سَارِيَةُ الْفَجْرِ

عَبَرَتْ بي في صباحٍ باكرِ
فتنةَ العين وشُغْلَ الخاطرِ
شعرُها الأشقرُ فيه وردةٌ
لونُها من شهوات الشاعرِ
ورشيقاتُ الخُطَى في وقعها
مُنْبِئاتي بشبابٍ ساحرِ
وبعينيها رُؤًى حائرةٌ
بين أسرارِ مساءٍ غابرِ
صَوَّرَتْ من حاضر العيش، ومن
أمسِها، قِصَّةَ حُبٍّ عاثرِ

•••

قلتُ، والفجرُ سَنَا ياقوتةٍ
لألأتْ خَلْفَ السحاب الماطرِ:
هذه الساعةَ تسعى امرأةٌ
حين لم يخفقْ جناحُ الطائرِ!
مَنْ تُراها؟ وإلى أين؟ ومِنْ
أيِّ خدرٍ طلعتْ أو سامرِ؟
تقطع الإفريزَ من ناحيتي
كأسيرٍ هاربٍ من آسرِ
تَتَّقِي الأعينَ أن تبصرها
وهي لا تأْلو التفاتَ الحائرِ
لا تبالي بَلَلَ الثوبِ، ولا
لفحةَ البردِ الشفيفِ الثائرِ
أو تبالي قدماها خاضتا
مسربَ الماءِ الدفوق الهامرِ

•••

أنتِ، يا ساريةَ الفجر، اسمعي
دعوةَ الروح البريءِ الطاهرِ
مرَّ بي مثلُكِ لم يُشْعِرْنني
غيرَ إشفاقِ الحَفِيِّ الناصرِ
وأنا الشاعرُ، قلبي رحمةٌ
لفريساتِ القضاءِ الجائرِ
إنْ نأتْ دارُك، يا أختُ، فما
بَعُدَتْ دارُ الغريبِ العابرِ
شاطريني ذلك المأْوى، فما
أتقاضاك وفاءَ الشاكرِ
غرفةٌ، آلهةُ الفنِّ بها
تتَلقَّاكِ لقاءَ الظافرِ
وتُغنِّيكِ نشيدًا مِثْلَهُ
ما تَغَنَّتْ لحبيبٍ زائرِ

•••

هاتِ كفَّيكِ ولا تضطربي!
لا تخالَيْ ريبةً في ناظري!
سوف يئويكِ جدارٌ ساخرٌ
من أباطيلِ الزمان الساخرِ
سوف يحويكِ فِراشٌ صامت
لكِ فيه همساتُ الذَّاكرِ
سوف يطويك سكونٌ لم يَشُبْ
صَفْوَهُ لغْوُ مُحبٍّ غادِرِ
وأناديكِ، وأستدني يدًا
لمستْ روحي، وهزَّتْ خاطرِي
وأحيِّيكِ، وأستْحيِي فمًا
حَقُّهُ قُبْلَةُ رَبٍّ غافِرِ!!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤