الرسالة الخامسة

أيام لبنان
فجر الهوى من ثغرها البسام
متطاير اللمحات فوق ظلامي
رفت عليَّ ظلاله وتنفست
بندى الشباب على فؤادي الظامي
ذهبت هموم حرت في أسمائها
وأتت هموم ما لهن أسامي
في حبها والحب في بأسائه
أهنا لأهليه من الإنعام
حسناء صورها الهوى في صورة
كادت تُعيد عبادة الأصنام
في منظر الأقمار ألمح وجهها
وتحس في لمس النسيم غرامي
ولكهرباء الحب من لحظاتها
سيالها المتدافع المترامي
ينساب في مجرى دمي متلهبًا
فكأنه تيار بحر ضرام
يا كهرباء الحب رفقًا إنما
هذي «الأنابيب» الضعاف عظامي

•••

ذهب المنام ومن يذكره الهوى
قمرًا فلا يلقى الدجي بمنام
يا ليل أنت صحيفة ملء الفضا
ء وما بها سطر من الأحلام
في كل نجم من نجومك بسمة
وقفت تشير إلى الهوى بسلام
وكأن أفقك والنجوم سطوره
تاريخ ما أسلفت من أيامي
متألق الجنبات مشبوب الضيا
خضل الندى صافي الشمائل سامي
يا ليل أين الفجر أين زمامه
أيام يمسكه الهوى بزمام
أيام «لبنان» وكانت ساعة
غفرت ذنوب الدهر في أعوام
غفل الزمان هناك من غفلاته
ففررت للذات من آلامي
وقطعت من ثوب الشباب عصابة
وربطت من جرح الحياة الدامي
ومضيت أصعد ذروة في ذروة
كالنجم مشتملًا عليَّ غمامي
في كل منزلة وكل ثنية
يضع الهوى قمرًا يضيء أمامي
وعلوت حتى عن أماني الحيا
ة وغبت حتى غبت عن أوهامي
وسموت في أفق يذوب نسيمه
شغفًا إذا ما اهتز غصن قوام
أفق يطل على الحياة وهمها
إطلال مغفرة على الآثام
لبنان فن في الطبيعة قائمة
دقت محاسنه على الأفهام
متكبر حتى على إكبارها
متعظم حتى على الإعظام
قمم تغطَّى بالسماء كأنها
في الكون أمثلة على الإبهاء
شم فوارع علمت أبناءها
عند الحوادث كيف رفع الهام
ومدارج تنبيك منحدراتها
أن الحياة مذاهب ومرامي
تركت بنيها أينما حكمت بهم
نفذوا على الأسباب كالأحكام
وترى هنالك كل شيء ناطقًا
أن لا يعيش هنا سوى المقدام
جبل تمنع في الطبيعة عزة
ومهابة كالناب في الضرغام
يتقلب التاريخ من أبنائه
في الغر بين فوارس وكرام
فالنور لم يبرح على أرجائه
من مبسم أو من فرند حسام
جبل إذا وصفوا الرواسي لم يكن
أبدًا لصدر الأرض غير وسام

•••

يا نفحة الجنات من تلك الربي
كم ذا يطول تلهفي وهيامي
يبني وبينك بحر دمع يرتمي
من عين مهجور وبر خصام
لهفي على ريح الشآم ونظرة
من أرضها لهوى هنالك نامي
أرض بنوها الصيد كيف تواثبوا
عنت الحياة لهم بكل مرام
حملوا النبوة وهي روح بلادهم
ومضوا بوحي العزم والإقدام
فهم بأي الأرض حل نزيلهم
قوم قضت لهم السما بمقام
أرض كساها الوحي جوًّا عاطرًا
وبنى لها أفقًا من الأنغام
الله زينها بكل بديعة
باحت بأسرار من الإلهام
فهنا يريك الحسن صفحة شاعر
وهنا يريك صحيفة الرسام
والحسن مختلف المواطن في الوارى
لكنما حسن الطبيعة «شامي»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤