المرأة والفن

(بليتيس تضع يدها على صفحة الكتاب في غضب وتمنع تاييس من القراءة.)

بليتيس :
كفانا، فقد جُنَّ هذا الفتى
وجاوز حدَّ الكلام المباحْ
نكادُ نُحِسُّ اختلاجَ النجوم
ونسمع مُضْطَربًا في الرياحْ
مريضُ الغريزةِ، فتَّاكُها
حَبَتْهُ الطبيعةُ أمْضَى سلاحْ
سَقَتْهُ الشياطينُ يحمومَها
فمجَّ الرحيقَ وذمَّ الصباحْ

•••

تأثَّمَ بالفنَّ حتى غوَى
وما الفنُّ بالمرأةِ الخاطئَةْ
هو الدمُ واللحمُ ما يشتهي …
هو الخمرُ والمتعةُ الطارئَةْ
وكم في الرجالِ سُعَارُ الوحوش
إذا لمسوا الجُثَّةَ الدافئة
فلا تذكري فَنَّ هذا الفتى
بل الحيوانيةَ الخاسئَةْ
رأى جسمَ حوَّاءَ فاشتاقَهُ
فهاجتْ به النزوةُ المُسْكِرَةْ
سَبَى روحَهَا، فاشتهى جسمَهَا
فثارتْ بعزَّةِ مستكبرَةْ
سَمَا جسمُها وتأبَّى عليه
فجرَّدَ في وجهها خنجرَهْ
وهمَّ بها، فالتوى قصدُهُ
فأرسلَ صيحَته المُنْكَرَةْ

•••

ألم يَنْسِمِ الخُلد من عطرها؟
ألمْ يعْبدِ الحسنَ في زهرِهَا؟
ألم يقبسِ النورَ من فجرِهَا؟
ألم يسرق الفنَّ من سحرِهَا؟
شَفَتْ غُلَّة الفنِّ حتى ارتوى
وإنْ دَنَّسَ الفنُّ من طهرها
وهامَتْ على ظمأٍ روحُها
وكم ملئوا الكأسَ من خمرها

•••

على مَذْبحِ الحبِّ من قلبها
سراجٌ يُسبِّح مَنْ لألأَهْ
منارٌ يجوبُ الدُّجى لَمْحُهُ
فتَلْقى السفينُ به مرفأَهْ
يبثُّ الحرارةَ بَرْدَ الشتاءِ
ويُلْهِبُ شُعْلَتَهُ المطفأَةْ
وتمشي الحياةُ على نورِهِ
وما نورُهُ غيرُ عينِ امرأَةْ!

•••

خطيئتُها قِصَّةُ الملهمين
وإغراؤها الفَرَحُ المُفْتَقَدْ
بأرواحهم يرتقون الخلودَ
على سُلَّمٍ من متاع الجسدْ
ولو لم تكن لَهوَى فَنُّهم
صريعَ الظلام قتيلَ الجَمَدْ
وما الفنُّ إلَّا سعيرُ الحياةِ
وثورتُها في محيط الأبدْ

•••

لهيبٌ إذا الرُّوحُ مَرَّتْ به
تضاعفتِ الرُّوحُ في نارِهِ
يُطيقُ القويُّ لظى جمرِه
ويعشو الضعيفُ بأنوارِهِ
رَمَتْ فيهِ حواءُ آثامَهَا
فذابتْ على صُمِّ أحجارِهِ
لقد قرَّبَتْ جسدًا عاريًا
وقلبًا يَضِنُّ بأسرارِهِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤