الفصل التاسع عشر

مُستَخْفون قدماء في عيوننا

على مدى بضع سنوات، كنتُ أفتخر بلقب الكاتِب العلمي خلال فترة قيامي بالأبحاث في قسم علم البلوريات بكلية بيركبيك في جامعة لندن، وأحد المجالات البحثية التي كان يستهدفها هذا القسم هي دراسة بروتينات عدسة العين، وبنيتها وتطوُّرها. يتناول المقال التالي بروتينًا بنائيًّا لعدسات العين لدى الفقاريات، وُصِف بأنه الأكثر شبهًا بسينثيتاز الجلوتامين في البكتيريا؛ مما يوحي بأن «الجمع بين وظيفتين» قد أنقَذَ البروتين من النسيان عندما استولَتْ عائلة مختلفة من الإنزيمات على دوره الأصلي.

لطالما أثارَتْ بروتينات عدسات العين دهشةَ العلماء وفاجأتهم بسبب استقرارها المستمر مدى الحياة وتاريخها التطوُّري غير العادي، والآن اكتشَفَ الباحثون إنزيمًا بكتيريًّا يفقد وظيفته الأصلية في الكائنات الحية الراقية بسبب عائلة مختلفة من البروتينات، ويمارس دورًا بنائيًّا في عدسات العين لدى الفقاريات.

أجرى جريم ويستو وزملاؤه في المعهد القومي للعيون في بيت حِسْدَا، في ماريلاند بالولايات المتحدة، بالتعاون مع باحثين من كلية بيركبيك في جامعة لندن بالمملكة المتحدة، أبحاثًا وراثية وبنائية على بروتين لينجسين (بروتين العدسات الشبيه بسينثيتاز الجلوتامين) في الفئران وغيرها من سلالات الفقاريات الأخرى.

كشفَتْ مقارَنةُ التسلسل النووي والتحليل البنائي بواسطة الفحص الميكروسكوبي الإلكتروني البَرَدي عن تاريخ تطوُّريٍّ مذهل. فعلى عكس سينثيتاز الجلوتامين في الفقاريات، يحوي اللينجسين مركبًا متماثِلًا يتكوَّن من ١٢ وحدة فرعية، مثلما تفعل النسخةُ البكتيرية العتيقة من الإنزيم. وبالمثل، كشفَتْ إعادةُ بناء شجر العائلة بمساعدة دراسات الطفرات عن أن بروتين العدسات في الفقاريات هو أحد أعضاء العائلة البكتيرية لبروتينات سينثيتاز الجلوتامين المعروفة باسم «جي إس ١» GS1.

كان هذا هو أول عضو غير بكتيري في العائلة يتمُّ اكتشافه، إلا أن بحثًا لاحقًا في جينوم قنفذ البحر كشَفَ عن عدة جينات مرشَّحة لإنتاج بروتينات مماثلة في هذا الكائن الحي. وحتى الآن، لا يُعرَف الموضع الذي يعبِّر فيه قنفذ البحر — الذي لا يملك عيونًا — عن البروتينات المماثلة، ولا يُعرَف فيمَ تُستخدَم.

اختبر ويستو وزملاؤه اللينجسين المأخوذَ من عدسات عين الفأر بحثًا عن أيِّ نشاط إنزيمي مرتبط بوظيفة سينثيتاز الجلوتامين الموروث، ولكنهم لم يجدوا شيئًا. وتماشيًا مع هذا الاكتشاف، عُثِر على إحدى بقايا الحمض الأميني التي تُعتبَر ضرورية لسينثيتاز الجلوتامين بعد أن تعرَّضت للطفرات في بروتينات اللينجسين بالفقاريات. ويشكُّ الباحثون في أنها ربما تؤدِّي دورًا بنائيًّا في عدسات العين.

توجد أمثلة سابقة لبروتينات إنزيمية تؤدِّي وظائفَ مختلفة في عدسات العين، حسبما يشرح ويستو قائلًا: «نحن معتادون على فكرة أن الإنزيمات — مثل إنزيم نازعة هيدروجين اللاكتات — تؤدِّي أدوارًا جديدة في عدسات العين لدى الفقاريات.»

إلا أنه في هذه الحالة ثمة منعطف جديد في قصة التطور؛ يقول ويستو: «المفاجأة الكبرى في هذه القصة هي إدراك أن اللينجسين قديم للغاية، وينحدر في الواقع من عائلة إنزيمية لم تكن موجودة إلا في بدائيات النواة.» ويضيف قائلًا: «يبدو أن إنزيمات هذه العائلة كان يُعبَّر عنها في الواقع في أسلاف فقارية عتيقة للغاية، ولكنها فُقِدت خلال التطوُّر البيولوجي. وقد بقي عضو واحد في جينوم الفقاريات؛ لأنه اكتسَبَ دورًا مختلفًا ومتخصِّصًا في العدسات، مما جعله يفقد دورَه التحفيزي الموروث في العملية.»

(٢٠٠٦)

قراءات إضافية

  • K. Wyatt et al.; Structure, 2006, 14, doi: 10.1016.j.str.2006.10.008.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤