الْحَيَّةُ الْخَالِدَةُ

(تاييس تفتح كتابًا وتقرأ من قصيدة الحية الخالدة.)

«وفي قصيدة تدور حوادثها حول الفن بين الرجل والمرأة وأثر الغريزة فيه، يتكلم شاعر فنان اتخذ فتاة حسناء نموذجًا حيًّا لفنه، فأغوته بمفاتن جسدها، ودفعته بحماسة في غمار ملذات لا يلبث أن يفيق منها، وقد رأى مدى انهيار روحه وفنه، والموقف كله شذوذ واضطراب، وكله عنف وضعف، وهو تصوير لهذه الحية الخالدة التي يشتهيها الفنانون والشعراء رغم لدغاتها …».

وَلَفَّتْ ذِرَاعَيْنِ كالحيَّتين
عليَّ، وبي نشوةٌ لم تَطِرْ
وقد قَرَّبَتْ فمَها من فَمِي
كشُقَّيْنِ من قَبَسٍ مُسْتَعِرْ
أشمُّ بأنفاسها رغبةً
ويهتفُ بي جفنُها المنكسرْ
تَبَيَّنْتُ في صدرِهَا مصرعي
وآخرةَ العاشقِ المنتحِرْ!!

•••

أفي حُلُمٍ أنا أم يقظةٍ؟
ومن هذه المرأةُ الخاطئَةْ؟
هو الحبُّ؟ … لا … بل نداءُ الحياة
تُلبِّيهِ أجسادُنا الظامئَةْ
يَخفُّ دمي لصداهُ الحبيبِ
وتدفعني القدرةُ الهازئَةْ
كأنِّي ببحرٍ بعيد القرارْ
طَوَى أفقَه وزوَى شاطئَهْ

•••

أرى … ما أرى؟ جسدًا عاريًا
تضجُّ به الشهوةُ الجائعَةْ
أرى … ما أرى؟ حَدَقَيْ ساحرٍ
تؤجَّان بالنظرةِ الرائعَةْ
أرى … ما أرى؟ شَفَتَيْ غادَةٍ
تَرِفَّانِ بالقُبلة الخادعَةْ
تُساقطني ثمرًا! ما أرى؟
أرى حَيَّةَ الجنَّة الضائعَةْ

•••

بعينكِ أنتِ، فلا تُنكري
صفات أنوثتكِ الشَّاهدَةْ
تَمَثَّلْتِ شَتَّى جسومٍ وكم
تجدَّدْتِ في صُوَرٍ بائِدَةْ
نعم، أنت هنَّ … نعم … ما أرى؟
أرى الكلَّ في امرأةٍ واحدَةْ
لقد فَنِيَتْ فيكِ أرواحهنَّ
وها أنتِ أيتها الخالدَةْ

•••

لقد كنتِ وحْيَ رَخَامٍ يُصاغُ
فأصبحتِ لحمًا يثيرُ الدماءْ
وكنتُ فتًى ساذجًا لا أرَى
سوى دُمْيَةٍ صُوِّرَتْ من نقاءْ
أُنيلُ الثرى قَدَمَيْ عابِرِ
يعيش بأحلامِهِ في السماءْ
فأصبحتُ شيئًا ككلِّ الرجالِ
وأصبحتِ شيئًا ككلِّ النساءْ!

•••

وكنتِ أميرة هذي الدُّمَى
وصورةَ حُسنٍ عزيزِ المنالْ
وكنتِ نموذجَ فنِّ الجمالِ
أحبُّكِ للفنِّ لا للجمالْ
أرى فيكِ ما لا تَحدُّ النُّهى
كأنَّكِ معنًى وراءَ الخيالْ
فجرَّدتني رجلًا أشتهِي
وجرَّدْتُ أنثى تَشَهَّى الرجالْ

•••

دَعيني حواءُ أو فابْعُدِي
دعيني إلى غايتي أنطلِقْ
أخمرٌ ونارٌ؟ لقد ضاق بي
كِيَاني، وأوشِكُ أن أختنِقْ
أرى … ما أرى؟ لهبًا؟ بل أشمُّ
رائحةَ الجسَدِ المُحْتَرِقْ!
فيا لكِ أفعى تشهَّيْتُهَا
ويا لِيَ من أُفعوانٍ نَزِقْ …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤