تمهيد

بقلم المسيو جومار 

جاء ذكر البعثة التي أنفذها والي مصر إلى البحر الأبيض أو النيل الأبيض في المجموعة الدورية للجمعية الجغرافية (كراسة شهر يوليو سنة ١٨٤٠) وكنت منذ زمن طويل أترقب وصول نص الرحلة الرسمية لها لأذيعها على قراء هذه المجموعة، وإني لموقنٌ بأنني أحسنت عملًا بنشر ما بعث به إليَّ حضرة أرتين بك المترجم والكاتم الأول لأسرار سمو الوالي من ترجمة تلك الرحلة التي يؤخذ منها أن البعثة أُلِّفت من ٤٠٠ رجل تحت قيادة ضابط مصري بقصد الاستكشاف والاستطلاع، وأنها كانت الأولى من نوعها. أما جريدة الملحوظات التي تلي كتاب الرحلة، فموضوعة في قالب الجرائد التي يحررها الأوروبيون يوميًّا من هذا القبيل.

وبالجملة فرحلة البكباشي سليم قبودان باكورة ثمار الحضارة التي انبعث في مصر ضوءها منذ خمس وعشرين سنة؛ لهذا كانت جديرة فيما يتعلق بالبلاد التي هي موضوعها والأشخاص الذين قاموا بها بالاهتمام والعناية، وإن لم تتم نتائجها ولم تنضج ثمارها.١ وهي تُذكر القارئ بالرحلة التي قام بها باشا طرابلس في بلاد بورنو سنة ١٨٢٤، والتي انتظم في سلكها بعض مشاهير الرحالين مثل دنهام وأودني وكلابرتن. وتختلف عنها من جهة أن القصد الذي كان رئيسها يرمي إليه سياسي بحت، وأن رهنامجه كان يخالف بالمرة الرهنامج الذي أخذ القبودان المصري نفسه برعايته وعدم الحيد عنه. على أن مسألة ينابيع النيل ما برحت حتى الآن موضوع تطلُّع الشعوب كلها، وربما بقيت كذلك طويلًا في مستقبل الزمان.

هذا، وقد لبثت رحلة القبودان سليم مذ غادر الخرطوم ١٣٥ يومًا، وتحتوي روايتها بيانات جمة عن مجرى البحر الأبيض وروافده والسكان النازلين بضفتيه والحاصلات الطبيعية المشهودة فيهما. وهي صالحة — ولا بد أن تبقى كذلك — لأن تكون قاعدة للاستكشافات الآتية؛ لذا نحيي فيها فاتحة الاستكشافات الجديدة التي تعدنا بإنجازها عبقرية محمد علي لصالح علم الجغرافيا والروابط التجارية.

١  سنجتهد في إضافة خريطة إلى هذه الرسالة تتضمن فيما عدا رهنامج الرحلة ثمانية أرصاد للعروض. ولكن هذه الأرصاد لا يمكن الوثوق بها تمامًا. وقد رأينا من الأصوب ترك عبارة الملحوظات على حالها، وهي تستدعي لما احتوته من الغلط التسامح والتجاوز. أما ضبط أسماء الأمكنة فقد قورن ما ورد منها في الجريدة بما ورد في جداول الرهنامج.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤