النَّهْرُ الظَّامِئُ

الموكب التاريخي السائر برُفَات الزعيم الخالد سعد زغلول إلى ضريحه الجديد.

طالَ انتظارُكِ بين اليأسِ والأملِ
يا كعبةَ المجدِ، حَيِّي موكبَ البطلِ
هذا المآبُ المُرجَّى شُقَّةً قَصُرَتْ
وغُربةٌ عن ثَراكِ الطُّهْرِ لم تَطُلِ
يا لهفةَ القومِ، هلْ ضَجُّوا لرؤيتهِ
وجدَّدوا العهدَ من أيامهِ الأُوَلِ؟
تَدَفَّقَ النهرُ من أقصى منابعِهِ
لهفانَ يسبقُ لمعَ البارِقِ العَجِلِ
يثور تَيَّارُهُ العاتي فيسألُهُ:
أيُّ الأساطيرِ من ماضيَّ، خُيِّلَ لي؟
وأيَّ مضطَربٍ في ضِفتيَّ مَشَتْ
فيه الملايينُ من ساعٍ ومحتفِلِ
أعودةُ الثائرِ المنفيِّ من سفرٍ
لا يبلغُ الوَهْمُ منه مفرقَ السُّبُلِ؟
بل الشهيدُ المُسجَّى في لفائفِهِ
ضَنُّوا عليه بقبرِ الهانئِ الجذِلِ!
ما أشبَهَ اليومَ بالأمسِ الذي نَسَلوا
فيهِ على صَعَقاتِ الحادثِ الجلَلِ
هذا الرفاتُ تراثُ المجدِ في وطنٍ
لواؤُه عن ركاز المجدِ لم يَمِلِ
أغلى الذخائرِ من ميراثِ نهضتِهِ
رفاتُ مستشهدٍ في الحقِّ مقتَتِلِ
مشى إليكِ به التاريخُ فاستلمي
معاقدَ الغارِ من فوديهِ، واقتبِلي
حان اللقاءُ فما أعددتِ من كَلِمٍ
وما ادَّخرتِ من الأشواقِ والقُبَلِ؟
فاستشرفي النصرَ واستدني مطالعَهُ
هذا بشيرُ الهدى والحبِّ والأملِ

•••

عواهلُ النيلِ أم أشباحُهم عبروا
من ضِفَّةِ النهر ملءَ السَّهْل والجبلِ
مَرُّوا خِفافًا على الوادي كأنهمُ
مواكبُ السُّحُبِ البيضاءِ في الطَّفَلِ
وفي أساريرهم ذكرى، وأعينِهم
أسرارُ ماضٍ على الأحقابِ منسَدِلِ
يستغفرون ليومٍ مَرَّ، ما لهمُ
يَدٌ به، جَلَّ فرعونٌ عن الغِيَلِ
ما كان من يَسلُبُ الموتى مضاجعَهم
رَبُّ الصوالجِ والتيجانِ والدولِ
حيَّوا بأرواحهم سعدًا ولو ملكوا
نبضَ الوتينِ مشوا في المشهد الحَفلِ

•••

يا صاحبَ الخُلدِ كم للروحِ معجزةٌ
وكم تَمَثَّلَ روحُ الخلدِ في رَجُلِ
لم ينتهِ الوحيُ والسحرُ الحلالُ، ولمْ
تَخْلُ الحياةُ من الرُّوادِ والرُّسُلِ
ومن دمِ الشهداءِ الباعثين بهِ
جيلًا من الحقِّ أو دنيا من الأملِ
ولم يَزَلْ لكَ صوتٌ كلما شرعوا
لَهَاذِمَ البغيِ ثَنَّاها على خجلِ
وطاف بالمدفعِ الداوي فأخرسَهُ
والنارُ في صدره تصطكُّ من وَجَلِ
لواؤُك الضخمُ ما زالتْ مواكبُهُ
تَتْرَى، وراياتُهُ حمراءَ كالشُّعَلِ
يمشي على قَدَمٍ جَبَّارةٍ هزأتْ
بالصخرِ والموجِ، والنيرانِ، والأسَلِ
هذا طريقُكَ للبيتِ الذي ألِفَتْ
خُطاكَ بالأمسِ، فاسلُكْهُ على مَهلِ
انظرْ إليه، فما حالتْ معالمُهُ
ما للزمانِ بما خَلَّدْتَ من قِبَلِ!!
أسالَه اليومُ جرحًا لو مضتْ حِقَبٌ
لظلَّ في جنبِ مِصرٍ غَيْرَ مُندملِ
فَلْيُلْقِ أروعَ ما أبدَعتَ من خُطَبٍ
جلالُكَ الأبديُّ، المفردُ المَثلِ

•••

وعشْ، كما أنتَ معنًى في ضمائِرِنا
لا ينتهي وحيُهُ يومًا إلى أجلِ
وصورةً سمحةَ الإشراقِ ملهمِةً
أرقَّ من خَطراتِ الشاعرِ الغَزِلِ
ذكراكَ في الدهرِ أعمارٌ مخلدةٌ
حياةُ محتشدِ الأمجادِ متَّصلِ
يطالعُ الناسَ منها، أينما اتَّجهوا
شعاعُ كوكبِكَ الوقَّادِ في الأزَلِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤