الْمَلَّاحُ التَّائِهُ

أيها الملَّاحُ قمْ واطوِ الشراعا
لِمَ نطوي لُجَّةَ الليل سراعَا
جَدِّفِ الآن بنا في هينةٍ
وجهة الشاطئ سيرًا واتباعَا
فغدًا يا صاحبي تأخذنا
موجةُ الأيام قذفًا واندفاعَا
عبثًا تقفوا خُطى الماضي الذي
خِلْتَ أنَّ البحرَ واراهُ ابتلاعَا
لم يكنْ غيرَ أويقاتِ هوًى
وقفتْ عن دورةِ الدهر انقطاعَا
فَتَمَهَّلْ، تسعد الرُّوحُ بما
وهِمَتْ، أو تطربِ النفسُ سماعا
وَدَعِ الليلةَ تمضي، إنها
لم تكنْ أولَ ما ولَّى وضاعا
سوف يبدو الفجرُ في آثارها
ثم يمضي، ودواليكَ تباعا
هذه الأرضُ انتشتْ مما بها
فغفتْ تحلُم بالخلدِ خداعا
قد طواها الليلُ حتى أوشكتْ
من عميقِ الصمتِ فيه أن تُراعا
إنَّهُ الصمتُ الذي في طيِّه
أسفرَ المجهولُ، والمستورُ ذاعا
سَمِعَتْ فيه هُتافَ المنتهَى
من وراءِ الغيب يُقريها الوداعا
أيها الأحياءُ، غنوا واطربوا
وانهبوا من غفلات الدهرِ ساعا

•••

آهِ، ما أروعَها من ليلةٍ
فاضَ في أرجائها السحرُ، وشاعَا
نَفَخَ الحبُّ بها من روحِه
ورَمَى عن سِرِّها الخافي القناعَا
وجلا من صُوَرِ الحسنِ لنا
عبقريًّا لَبِقَ الفنِّ صنَاعا
نفحاتٌ رَقَص البحرُ لها
وهفَا النجمُ خُفوقًا والتماعَا
وسَرَى من جانبِ الأرض صدًى
حَرَّكَ العُشْبَ حنانًا واليراعا
بَعَثَ الأحلامَ من هجعتِها
كسرايا الطير نُفِّرْنَ ارتياعا
قُمْنَ بالشاطئِ من وادي الهوى
بنشيد الحبِّ يهتفنَ ابتداعا

•••

أيها الهاجرُ عزَّ الملتقى
وأذبتَ القلبَ صدًّا وامتناعا
أدركِ التائهَ في بحر الهوى
قبل أن يقتلَهُ الموجُ صراعا
وارعَ في الدنيا طريدًا شاردًا
عنه ضاقتْ رقعةُ الأرض اتساعا
ضلَّ في الليل سَراهُ، ومَضَى
لا يَرى في أفقٍ منه شعاعا
يجتوي اللافحَ من حرقته
وعذابٍ يشعلُ الرُّوحَ التياعا
والأسى الخالدَ من ماضٍ عفا
والهوى الثائرَ في قلبٍ تداعَى
فاجعلِ البحرَ أمانًا حوله
واملأ السهلَ سلامًا واليفاعَا
وامسحِ الآنَ على آلامه
بيدِ الرفقِ التي تمحو الدماعا
وَقُدِ الفلكَ إلى بَرِّ الرِّضَا
وانشُر الحبَّ على الفلك شراعا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤