَلُ الدهور، وأَرزها
أعلامُ آلهةٍ على آطامِ
قامت على جَبَلٍ أشمَّ، سماؤهُ
مسرَى البيان ومسبحُ الإلهامِ
تُهدِي إليه بكل مغربِ كوكبٍ
أشواقَ نِضْويْ لوعةٍ وغرامِ
أُمٌّ تحنُّ إلى لقاءِ نجيبها
وأبٌ، هو الوطن المشوق الظامي
يتساءَلان متى الإيابُ؟ ويومُهُ
يومُ الرحيل، ولات حين مقامِ

•••

مرَّتْ «جنيفُ» بخاطري فتمثَّلَتْ
صُوَرُ الشهيد كأنهنَّ أمامي
متوحِّدًا في غُرْبةٍ، متوقِّدًا
بصبابةٍ، متفرِّدًا بسقامِ
شيخٌ يدبُّ على عصاهُ، وقلبُهُ
متوثِّبُ الآمال والأحلامِ
يطوي الثمانين الوضاءَ مَليئَةً
بمواكبٍ للذِّكْريات ضخامِ
وَجَلائلٌ للمأثرات مواثلٌ
وجَحافلٌ للحَادثات جسامِ
هيهات ما أوهتْ قِواه ولا ثَنَتْ
من خطوهِ عن غايةٍ ومَرَامِ
هيهات ما نالتْ على إرهاقها
من قلبهِ في نَضْرَةٍ ووسامِ
هيهات ما شابتْ بمُرِّ مذاقها
فيهِ حلاوَةُ روحه البسَّامِ
طَلْقُ الجبين على نديِّ شمائلٍ
كالفجر بين أشعةٍ وغَمَامِ

•••

يا ابنَ الإمارة نافضًا من إرثها
يَدَهُ لِنصْرَةِ مبدأٍ وذمامِ
حيث الغِنَى والجاهُ فتنةُ معشر
عَن قومهم متخلفين نيامِ
صفْ كيف أبصرتَ الحياة وأنت في
عزِّ الملوكِ وهيبة الحكَّامِ
ورأيتَ دنيا المالكين بعالمٍ
متخوِّنٍ، متلوِّنٍ، هَدَّامِ
تُومِي إليكَ قصورُهم وكأنها
عينٌ مقرَّحةٌ وقلبٌ دامِي
ومشيتَ تُنْذرُ والوغَى مُتَسَعِّرٌ
والأرضُ غرقى في دم وضِرامِ
في حومةٍ من قاهرين تربَّصوا
بالمضعفين منافذَ الأيامِ
عَنَتِ الشعوبُ لسيفهم فتألَّبوا
يتنازعون مصايرَ الأقوامِ
يأبى يَراعُك أن يُفَارق راحةً
خُلِقَتْ لردِّ تحيَّةٍ وسلامِ
بيضاءُ ملهَمةُ البنانِ مزاجُها
فَيْضٌ من الأضواءِ والأنغامِ
أخذتْ خِناق الظلم فاسْتخْذَى لها
وارْتَدَّ يستر وجههُ بلِثامِ
وَتَعقَّبَتْهُ تهزُّ قبضةَ ثائرٍ
فإذا الحديدُ بها صديعُ حطامِ
وإذا الحصونُ الشامخاتُ حجارةٌ
منثورةٌ، والنارُ سُحبُ قتامِ
وإذا المجاهدُ تحتَ غار جهادهِ
طُهْرُ اليدين مُخَضَّبُ الصمصامِ
روحٌ يَهزُّ الشرق من أعماقِهِ
وسَنًا يمزِّق عنه كل ظلامِ
وَيَدٌ تُعانِقُهُ برغم مَنيَّةٍ
وَفَمٌ يُقَبِّلُهُ برغمِ حمامِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤