سمعة مصر١

بدلًا من أن نبحث عن الأسباب الحقيقية التي تُسيء إلى سمعة بلادنا في الخارج، فإننا نقدم كبوش فداء من الأدباء أو الأديبات أو المخرجين السينمائيين أو المسرحيين أو أصحاب الدراسات العلمية.

المعروف في جميع أنحاء العالم أن الأعمال العلمية أو الأدبية ذات القيمة الإنسانية هي الأعمال الناقدة الكاشفة عن أمراض هذا المجتمع بهدف العلاج، وإلا فلماذا يكتب الأديب أو الأديبة، وعمَّ يبحث العالم إذا كان كل شيء على ما يُرام وليس في الإمكان أبدع مما كان؟

وأعظم الأعمال الباقية في التاريخ الإنساني هي أعمال هؤلاء الأدباء والأديبات الذين أمسكوا القلم وكأنه مشرط الجراح، وكشفوا عن عيوب مجتمعاتهم أو مشاكلها من فقر أو ظلم أو استبداد أو استغلال داخلي أو خارجي.

أعظم أعمال «طه حسين» هي «الأيام»، التي كشف فيها عن عبودية الفقر والجهل في القرية التي عاش فيها، وأعظم أعمال «ديستيوفيسكي» هي «الجريمة والعِقاب» التي جعلت عيون الشعب الروسي تتفتح على الأسباب الحقيقية للجريمة، وكيف كان الضحية يُعاقَب والجاني يُطلَق سراحه، وأعظم أعمال «يوسف إدريس» هي «الحرام»، التي كشف فيها عن أن الحرام الحقيقي هو الظلم والفقر واستعباد النساء، وأعظم أعمال «فرجينيا وولف» هي «غرفة خاصة»، التي أسقطت بها الزيف الاجتماعي الإنجليزي، والقيم الأخلاقية المزدوجة التي عُرفت ﺑ «الأخلاق الفيكتورية البيورتيانية»، أعظم أعمال «يوسف شاهين» هي فيلم «باب الحديد»، الذي كشف فيه عن الفساد الاجتماعي المتخفي تحت ستارة شفافة من النفاق والكذب، وأعظم أعمال «الشيخ علي عبد الرازق» هو «أصول الحكم في الإسلام»، وغير ذلك من الأعمال الإبداعية الناقدة للفكر السائد.

إن العلماء أو الأدباء أو الأديبات أو الفنانين الحقيقيين هم الذين يملكون هذه الحاسَّة النقدية والشجاعة الأدبية؛ وبالتالي هم أعظم السفراء خارج بلادهم؛ لأن العالم كله يقدِّر أعمالهم، والدليل على ذلك هو نجاح أعمالهم واكتسابها شهرة عالمية.

إلا أن هناك بعض الناس الذين لا يعملون ويضيرهم أن يعمل الآخرون، أو الذين حاولوا ترويج أعمالهم عالميًّا بمثل ما روَّجوها محليًّا، فكان نصيبهم الفشل. هؤلاء لا يكفُّون عن تجريح الآخرين، وينهالون عليهم بأقلامهم، يشوِّهون صورتهم، ويدَّعون أن أفلامهم أو رواياتهم أو أعمالهم الأدبية أو العلمية لم تحظَ بهذا النجاح العالمي إلا لأنها تُسيء إلى سمعة مصر!

وقد آن الأوان لكشف هذا المنطق المعكوس، فإن أعمال «ديستيوفيسكي» لم تُسئ إلى سمعة روسيا، بل إن جميع الذين أساءوا إلى روسيا قد اندثروا وماتوا، وبقيَ اسم «ديستيوفيسكي» في التاريخ يفخر به الشعب الروسي حتى اليوم. و«فيرجينيا وولف» ماتت منتحرة احتجاجًا على كل من أساءوا إليها، ومات كل من أساء إليها، ونسيهم الشعب الإنجليزي، لكن اسم «فيرجينيا وولف» باقٍ في التاريخ، يفخر به الإنجليز. ورغم حملات الإعلام ضد طه حسين أو يوسف إدريس أو الشيخ علي عبد الرازق أو غيرهم، فإنَّ أسماءهم تبقى ولا تُنسى، على حين يندثر في التاريخ أسماء من أساءوا إليهم.

إن الذي يُسيء إلى سمعة أيِّ بلد في الخارج إنَّما هو موقف هذه البلد من القضايا الكبرى مثل قضية الحرية أو العدالة أو الديمقراطية.

إن الذي يُسيء إلى سمعة البلد هو أن يعيش هذا البلد عالة على غيره لا يملك طعامه رغم موارده الطبيعية الثرية.

أمَّا أكثر ما يُسيء إلى العرب في الخارج، فهم هؤلاء الرجال الذين يسيرون في شوارع لندن أو باريس يُحملِقون في النساء الشقراوات على حين تمشي نساؤهم خلفهم داخل خيمة سوداء، لا يظهر منهم إلا عين واحدة أو نصف عين.

١  نُشر بجريدة الأهرام، ١٨ / ٦ / ١٩٩٢م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤