الفصل الرابع

الاستلحاق

الاستلحاق في الحقوق الرومانية هو وسيلة تمكن الرجل من إدخال فئة خاصة من أولاده الطبيعيين — الأولاد المولودين من النكاح المعروف ﺑ «كونكوبينا» الذي هو ليس بالزواج الشرعي الروماني — في قدرته الأبوية وأسرته العصبية، ومنحهم بذلك صفة الأولاد الشرعيين.

كان يتم الاستلحاق بثلاث طرائق: بالزواج اللاحق، وبأمر إمبراطوري، وبقبول الولد في مجلس «الكوريا».

(١) الاستلحاق بطريقة الزواج اللاحق

يراد بالاستلحاق بطريقة الزواج اللاحق، زواج الرجل بأم أولاده الطبيعيين (غير الشرعيين).

أنشأ هذه الطريقة الإمبراطور قسطنطين ليمكن أبوي الولد من تلافي خطيئتهم وجعل الصلة التي تجمع بينهم مشروعة، أو لحملهم على ذلك بتجويز استلحاق أولادهم الطبيعيين. ولكن السماح بالاستلحاق بهذه الطريقة كان بصورة استثنائية، بل بصورة مؤقتة على ما يرجح بعض المؤلفين،١ ولم يكن يفيد الاستلحاق الأولاد المتصورين في الرحم والذين لم يلدوا بعد عند زواج أبويهما الطبيعيين اللاحق، بل كان مقتصرًا على الأولاد المولودين سابقًا.

استمر الأمر على هذه الحال حتى القرن السادس (ب.م) حيث جعل الإمبراطور «أنستاس» من الاستلحاق بالزواج اللاحق مؤسسة ثابتة شاملة الأولاد الطبيعيين المولودين سابقًا، أو المتصورين في رحم أمهم.

وقد أقر الإمبراطور جوستنيان عمل الإمبراطور أنستاس، مشترطًا لاستلحاق الأولاد الطبيعيين بطريقة الزواج اللاحق ثلاثة شروط: (١) أن يكون الأولاد الشرعيون قد تصوروا في رحم أمهم في آنٍ كان يجوز به زواج أمهم وأبيهم، وهذا ما كان يمنع من استلحاق الأولاد الطبيعيين المولودين من زنى شخصين محصنين، (أي شخصين كان أحدهما أو كلاهما متزوج عند حصول الزنى بينهما) أو من زنى شخصين بينهما قرابة مانعة للزواج. (٢) يجب تنظيم عقد زواج بين الأبوين الطبيعيين عند زواجهما اللاحق لبيان تحول النكاح غير المشروع (الكونكوبينا) لزواج شرعي. (٣) ينبغي رضاء الولد المراد استلحاقه (أو على الأقل عدم معارضته للاستلحاق)، إذا كان بالغًا؛ وذلك لأن الولد المولود من صلة غير الزواج الشرعي، يكون مستقلًّا sui iuris، فقد رأى الشارع أنه لا بد من موافقته على استلحاقه الذي يجعله متكلًا، خاضعًا لقدرة أبوية كان طليقًا منها.
وقد زال شرطان كان لا بد منهما في تشريع الإمبراطورين «قسطنطين» و«زينون Zénon»، وهما عدم وجود أولاد شرعيين للمستلحق، وكون المرأة (الأم الطبيعية) حرة خالصة ingénue، فصار يكتفى أن تكون المرأة عتيقة.

(٢) الاستلحاق بأمر إمبراطوري

أوجد الإمبراطور جوستنيان هذه الطريقة إتمامًا للطريقة الأولى، وذلك عند استحالة الزواج اللاحق، بسبب وفاة أم الأولاد الطبيعيين أو زواجها، أو غيابها. وقد كان بالإمكان التماس الأمر الإمبراطوري من قِبَل الوالد الطبيعي، أو من قِبَل الأولاد الطبيعيين أنفسهم، بعد وفاة والدهم، كما أنه كان يشترط في هذا الزواج عدم وجود أولاد شرعيين للمستلحِق.٢

(٣) الاستلحاق بقبول الولد المراد استلحاقه في «الكوريا»

أوجد هذه الطريقة التي هي أقدم من الطريقتين المتقدم بحثهما الإمبراطور «ثيودوزيوس الثاني» لغاية إدارية مالية هي تأمين دوام جباية الضرائب، بتأمين بقاء أعضاء في مجلس الكوريا؛ لأن أعضاء هذا المجلس كانوا مسئولين عن جباية الضرائب، وكان الناس يفرون من هذه المسئولية. لذلك عمد الإمبراطرة إلى إيجاد هذه الطريقة من الاستلحاق التي تلخص بتمكين الشخص من استلحاق ابنه الطبيعي بإدخاله لمجلس الكوريا واستلحاق ابنته بتزويجها مجهزة بجهاز dot، لرجل يدخل في الكوريا.

تختلف هذه الطريقة عن الطريقتين اللتين بحثناهما، بأن نتائجها كانت محدودة؛ إذ كانت تقتصر على منح الولد الطبيعي حقًّا إرثيًّا على تركة والده المستلحِق، ولكنها بالرغم من إخضاع الولد لقدرة أبيه المستلحق لا تدخله في أسرته التي يبقى غريبًا عنها.

١  راجع جيرار (ذ. س) ص١٨٩.
٢  يرجح الأستاذ العلامة جيرار أنه كان يشترط أيضًا في هذه الطريقة من الاستلحاق، رضاء المستلحق، وإمكان الزواج بين أبويه عند تصوره في الرحم (جيرار (ذ. س) ص١٩٠).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤