حول الحوار الفكري مع الرئيس١

كانت هي المرة الأولى التي أحضر فيها هذا اللقاء الفكري مع السيد رئيس الجمهورية (يوم السبت ١٨ يناير ١٩٩٧م بأرض المعارض)، دُهشت حين دخلت القاعة فوجدت الصفوف الأمامية قد حُجزت مقاعدها للوزراء وكبار رجال الدولة وكبار الموظفين في المؤسسات الثقافية والصحفية، وهي مقاعد حمراء كبيرة تشبه مقاعد الدرجة الأولى في الطائرات.

بعد ذلك تأتي مقاعد الدرجة الثانية، والتي حُجزت لعدد كبير من الأدباء والأديبات الذين يشغلون مناصب كبيرة في المؤسسات الصحفية من درجة رئيس تحرير أو نائب رئيس تحرير أو مدير تحرير. بعد ذلك تأتي مقاعد الدرجة الثالثة وهي للأدباء والمفكرين الذين بلا منصب في الدولة أو أي مؤسسة صحفية، ومنهم أساتذة كبار لهم مؤلفات فكرية ذات قيمة محليًّا وعربيًّا وعالميًّا.

كان المفروض (حسب التنظيم) أن أجلس في هذه الصفوف الخلفية، إلا أنني رأيت أن اللقاء الفكري يستوجب جلوس المفكرين والأدباء والعلماء في الصفوف الأولى حتى يدور الحوار بينهم وبين السيد الرئيس؛ لأن الحوار معهم وليس مع الوزراء أو كبار رجال الدولة، كما حدث في المؤتمر الاقتصادي في الخريف الماضي، فقد جلس رجال الأعمال في الصفوف الأولى على حين جلس رئيس الوزراء والوزراء في الصفوف الخلفية، حينما سألوا الأستاذ «أحمد عز» — أحد رجال الأعمال — عن انطباعه عن المؤتمر، أشار إلى أن رجال الأعمال أصبح لهم احترامهم؛ والدليل على ذلك جلوسهم في الصفوف الأمامية، وجلوس الوزراء في الصفوف الخلفية.

لا أدري لماذا لم يُطبَّق هذا المبدأ الوجيه على المفكرين والأدباء والعلماء في الاجتماع الفكري مع السيد الرئيس؟ وهل رجال الأعمال أكثر احترامًا من المفكرين والأدباء والعلماء والمبدعين؟!

ربما لهذا السبب، ولأنني أعتقد أن الإبداع الفكري أهم من النشاط التجاري أو «البيزنس»، فقد رفضت الجلوس في المقاعد الخلفية وجلست في مقعد أحد الوزراء في الصفوف الأمامية، واقتنع المسئولون عن التنظيم بوجهة نظري، إلا أنني كنت أودُّ يكون ذلك هو القاعدة وليس الاستثناء.

وقد توقعت أن يكون الحوار مفتوحًا بيننا وبين الرئيس إلا أن المسئولين عن التنظيم طلبوا مني أن أكتب سؤالًا على ورقة، وقد تم تجميع هذه الأوراق عند المسئولين، ولا أعرف هل فرزوا هذه الأوراق، وقدموا للرئيس ما شاءوا من الأسئلة؛ لأن الاجتماع انتهى دون أن يحدث أي حوار فكري مع الرئيس، وتركزت معظم الأسئلة التي أجاب عنها في الأمور السياسية الجارية حول السودان وإسرائيل وأمريكا، ولم يكن هناك سؤال واحد حول الفكر أو الإبداع الفكري. وكنت قد قدَّمَت سؤالًا من هذا النوع، يتناول مشكلة مهمة للغاية، كنت أودُّ أن يدور جزء من الحوار حولها، فهل عندنا مشكلة تتعلق بالفكر والمفكرين أم لا؟ هل يمكن للنظام التعليمي الحالي أو التربوي أو الثقافي أو الإعلامي أن يُنتج المفكرين؟ وما الفرق بين المفكرين والموظفين ورجال الأعمال إلى آخر هذه الأسئلة أو الجدل الذي كنت أنتظره في هذا اللقاء الفكري مع السيد الرئيس إلا أن الاجتماع دار وكأنه مؤتمر صحفي.

هل يمكن أن يبدأ حوار في الصحف من هذا النوع يشترك فيه الجميع وليس فقط الأسماء التي دُعيت للاجتماع، وإنما جميع الذين يفكرون في بلادنا وتؤرقهم مشكلة الفكر والمفكرين والذين لا يُدعون إلى اللقاء الفكري مع الرئيس؟

١  الأهالي، الأربعاء ٢٩ / ١ / ١٩٩٧م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤