الرَّجُلُ!

(يسمع صوت من وراء غمامة قريبة تنشق عن الشاعر في موقف اضطراب!)

(سافو تنظر إليه في دهشة بينما تاييس وبليتيس متجهتان إلى هرميس.)

سافو :
بليتيس! تاييس!
الحوريتان :
ماذا؟
سافو :
انظرا …
فثَمَّتَ أعجوبةٌ تظهَرُ
هرميس :
تعالَ فتى الشِّعْرِ …
تاييس :
يا للسماءِ!
أبِالشعرِ أم بالفتى تَسْخَرُ؟
سافو :
أهذا هو الآدميُّ العظيم؟
بليتيس :
ألا شدَّ ما يَخْدَعُ المَنْظَرُ
تاييس :
تَصَوَّرْتُهُ من أحاديثِهِ
فَتًى لوسامته يُؤْثَرُ
هرميس :
تريدينه صورةً أم فتًى
تهلَّلَ فيه الحِجَى وابتَسَمْ؟
سافو :
رأيتُ الرجولةَ كلَّ الجمالِ
هو الرَجُلُ الفَرْدُ في المُزْدَحَمْ
تراهُ على النبع يُعْلِي الغطاءَ
ويُدْلِي الدلاءَ ويَسْقِي الغَنَمْ
ويحدو العذارَى إلى دارِهِنَّ
حَيِيَّ الخُطَى «مُوسويَّ» القَدَمْ
هرميس :
لشدَّ الذي قُلْتِهِ، يا ابنتي
كلامًا توهَّجَ مِنْهُ الحنينْ
تعالَي هنا والثمِي جبهةً
هزأتِ بها وهي حُلْمُ السنينْ
بليتيس (تدنو من الشاعر وتلمس بيدها صدره وتمر بها على وجهه) :
أمن خَمَلِ السُّحْبِ هذا الدثارُ؟
ومن حمأ الأرضِ هذا الجبينْ؟
هرميس :
دَعِي طيفَهُ وانظري روحَهُ
ففيها الصِّبَا والجمالُ المبين
بليتيس :
هل الرجلُ الروحُ؟
تاييس :
لا، إنَّهُ
مُحَيًّا تَرَقْرَقَ فيه الوسامْ
وعينانِ بالسحرِ تستأثران …
سافو :
خيالٌ لَعَمْرُكِ هذا الكلامْ!
مُحَيَّا وعينانِ؟ ما في الرجالِ
سوى كلِّ أصيدَ سَبْطِ القوامْ
ذراعاهُ تستدرجانِ الخصورَ
وفي شفتيهِ حديثُ الغرامْ!
الملك (محدثًا نفسه في قلق وذهول) :
تنزَّهتَ عن شُبْهَةٍ عالمِي
ولا رابني فيكَ ما أسمَعُ
عهدتُ البراءَةَ فيمن تُظِلُّ
فما لِيَ من ريبةٍ أفزَعُ
وأبدعتَ خَلْقًا ولكِنَّنِي
أراهُ إلى عَبَثٍ ينزِعُ
سَبَى السِّحْرُ أجملَ أرواحِهِ
فأنطقهنَّ بما يخدَعُ

•••

أفي عالم الرُّوح تفشو الظنونُ
وينطق روحٌ بهذا الكلِمْ؟
أسائِلُ نفسي … أشيطانةٌ
توسوسُ لي؟ أم مَلاكٌ أَثِمْ؟
أم الشكُّ آذنَنِي بالصِّرَاعِ؟
أم حلَّ بي غضبُ المنتَقِمْ؟
صوت السماء (في موج من الأنغام الشجية) :
بل البعثُ آذنَهُنَّ الغداةَ
فلا تَلْحَهُنَّ لا تَتَّهِمْ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤