الأرقاء
عرف الرومان الرق كغيرهم من الشعوب منذ العهد القديم. وقد كان الرق موجودًا في روما عند نشوئها وتأسسها. وما زال شائعًا في الإمبراطورية الرومانية حتى آخر عهدها. وحينما سقطت الإمبراطورية الشرقية، ظل الرق حينًا بعدها، واستمر في الحقوق البيزانطية إلى آخر عهدها. وبالرغم من أن الرق قد خفت وطأته ولانت قسوته، بفضل الفلسفة اليونانية التي أثرت في مدنية الرومان وحقوقهم وتعاليم النصرانية، وبالرغم من أن المتشرعين الرومان كانوا يعدونه مخالفًا للحقوق الطبيعية، فقد بقي مبدؤه مقبولًا كضرورة اقتصادية واجتماعية حتى النهاية. ولما لم يكن الرق خاصًّا بالرومانيين، كان يعد من مؤسسات حقوق الناس.
(١) البند الأول: وضع الأرقاء
إن الحرية هي العنصر الرئيسي بين العناصر الثلاثة التي تتألف منها الأهلية الحقوقية؛ لذلك فالرقيق مجرد، بسبب فقدانه عنصر الحرية وعنصر الأسرة، من عنصر الوطنية، فهو إذن لا يتمتع بحقٍّ سياسيٍّ، ولا بحقٍّ من حقوق العائلة. فليس لنكاحه صفة مشروعة، وليس بينه وبين أولاده قرابةٌ ما.
تلك هي حال الأرقاء الحقوقية. ولكن لما كان الأرقاء أناسًا كبقية الناس، لم تكن حالهم الفعلية دومًا سيئة كوضعهم الحقوقي. ففي بدء العهد الروماني؛ أي قبل اتساع الفتوح الرومانية، كان الأرقاء قلائل في روما، فكان أسيادهم يحسنون معاملتهم لأسبابٍ منها حرصهم عليهم كعنصرٍ من عناصر الثروة، ومنها أن الأرقاء بسبب قلتهم أيضًا كانوا يُستخدمون في بيوت أسيادهم، فكان اشتراكهم بالحياة البيتية يقرِّب بينهم وبين أفراد الأسرة وتؤدي إلى حسن معاملتهم، أضف إلى ذلك أن الأخلاق العامة كانت تأنف من إرهاق الرقيق.
ولكن لما اتسعت الفتوح الرومانية، ازداد عدد الأرقاء بسبب كثرة الأسرى، وصار يستخدم السيد فريقًا كبيرًا منهم خارج البيت، في الحقول، ولم يعد يُعنى بهم العناية السابقة، بل أصبح الأرقاء ليس لهم بنظر أسيادهم إلا قيمة نقدية، كقيمة السلع، لا سيما وإن أكثرهم بعد الفتوح، إنما صار رقيقًا بنتيجة الأسر؛ أي كان من شعوب غريبة معادية لروما.
(١-١) اكتساب الرقيق شخصية جزئية محدودة
أشرنا فيما سبق إلى أن الرقيق نال قسمًا من الأهلية الحقوقية في العهد الأخير للحقوق، لا سيما في عهد الإمبراطورية السفلى.
ومن مظاهر ذلك، الاعتراف ببعض النتائج لصلة القرابة بين الأرقاء، كتحريم النكاح بين بعض الأقرباء منهم، وكمنع التفريق بين المرأة الرقيقة وولدها. ومن المعالم الخطيرة لتقدم شخصية الرقيق، السماح له بالقيام بالأعمال الحقوقية باسم سيده، وتمثيله إياه تمثيلًا حقوقيًّا محدودًا في البدء، وكاملًا فيما بعد.
ففي البدء كان يستخدم الرقيق كأداة حقوقية لاكتساب الحقوق، فكان يمثل العبد سيده في الأعمال الحقوقية حينما تئول لمنفعة السيد، كجعله دائنًا تجاه شخص ما. ولكن لم يكن الرقيق يمثل سيده فيما يؤدي إلى ضرره، كجعله مدينًا مثلًا.
- (١)
حينما يجيز السيد لرقيقه القديم القيام بأعمال ما مع الأشخاص إما بإذنٍ خاصٍّ صريحٍ، وإما بتوليته تجارة برية أو بحرية.
- (٢) حينما يعهد السيد لرقيقه بثروة خاصة معروفة ﺑ «بيكوليوم peculium» — قطيعة — يترك له إدارتها، ففي هذه الحال يحق للأشخاص الذين تعاملوا مع الرقيق والذين يعتبرهم البريتور أنهم لم يتعاملوا معه إلا بسبب وباعتبار هذه القطيعة؛ أن يطالبوا السيد بما نشأ لهم من حقوق تجاه الرقيق، ضمن قدر هذه القطيعة. ولنلاحظ أن هذه القطيعة وإن كانت حقوقيًّا تظل ملكًا للسيد يحق له استرجاعها متى شاء، إلا أنه كان لهذه القطيعة من الوجهة الفعلية كيانٌ خاصٌّ، ولم يكن يسترجعها السيد إلا عند خطأ الرقيق أو سوء إدارته. ومما هو جدير بأن يسترعي انتباهنا في موضوع تطور شخصية الرقيق أن السيد كان يعقد اتفاقًا معه بشأن القطيعة، كالتعهد بتحريره لقاء مبلغ من المال يؤديه له الرقيق من أصل القطيعة إذا تمكن من إنمائها وزيادتها.
بالرغم من تحسن حال الأرقاء واكتسابهم شخصية جزئية محدودة كما بيَّنا، ظل الرق مرافقًا بقية المؤسسات الحقوقية لدى الرومان حتى زوال الدولة الرومانية.
(٢) البند الثاني: أساب الرق
ينتج الرق في الحقوق الرومانية عن الولادة وعن أسباب تلي الولادة.
(٢-١) الولادة
يولد الإنسان رقيقًا حينما تكون أمه رقيقة، سواء أكان أبوه حرًّا أم رقيقًا؛ وذلك لأن الولد يكتسب وضع أمه عندما يولد من صلة غير مشروعة، ولما كان النكاح بين الأرقاء، أو بين الأحرار والأرقاء، لا يمكن أن يكون مشروعًا، لتجرد الرقيق عن الشخصية الحقوقية، وعن جميع الحقوق ومنها الزواج؛ كان الولد المولود من رقيقين أو من شخصين أحدهما رقيق، ولدًا غير مشروع، ووجب أن يتبع بهذه الصفة وضع أمه، فإذا كانت هذه حرةً كان حرًّا، وإن كانت رقيقةً كان رقيقًا.
كان في البدء يرجع لحالة الأم الحقوقية عند الولادة لتقرير مصير الولد. ولكن ما لبثت هذه القاعدة أن تطورت لمصلحة الولد رحمةً به وعطفًا عليه، فأصبح الولد يُعد حرًّا إذا كانت أمه حرةً في فينةٍ ما أثناء الحمل، ولو أنها صارت لسببٍ من الأسباب رقيقة عند ولادته.
(٢-٢) أسباب الرق بعد الولادة
قد يولد الإنسان حرًّا ثم يصبح رقيقًا، وأسباب الرق بعد الولادة على فصيلتين: أسباب داخلة في الحقوق القومية؛ أي خاصة بالوطنيين الرومانيين، وسبب متحدر عن حقوق الناس يشترك فيه الوطني والغريب.
فسبب الرق بعد الولادة في حقوق الناس
هو الأَسْر الذي كان يعتبر مصدرًا للعبودية لدى جميع الأمم في العهد القديم. ولا غرابة في ذلك لأنه كان يحق للآسر قتل المأسور.
لم يكن يفضي الأمر إلى الرق مبدئيًّا إلا على إثر حرب نظامية، ولكن هذه القاعدة تقتصر على الشعوب المعترف بها أو التي كان بينها وبين روما صلات تحالف أو تعاقد. أما الشعوب الأخرى فكان مجرد القبض على أفرادها يؤدي إلى أسْرهم فاسترقاقهم.
أسباب الرق بعد الولادة في الحقوق القومية
إن هذه الأسباب لم تبق على حالٍ واحدٍ، بل تطورت، وصارت مختلفة في العهد الإمبراطوري عنها في عهد الحقوق القديمة.
ففي هذه الحقوق القديمة كان يفقد الشخص حريته لأسباب متعددة تعتبر بمثابة العقوبة، نذكر منها الأسباب التالية التي لم يعد لها مفعول في العهد الإمبراطوري: (١) عدم تسجيل الشخص في الإحصاء، (٢) الفرار من الجندية، وفي هذه الحالة والحالة السابقة كان يباع الشخص من قِبَل الدولة كرقيق، (٣) السرقة؛ إذ كان السارق المقبوض عليه في حالة الجرم المشهود، يباع من قِبَل المجني عليه، (٤) إعسار المدين؛ إذ كان المعسر يباع من قِبَل دائنه.
(٣) البند الثالث: الدعاوى المتعلقة بالحرية
وفي الحالة الثانية كان يحق للشخص الحر المزعوم رقيقًا أن يحضر بنفسه في الدعوى المقامة عليه؛ لأنه يظل معتبرًا حرًّا حتى إثبات رقه. وكانت هذه الدعاوى تقام بعهد الجمهورية وفي عهد الإمبراطورية بحسب أسلوب أصول المحاكمات القديمة المعروف ﺑ «أسلوب دعاوى القانون». وفي نهاية عهد الإمبراطورية اتبعت هذه الدعاوى طريقة أصول المحاكمات المعروفة ﺑ «غير الاعتيادية أو فوق العادة»، وكان يحكم بهذه القضايا حكامٌ خاصون. ومما هو جديرٌ بالذكر أنه خلافًا للمبدأ الحقوقي العام، يجوز للرقيق، إذا أخفق في دعواه بالمطالبة بالحرية، إقامة الدعوى من جديد مرات متعددة.
(٤) البند الرابع: انتهاء الرق
ينتهي الرق إما لأسباب مستقلة عن إرادة سيد الرقيق، وإما بإرادة السيد، وتتلخص هذه بالعتق.
(٤-١) أسباب انتهاء الرق المستقلة عن إرادة السيد
ومن أسباب انتهاء الرق المستقلة عن إرادة السيد: مرور الزمان المسقط، الذي هو عبارة عن تمتع الرقيق مدة ثلاثين سنة بوضع الرجل الحر، ودخول الرقيق بالجيش أو انتسابه للسلك الديني، وارتقاؤه إلى المراتب العالية في الكنيسة بعد رسوخ نفوذ الكنيسة في روما.