الفصل الثاني

المنظر الأول

أزمردا، سفينته الصغيرة الأخاذة المنظر راسية في الصباح في مكان غربي ميناء «رافيا» على شاطئ غريب منبسط متألق الرمال. فيه زهرات برية مختلفة الألوان ونبت جميل وشجرات صغيرة من النخيل والزيتون، منتشرة بينها بعض الصخور وعلى الأفق تبدو أشباح سحاب وجبال. أزمردا وماتوكا يتأملان في دهشة الشاطئ.

ماتوكا :
سَيِّدي! ما أرى الغداةَ إِزائي؟
أزمردا :
شاطئٌ ضاحكُ الثرى والماء
ماتوكا :
فيهِ نبتٌ، وفيه زهرٌ جميلٌ،
وَظلالٌ تموجُ في أضواءِ
أزمردا :
كالذي تَذْكُرُ القوافلُ عَنْهُ
كُلَّ عامٍ في مستهَلِّ الشتاءِ
مُلْتَقَى العابرينَ من أرضِ كنعانَ
إلى مصْرَ أو حمى سَيْناءِ
ماتوكا :
أيُّ روحٍ خفيَّة، أيُّ ريحٍ
حَمَلَتْنا بأجْنُحٍ في الخفاءِ؟
نَشَرَتْ ذلكَ الشراعَ وأمَّتْ
ذلك الشاطئَ العجيبَ الرواءِ
أزمردا (وكأنه لم يسمع كلام ماتوكا) :
نحنُ في أوَّلِ الطريقِ إِلى مصرَ
وَهذي عجيبةُ الأنباءِ
ماتوكا (تاركًا أزمردا متوجهًا إلى البحر منحنيًا يبحث بين الأصداف) :
يا لِهذي الرمالِ تلمعُ والأصداف
فيها كثيرةُ اللألاءِ
فلأفتشن فيهنَّ عن دُرَّةٍ عصماء
ولتُحْسنِ الحظوظُ لقائي!
أزمردا :
يا ماتوكا الزمِ الحذرْ نحنُ في موقفِ الخَطَر
تطمَعُ الآنَ في اللآلئِ، يا هُزْوَةَ القدرْ!
ماتوكا (وهو مستمر في بحثه) :
منكَ، يا سيدي، عرفتُ متى ألزمُ الحذَرْ
وَتَعَلَّمْتُ سَيدِي كيف لا يَقنعُ البشرْ!
أنا، في البحرِ، باحثٌ عنْ يتيمٍ من الدُّرَرْ
مثلَمَا أنتَ باحِثٌ عن يتيماتِكَ الأُخَرْ!
الصبايا المُرَنَّحَاتُ من الدَّلِّ والخفرْ!
أزمردا :
أيها الغرُّ، لا تغُرَّكَ برَّاقَةُ الحَجَرْ
جِفَّ حَلْقًا من الظما ذاكَ بَرْقٌ بلا مَطَرْ

(ويستمر ماتوكا في عمله غير مصغ إلى كلام سيده فينصرف أزمردا عنه ويجلس على صخرة، وهو يقول):

عِشْتُ عمري بذلك البحرِ ألْقَى
فيهِ شَتَّى الرياحِ وَالأنواءِ
غيرَ أنِّي لم ألْقَ مثلَ رياحِ
الأمسِ! يا للعواصفِ الخرساءِ!
أهيَ تلك التي تحدَّثَ باتوزيس
عنها في مَجْلسِ الصهباءِ؟
فتياتُ الرِّياحِ، آلهةُ الموجِ
المغنِّي، عرائسُ الدأماءِ؟
قِصَصٌ من خرافةٍ أوَّلَ الناسُ
بها كُلَّ حادثٍ بقضاءِ
وأساطيرُ «طيبةٍ»، ربَّةِ السِّحرِ،
ومهدِ الخيالِ والإِغراءِ
وَعجيبٌ رُقادُنا لا نُحِسُّ الفلكَ
تجرِي وَلا هديرَ الماءِ
أتُرَى باتُوزيسُ دَبَّرَ أمرًا
فسقاني واشتطَّ في إِسقائي!
ورآني أغطُّ في النومِ فانسابَ
خفيفًا كالحيَّةِ الرقطاءِ
ثم حَلَّ الشراعَ، وانتزعَ المرساةَ،
مستلهمًا مهبَّ الهواءِ
لا … فأينَ العبيدُ أم أينَ ماتوكا
الشديدُ الحرصِ القويُّ الدهاءِ
لا … فما زال باتوزيس صريعَ الكأسِ
نَهْبَ الأحلامِ والأهواء
هو في مُخدعي كما باتَ، يَهْذِي
بالسُّكارى، وبالطِّلَا والغناءِ
فليكن مُنْشِدَ السفينةِ أحتالُ
بهِ في مواقفِ الإِغواءِ
كلما أطْبَقَتْ فِخاخي على صيدٍ
غريرٍ من نافراتِ الظباءِ
غاشياتِ الأسواقِ في كُلِّ ميناءٍ،
ومنهنَّ صاحباتُ الخباءِ
كانَ عيدُ البحارِ موسمَ صيدي
في ديارِ بالمُغْرِياتِ مِلاءِ
عُدْتُ منها صِفْرَ اليدينِ بيومٍ
لم أُفِقْ فيهِ من خُمارِ المساءِ
فلتكن وجهتي إِلى الغربِ عَلِّي
ظافرٌ من غنيمتي بلقاءِ!

(ثم يقف أزمردا متطلعًا إلى الأفق البعيد متأملًا صفاء السماء، وهو يقول):

يا عينُ ما أجملَ هذا الصباحْ
يثيرُ في نَفْسي قَويَّ الطِّماحْ
للصيدِ، والكَأسِ، وحُبِّ المَراحْ

(تبدو في هذه اللحظة أربع فتيات جميلات كأنهن قادمات إلى نزهة على الساحل، وهن يتمخطرن صفًّا واحدًا متماسكات الأيدي فيما يشبه الرقص الموسيقي الموقع، فيشيع في نفسه الرجاء ويفرك كفيه مبتهجًا، وهو يقول):

يا عينُ، ما هذي الوجوهُ الصِّباحْ
وَهذِهِ القاماتُ مثلُ الرِّماحْ
طوالعُ الحسنِ، الصبايا، المِلاحْ

(لنفسه)

حبائلي، لا يُخْطِئَنْكِ النَّجاحْ
وهل يُتاحُ الصيدُ لي؟ هل يُتاحْ؟

(الفتيات وقد اقتربن من مكان أزمردا وهن مبتهجات باليوم الجميل ومنظر الميناء، وينظرن إلى أزمردا وهو يحني رأسه قليلًا ويشير بيديه تحية لهن):

أزمردا :
عِمْنَ صباحًا، أيها الحسانُ
الفتيات :
وعِمْ صباحًا، أيها الرُّبَّانُ
أزمردا :
أمبحراتٌ؟ حبَّذا الأوانُ
فالبحرُ صفوٌ كلُّهُ أمانُ
حَتَّى الرياحُ مسَّها الحنانُ
أو عَطَفَتْها للكرَى الشطآنُ
سفينتي، يا حُسنَ، لَوْ تُزَانُ
بكنَّ أو يُسعدها الزَّمانُ

(أزمردا يتوجه إليهن باسمًا بعد أن أتم كلامه، فيبتسمن له ويقفن كأنما يتفرجن على سفينته الراسية بينا يختلسن النظرات منه ومن زيه الغريب الجميل):

حروازا :
أيُّها الربَّان، لَسْنَا مؤذناتٍ برحيلِ
نَحْنُ ما جئنا إِلى الشاطئِ نَسْعَى لسبيلِ
مريتا :
إِنها تسليةُ النفسِ، وإرضاءُ الميولِ
بَينَ نورِ الأُفُقِ الضاحكِ والبحرِ الجميلِ
أزمردا :
حبذا أنتنَّ، في الشاطئِ، تَخطرنَ مليَّا
يا أرقَّ الحورِ، يا أجملَ من رفَّ عليَّا
حبَّذا هذا الحَديثُ العَذْبُ منكنَّ إِليَّا

(إلى حروازا):

خبِّريني أنتِ، يا حسناءُ، يا أُختَ الثريَّا
صَوتكِ الساحرُ يَسْرِي نَغَمًا في أُذُنيَّا
وَبعينيَّ فتونٌ مِنْ سَنَا هذا المُحَيَّا
أتُرَى تَسْكُنَّ هذا الواديَ الخِصْبَ النديَّا؟
حَبذا الدارُ التي تَمْنَحْنها العيشَ الرضيَّا
خَبِّريني، أينَ ألْقَى ذلكَ المَغْنَى الوَضيَّا
لأُحَيِّيهِ إِذا ما جِئْتُ صُبْحًا وَعَشِيَّا
حروازا :
يا أخا الرَقَّةِ والزيِّ العَجيبِ
أنْتَ لا شَكَّ غَريبٌ ها هُنَا
إِنْ تَسَلْ عن مرفإِ النيلِ القريبِ
فاتَّجِهْ غَرْبًا على هذا السَّنَا
مريتا :
أو تَسلْ عن ذلك الوادي الخصيبِ
فهو مَغنى الأُنسِ، أو روضُ المُنى
ويشافا :
نَلْتَقي فيهِ عَلَى شَطِّ حَبيبِ
كُلَّ عامٍ ما دَعَا الشَّوْقُ بِنَا
أسميتا :
ما لَنَا مِنْ مَنْزِلٍ فيهِ رَتيبِ
مِصْرُ مِنْ أطْرافها دارٌ لَنَا!

(ثم يعدن إلى خطراتهن الأولى متماسكات الأيدي فيما يشبه الرقص الموقع، متجهات في طريقهن الأول مبتعدات عن أزمردا.)

أزمردا (هاتفًا بعد تفكير خاطف كأنما كان يدبر في نفسه أمرا) :
هذه اللحظة الجميلة حلم البحر،
حلم السفائن الراقصات
سرت وامرحْن، أو تغنَّين ماشئتُن،
وانعمن بالصبا والحياة
وليكن يومكن، يا فتياتي،
يوم عيد لهذه الكائناتِ
ويشافا (ناظرة خلفها) :
رَجُلٌ مُعْجِبٌ وَأَعْجَبُ منْهُ
زِيَّهُ المُذْهَبُ الجميلُ الشِّياتِ!

(ويظهر ماتوكا في هذه اللحظة مقبلًا من الشاطئ فيرى الفتيات الأربع ولا يصدق ما يراه، وينظر إلى أزمردا فيراه واقفًا في مكانه شاخصًا إلى الفتيات وكأنه مأخوذ وحين يرى ماتوكا إزاءه يقول):

ماتوكا :
آذنَني بوجهكَ الظهورُ
فَغَابَ عَنِّي الأُنْسُ وَالحبورُ
وأنتَ، يا أسودُ، يا مغرورُ

(مشيرًا إلى الفتيات وهن يبتعدن.)

تَظْهَرُ مِنْ حَيْثُ يغيبُ النورُ!
ماتوكا (شاخصًا حيث يشير أزمردا) :
أأبصر حور البحر يمرحْنَ، أم ترى
هو الشاطئ المسحور، أم أنا أحلم؟
أزمردا :
بل الواقعُ المرئيُّ حورٌ فواتنٌ
دعاهنَّ لَهْوٌ أوْ دعاهنَّ مأثمُ
تحايلْتُ أدعوهنَّ حتى حَسِبْتُني
أخا صَبْوَةٍ أو شاعرًا يترنَّمُ
وسدَّدتُ سهمي في الصميمِ فصدَّهُ
خيالٌ خَفِيٌّ، أو جلالٌ مُلَثَّمُ
رأيتُ قُوًى فيهنَّ لم أرَ مثلها
كآلهَةٍ عُلْويةٍ تَتَكَلَّمُ
ماتوكا :
أمِنكَ تعلَّمتُ الجراءةَ والسُّطا
وَألقاكَ أزمردا تَهمُّ فتُحجمُ؟
أزمردا :
رويدكَ، ما توكا، فما تلكَ خطَّتي
وَلا أنا مِمَّنْ يُستثارُ فيهجمُ
وَلي قدرةٌ ليستْ تعفُّ، وجرأةٌ
يخافُ سُطاها القَسْورَ المتأجِّمُ
وَأشتفُّ أهواءَ النفوسِ بنظرةٍ
تذوق الطِّلا في الدَّنِّ، وهو مختَّمُ
وَلكنني أحتالُ بالشِّعر وَالهوى
وَأستلهمُ الحسنَ الخيالَ وَأُلهمُ
ويَا رُبَّ صَيْدٍ نفَّرتهُ ضراوةُ
وَأسلسهُ في القيدِ لفظٌ مُنغَّمُ
ماتوكا :
وَلكنْ قُواهنَّ العجيباتُ!
أزمردا :
لا تُرَعْ
فَلَلمنْطقُ الخلَّابُ أقوى وأعظمُ

(مشيرًا إلى لسانه.)

بقطعةِ هذا اللحمِ يمضغها الفَمُ
أُزلزِلُ أركانَ الجبالِ وَأحْطِمُ
ماتوكا :
وَإِنْ هنَّ حاولنَ الفِرارَ!
أزمردا :
حبائلي
تَسُدُّ على الريحِ الفضاءَ وتدْهَمُ
أتُفْلِتُ من كفِّي قنائصُ أربعٌ؟
لَهُنَّ جميعًا لي متاعٌ ومَغْنَمُ!
ماتوكا :
أثرتَ فضولي بالكلامِ فما تُرَى
وقوفُك ترنو نحوهنَّ وتبسمُ؟
أزمردا :
لأمضيَ في آثارهنَّ وَأتَّقي
خُطاهنَّ حتى يظهرَ المتكتَّمُ
أراهنَّ لا أبدو، وأسمعُ لا أُرَى
كأني خيالٌ ضائعُ الظلِّ مُبْهَم!
ماتوكا :
وما تَتَّقِي؟
أزمردا :
إنَّ النساءَ غرائزٌ
تحسُّ دبيبَ الوهم إِذ يُتَوهَّمُ
ماتوكا :
وما تبتغي؟
أزمردا :
أسرارَهن وَإِنها
مفاتيحُ بابٍ خَلْفَهُ الحظُّ يجثمُ
ماتوكا (وهو يلف طيلساته على كتفه بقوة) :
إليهنَّ أزمردا! إِليهنَّ لا تَقِفْ!
أآلهة الشرِّ انظري كيْفَ أُقدِمُ!

(وينطلق أزمردا في أثر الفتيات.)

المنظر الثاني

بقعة خضراء تشبه الواحة ذات شجر ونبات خلف صخرة بيضاء تحجبها عن البحر، وعن الأنظار، يهبط إليها الفتيات دون أن يشعرن بتعقب أزمردا لهن وقد اختفى وراء الصخرة مطلًّا عليهن من فجوة صغيرة، فيراهن وقد أخذن يخلعن غلائلهن الشفافة ويلقينها على العشب بينما تنشد حروازا:

حروازا :
إلى صخرتنا البيضاء بينَ الماءِ والخُضْرَه
تعاليْ، يا مِريتا، وارقُصي رقصَتَك الحُرَّه
على ترنيمةِ اسْميتَّا، وشدوِ الموجِ للصَّخْرَه
وغنِّي أنتِ ويشافا بصوتٍ سَاحرِ النَّبْرَه
أغانيَّ الرِّياحِ على حوافي الأعْيُنِ الثَّرَّه
وأنتِ، عرائسَ الأمواجِ، قد أفْشى الهوى سرَّهْ
ونادتكِ شِفاهٌ من زُهورِ الأرضِ مفترَّه
فهبِّي من وراءِ البحرِ، أو فانطلقي عَبْرَهْ
وَغَنِّي مَعَنَا لحنَ النَّدى الرَّفافِ بالزَّهْرَه
وَتَلْعَابَ السَّحابِ إِذا أثارَ البرقَ أو غَرَّه

(وفجأة تتردد من فضاء البحر ضحكات مطربات، وتثب عرائس الأمواج شاديات راقصات مرسلات الشعور شبه عاريات، يتحلين بضفائر الورد والأصداف البراقة ويملأن جوانب المكان، بينما يأخذن جميعهن في الرقص التوقيعي، وهن ينشدن):

عرائسَ الموجِ
نحنُ الحبيباتُ
لَنَا على المَرْجِ
للَّهوِ ميقاتُ

•••

إِن يَطْلَعِ الفَجْرُ
تُفَتِّحِ الأصدافْ
وَيَصْدحِ البَحْرُ
في موكبٍ زفزافْ

•••

لَبَّيْكِ قَدْ جئنا
بالجسمِ وَالروحِ
فَسَلْسلي اللَّحْنا
آلهةَ الرِّيحِ

•••

عُشَّاقنا ناموا
عَنْ فجرنا الوهَّاجْ
وَالأفقُ أنغامُ
وَالشطُّ وَالأمواجْ

•••

ما مَتَّعوا النفسا
بِطَلْعَةِ الحورِ
أو مَلئوا الكأسا
من خَمرةِ النورِ

(وينتهين من إنشادهن بانتهاء مريتا من رقصتها فتتقدم ويشافا وتبدأ أغنيتها):

ويشافا :
أنا أُختُ الصَّبا
أن بنتُ الشمالْ
أنا روحُ الصِّبا
أنا حُلْمُ الخَيالْ

•••

طَوَّقَتْ ساعدي
بحر «إِيجا» الجميلْ
وَاحتَوَتْ باليَدِ
شَطَّ مصرَ الظليلْ

•••

أتَشَهَّى الرقَادْ
وَأُحبُّ المرَحْ
مَنْ يَجئْ بالودادْ
جِئْتُهُ بالفَرَحْ

•••

ليس يشكو الملالْ
مَنْ صفا لي هَواهْ
إِنَّ ريحَ الشمَالْ
هيَ ريحُ الحياه
الفتيات (ينشدن) :
ساءَلتُ آلهتي، فكانتْ لي الرياحُ وكنتُها
وَهيَ الحياةُ، كما سألتُ إِلهتي أُعطِيتُها
أحيا بها أبَد الزمانِ، وفي يَدي ملكوتُها
حروازا (تتقدم وهي تغني) :
أنا ريحُ الشَّرقِ أو بِنْتُ الضياءْ
أنا مَنْ تَمْنَحُ أنفاسَ الشروقْ
بِيَدي أفْتَحُ طاقاتِ السماءْ
عن ذَرًى ولأْلاءٍ يرُوقْ
أصحَبُ الشمسَ إلى ضَحْوتِها
وَهي تَسْعَى يَسْبي وَيَدَاها في يَدي
هَيَّأتْ لي الشمسُ في ساحتها
مَنْزِلَ الحُبِّ وَعيشَ الرَّغَدِ
كَمْ تُرى يُشغفني حُبُّ الطَّعامِ
مثل «آبيس» اشتِهاءً وهيامَا
نَهمٌ يُغري بمضغٍ وَالتهامِ
مثل «سيتٍ» حين يشتاقُ الطعاما
أنا بِنْتُ الشرقِ، أو روحُ سَناهْ
أنا ريحُ الشرقِ، أو ريحُ الحياةْ
الفتيات (ينشدن) :
ساءَلتُ آلهتي، فَكانتْ لي الرياحُ وَكنتُها
وَهيَ الحياةُ، كما سألتُ إِلهتي أُعطيتُها
أحيا بها أبَدَ الزمانِ، وَفي يَدي ملكوتُها
مريتا :
أنا ريحُ الغَربِ
بِنْتُ الآبادِ
أنا هَمْسُ القلبِ
أنا رَجْعُ الشادي
أنا رَمْزُ الحُبِّ
في هذا الوادي
أنا التي أعْبُرُ الصحراءَ فوق خُطًى
مِنْ ذِكْرياتٍ وَأحلامٍ وأشواقِ
أنا التي اتَّخذَتْ رُوحي لها وَطَنًا
أجسادَ آلِهةٍ عانينَ عُشَّاقِ
لم أرْنُ يومًا ورائي، غيرَ ناظرةٍ
إلَّا لِضوْءٍ بأُفْقِ الغربِ خَفَّاقِ
يهتاجني موجُهُ والشمسُ سابحةٌ
في مثلِ بحرٍ من النيرانِ ألَّاقِ
مَضى حبيبي ولم أبْرَحْ لعَوْدَتهِ
على الرُّبى بفؤادِ جِدِّ مُشْتاقِ
والليلُ يُرْخي على شعري جدائلَهُ
فوقَ الرِّمالِ، وزادَ البردُ إِرهاقي
وقد سندتُ بكفي جبهتي، وهوتْ
قيثارَتي من يدي من طول إِطْراقي
من قبلِ ما كان في الوادي وضفَّته
مُلْكانِ مُخْتَلِفا عَهْدٍ وميثاقِ
الفتيات (ينشدن) :
ساءَلتُ آلهتي، فَكانتْ لي الرياحُ وَكنتُها
وَهي الحياةُ، كما سألتُ إِلهتي أُعطيتُها
أحيا بها أبَدَ الزمانِ، وَفي يَدي ملكوتُها
أسميتا (تتقدم وتغني) :
أنا بنتُ الجنوب، ريحُ الحياةِ
أنا زِنْجِيَّةٌ تَسوقُ الماءَ
أنا حُبُّ الثَّرَى، وحُلْمُ النَّباتِ
فيهِ أحْيَا وَأبْعَثُ الأحياءَ
أنا سِرُّ الحَيَاةِ وَالكائناتِ
إنَّ ريحَ الجنوبِ ريحُ الحياةِ
الفتيات (ينشدن) :
ساءَلتُ آلهتي، فَكانتْ لي الرياحُ وَكنتُها
وَهي الحياةُ، كما سألتُ إِلهتي أُعطيتُها
أحيا بها أَبَدَ الزمانِ، وَفي يَدي ملكوتُها

(وتسرع الفتيات وهن يتضاحكن في ارتداء غلائلهن وقد سارت عرائس الموج إلى البحر، فيغادر أزمردا مكانه ويدخل عليهن فجأة فتشرئب العيون إليه وهو في زيه الفاتن الرائع فيشيع الصوت بينهن، وهو يقول):

أزمردا :
أيها الفاتناتُ، أيتها الأرواحُ، أنتنَّ يا رياحَ السماءِ
يا جميلاتُ، هل لكنَّ بأن تقبلنَ مني تحيَّتي وولائي؟
ما تُراها أسماؤكنَّ، ومن واهبُ هذي الصفات الأسماءِ
من تراهُ؟ ومن حباكنَّ هذا البأس والملك واسع الأرجاءِ؟
حروازا :
قد وُلدنا من قبل أن يبعث الناس لعيشٍ مقدَّرٍ وهلاكِ
مريتا :
ووجدنا من قبل أن يوجد الأرباب، من قبل دورة الأفلاكِ
ويشافا :
قبلما يغتدي إِلى الصيد قنَّاص ويهوي طيرٌ صريع شباكِ
قبلما تعلقُ الحبالُ بثورٍ أوثقتهُ، فما له من فكاكِ
أسميتا :
قبلما لامس الهوى جسم «ماتريت»، ومسته قبلة المشتاقِ
مريتا :
قبلما ضَمَّها ذراعُ مُحبٍّ، واحتوتها أحضانُه لعناقِ
حروازا :
قبلما أُشبِعَتْ رِغابُ إِلهٍ، أزليٍّ، مصوِّرٍ، خلَّاقِ
منحتني إِلهة الريح سلطاني هذا، فسُدت في الآفاقِ!!
أمردا (إلى حروازا) :
يا رَبَّةَ الحسنِ تَعَالَيْ معي
سفينتي في ذلكَ المَوْضعِ
ألقِي عَلَيْها نَظْرَةً وَارجعي
هلَّا نزلتِ الآن؟ هيَّا معي!
حروازا :
لا … إنَّ لي سفينتي مهيَّأه
تجري إِلى الثَّغْرِ تؤمُّ مرفأه
حيثُ أُعِدَّتْ ليَ فيه مُنشأه
منشورةٌ قلوعُها مُضَوَّأه
مأمونةٌ على المَدى سبيلُها
ألْفُ ذراعٍ لو علمتَ طولُها
أرقَى بها معارجَ السماءِ
للشمسِ في منزلها الوضَّاءِ
أزمردا (قائلًا لنفسه) :
أأقول: قد ضهبت محاولتي سُدَى؟
هيهات إِن وسائلي لن تنفَدا!
أيَّتُها الربَّاتُ، إِنْ تَجْهَلْنَنِي فَمَعْذِرَة
لِقاؤكنَّ قسمةُ الآلهةِ المُقَدَّرَة
عرفتكنَّ بالوجوهِ وَالخُطَى المعَبِّرَة

(مشيرًا لحروازا.)

ألَسْتِ حروازا ابنَةَ المطالعِ المنَوَّرَة؟
حَبيبَةَ المَشْرقِ أوْ أنفَاسَهُ المُعَطَّرَة

(إلى ويشافا.)

ألَسْتِ ويشافا ابنَةَ الشواطئِ المُنَضَّرَة؟
طيفَ الشمالِ، روحَهُ القَوِيَّةَ المؤثِّرة

(إلى مريتا.)

ألَسْتِ أنتِ، يا مريتا، الفتنةَ المصوَّرَة؟
حُلْمَ المَسَاءِ، رَبَّةَ المغارِبِ المعصفرَة

(إلى اسميتا.)

وَأنِت، يا اسميِّتا، ابنَةَ الينابعِ المفجَّرَة
إِلهَةَ الغابَةِ، عذراءَ الجبالِ المقمِرَة
حروازا :
عقولُنا مما رَوَيْتَ، يا فَتَى، مُنبهرَة
مريتا :
لا شَكَّ أنتَ من وَراءِ الكَوْنِ رُوحٌ مُحْضَرَة
أسميتا :
إِنْ لَمْ تَكُنْ مشعوذًا أُوتيَ عِلْمَ السَّحَرَة!
أزمردا (إلى الفتيات) :
يا جميلاتُ، يا فواتنُ، يا أظرف ما مثَّلتْ صفاتُ السماءِ
يا أرَقَّ المسمَّيَاتِ بأحْلَى
ما جَرَى في الشفاهِ مِنْ أسماءِ
فَلْيَزِدكُنَّ مِنْ شبابٍ وحسنٍ
كُلُّ صُبْحٍ مُجَدَّدٍ وَمساءِ
ورعتْ خطوكنَّ آلهةُ الوادي
على الأفق، والثرى، والماء
يا حَرِيَّاتُ بالذي ما تراءى
لعيَانٍ، وَلا جَرَى بسَمَاعِ
ما السفينُ المجنَّحاتُ تَناهَى
طَرَفاها بألفِ ألفِ ذراعِ
كالتي صَفَّقَتْ لكُنَّ مَجَاديفَ
وَحَيَّتْ بقرمزيِّ شراعِ
جَمَعَتْ مِنْ عجائبِ البرِّ والبحْرِ،
وَمِنْ كلِّ لذةٍ وَمتاِع
كُلُّ ما في سفينتي طوعُ أيدِيكنَّ،
من كُلِّ جَوهَرٍ وَثيابِ
مِنْ شفوفٍ وَرْدِيَّةٍ نَسَجتهنَّ
العذارى عرائسُ الأربابِ
مِنْ يواقيتَ، مِنْ يتيمِ لآلٍ
ما رأتْها في الحُلْمِ عَيْنُ كعابِ
مِنْ طيوبٍ بكفِّها قطرَتْها
مَلِكاتُ الجمالِ مِنْ كُلِّ غابِ
ويشافا :
كَم مرحنا بشراعٍ وَسَبحنا بسفينِ
أسميتا :
وَسَمعنا من خَيَالٍ وَعَرَفنا مِنْ يقينِ
مريتا :
أيُّنا تؤثرُ بالجوهَرِ والدرِّ المصونِ؟
حروازا :
أيُّنا تؤثرُ بالطِّيبِ وَبالثوبِ الثمينِ؟
ويشافا :
أيها يصلحُ لي عندكَ يا ربَّ الفتونِ؟
أيُّها الفاتن بالرَّقَّةِ وَاللَّفظِ المبينِ
أزمردا (إلى ويشافا) :
أيها القادمةُ الحسناءُ من خُضْرِ البقاعِ
أنتِ، يا منْ طوَّقت «إِيجةَ» منها بذراعِ
واحتوَتْ أطرافَ مصرٍ بينَ رفَّافِ الشُّعاعِ

•••

أنتِ، يا باعثةَ البهجة في قلبِ الصديقِ
لَكِ عندي كُل فَتَّانٍ من الثَّوبِ أنيقِ

•••

يُبرز الفتنةَ من ساقيكِ والقدِّ الرشيقِ
لَكِ عندي مِزْهَرٌ صُنْعُ أساطيرِ الشمالِ
وَحْيُ موسيقاهُ بوهيميةٌ بِنْتُ خيالِ
وَهو لحنٌ فاضَ من بينَ سحابٍ وَجِبَالِ

•••

شَعْركِ المرسلُ، يا شقراءُ، ما أبلغَ سحرَهْ
إِنْ تَحَلَّى مِنْ أوانيِّ الحبيباتِ بزَهْرَة
وَزَهَتْ في مفرقيهِ من بحارِ الشَّرْقِ دُرَّه

•••

لكِ عندي تحتَ ضوءِ الأُفُقِ الشرقيِّ حجَرهْ
وَوسادٌ عَبْقَرِيٌّ إِن غَفَتْ عيناك فترَه
حشوُهُ ريشُ نعامٍ لم ير الصائدُ وكرَهْ
حروازا :
وَأنا، ماذا تُرَى أعددتَ لي
من طيوبٍ، وشفوفٍ، وحُلِي
أيها الشادي الرقيقُ الغَزَلِ
أزمردا (إلى حروازا) :
يا أسيويَّةُ أنتِ، يا غيداءُ، يا بنتَ الضياءْ
يا من وهبْتِ الشرقَ أنفاسًا مُسَلْسَلَةَ النقاءْ
يا مَنْ تُفَتِّحُ عَنْ عيونِ الماءِ طاقاتِ السماءْ

•••

أنفاسُكِ الذهبيَّةُ النشوى بصهباءِ الشروقْ
لِمَ لا يُناسمهنَّ عِطرٌ في إناءٍ مِنْ عَقيقْ
مَزَجَتْهُ ساحرةٌ بسرِّ الحبِّ في زَمَنٍ سَحيقْ

•••

أحْرَى بلبَّتكِ الجميلةِ، يا جميلةُ، عِقْدُ ماسْ
لصفاءِ روحكِ أو لذاتكِ في أشعتِهِ انعكاسْ
ما في كنوزِ الأرضِ منهُ، وما لجوهره جناسْ

•••

أحرى بإِصبعكِ الرهيفةِ خاتمٌ، بَلْ خاتمانْ
تُومِي بأحكامِ المقاديرِ فيهما ياقوتتانْ
ما خُتِّمَتْ بهما متوَّجَةٌ عَلَى عرشِ الزمانْ

•••

أحرى بقامتكِ الرشيقةِ مُطرفٌ ضافي الذيولْ
رَسمتْ عَلَيْهِ يَدُ الهوى أحلامَ فاتنةٍ قتولْ
شهبٌ وأزهارٌ، وليس لها أُفولٌ أو ذبولْ

•••

فإِذا احتوتكِ سفينتي نِلْتِ الذي أبدعتُهُ
وَطعمتِ من ثَمَرٍ من الكرْمِ الجنيِّ جمعتُهُ
وَشَرِبْتِ من قدَحٍ بخَمْرِ إِلهتي أترعتُهُ
حروازا :
يا أخَوَاتي، هَلْ رأيتُنَّ فَتًى في حُسْنِهِ
ما ضَرَّنا ألَّا نكونَ عندَ حُسنِ ظنِّهِ
مريتا :
أُختاه، ما أحذرُ غيرَ سحرِهِ وفَنِّهِ
حروازا :
لا تحذَري، إِني أرَى الطِّيبَةَ مِلْءَ عينِهِ
يَكادُ قلبُهُ يُضيءُ في بَيَاضِ سِنِّهِ
ويشافا :
أسمعتِ ألطَفَ مِنْ عبارَتِهِ
حروازا :
وَرَأيْتِ أجْمَلَ مِنْ إِشارَتِهِ
وَيَدَاهُ تَعْبَثُ في صدارتهِ؟
مريتا :
أغراكِ، يا حوَّاءُ، سَبْطُ القوامْ
انتَظِرِي حَتَّى يُتمَّ الكلامْ
أزمردا (إلى مريتا) :
أُخْتَ «يا هو»، إِلهةَ الصحراءِ
يا جمالَ الطبيعةِ العذراءِ
أيُّهذي الصبيةُ الحيَّةُ الأشواق، ذات الغلالة السوداءِ
لك عندي قيثارة لحنها الذكرى، وأصداؤها حفيف المساءِ
يسمعُ الطيرُ صوتَها فيلبِّي وتُلبِّي الوحوشُ في البيداءِ

•••

أنتِ، يا من ترفرفين على الوادي بأنفاسك العذاب النديَّه
أنتِ، يا من تراقصينَ على النبع ظلال الأصائل العسجديَّه
حقُّ هذا الشَّهر المكلَّل شفٌّ نسجت وشيَه يد الأبديَّه
خالداتٌ سِماتُ حُسنكِ فيه رائعاتٌ آياته السرمديَّه

•••

حقُّ هذا الحصر النحيل إِزارٌ من نُضارٍ مقدسٍ وجُمانِ
حقُّ تَيْنِ الأذنين قرطان من دُرِّ بحار مسحورة الخلجانِ
حقُّ هذا الفم الرقيق سلافٌ عُصرتْ من حدائق النسيانِ
قبلما قَبَّلتْ خُطاكِ رُبى الوادي وقامت عليه مملكتانِ
الفتيات (ويشافا ومريتا وحروازا) :
إنَّا نَرى الفاتنا
ينسي فتاةَ الجنوبْ!
أمَا يرى أُخْتَنَا
تكاد شوقًا تذوبْ؟
الوقتُ قد فاتَنا
واليومُ وشْك الذهوبْ
أزمردا (إلى أسميتا) :
حيِّيت، يا بنت جبال القمر
يا من تُطلِّين على المنحدرْ
فيضحك البرق ويبكي المطر
ويتغنَّى بالحياةِ الشجرْ

•••

حُيِّيتِ، يا فرعاءْ
يا ربَّةَ السِّحْرِ
يا من تسوقُ الماءْ
من منبعِ النهرِ
يا نشوةَ الملَّاحْ
في الليلة القمراءْ
يا فتنةَ الفلَّاحْ
في الضِّفةِ الخضراءْ

•••

عقيصةُ الشَّعْرِ
حَقٌّ لها حقُّ
ذوبٌ من العطرِ
لَمْ يَحْوِهِ حَقُّ

•••

مزاجُهُ النُّورُ
في شَفَتَيْ زَهْرَه
كم ودَّتِ الحورُ
مِنْ ذوبِهِ قطرَه

•••

عبيرُهُ يُغْرِي
آلهةَ الغابِ
بالرقصِ للجمرِ
والجسَد الصابي

•••

جيدكِ ما أحلاهْ
في لونهِ الفتانْ
يَسْحرُ لو حلَّاهْ
عقدٌ من المرجانْ

•••

حبَّاتُهُ الحُمْرُ
تَذكو بها الأشواقْ
لَمْ يَنْمِها بحرُ
بل مُهَجُ العشاقْ

•••

يا سِحْرَ ما يُبدي
ذراعُكَ الوَهَّاجْ
تُزْهَى به عندي
أسورةٌ من عاجْ
ما في الثرى منهُ
جوهرُهُ الفَردُ
إِفريقيا عنهُ
تسألُ والهندُ
حروازا :
يا أخَواتي، حانَ وقتُ الوداعْ
انْتَصَفَ اليومُ ومالَ الشُّعاعْ

(متلفتة إلى أزمردا.)

إِلى غَدٍ … ألقاكَ، يا صاحبي
في موكبِ الشمسِ وظِلِّ الشِّراعْ
مريتا :
فَلْنَبقَ حروازا إِلى أن نَرَى
حواشيَ الظلِّ تلفُّ الطريقْ
فالقَيظ يُلقي جَمْرَهُ والثَّرَى
مفازةٌ في هَبَواتِ الحريقْ
حروازا :
وَدِدْتُ لكنِّيَ أخشى السُّرَى
وحدي، والمَشْرِقُ ناءٍ سحيقْ!
أزمردا :
كما شِئْتِ فاتنَةَ المشرقِ
ولكنْ عِديني …
حروازا :
غدًا نلتقي!

(وبينما تنسق حروازا ثوبها إيذانًا بالرحيل تنتحي مريتا بويشافا وأسميتا جانبًا، وهي تقول):

مريتا :
يواعِدُها وحْدَها!
أسميتا :
وهيَ لا تُفكِّرُ في ذلكَ المزلقِ
ويشافا :
لعلَّ بها صبوةً
أسميتا :
صبوةٌ؟
مريتا :
وما هيَ والآدميُّ الشَّقِي
ويشافا :
ولِمْ لا، وفي وجهِهِ مَسْحَةٌ
من الجاذبيَّةِ والرَّونقِ؟!
أسميتا :
وَفي صَوتِهِ رَنَّةٌ حلوةٌ
من الحبِّ ساحرةُ المنطقِ
مريتا :
أتلقاه لا تَتَّقِي غَيَّهُ؟
أسميتا :
وكيفَ؟ أآلهةٌ تَتَّقِي!؟
مريتا :
عِصمةٌ نحنُ في السماءِ وَفي الأرضِ كالبَشَرْ
يتساوى ابنُ آدمٍ — وإِلهٌ — إِذا شَعَرْ
إِنْ أحبَّا فلا خلافَ وَلا فَرْقَ في الأثرْ
ويشافا :
يا مريتا، تَقَدَّمِي وخُذي موقفَ الحذرْ
أسميتا :
فَلْنَحُلْ دونَ شَرِّهِ أُخْتُنا منه في خَطرْ!

(ولا تكاد تتم هذه العبارة حتى تهم حروازا بالانصراف وقد وضعت يدها في يد أزمردا، وهي تقول):

أيها السيِّدُ الرقيقُ، وداعًا … إِلى اللقاءْ!
ويشافا :
أمْهِلي …
مريتا :
بل تريَّثِي نحنُ في موقفٍ سواءْ
ما علينا وَلم تَحُلْ بعد إِشراقةُ السماءْ
إِن مَضَيْنا إِلى السفينةِ في موكبِ الضياءْ
وَرَأينا كنوزَها وظفِرنا بما نشاءْ!
أزمردا :
حبَّذا هذه السماحةُ منكنَّ والرضاءْ
حبَّذا في سفينتي ذلكَ الودُّ والصفاءْ!
حروازا (وقد سحبت يدها من أزمردا) :
أو تذهبنَ؟
مريتا (بعد تردد) :
لحظةً قبل أن يُقْبِلَ المساء!
حروازا :
أو تذهبنَ وحدكنَّ؟
مريتا :
وما عنكِ من غَناءْ!
حروازا :
أتصدِّقْنَ قَوْلَهُ؟
مريتا :
أتَشُكِّينَ؟
حروازا :
لا مِراءْ
أزمردا (مندفعًا في خبث) :
أسفًا رَبَّتي فما قلت زورًا ولا ادِّعاءْ
حروازا :
هاتِ برهانكَ المبينَ ومِنَّا لكَ الوفاءْ!

(يخرج أزمردا من صدارته ياقوتة كبيرة ذات بريق أخاذ ويقدمها إلى حروازا بين نظرات الإعجاب.)

أزمردا (بصوت مؤثر) :
إِليكِ، إِليكِ، يا حسناءُ، سِحْرَ العينِ واللُّبِّ
ورمزَ المجدِ، والسلطانِ، والفتنةِ، والعُجْبِ
خُذي ياقوتةً حمراءَ تحوي صورةَ القلبِ
هديةُ رَبَّةِ الرَّبَّاتِ من عاشقِها الصبِّ!
حروازا (وهي تتأملها مشدوهة) :
كلونِ الدمِ
مريتا (وهي تحدق فيها) :
والغيرةِ
أسميتا (وهي تلمسها) :
والشهوةِ
ويشافا (وهي تتنهد) :
والحُبِّ!
أزمردا (في حماسة) :
خُذِيها وافْتِني الأربابَ، يا معبودتي، واسْبِي
ألَا ولْتَمْلِكي العالَم من شرقٍ إِلى غَرْبِ
مريتا :
وكيف أراكَ لم تُحْرِزْ بها العالمَ إِحرازَا؟
أزمردا :
هو السرُّ الذي أُلهِمتُهُ وحيًا وإعجازَا
فهذا جوهرٌ ضَنَّتْ بهِ الرَّبَّاتُ إِعزازَا
ولم يُخْلَقْ لغير إِلهةٍ تُسْمَى «بحروازَا»
مريتا :
أعندك غيرُهُ؟
أزمردا :
عندي وطوبى للذي فازَا
ويشافا :
يواقيتٌ؟
أسميتا :
وبالأسماءِ؟
أزمردا (وهو يشير بيديه إشارات رائعة) :
إِسهابًا وإِيجازًا!
ألهمتني السماءُ أين أراكنَّ فطوَّفتُ في البحارِ القصيَّه
ولببلوسَ باسم إِيزيس أبحرتُ بروحٍ من القضاءِ خفيَّه
ونقلت الكنين من كنز أوزريس والتاج والعصا العسجديَّه
ويواقيتَهُ ولؤلؤَهُ المنظوم حتَّى القيثارةَ السحريَّة
ثم قادتْ سفينتي حيثُ أنتنَّ وقادتْ أقدامكنَّ إليَّهْ
وبأسمائكنَّ آلهةَ الريحِ سرى صوتُها على شفتيَّهْ
إِنَّ ألفًا من الهدايا لحروازا وكلٌّ خُصَّتْ بألفِ هديَّهْ

(وهو يمد يديه لهن.)

يا مريتا، ويا ويشافا، ويا اسميتا، ألا ضَعنَ أيديا في يديَّهْ
سرن بي الآنَ للسفينة، للكنز، وخذن الودائع القدسيَّةْ!!

(وتقبل الفتيات الأربع على أزمردا ويسرن به كالمسحورات متجهات إلى السفينة.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤