الفصل الأول

عهد بدء الحقوق أو عهد الملكية

يبتدئ هذا العهد منذ بناء روما الذي أصبح شائعًا أنه تم سنة ٧٥٤ق.م وينتهي بسقوط الملكية سنة ٥٠٩ق.م.١

(١) البند الأول: الشعب الروماني ونظام المدنية الرومانية

(١-١) أصل الرومان

لقد تأسست روما باجتماع عدة ضياع تقطنها قبائل مختلفة من ألبينية Albins وسابينية Sabins ولاتينية Latins، ويخالطها قوم معروف باﻟ «إتروسك Etrusques».

أما أصل هذه الأقوام، فالراجح أنه هندي-أوروبي؛ أي آري، ما عدا اﻟ «إتروسك» الذين قدموا، كما يغلب الظن، من آسيا الصغرى والذين ما زال جنسهم مجهولًا. إلا أنهم يختلفون عن الأقوام الآرية التي ذكرناها سابقًا من حيث الجنس واللغة والعادات.

(١-٢) دين ا لرومان

إن دين الرومان القدماء كان شبيهًا بدين الإغريق «اليونان» والهنود. وكان هذا الدين قائمًا على الاعتقاد بخلود الأموات في قبورهم وحياتهم فيها بعد موتهم حياة جسمانية، وعلى تأليه الأموات من الأقرباء والإيمان بمقدرتهم على الخير والشر. لذلك كانت تقدم لهم الضحايا وضروب الطعام والشراب، ويستعطفون بأنواع الصلوات والأدعية. ذلك كان الدين العائلي. وفوق ذلك كان الرومان يؤلهون قوى الطبيعة كالنور والصواعق والنار، ويوحدون بينها وبين زمرة من الآلهة مثل «جوبيتر Jupiter» و«جونون Junon» و«فيستا Vesta».٢

(١-٣) النظام السياسي

كان نظام المدينة السياسي في ذلك الحين قائمًا على سلطات ثلاث: الملك ومجلس الشيوخ والهيئات الشعبية المؤلفة من اﻟ «كوميس Comices».

فالملك كان عبارة عن زعيم سياسي وديني يعينه مجلس الشيوخ. وكان مقامه في المدينة كمقام رب الأسرة في أسرته، وسلطته على الرعية مطلقة كسلطة هذا على أفراد عائلته، كما أنها كانت واسعة النطاق عسكرية، سياسية، دينية، قضائية.

ومجلس الشيوخ كان عبارة عن مجلس شورى للملك يستشيره في الأمور الخطيرة، وكان تجاه الملك أشبه بمجلس الأقرباء الأقربين تجاه رب العائلة، وكان من وظائفه الرئيسية أيضًا التنقيب عن إرادة الآلهة عندما يصار إلى اتخاذ قرارٍ ما ليكون هذا القرار مطابقًا لتلك الإرادة العليا، والموافقة على اقتراحات الشعب لتكون نافذة. وقد كان مجلس الشيوخ مؤلفًا من زعماء القبائل.

أما الهيئة الشعبية فكانت مؤلفة — كما ذكرنا سابقًا — من الكوميس Comices المشكَّلة من الوطنيين الرومانيين الذكور القادرين على حمل السلاح، يجتمعون بأمرٍ من الملك الذي كان يعرض عليهم اقتراحات ليبدوا آراءهم فيها بطريق التصويت سلبًا أو إيجابًا؛ أي بطريقة «لا» و«نعم»؛ لأن تصويتهم الإيجابي كان لازمًا لتعديل حكمٍ أو أمرٍ قانونيٍّ معمول به في ذلك الحين. وقد كان الوطنيون يقسمون في الكوميس إلى وحدات موسومة باﻟ «كوريا curia» بنسبة عدد القبائل (لكل قبيلة عشر كوريا). والكوريا كانت عبارة عن تقسيم انتخابي، وديني، وإداري، وعسكري.٣

(١-٤) النظام الاجتماعي

كان سكان روما ينقسمون إلى طبقتين:
  • (١)
    طبقة الآباء الذين كانت تتألف منهم القبائل العائلية gens. وكان لكل قبيلة زعيم يخضع إليه جميع الأفراد المنتمين لها بقرابة من جهة الذكور، وجميع الموالي clients أي الأشخاص المتظللون بحماية زعيم القبيلة.
  • (٢)
    طبقة سواد الشعب plèbe التي لم يكن أفرادها منتمين إلى قبائل عائلية، وبنتيجة ذلك لم يكن لهم حقوق سياسية، بل كانوا بمعزل عن نظام الدولة السياسي، لا سيما وأنه لم يكن لهم حق الدخول في هيئات اﻟ «كوميس كوريا».
    إلا أنهم بالرغم من ذلك كانوا يتمتعون بحق إجراء الأعمال الحقوقية المعروف ﺑ jus commercium حتى مع أفراد طبقة الآباء.
    ويقال إن الملك «سرفيوس تللوس Servius Tullus» منح أفراد الشعب قسمًا من الحقوق السياسية، فصاروا يدخلون في الهيئات المعروفة ﺑ «كوميس سانتوريا Comices Conturiates» التي كانت تجتمع كتشكيلات عسكرية خارج المدينة.

(١-٥) الحياة الاقتصادية

كانت الحياة الاقتصادية قائمة على الزراعة. فبعد أن كان الرومان يعيشون — شأن جميع الشعوب الابتدائية — من الصيد، صاروا يرتزقون من الزراعة بصورة خاصة. وقد كان التبادل أو التقايض نادرًا في هذا العهد؛ إذ كان كل شخص، في غالب الأمور، يقتصر على العيش من منتجات عمله الخاص. أما أداة التبادل التي كانت تقوم مقام النقد في هذا العهد، فكانت عبارة عن قطع معدنية يتداول بها وزنًا بالميزان، ويعد ذلك خطوة في التقدم لا يستهان بها؛ لأن أداة التداول قبلًا كانت الأبقار والشياه.

(٢) البند الثاني: مصادر الحقوق في هذا العهد

  • العُرف La coutume: كان العرف في هذا العهد المصدر الرئيسي، أو بالأصح المصدر الوحيد للحقوق. ويرجح أن هذا العرف المؤلف من العادات الراسخة لم يكن يكتسب صفة إجبارية إلا عند إقراره والاعتراف به من قِبَل الفئة المختصة بمعرفة الحقوق؛ أي الكهنة.
  • القوانين الملكية: كان شائعًا بين المشتغلين بالحقوق الرومانية قديمًا أنه كان يوجد في العهد الملكي قوانين صادرة عن الهيئات الشعبية (الكوميس) معروفة بالقوانين الملكية، تشكل مصدرًا حقوقيًّا خطيرًا. وقد ذكرها المتشرع الروماني «بومبينيوس». ولكن بنتيجة هذا البحث والتنقيب ثبت أن وجود قوانين كهذه في هذا العهد أمر موهوم. ولئن وجدت قوانين مدونة في هذا العهد الذي نحن بصدده فإنها لم تكن سوى أوامر وأحكام دينية صادرة عن الملك والكهنة.٤

    وخلاصة القول إن الحقوق في هذا العهد كانت غير مدونة، عرفية، تغلب فيها الصفة الدينية.

١  لقد ثبت أن هذين التاريخين غير صحيحين، ولكن المؤلفين والمؤرخين بالرغم من اتفاقهم على عدم صحتها ما زالوا سائرين على إثباتهما؛ لتعذر معرفة التاريخين الصحيحين صحةً لا ريب فيها، ولأن الناس ألفتها على مرور الزمان. إلا أن الراجح أن روما قد أُسست سنة ٦٥٠ق.م في عهد الملوك اﻟ «إتروسك».
٢  راجع فيما يتعلق بدين الرومان: كتاب المدنية القديمة La cité antiqueFustel de Coulanges الفصول الأولى من الكتاب الأول.
٣  كتاب «جيرار» (ذ. س) ص١٤.
٤  جيرار (ذ. س) ص١٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤