الفصل الثاني

(مشهد المعسكر الرئيسي للجيش المصري في (قرع) بالحبشة ومنظر خيمة القائد العام التي تشغل جزءًا كبيرًا من المسرح، بحيث يظهر جميع ما بداخلها، ويراعى نقش خيام الجند ومنظر جبلي واستحكامات على ستارة المسرح الخلفية، كما تفرش أرض المسرح خارج خيمة القائد العام بالرمل والحصى وتبث فيها الأعشاب.)

نشيد الضباط (حيث توجد طائفة منهم بجوار خيمة القائد العام) :
نحنُ يا (مصرُ) فداءٌ
ولنا فَخْرُ الفداءْ
(نيلُكِ) الوهَّاجُ تبرٌ
ليس صلصالًا وماءْ
شهدُهُ أهلٌ لتَقـ
ـديسٍ وبذلِ الشُّهَداءْ
وثراك العسجديُّ
كنْزُ معتزِّ الثَّرَاءْ
جنَّةٌ قد باركتْها
نفحاتُ الأنبياءْ
أنتِ دنيانا وأخرى
لبنيك الأوفياءْ
كلُّنا يفديكِ حبًّا
إنَّ ذكراك البقاءْ
قائد الجيش (راتب باشا) (يقبل وخلفه حارسه الخاص فيحييه الضباط) :
يا رجالي! يا رجالي!
نحنُ في حربِ الإباءْ
ما أتينا قصدَ عَسْفٍ
رغمَ إهراقِ الدماءْ
بل لنَحْمى حقَّ (مصر)
من جُحودٍ واعتداءْ
كل جبَّارٍ نُعادِي
غيرَ جَبَّارِ السماءْ
برهنوا بُرْهانَ صِدْقٍ
أنكم رمزُ الولاءْ
واهتفوا بعدي كرامًا:
(مِصْرُ) عيشي في عَلَاءْ!
الضباط (يهتفون) :
(مِصرُ) عيشي في عَلَاءْ
الضابط الرئيسي (أمين بك) :
مولايَ أمرُكَ فَرْضٌ
وطاعَةٌ لا تُرَدُّ
ما جيشُ (مصرَ) بَعدٍّ
لكنْ يقينٌ وقَصْدُ
إذا اندفعنا فحاشا
أن يصدم الجيشَ حَدُّ١
على السَّلامِ جُبلْنا
وللسَّلامِ نَوَدُّ
حتى إذا ما أُهِنَّا
لم يبقَ للحربِ رَدُّ!
القائد المصري (مخاطبًا أمين بك) :
أحسنتَ إحْسانَ شَهْمٍ
مُسْتكْرمٍ يا (أمينُ)
بمثل نفِسكَ إني
على الوَغَى لضنينُ
لكنَّ قلبكَ حُرٌّ
وبالأذى يستهينُ
والباسلُ الشَّهْمُ حقًّا
يُعينُ لا يَستعينُ

(ثم مخاطبًا بقية الضباط):

وأنتمْ أيُّها الأبطالُ أنتمْ
رَجَاءُ الجيشِ في اليوم العصيبِ
فشكرًا للذي قد لاح منكم
فنابَ عن الخطابةِ والخطيبِ

(ثم ينصرف الضباط الأخيرون بعد أداء التحية العسكرية، ويدخل القائد العام خيمته ويشير إلى أمين بك بأن يتبعه، وحينئذ تسمع أصوات أقدام وبوق التحية العسكرية، ويدخل حاكم الحماسين الحبشي مع بعض حرسه.)

الحاكم الحبشي (الأمير ولد نيكائيل) (يتبادل والقائد المصري وأمين بك التحية، فيدعوه القائد مرحبًا بإشارته إلى الجلوس فيجلس بحضور أمين بك) :
لقد عَرَضْتُ وَلَائي
عَرْضَ الصديق الوفيِّ
واليوم عُدْتُ لأهدي
رَمزَ الإِخاءِ النقيِّ
مِنْ فتنةِ التركِ تُوحيِ
كلتاهما لنبيِّ
فاسمحْ بَعرْضِي فحظِّي
حَظُّ الفَتَى الجوهريِّ
figure
القائد المصري :
شكرًا ولكنَّ هذا
أوانُ حرْبٍ وضَرْبِ
فهل يليقُ الطَّرَبْ؟
الحاكم الحبشي :
أجلْ ولَا بأسَ عندي
من حفظ هذي الوديعَهْ
حتى يحينَ الجلاءْ
القائد المصري :
أجزْ لهما الدُّخولَ إذَنْ ودَعنيِ
أكَرِّرْ شُكرَ مغتبطٍ صديقِ
الحاكم الحبشي (مناديًا من جانب الخيمة) :
هلُمَّا يا فتاتيَّ هَلُمَّا …!

(ثم يأخذ مقعده ثانيًا وتدخل الجاريتان الشركسيتان ويصحبهما أحد الحراس الأحباش حتى باب الخيمة، ثم يرجع بعد أداء السلام العسكري فتبدي الجاريتان تحايا الخضوع، فيهيب بهما الحاكم وهما مطرقتان منحنيتان قليلًا.)

ارْقُصا رقصةَ الحياة وُبثَّا
مِنْ معاني السَّلام فيها كثيرَا
أودِعاها أغاني البِشْرِ إبْدا
عًا يَردُّ الشجيَّ سَمْحًا قريرَا
واْنشُرا أجملَ الضياءِ إلى النفـ
ـسِ لكي تُبْهِجا الزَّعيم الكبيرَا

(فتأخذان في الرقص على نغم الأركسترا نحو خمس دقائق.)

القائد المصري :
أحسنتُما …
الحاكم الحبشي :
أحسنتُما
القائد المصري :
أحسنتُما فانصرِفا

(تؤديان التحية وتخرجان، ثم يدخل أحد الحراس، فيقدم القهوة وينتظر حتى يشرباها ويتبادلا التهنئة المعتادة ثم يغادر الحارس الخيمة.)

القائد المصري :
لقد أمَرْنا بأن تُذْ
بَحَ للجنودِ الذبائحْ
تحيَّةً يا صديقي
لكم وتكريمَ مادحْ
فإنكم قد بررتمْ
بعهدكم بِرَّ صالحْ
بصدقكم سوف يغدو
هذا المُعادِي المُصالحْ
الحاكم الحبشي :
يا سيدي الشهمُ حَسْبِي
تكرارُ ما قلتُ أمسِ
لمَّا رأيتُ الأميرْ٢
قد جئتُ حُيًّا بَسْلم
قد جئتُ طوعًا لنفسي
ومِنْ دواعي الضميرْ
ومذهبي أن نعيشَا
على الإخاءِ الأمسِّ
على الولاءِ النضيرْ
فنحنُ مهما افترقنا
أهلٌ وأبناءُ جنسِ
صغيرُنا والكبيرْ
و (النِّيلُ) أصلًا وحالًا
أبٌ جديرٌ بَغْرسِ
لكلِّ شعبٍ جديرْ
وروضة (النِّيلِ) هذي
عنوانُ دينٍ أمَسِّ
إلى الرجاءِ الأخيرْ!
القائد المصري :
أسأْلُ الله أن يُعيدَ السَّلامَا
ويبثَّ الإخاءَ فينا دوامَا
رُبَّ حربٍ تردُّ للسَّلم روحًا
بعد سَلْمٍ أضاع منا السَّلامَا
الحاكم الحبشي :
والآن أذهبُ إن سَمَحـ
ـتَ لكي أرى المولى الأميرْ
وأبثَّه الإخلاصَ مِنْ
قلبي وتأميلي الكبيرْ
القائد المصري :
لا شكَّ مولايَ الأميـ
ـرُ يُسَرُّ من هذا اللقاءْ

(ثم يهم الحاكم الحبشي بالذهاب فيشيعه القائد والضابط أمين بك، ثم يتبعه حراسه ويحييه بوق الحرس المصري من الخارج. ثم يعود القائد إلى مجلسه مع الضابط أمين بك آذنًا له بالجلوس ويحضر بعض الضباط وبينهم الضابط حسن بك، فيتبادلون التحية ويسمح لهم بالجلوس أيضًا.)

القائد المصري :
سَمْعًا (أمينُ) تشجَّعْ
عليكَ عِبءٌ خطيرْ
فكِّر ودبِّرْ لتسعى
سعيَ الشجاع الخبيرْ
مستكشفًا فإذا ما
علمتَ علمَ البَصيرْ
ألفيتَنا أيَّ جيشٍ
يُصْلي العدوِّ السعيرْ
فإنْ تَمادَى وعادَى
مثلَ السَّفيهِ الغريرْ
دَوَتْ مدافعُ (مصر)
بصوتِ بأسٍ نذيرْ
فمزَّقَتْه فأوْدى
به القَضاءُ الأخيرْ
وإنْ فشلتَ فخطبٌ
لنا، وبئسَ المصيرْ
هذي مجاهلُ موتٍ
تُخفي البلاءَ الكثيرْ
والجيشُ دون عُيونٍ
يَضِلُّ مثل الضَّريرْ
حسن بك (أحد الضباط وصديق أمين بك) :
مولايَ يكفي اصطحابي
له، كِلانا شُجاعُ
مُرْ في وُثوقٍ بأنَّا
نقضي الذي يُستطاعُ
بل فوق ما يستطاعُ
فما تراه المُطاعُ!
القائد المصري :
هذا شُعورٌ جليلٌ
لكنَّ أحكمَ حَلِّ
أن تذهبا في جَمَاعهْ!
إنْ الوفاءَ جميلٌ
وما الوَفَاءُ لِخلِّ
سَعْيٌ يجر ضَياعَهْ!

(ثم يخاطب القائد أمين بك سرًّا.)

حسن بك (محدثًا نفسه على جانب) :
هذه فرصتي ليُقْضى عليه
ثم أسعى لعودتي لبلادي
فأنالَ النعيمَ من قربِ (إحسا
ن) قرينًا لها ويحظى فؤادي
القائد المصري (عائدًا إلى حديثه العلني مع حسن بك وأمين بك والضباط جميعًا) :
تأهَّبوا واستعدُّوا
أنتم دليلُ رجائي
أنتم أشعَّةُ فكري
وهمَّتي ومضائي
أمين بك :
إنِّي المقَدِّر جُهدي
فَرْضي وحقَّ بلادي
كذاك صَحْبي جميعًا
مُرَادهم كمُرَادي
وسوف نبذُلُ أقصى
مجهودِنا بَذلَ هادِ
فإنْ كشفنا الأعادي
فالويلُ عقبى الأعادي
وإن قُتلنا فذكرَى
نُذكي أحرَّ الجهادِ
وإنْ أسِرنا (فمصر)
بخفق كلِّ فؤادِ

(يفاجئون بصوت إطلاق القنابل من الاستحكامات المصرية، ويدخل أحد الضباط مسرعًا معلنًا: «مولاي قد هجم العدو!» فيهمون بالخروج سريعًا وتنزل الستار العامة فورًا.)

هوامش

(١) حد: نهاية: Border.
(٢) الأمير حسن باشا نجل الخديو إسماعيل باشا، وكان القائد الأسمى للجيش المحارب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤