خَمْرَةُ الشَّاعِرِ

ربَّتي، رَبَّةُ أشعا
ري، وحُبِّي، وغنائي
هي حوريَّةُ غابٍ
لم تَبِنْ للشعراءِ
وعروسٌ من بنات الـ
ـجنِّ لم تَبْدُ لرائي
مثلَها لم يَرَ صَيَّا
دٌ على صفحةِ ماءِ
فِتنةُ الشاعر في وحـ
ـدتِهِ كلَّ مساءِ
غَنَّتِ الأحلامُ في غر
فتِهِ لحنَ اللِّقاءِ
وسَرَتْ تَرْقُصُ حَوْلَيـ
ـهِ على خَفْق الهواءِ
ورفيفِ السُّحبِ والأنـ
ـجم والشهبِ الوضاءِ
ولغيري لم تكنْ تخـ
ـطرُ في هذا الرواءِ
لا، ولم تروِ كهذا الـ
ـلحنِ في هذا الصَّفاءِ
وليالي الصيفِ منها
كأَماسيِّ الشتاءِ
بِتُّ أسقيها وتسقيـ
ـني على محض الوفاءِ
خَمرةً ما قَبَّلَتْ غيـ
ـر شفاهِ الأنبياءِ
خمرةً في الغيبِ كانتْ
قطراتٍ من ضياءِ
خُتِمَتْ بالشفَق الور
ديِّ في أصفى إناءِ
جُبِلَتْ فَخَّارَتاهُ
من صفاءٍ ونقاءِ

•••

حدَّثوا عنها، وما أحـ
ـلى حديثَ الندماءِ
قال منهم واحدٌ في
غير زهوٍ وادِّعاءِ:
هذه الخمرةُ كانتْ
لملوكٍ أتقياءِ
عصروها من جَنَى الرَّ
بَّاتِ في فجر شتاءِ

•••

ثم آلتْ لغلامٍ
رائعٍ جمِّ الذكاءِ
شَرِهِ النظرة، عربيـ
ـدٍ، شديدِ الغُلَواءِ
عشقَ البحرَ وعافَ الـ
ـقصرَ مرفوعَ البناءِ
ومضى يضربُ في الكو
ن على غير اهتداءِ
عاش كالقرصانِ يطوي
كلَّ بحرٍ وفضاءِ
بشراعٍ صُنْعُهُ إحـ
ـدى أعاجيبِ الخفاءِ
غَزِلًا يملك بالشعـ
ـر مقاليدَ النساءِ
كلما هام بأُنثى
أو صَبَا بعد اشتهاءِ
وشكا الكأْسُ إليهِ
طولَ هجرٍ وجفاءِ
هَمَّ أنْ يشربَ فارتدَّ،
فأغْضَى في حياءِ
ضَنَّ بالقطرة منها،
وكذا شرعُ الولاءِ
ومضى جيلٌ وجيلٌ،
وهو مشبوبُ الدماءِ
ضاربًا في العاصفِ الثا
ئرِ والرِّيح الرُّخاءِ
وأتاهُ القَدَرُ السا
خرُ أو حكمُ القضاءِ
فدعا الرَّباتِ واستصـ
ـرخَ، من فرطِ عياءِ
فأتَتْهُ ربَّة الشعـ
ـر على رغم التنائِي
قال إنْ متُّ فما أجـ
ـدرُ مثلي بالرثاءِ
ورثاءٌ منك يُحييـ
ـني علي رغم الفناءِ
وحباها سِرَّهُ الخا
لدَ أو سِرَّ البقاءِ
هامسًا، والنُّورُ في نا
ظره وَشْكَ انطفاءِ:
لكِ ما استُودِعْتُ أو ما
صُنْتُ في هذا الإناءِ
لا تذودي عنه معشو
قَك، يا بِنْتَ السماءِ
إنه مَلَّاحُ بحرٍ
ما لهُ من نُظَرَاءِ
فيهِ أحيا، وبه أنـ
ـشرُ في البحر لوائِي

•••

هذه خَمرة أشعا
ري، وحُبِّي، وغنائي
في قصيدٍ مُحْدَثٍ، أو
في حديثِ القدماءِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤