الفصل التاسع عشر

الأسرة الإسورية أو السورية

٧١٧–٨٠٢

أصلها

وفي السنة ٧١٧ اعتلت عرش الروم أسرة ظلَّ المؤرخون يعتبرونها إسورية حتى نهاية القرن التاسع عشر، ولكن في السنة ١٨٩٦ كتب العالم الألماني شينك في مجلة الأبحاث البيزنطية مقالًا قيِّمًا في مؤسس هذه الأسرة لاوون الثالث، فجعله سوريًّا لا إسوريًّا،١ ثم جاء بعده من أيَّده،٢ ومن عارضه،٣والسبب في هذا الاختلاف في الرأي هو أن ثيوفانس المرجع الرئيس في سيرة لاوون قال عنه إنه من أبناء جرمانيكية «مرعش» ومن أصلٍ إسوريٍّ،٤ وأن أنسطاسيوس الذي نقل كتاب ثيوفانس إلى اللاتينية في منتصف القرن التاسع قال في ترجمته: إن لاوون كان من أبناء جرمانيكية وإنه كان سوري المولد،٥ والواقع أن إسطفانوس الأصغر يؤيد القول بالأصل السوري ويوافقُهُ على ذلك المؤرخ العربي المجهول صاحب كتاب العيون والحدائق الذي صنف فيما يظهر في النصف الثاني من القرن الحادي عشر، فهذا المؤرخُ المجهولُ يجعل لاوون سوريًّا يجيد العربية كاليونانية.٦
figure

وشجرة النسب الواردة في الصفحة السابقة تشمل الأسرتين الإسورية والعمورية، ويتضح منها أن لاوون الثالث، المؤسس المنظم المصلح كما سيمرُّ بنا، تُوُفي في السنة ٧٤١ وأن ابنه قسطنطين الخامس الذي تزوج من ابنة خاقان الخزر جلس بعده على العرش، فساس البلاد أربعًا وثلاثين سنة أثبت في أثنائها أنه خيرُ خَلَف لوالده المؤسس. وجاء بعده ابنه لاوون الرابع «الخزري» نسبةً إلى والدته، وتزوج من آثينيَّة اسمها إيرينة، ولكن كان مريضًا بداء السل فمات صغيرًا بعد أن حكم مدة وجيزة (٧٧٥–٧٨٠)، وكان ابنه وخلفه قسطنطين السادس لا يزال في العاشرة فأصبحت إيرينة الوصية الوحيدة على العرش واقترن اسمها باسم ابنها القاصر في جميع شئون الدولة.

وكانت إيرينة هذه ذكية محبوبة من الجماهير، إلا أنها كانت شديدةَ الطموح، فما إن تولَّت منصب الوصاية حتى أفعمها جاه المنصب استبدادًا وطمعًا يشوبُهُ الغرور، ومع ذلك نالتْ عطف الجماهير وتأييد رجال الدين؛ لأنها أوقفت حرب الأيقونات، وقد ملأت جميع المناصب الهامة برجال من بطانتها، وطالت مدة حكمها عشر سنوات وهي مستأثرة بالسلطة لا يشاركها فيها أحد، واستولى عليها الغرورُ وعظمت ثِقَتُهَا بنفسها فبقيتْ على استئثارها بالسلطة حتى بعد أن بلغ سن الرشد، فثار عليها لما بلغ الثانية والعشرين من عمره وتسلم أَزِمَّة الأحكام بالقوة، فبقيت إيرينة أمًّا شاذةً لا ترضى عن استئثار ابنها بالسلطة وظلَّت تحلم باستعادة نفوذها، حتى كانت السنة ٧٩٧ فتمكن المتآمرون الذين كانوا يعملون لحسابها من القبض على ابنها قسطنطين السادس فسملوا عينيه وحبسوه في أحد الأديرة، وبذلك انتهى حكم هذه الأسرة الإسورية أو السورية، أما قسطنطين فإنه عاش سنوات عدة راهبًا أعمى، وراقب عن بعد خمسة أباطرة تعاقبوا على العرش من بعده، وأول هؤلاء أمه إيرينة التي جلست على العرش خمس سنوات متتالية، والظريف الطريف عنها أنها كانت تلقب فسيلفسًا لا فسيلسَّة؛٧ لأن الروم في عهدها كانوا يرون أَنَّ حق الاشتراع من خصائص الرجال لا النساء، ولم تسقط إيرينة قبل السنة ٨٠٢ عندما سيطر وزير ماليتها الكبير نقفور على بعض الخصيان ورجال البلاط، فقبض عليها بهدوء وحبسها في أحد الأديرة، ولم يحرك أحدٌ ساكنًا من أجلها، واعتلى نقفور العرش بهدوء.٨

الحرب العربية

وكُتب على لاوون الثالث أن يصدَّ العرب وأن يمنع مسلمة من الاستيلاء على القسطنطينية — كما سبق أن أشرنا — وكانت محاولة مسلمة تلك هي الأخيرة من نوعها في تاريخ الخلفاء الأُمويين فلم يَتَسَنَّ لهم بعدها الدخولُ إلى أوروبة الشرقية، ولم يُحاولوا الحرب بجد ونشاط بعد هذه الصدمة القوية. ولَعَلَّ السببَ في هذا كان ظهور الخزر في أقصى الشمال وتعاونهم مع الروم وانقضاضهم على أذربيجان، وقد حالف لاوون الثالث هؤلاء الخزر، وفي السنة ٧٣٢ أزوج ابنه قسطنطين الخامس ابنة خاقان الخزر إيرينة،٩ ولعل السبب في هذا أيضًا أَنَّ الذين تربعوا على عرش الأمويين في هذه المدة كانوا أشخاصًا ضعفاء الهمة والعزيمة، سقطوا صرعى للغواني والشراب، وعبيدًا لِلْمَلَذَّاتِ والشهوات، وقد يكون السبب أيضًا ما وقع من التصادُم بين القيسيين واليمنيين، وما حصل من سخط مسلمي فارس على الأُمويين؛ لأنهم لم يساووا بين المسلم غير العربي والمسلم العربي.١٠
بيد أن غزوات العرب الأُمويين لم تَنْتَهِ عند الفشل الذي حلَّ بهم حول أسوار القسطنطينية في السنة ٧١٨؛ فقد أغاروا في السنة ٧٢٥ على قبدوقية واستولوا فيها على قيصرية وهددوا نيقية، وفي السنة ٧٣٧ عادوا إلى الحرب وبلغوا تيانة في جنوبي قبدوقية، فضربوا عليها الحصار في السنة ٧٣٩، ولكنهم فشلوا فشلًا ذريعًا في يوم أكروينون١١ «أفيوم قره حصار»، فاضطرُّوا أن يجلوا عن غربي آسية الصغرى، وأَنْ يتراجعوا شرقًا فجنوبًا، وفي هذا اليوم — على الأرجح — قُتل عبد الله البطال الذي تميز في حرب مسلمة، فأصبح فيما بعد السيد غازي الذي اعتبره الأتراك بطلًا من أبطالهم، فأنشئوا له قبرًا بالقرب من أسكي شهر «دوريلايوم» وتكيةً فمسجدًا للطريقة البكتاشية.١٢
واستغل قسطنطين الخامس الغليان الداخلي في الدولة الأُموية، فانقض في السنة ٧٤٥ على حُدُودها الشمالية، واستعاد مرعش ودولوك، وأَجْلَى نصارى الحدود إلى تراقية، وفي السنة ٧٤٦ جَهَّزَ أُسطولًا كبيرًا في مياه آسية الصغرى الجنوبية ومخر به إلى قبرص، فقضى على أسطولٍ عربيٍّ كان في مياهها واحتل الجزيرة. وفي السنة ٧٥١ جرَّد حملة على حدود العرب في أرمينية فاستولى على أرضروم وملاطية، ثم اتجه نحو الفُرات فاحتل حصن قلوذية وبلغ شمشات.١٣
وكانت جبال طوروس بسلسلتيها هي الحد الفاصل بين الدولتين، وكان خط الدفاع البيزنطي ينقسم قسمين رئيسين: أحدهما يمتد من ملاطية إلى عين زربة، وهو مخصصٌ لصد الغارات من شمالي العراق، والآخر يمتد مقابلًا الشام لصد الحملات المنبعثة منها، وعُني الروم عنايةً فائقةً بهذين الخطين الطبيعيين، ولا سيما الممرين عبرهما: الممر الذي ينتهي عند أبواب قيليقية بين أدنة وسائر الأناضول الشمالي، وممر كوردخاي بين مرعش والبستان،١٤ وكان على قمة شديدة الارتفاع عند أقصى الممر الأول في جهة الشمال؛ حصنٌ حصين يتحكم بسهول قبدوقية الجنوبية، ويسمى قلعة اللؤلؤة، وقد أصبح في هذا العهد الذي نحن بصدده مضربَ الأمثال في المناعة. وكان هذا الممر يضيق جدًّا في جنوبيه فيصبح عرضه عند أبواب قيليقية بضعةَ أمتار، وكانت تحيط به صخورٌ شاهقةٌ في ارتفاعٍ عموديٍّ، وتُشرف عليه قلعةُ الصقالبة، بحيث تستطيع حاميتُها وَقْفَ جيشٍ كبير العدد.
أما ممر كوردخاي فكانت أهم قلاعه قلعة زبطرة،١٥ وقلعة ملاطية لوقوعها عند مُلتقى الطرق الرئيسة المؤدية من سبسطية وسيواس وقيصرية إلى أرمينية وشمالي العراق، وأطلق العرب على الممر الأول اسم درب السلامة، وعلى الممر الثاني اسم درب الحدث، وقد أقام الروم، عبر آسية الصغرى، من قلعة اللؤلؤة إلى القسطنطينية، سلسلةً مِنَ المنارات؛ لإرسال الأنباء بإشعال النار، فكانت النار التي توقد على برج حصن اللؤلؤة يراها الحراس المقيمون في برج جبل أرغايوس المطل على بحيرة تانة ومنه يراها الحراس في برج أغيلوس، ثم ينتقل خبرها إلى معسكر دوراليوم الكبير، فبرج ماماس، فبرج موكيلوس، فبرج خليج بيثينية، فبرج القديس أوكزنتيوس، فالقصر الكبير.
وفي عهد الإمبراطور ثيوفيلوس (٨٢٩–٨٤٢) أدخل لاوون الرياضي تحسينًا على هذه الطريقة؛ فإنه أعد ساعتين تسيران في زمنٍ واحد، إحداهما جعلها في القصر الكبير في القسطنطينية، والأخرى في قلعة اللؤلؤة، ورَتَّبَ لاوون أَنْ تتفق السلطتان: السلطة المقيمة في القصر، والسلطة المقيمة في القلعة، على اثنتي عشرة حادثة، يرمزون لكل حادثة منها بساعةٍ معينة من الساعات الاثنتي عشرة، وتكتب كل حادثة أمام الرقم المخصص بها على واجهة الساعة، فإذا حدث أَنْ أَحَسَّ محافظُ قلعة اللؤلؤة في الساعة الرابعة مثلًا أَنَّ العدو على أهبة عبور الحدود انتظر إلى الساعة السادسة ليتبين حركات العدو ثم أشعل النار، وعندما تنقل تلك الإشارة عبر المحطات إلى القصر الإمبراطوري ينظر الحراس إلى الساعة فيعلمون متى أُشعلت النار في قلعة اللؤلؤة ويقفون بذلك على معنى هذه الإشارة؛ أي أن العدو أخذ يحرك ركابه للهجوم، وإذا أُشعلت النار في الساعة السابعة علموا أن الحرب وقعت بين الطرفين، وإذا أُشعلت في الساعة الثامنة؛ دَلَّتْ على أن العدو قد أعمل الحرائق، وهكذا.١٦
وعني العرب بمثل ما عني به الروم، فأسس هارون الرشيد (٧٨٦–٨٠٩) إقليم عواصم بالإضافة إلى إقليم الثغور، فشمل إقليم العواصم حلب ومنبج وأنطاكية إلى الساحل، وجعل عليه ابنه المعتصم، وإقليم العواصم هذا كان سلسلةً من الحُصُون الداخلية تعصم الحدود وتُعِينها على صد غارات الروم، وكان إقليم الثغور في عهده ينقسم قسمين: الثغور الجزرية لحماية العراق ومن حصونها زبطرة ومنصور والحدث، والثغور الشامية، ومن حصونها المصيصة وأدنة وطرسوس.١٧
وليس في المراجع العربية — أو غيرها — ما يدل على أن الخلفاء العباسيين قد هدفوا إلى ما هدف إليه أسلافُهُم الأُمويون من حيث القضاء على دولة الروم والسيطرة على حوض البحر المتوسط، فالصوائفُ والشواتي في عهدهم لم تكن سوى غارات للاستيلاء على معاقل جبال طوروس أو للنهب والسلب الشائعَين في ذلك العصر، فغزو الربيع كان يبدأ من منتصف أيار بعد أن تكون الخيول العربية قد سمنت، ويستمر شهرًا من الزمن تجد فيه هذه الخيول غذاءً وفيرًا في مراعي الروم، ثم تخلد إلى السكينة شهرًا، وتستأنف بعده غارات تستغرق ستين يومًا، أما غزو الشتاء فكان يقع عادةً في النصف الأول من آذار.١٨
وفي السنة ٧٨٣ ثار الصقالبة على إيرينة فاضطرت أن تسحب بعض قواتها من آسية الصغرى لإخماد هذه الثورة في مقدونية وبلاد اليونان، فانتهز العربُ الفرصة وتوغلوا في آسية الصغرى، فكسروا الروم في درنون، ووصلت طلائعُهُم إلى ضفة البوسفور، فصالحت إيرينة على أن تدفع مالًا سنويًّا قدره سبعون أو تسعون ألف دينار، وفي السنة ٧٨٤ استولى العرب على ثيباسة في قبدوقية،١٩ وكان الفريقان يُراقبان السواحل، فأسر الروم في السنة ٧٩٠ بضع سُفُن عربية وهي في طريقها من مصر إلى الشام، وأغار الأسطولُ العربيُّ على قبرص في هذه السنة نفسها وأنزل قواته في الجزيرة وهزم أُسطول الروم في مياه أضالية وأسر أميره، ولكن خسارة العرب كانت — فيما يظهر — عظيمةً.٢٠
وفي السنة ٧٩٨ توغل العرب في آسية الصغرى مرة أُخرى اكتسحوا قبدوقية وغلاطية، فاضطرتْ إيرينة أَنْ تدفع إلى هارون الرشيد المالَ السنوي نفسه الذي كانت قد دفعتْه إلى المهدي.٢١

البلغار والصقالبة

وعاون البلغار لاوون الثالث على العرب أثناء حصارهم القسطنطينية، وظلَّت العلاقاتُ وديةً بين الروم والبلغار ثلاثين سنة، أما قسطنطين الخامس (٧٤٠–٧٧٥) فإنه نقل إلى البَلقان عددًا كبيرًا من الأرمن والسوريين المسيحيين وأنشأ سلسلةً من الحُصُون عند حُدُود البلغار، ثم شَنَّهَا حربًا على هؤلاء؛ ليقضيَ على دولتهم، ولكنه لم يفلح. وقد أطلق عليه بعض المؤرخين لقب ذابح البلغار Bulgaroctonus،٢٢ وعند نهاية القرن الثامن اتخذ البلغار خطة الهجوم فأكرهوا قسطنطين السادس ووالدته إيرينة على أن يؤدوا لهم مالًا معلومًا كل سنة.
وفي المراجع ما يدل على أن الصقالبة كانوا قد انتشروا في طول اليونان وعرضها عند منتصف القرن الثامن، وأنهم ظلُّوا يتدفقون عليها حتى أصبحوا أصحاب الكلمة فيها وفي قسم كبير من البلقان، وقد سبقت الإشارةُ إلى الحملة التي أَنْفَذَتْهَا إيرينة نفسها لمحاربة هؤلاء الصقالبة في السنة ٧٨٣.٢٣

الإكلوغة

وعُني لاوون الثالث بالتشريع، فرأى أَنَّ القوانين والأنظمة التي ترجع إلى عصر يوستنيانوس الكبير؛ قد أصبحت تفتقر إلى إعادة نظر وتعديل، رأى الناس في بعض الولايات الشرقية لا يزالون يُؤْثِرُون العرف حتى على بعض شرائع يوستنيانوس، كما رأى بعد تقلُّص الإمبراطورية مِنْ جراء الفتح العربي وتغلُّب الصقالبة والبلغار على جُزء كبير من البلقان أن اليونانية قد أصبحت هي اللغةَ الوحيدة التي يفهمها السكان، وبالتالي لا بد من تشريع باليونانية خلاف تشريع يوستنيانوس الموضوع باللاتينية، فصمم لاوون على العمل في هذا الحقل فانتقى في السنة ٧٢٦، لا ٧٣٩، كما يرى البعض،٢٤ لجنةً من كبار رجال القانون أسند إليها إعادة النظر في قوانين يوستنيانوس واصطفاء المفيد منها وتحسينه ووضعه باليونانية، وأطلق لاوون على مجموعته هذه اسم الإكلوغة Ecloga ومعناه: المنتخبات.
ومما جاء في مقدمة الإكلوغة هذه: أن قوانين الأباطرة قد أصبحتْ صعبة المنال؛ إما لتفرقها في الكتب الكثيرة، أو لصعوبتها على الفهم، أو لقلة تداوُلها في الأوساط خارج العاصمة «المحروسة من الله»، ومما جاء في هذه المقدمة أيضًا أنه يجب على القُضاة أن يتجردوا من العاطفة وأن يحكموا بالعقل والعدل، وألا يحتقروا الفقراء والمساكن وألا يتركوا الأقوياء المجرمين طلقاء الأيدي وأن يمتنعوا من قبول الهدايا. وكذلك نصَّت هذه المقدمة على وجوب دفع مرتبات القُضاة من الخزينة «الصالحة» كي لا تتم نبوءة عاموس «لأنهم باعوا البار بالفضة والبائسَ لأجل نعلين؛ فتسلَّط علينا غضب الرب بتجاوز وصاياه.»٢٥
وتتضمن الإكلوغة في أقسامها الثمانية عشرة الحقوق المدنية والأحوال الشخصية، ولا تبحث في الجزاء إلا قليلًا، وهي تختلف عما اشترعه يوستنيانوس اختلافًا بيِّنًا في بعض الأحيان؛ فهي تأخذ بالعُرف أحيانًا وباجتهادات القضاة السابقين أحيانًا أُخرى، ويتساوى أمامها الغنيُّ والفقير، الأمر الذي لا نلقاه دائمًا في مجموعة يوستنيانوس. والإكلوغة مسيحية أكثر من الدجستا تحلُّ فيها الاستشهادات بنصوص الكتاب المقدس محل الاستشهادات بالشرع الروماني القديم،٢٦ ولكن مع هذا كله لا يرى رجال الاختصاص في الإكلوغة ما رآه المؤرخ اليوناني باباريغوبولو الذي صنف في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، فإنه رأى في الإكلوغة أُسُسًا لم يتوصل إليها القانون في الغرب إلا بعد ألف سنة.٢٧

قانون المزارعين

وثمة ثلاثة قوانين أُخرى تعود — في الأرجح — إلى عهد الإسوريين أيضًا، وأشهرُ هذه القوانين قانونُ المزارعين، وهو في رأي الثقات من اشتراع لاوون الثالث وابنه قسطنطين الخامس، أما تاريخ صُدُور هذا القانون فقد كان في الوقت نفسه الذي صدرت فيه الإكلوغة (٧٢٦) أو بعيد ذلك،٢٨ ويرى العالم الروسي بنشنكو أن هذا القانون مستمدٌّ من العرف الذي ساد الأوساط الريفية والذي لم تشمله الإكلوغة.٢٩
والداعي لاهتمام العلماء بهذا القانون خلوُّه من الإشارة إلى الكولوني والأقنان Serf، واهتمامه بظواهر جديدة بين الفلاحين كالملكية الفردية الحرة والملكية الجماعية أو المشاع وحرية الانتقال ومنع الخدمة الإجبارية، وقد نُغالي إذا قلنا مع ثيودور أوسبنسكي: إن هذه الظواهر الجديدة شملت الدولة بأسرها، وإن الفلاح زمنَ الإسوريين دخل في عهد جديد، فشكل طبقة جديدة حرة مستقلة،٣٠ وقد نغالي أيضًا إذا قلنا مع شارل ديل وزميله جورج مارسه: إن لاوون الثالث وابنه قسطنطين الخامس حاولا بهذا التشريع أن يُوقِفا تواري الممتلكات الحرة الصغيرة وأن يحدَّا من طغيان الممتلكات الكبيرة، وأن يضمنا للفلاح ظرفًا أفضل،٣١ ولا يجوزُ التمادي في القول مع بعض العلماء: إن لاوون وابنه اضطرَّا أن يُدخلا على شرع الدولة عُرفًا خاصًّا صقلبيًّا في أساسه لكي يستهويا العناصر الصقلبية في الدولة ويُوقِفا ميل هؤلاء إلى التحالف مع البلغار والتعاوُن معهم، ويرى المؤرخُ ألكسندر فسيلييف أن في مجموعات ثيودوسيوس ويوستنيانوس، وفي أخبار القديسين ما يدل على أن الملكية الحرة الصغيرة كانت لا تزال باقية حتى عهديهما، وأن الدولة الرومانية عَرَفَتْ نظام المشاع في أوائل عهدها، وأن الملكية الحرة الصغيرة بقيت منتشرة في الدولة البيزنطية إلى جانب الملكية الكبيرة وكولونيها وفدادينها،٣٢ ولعل الأقرب إلى الحقيقة أَنْ تُؤخذ هذه الأمور جميعها بعين الاعتبار.

القانون البحري الرودوسي

ونجد في بعض نُسخ الإكلوغة الخطية القديمة ملاحقَ تتضمن قانونين آخرين، أحدهما بحريٌّ والآخر عسكريٌّ، ويخلو هذان القانونان من أَيَّة إشارة إلى تاريخ صدورهما، أمَّا بعضُ رجال الاختصاص فقد رأوا في محتوياتهما ما يدل على أنهما من إنتاج الأسرة الإسورية.

والقانون البحري الرودوسي قانونُ تجارة بحري يبحث بنوعٍ خاصٍّ في توزيع المسئوليات عند تعرُّض السلع للخطر، إما من جراء العواصف البحرية أو القرصنة، وهو يختلف عَمَّا جاء من نوعه في تشريع يوستنيانوس فيقسم تَبِعَةَ الخسارة بين صاحب المركب والتاجر والركاب، وتَدُلُّ محتوياتُ هذا القانون على أَنَّه صدر في عصرٍ كانت قد شاعت فيه قرصنة العرب والصقالبة.

قانون الجند

أما قانون الجُند فإنه مأخوذٌ من قوانين يوستنيانوس ومن الإكلوغة، ومصادر أُخرى، وهو في أساسه قانونُ عقوبات عسكري يحدد الأحكام التي ينبغي للسلطة أن تجريها على الجنود في حال رفض الطاعة، أو التمرد، أو الفرار، أو الفسق، أو ما أشبه. والعقوباتُ المفروضةُ صارمةٌ جدًّا، فإذا صحت نسبةُ هذا القانون إلى لاوون الثالث، فإنه يظهر عندئذٍ شدةَ الانضباط الذي أَوْجَبَهُ هذا القائد العسكري.٣٣

الثيمات أو البنود

وليس لدينا من المراجع الأولية ما يُنبئنا بما فعل لاوون الثالث بنظام الثيمات، ولكن رجال الاختصاص يرون فرقًا بين ما حفظتْه مراجعُ القرن السابع الرومية عن هذا النظام، وبين ما دَوَّنَه ابن خرداذبه في كتابه المسالك والممالك في القرن التاسع، وهم ينسبون هذا الفرق إلى لاوون وابنه قسطنطين،٣٤ ويرى هؤلاء الاختصاصيون على ضوء هذا الفرق، أن لاوون جعل ثيمات آسية الصغرى ستًّا بدلًا من أربع، فاقتطع من ثيمة الأناضول في الغرب ثيمة جديدة أسماها التراقيَّة نسبةً إلى الجنود التراقيين المقيمين فيها. كذلك يرون أنه قد جعل القسم الشرقيَّ من ثيمة الأبسيق مستقلة أسماها ثيمة البوكولاري نسبةً إلى جنودها البوكولاري الذين كانوا يُعنون بالتموين، ولم يتجاوزْ عدد الثيمات في أوروبة في القرن الثامن أربعًا، وهي: تراقية ومقدونية وهلاس وصقلية،٣٥ ولعل السبب في تقسيم الثيمات الآسيوية كان خوف لاوون من أن يجرؤ عليه القادة، كما جرؤ هو على سيده ثيودوسيوس الثالث، فصغَّر الثيمات لكي تنقص بذلك موارد القادة فيها وتتضاءَل لديهم إمكانات الخروج على السلطة المركزية.
ومما لا ريب فيه أن لاوون عُني في آخر عهده بأسوار العاصمة، ففرض ضريبةً خاصة بها، ورمم ما كان قد تساقط منها بفعل تكرار الزلازل، ولا تزال أبراج الأسوار الداخلية تحمل اسمه واسم ابنه قسطنطين الخامس حتى يومنا هذا.٣٦

حرب الأيقونات

والأيقونة لفظٌ يونانيٌّ معناه الصورة أو الرسم، وهو يُستعمل في المصطلحات الدينية للإشارة إلى صور القديسين. والأيقونات في عُرف الكنيسة نوعان: منها العادي، ومنها العجائبيُّ. وحرب الأيقونات تنقسم إلى مدتين منفصلتين: الأولى من السنة ٧٢٦ حتى السنة ٧٨٠، وتنتهي بالمجمع المسكوني السابع، والثانية تمتد من السنة ٨١٣ حتى السنة ٨٤٣، وتنتهي بإرجاع الأرثوذكسية إلى حالتها الأولى.

وأسباب هذه الحرب الداخلية الطاحنة لا تزال غيرَ واضحة ولا ثابتة؛ لأن ما نعلمه عنها مأخوذٌ — في معظمه — من أقوال أحد الخصمين؛ فلقد ضاعت مصنفات الذين حاربوا الأيقونات، وما بقي منها جاء في معرض الردود التي كتبها الخصوم، فهو — والحالة هذه — غيرُ صالح للأخذ به؛ لِما ينقصه من العدالة. وما يصح من هذا القول على المصنفات العامة يصح كذلك على قرارات المجمعين اللذين حرَّما إكرام الأيقونات؛ فمقررات مجمع السنة ٧٥٣ قد وردت في أعمال المجمع المسكوني السابع، وهو المجمع الذي حرَّمها، وكذلك قراراتُ مجمع السنة ٨١٥ فإنها وردت في تضاعيف إحدى رسائل البطريرك نيقوفوروس.

والباحثون في أسباب هذه الحرب الداخلية يختلفون في الرأي؛ فبعضُهُم يرى أسبابها دينية، وغيرُهُم يراها سياسية، فالمؤرخ اليوناني المعاصر باباريغوبولو يرى — في كتابه تاريخ الحضارة الهلينية — أن حرب الأيقونات كانت في أساسها حرب إصلاحٍ سياسيٍّ اجتماعيٍّ، وأن لاوون الثالث ومِن خلفه من أسرته أراد أن يحرر التعليم والتربية من سيطرة الإكليروس، وأن العناصر المستنيرة المتحررة في الدولة وبعض كبار رجال الدين والجيش قد أيَّدوا هذه الحركة الإصلاحية، وأن إخفاق هؤلاء أجمعين إنما نتج عن تمسك العناصر الجاهلة من النساء والرهبان وأهل الأوساط العاديَّة بكل قديم.٣٧
ويرى المؤرخ الفرنساوي لومبار — في كتابه قسطنطين الخامس — أن حرب الأيقونات كانت حركة إصلاحية دينية ترمي إلى تطهير النصرانية من أدران الوثنية، وأنها جاءتْ في الوقت نفسه الذي جرت فيه محاولاتٌ أُخرى للإصلاح، سياسية اجتماعية ولكنها مستقلة لها تاريخها الخاص،٣٨ ويقول العالم الإفرنسي لويس براهيه: إن محاربة الأيقونات في تاريخ الروم ذاتُ وجهين، فثمة مشادةٌ حول إكرام الأيقونات، وثمة بحثٌ دقيقٌ إذا كان يصحُّ الرمز إلى ما فوق الطبيعة بالرسم والتصوير، وإذا كان يجوز أن يُمثَّلَ القديسون والعذراء والسيد بالتصوير،٣٩ ويرى المؤرخ الروسي أوسبنسكي أن السبب الحقيقي الذي دفع بلاوون وخلفائه إلى خوض غمار هذه الحرب إنما كان خوفهم من ازدياد ثروة الرهبان وتزايُد نُفُوذهم، فالمشادة كانت زمنية سياسية في مستهلِّ أَمْرها فجعلها الرهبان دينية ليوغروا صدور المؤمنين ويحضُّوهم على مقاومة سياسة الحكومة.٤٠
والواقع أن الاعتراض على الأيقونات لم يكن ابن ساعته، ففي بدء القرن الرابع حرَّم مجمع ألفيرة Elvira المحلي في إسبانية إقامة الصور في الكنائس،٤١ ورأى يوسيبيوس أسقف قيصرية فلسطين ومؤرخ الكنيسة أن إكرام صور السيد وبطرس وبولس كان من عادات «الأمم»،٤٢ وفي هذا القرن الرابع نفسه ظهر أبيفانيوس القبرصي أيضًا فمزَّق ستارًا في الكنيسة؛ لأنه كان يحمل صورة السيد وأحد القديسين،٤٣ وفي القرن الخامس اعترض أسقف سوري على الأيقونات قبل سيامته، وفي القرن السادس ضجت أنطاكية مستنكرةً إكرام الإيقونات، وفي هذا القرن أيضًا حرَّم أسقف مرسيلية «مسالية» إقامة الأيقونات في الكنائس، فكتب إليه غريغوريوس العظيم بابا رومة يُثني على عدم التعبُّد لِما هو من صنع البشر، إلا أنَّه ذكَّره في الوقت نفسه بالمؤمنين الأميين الذين لا يقرءون ولا يكتبون، وذكره بضرورة إعانتهم على النظر إلى ما لا يمكنهم أن يقرءوه في الكتب، وعاد فكتب إليه ثانيةً في أن عبادة الصور شيء والتعلم بها شيءٌ آخر.٤٤
ويجب ألا يغيب عن البال أن اليهود — في الشرق والغرب معًا — لم يرضوا قط عن شيء من هذا، وأن القرآن علَّم بأن الأنصاب رجس من عمل الشيطان (سورة المائدة)، وأن الخليفة الأموي يزيد الثاني أمر في السنة ٧٢٣ بتحطيم الأيقونات في كنائس النصارى،٤٥ وأن الإسوريين وخلفاءَهم العموريين كانوا شرقيين آسيويين وأنهم كانوا رجال سياسة وحرب قبل كل شيء، وأن المذهب البولسي كان قد شاع في آسية الصغرى ولا سيما في ولاية فريجية وأن أنصاره كانوا قد أصبحوا قوة مخيفة،٤٦ وكذلك يجب ألا ننسى ازدياد عدد الرهبان وتزايُد ثروتهم ونفوذهم؛ فإنهم بلغوا مائة ألف راهب في هذه الفترة وقد تزايدوا بصورة خاصة في العاصمة نفسها. كما يجب أن نذكر أن هؤلاء جميعًا لم يكونوا من أهل الزُّهد والتقوى، وأن بعضهم لم يتقشف إلا هربًا من أحكام القضاة ورجال الأمن.٤٧
وقضى لاوون الثالث السنوات العشر الأُولى من حكمه في توطيد دعائم ملكه، وفي إخماد نار الثورة التي أَشعلها الفسيلفس أنسطاسيوس الثاني (٧١٣–٧١٦) وقائد صقلية، كما جهد في إعادة اليسر والطمأنينة إلى الولايات التي كانت قد أصبحت مسرحًا للحروب وميدانًا للأوبئة، وكانت العاصمةُ نفسها قد فقدت عددًا كبيرًا من سُكانها نتيجة هذه العوامل ولا سيما الطاعون الذي غشيها في السنة ٧١٨ فتدارك لاوون هذا الشر بأن نقل السكان إليها من الولايات الشرقية، ولا سيما الولايات المتاخمة للعرب، كذلك أعاد النظر في تنظيم جيشه وأَصْلَحَ القوانين — كما سبقت لنا الإشارة.٤٨

وقضى لاوون في السنة ٧٢٢ بتعميد اليهود، وفي السنة ٧٢٣ سمع بما أمر به يزيد الثاني من تحطيم الأيقونات في بلاده، واستمع لما دار بين بطريرك القسطنطينية جرمانوس والأسقفين قسطنطين وتوما الأناضوليين حول رفع الأيقونات من الكنائس، فبدأ يبث الدعاية السلمية في أوساط العاصمة لأجل ترك الأيقونات والإقلاع عن تكريمها.

وفي السنة ٧٢٥ أو ٧٢٦ جمع لاوون الثالث مجلس الدولة الأعلى ودعا إليه البطريرك جرمانوس وبَاحَثَه في موضوع الأيقونات ووجوب رفعها من الكنائس وحظر تكريمها، فاحتج البطريرك وذكَّر الفسيلفس بعهوده للكنيسة تلك التي أقسم أن يرعاها عند تسلمه التاج، ولَمَّا لم تنفع الذكرى وضع الأموفوريون عن عاتقه واستعفى، وأصدر القيصر أمره بحظر تكريم الأيقونات، وبدأ تنفيذَ الأمر بإنزال تمثال السيد الذي كان يعلو باب القصر، فاندلعتْ في الحال ثورةٌ اشتركت فيها النساء اشتراكًا فعليًّا، ومزقت الجماهير الموظف الذي نفذ إرادة الفسيلفس، فرَدَّ لاوون على ذلك بالعنف فسقط عددٌ من القتلى، وهبَّت ثورةٌ في اليونان وجُزُر الأرخبيل أخمدها الجيش بالقوة، وفي السنة ٧٣٠ أصدر لاوون أمرًا أشدَّ من الأول فَقَاوَمَه جرمانوس واحتج عليه، فأهانه لاوون وعزله ونصَّب في مكانه أنسطاسيوس.

وكتب البابا غريغوريوس الثاني كتابة مُرَّة إلى لاوون ولكنه لم يَأْبَهْ بها، واقتدى البابا غريغوريوس الثالث بسلفه فنهى الفسيلفس عن برنامجه، فلم يعر رسالته اهتمامًا، فعقد الباب غريغوريوس الثالث مجمعًا محليًّا في السنة ٧٣٢، وحرم مكافحي الأيقونات، فأنفذ الفسيلفس قوة بحرية ضد البابا ومَنْ قال قوله في إيطالية فغرقت السفن في الطريق، فأرسل عمارة غيرها ورفع سلطة البابا عن أبرشيات صقلية وكلابرية وكريت وإيليرية وألحقها برئاسة بطريرك المسكونة، فقطع البابا كل علاقة له كنائسية ومدنية بلاوون.٤٩

هذا وليس في المراجع الأُولى شيءٌ هامٌّ عن حرب الأيقونات في السنوات العَشْر الأخيرة مِن حُكم لاوون، وهنا لا بد من الإشارة إلى رسالتَي يوحنا الدمشقي ضد معظمي الأيقونات، فقد كتبت هاتان الرسالتان في عهد لاوون، أما الرسالة الثالثة في المعنى نفسه فلا يمكن تحديد تاريخها بالضبط.

وتُوُفي لاوون والبابا غريغوريوس الثالث في السنة ٧٤١، فتسلم قسطنطين الخامس أَزِمَّة الحكم في القسطنطينية وهو الذي أطلق عليه لقب الزبلي Copronymus لأنه أفرز في جرن العماد حين المعمودية، ويروى أيضًا أنه لقب بالزبلي؛ لأنه كان يحب رائحة زبل الخيل. وما كاد يستوي على عرشه حتى انتزع الملك منه صهره آرتافزدوس زوج أخته حنة، فاضطر قسطنطين أن يحاصر العاصمة واستولى عليها عَنْوَةً وقلع عينَي صهره وأعين ابنيه ونفى الثلاثة معًا، ثم شرع في اضطهاد الكنيسة فسخر بالاحتفالات الدينية وبكل قديس، ومنع الأعياد والأصوام وخرَّب الأديرة وجعلها ثكناتٍ للجنود. وكتب إليه البطاركة والبابا يناشدونه ويردعونه ولكنه لم يُصْغِ إليهم، وعقد مجمعًا في السنة ٧٥٤ فأوجب إخراج الأيقونات من الكنائس والبيوت وقطع كل أسقف أو كاهن أو شماس يقتنيها، وقضى على كل راهب أو علماني يقول بالأيقونات أن يحاكم أمام المحاكم المدنية بتهمة مُعاداة الله والمعتقدات الموروثة عن الآباء.
ثم حرم جرمانوس «عابد الخشب» كما حرم منصورًا؛ أي يوحنا الدمشقي «صديق الإسلام وعدو الدولة ومحرِّف الأسفار المقدسة»، ودعا لقسطنطين الجديد ولزوجته التقية الأرثوذكسية بطول العمر.٥٠
وتقوَّى قسطنطين الخامس بقرارات هذا المجمع، فاندفع في محاربة الأيقونات أكثر من ذي قبل وصَبَّ غيظه وبلاءَه على الرهبان، فكم عين قلع، وكم يد وأذن قطع، فضلًا عن قتلهم. وأكره طائفةً منهم على الزواج إكراهًا، واستعرض مرةً فئةً منهم في ميدان الهيبودروم، موجبًا على كُلٍّ منهم أن يُمسك بيد امرأة في أثناء العرض، ويقول ثيوفانس: إن حاكمًا من حُكَّام آسية الصغرى جمع رهبان ولايته وراهباتها في إفسس فأمرهم بأن يرتدوا الأبيض ويتزوجوا حالًا، ومن لم يطع فتسمل عيناه ويقصى إلى قبرص، فهنأه قسطنطين قائلًا له: لقد وجدت في شخصك رجلًا يحب ما أُحب وينفذ جميع رغباتي.٥١
وصادر قسطنطين أملاكَ الأديرة، وضَمَّها إلى أملاك الدولة، وهكذا فَرَّ عددٌ كبيرٌ من الرهبان إلى إيطالية وجنوبي روسية وشاطئ لبنان وفلسطين، ويقدر الأستاذ أندريف الروسي عددَ الذين فَرُّوا إلى إيطالية بخمسين ألفًا،٥٢ وأشهر الشهداء في هذه الفترة من تاريخ الكنيسة إسطفانوس الأصغر،٥٣ ومن هنا — على الأرجح — كان رأي الأستاذ أوسبنسكي أن المؤرخين ورجال اللاهوت قد حَرَّفوا الحقائق وشَوَّهُوها عندما رأوا في هذه الحوادث حربًا ضد الأيقونات iconomachia؛ لأن الواقع أنها كانت حربًا ضد الرهبان monachomachia.٥٤
والذي يراه الأستاذ أندريف الروسي أن موقف المجمع من هذه الحركة كلها قد أدخل شيئًا من الطمأنينة إلى قلوب الشعب فجعلهم مؤمنين بها بضميرٍ صالح، وبذلك تمكن الفسيلفس من أن يجعل كل مؤمن يقسم بأنه سيجتنب تكريم الأيقونات.٥٥

وكان من جراء العنف الذي لجأ إليه لاوون الثالث وابنُهُ قسطنطين الخامس أن نفرت رئاسة الكنيسة الغربية من حكومة الرُّوم فتَقَرَّبَتْ من مُلُوك الغرب لتستعين بهم على دَفْعِ شر الاضطهاد، فَأَفْتَى البابا زخريا (٧٤١–٧٥٢) في السنة ٧٥١، بخلع كليديريك ملك فرنسة وتنصيب بيبينوس، وفي السنة ٧٥٥ قَدِمَ بيبينوس بجيشٍ إلى إيطالية يُحارب اللومبارديين، فجعل البابا إسطفانوس الثالث (٧٥٢–٧٥٧) سيدًا على كل ولايات الرُّوم في إيطالية، ولَمَّا طالب قسطنطين الخامس بولاياته هذه أجابه بيبينوس أنه وهبها لكرسي رومة — عن حبٍّ — لبطرس الرسول؛ كيما تُغفر له خطاياه. ومن هنا، من هذا التباعد بين الفسيلفس والبابا ومن هذا التقارب بين البابا وبيبينوس؛ زُرعت بذور الانشقاق في الكنيسة، البذور التي أَدَّتْ فيما بعد إلى انقسامها شطرين: شرقية وغربية.

المجمع المسكوني السابع

وفي السنة ٧٧٥ تُوُفي قسطنطين الخامس فخلفه ابنُهُ لاوون الرابع، وكان لاوون الخزري مثل والده يرفض الأيقونات ولكنه كان لين الجانب، وبعد خمس سنين خلفه ابنُهُ قسطنطين السادس وله من العمر عشر سنوات، وتولت أُمُّهُ إيرينة زمام الحكم باسمة وكانت مِنْ مُحِبِّي الأيقونات، ولكنها رأت منذ بداية عهدها في الوصاية أن الجيش ما يزال معاديًا للأيقونات، وأن الصقالبة في غَلَيان مستمر؛ فأرجأتِ النظر في إعادة الأيقونات إلى وقت آخرَ.

وكان البطريرك بولس الرابع وغيره من كبار رجال الكنيسة قد أكرهوا إكراهًا على تَقَبُّل قرارات مجمع السنة ٧٥٤، فاستقال ونصح إلى الوصية أن تجمع مجمعًا مسكونيًّا وأن يُرقَّى إلى الكرسي البطريركي طراسيوس كاتم أسرار المملكة. وكان طراسيوس عالمًا تقيًّا فلم يقبل الدرجة إلا بعد أن استوثق من الوصية بأنها تُدافع عن الرأي القويم.٥٦

وفي السنة ٧٨٤ كتب البطريرك طراسيوس، وكتبت الوصية باسمها وباسم ابنها قسطنطين السادس إلى البابا أدريانوس الأول (٧٧١–٧٩٥)، وإلى البطاركة الثلاثة الشرقيين أبوليناريوس الإسكندري وثيودوريتوس الأنطاكي وإلياس الأوروشليمي، من أجل مجمعٍ مسكونيٍّ يُعقد في القسطنطينية؛ فأجاب أدريانوس مادحًا مبتهجًا ولكنه اعترض على ارتقاء طراسيوس من العوام وعلى لقبه بطريرك المسكونة، وطلب أن تُرد له أملاك بطرس الرسول والسلطة على الأبرشيات التي أضافها لاوون الثالث إلى الكرسي القسطنطيني.

وفي السنة ٧٨٦ اجتمع المجمعُ في القسطنطينية في كنيسة الرسل، ولكن الجند اندفعوا إليها شاهرين السلاح، فدفعوا بالآباء إلى الخارج. وفي السنة ٧٨٧ الْتَأَمَ هذا المجمعُ في مدينة نيقية، وكان مؤلفًا من ٣٦٧ أبًا وكان رئيسُهُ طاراسيوس. وناب عن البابا أدريانوس القِسَّان بطرس وبطرس، وعن البطاركة الشرقيين الثلاثة القِسَّان توما ويوحنا؛ لأن الظروفَ السياسية كانت شديدةً على هؤلاء.

وعقد المجمع المسكوني السابع ثماني جلساتٍ واشترع اثنين وعشرين قانونًا، وفي الجلسة الأُولى خطب البطريرك طاراسيوس الرئيس خطبة وجيزة، ثم قرئ كتاب قسطنطين الفسيلفس ووالدته الوصية إيرينة: «إننا قيامًا بالوصية الإنجيلية وصية المسيح رئيس الكهنة الأبدي، قد عنينا في إرجاع السلام إلى الكنيسة، فبرضاه ومَسَرَّتِهِ قد جمعناكم أنتم كهنته الجزيل بِرُّكم الحافظين عهده بذبائحَ غير دموية؛ ليكون حُكمُكم حكم المجامع المستقيمة الرأي.»

ومما جاءَ في هذه الرسالة أن طاراسيوس أُغصب على قبول المنصب البطريركي، وأنه قال قبل أن يقبل الشرطونية: «إني أرى وأنظر كنيسة المسيح المؤسسة على الصخرة التي هي المسيح إلهنا مقسومةً الآن ومنشقة، وإننا نحن كنا نقول قبلًا بغير ما نقول الآن، ومسيحيو الشرق المماثلون لنا في الإيمان يقولون قولًا آخر، ووافقهم مسيحيو الغرب، ونحن غرباء عنهم جميعهم، وكل يوم نحرم من الجميع، فأطلب عقد مجمع مسكوني يحضره نوابٌ عن بابا رومة، وعن رؤساء كهنة الشرق.»

وبعد ذلك دخل الأساقفةُ المبتدعون، واعترفوا بغَلَطِهِم، وقَدَّمُوا ندامةً، ورفعوا اعترافات إيمان مستقيم، وفي مُقَدِّمَة هؤلاء باسيليوس أسقف أنقيرة، وقد قال في كتابه: «فأنا باسيليوس أسقف مدينة أنقيرة قد اخترتُ أن أَتَّحِدَ بالكنيسة الجامعة أعني: أدريانوس بابا رومة القديمة الجزيل القداسة وطاراسيوس البطريرك الجزيل الغبطة، والكراسي الرسولية الجزيلة القداسة، كراسي إسكندرية وأنطاكية والمدينة المقدسة، وسائر رؤساء الكهنة والكهنة الأرثوذكسيين، وقدمته إليكم أنتم الذين نِلْتُمُ السلطان عن الأصل الرسولي.»

وفي الجلسة الثانية قُرئت رسائلُ البابا ورسائل البطاركة، ومما جاء في رسالة البابا أدريانوس التي وَجَّهَها إلى «أخيه الحبيب طاراسيوس»: «وبما أن برَّكم قريبٌ من الأقدام السامية، أقدام ملوكنا العظام، الجزيل تقواهم المُتَوَّجين من الله؛ تضرعوا إليهم عَنَّا أن يأمروا بإعادة الأيقونات المقدسة إلى مركزها القديم في مدينة العاصمة المحروسة، وفي كل مكان.»

وسأل النواب طاراسيوس: هل يوافق على رسالة أدريانوس أم لا؟ فأجاب: أنه يوافق عليها لكونها أرثوذكسية، وأنه هو نفسه قد فحص وبحث وتَعَلَّم من الآباء، واعترف ويعترف وسيعترف، ويؤيد صحة التحارير التي قُرئت، قابلًا الأيقونات المصورة على أثر تسليم آبائنا الأقدمين، فقال عندئذٍ القس يوحنا أحد نائبي البطاركة: «إنه يَليق بنا في الحاضر أن نرنم زبوريًّا: الرحمة والحق تَلَاقَيَا والعدل والسلام تَلَاثَمَا؛ فإن الرحمة والحق تلاقيا، أعني: أدريانوس وطاراسيوس، باتفاق رأيهما وتعليمهما.»

وفي الجلسة الثالثة قُرئت رسالة طاراسيوس إلى البطاركة وأجوبتهم عنها، وفي الرابعة اعترف الآباءُ بوجوب تكريم الأيقونات وقبَّلوها وألغَوْا مجمع السنة ٧٥٤ لأنه لم يكون مسكونيًّا، وفي السابعة كتب اعتراف الإيمان وحدَّد فيه المجمعُ وجوبَ تقبيل الأيقونات والسجود الإكرامي لها «احترامًا للذين صورت عليهم لا عبادةً لهم، كما اتهم الكنيسة أعداؤها؛ لأن العبادة إنما تجب لله وحده دون غيره.»٥٧

رومة تستعيد حقها في انتخاب الإمبراطور

وكان من جراء هذا الاضطهاد الذي لحق بالكنيسة في الشرق والغرب أيضًا ومن جراء استمساك بطريرك القسطنطينية بلقب «بطريرك المسكونة»؛ أن حاول بابا رومة لاوون الثالث إعادةَ الحق إلى رومة العاصمة الأولى في انتخاب الإمبراطور؛ فإنه اعتبر — فيما يظهر — سُلطةَ إيرينة غيرَ قانونية؛ لأنها امرأة، ولأنه لم يسبق لرومة أن اعترفت بحق امرأة في الملك، واعتبر عرش الإمبراطورية الرومانية شاغرًا بعد خَلْع قسطنطين السادس وسَمْل عينيه، فتوَّج كارلوس الكبير ملك الإفرنج إمبراطورًا في كنيسته الكتدارئية وفي يوم عيد الميلاد من السنة ٨٠٠، واعتبره خلفًا للاوون الرابع وهرقل ويوستنيانوس وثيودوسيوس وقسطنطين. واعتبرت الحكومةُ البيزنطيةُ هذا العمل خروجًا على السلطة، وتوقعتْ زحف كارلوس الكبير على الشرق لخلع إيرينة وتسلُّم أَزِمَّة الحكم كما فعل غيرُهُ قبله من الأباطرة الذين قاموا في الغرب فزحفوا ووحدوا.٥٨
ويرى البعضُ مِنْ رجال الاختصاص أن كارلوس عَلِمَ — حق العلم — أَنَّ الحُكُومة البيزنطية سَتنتقي بعد إيرينة فسيلفسًا جديدًا، ففاوض إيرينة في الزواج، وأن إيرينة نظرتْ إلى هذا الاقتراح بعين الرضى، ولكنها غُلبت على أمرها، فخُلعت في السنة ٨٠٢؛ ولذا فإن برنامج كارلوس لم يتحققْ.٥٩
ولم يعترف الرومُ بلقب كارلوس الجديد قبل السنة ٨١٢، ولكنهم — في مقابل هذا — أضافوا رسميًّا إلى اللقب الفسيلفس الكلمة «الروماني»، ولم يَدُمْ عهدُ هذه الإمبراطورية الرومانية في الغرب؛ فإن خلفاءَ كارلوس الكبير كانوا صغارًا، وفي النصف الثاني من القرن العاشر استعاض بابا رومة عن هذه الإمبراطورية الرومانية بإمبراطورية رومانية «مقدسة».٦٠
١  Schenk, K., Kaiser Leones, III, Byz. Zeit., V, 296ff.
٢  Iorga, N., Origines des l’Iconoclasme, Bulletin Acad. Roumaine, XI, (1924), 147.
٣  Kulakovsky, J. A., Hist., of Byzantium, III, 319.
٤  Theophanes, Chronographia, ed. Boor. 391.
٥  Chronographia Tripertita, ed. Boor. 251.
٦  ج٣، ص٢٥.
٧  Lingenthal, K. E. Z., Jus Graeco-Romanum, III, 55; Zepos, P., Jus Graeco-Romanum I, 45.
٨  أومان، الإمبراطورية البيزنطية، تعريب الدكتور مصطفى طه بدر، ص١٥٥-١٥٦.
٩  Lombard, Alfred, Constanin V., 31.
١٠  الدكتور إبراهيم العدوي، الإمبراطورية البيزنطية والدولة الإسلامية، ص٦٣–٦٥.
١١  Akroinon.
١٢  Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 238.
١٣  Lombard, A., Op. Cit., 35-36; Laurent, J., l’Arménie entre Byzance et l’Islam, 184, 208.
١٤  Arabissos.
١٥  Zapetra.
١٦  Bury, J. B., Op. Cit., II, 244-245.
ونقله للعربية بمعظمه من لفظ الدكتور أحمد العدوي، الإمبراطورية البيزنطية، ص٧٠–٧٥.
١٧  البلاذري، ص١٧٦، والعدوي، ص٧١-٧٢.
Le Strange, G., East. Caliphate, 128.
١٨  قدامة ابن جعفر، الخراج، ٢٥٩. راجع أيضًا: الملحق الثاني من كتاب الدكتور إبراهيم أحمد العدوي، ص١٨١–١٨٥.
١٩  Honigmann, E., Ostgrenze des Byz. Reiches, 47.
٢٠  Brooks, E. W., Relations between Emp. and Egypt, Byz. Zeit., (1913), 385; Weil, Gesch. der Chalifen, II, 157.
٢١  Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 239.
٢٢  Lombard, A., Etudes, Constantin V, 59.
٢٣  Vasiliev, A. A., Op. Cit., 240.
٢٤  Ginnis, D., Das Promulgationsjahr der Isaurischen Ecloge, Byz. Zeit., (1924), 356-357.
٢٥  Zepos, J., Jus Graeco-Romanum, II, 14, 16-17; Freshfield, E., A Manuel of the Roman Law, Ecloga, 68–70.
٢٦  Bury, J. B., Constitution of Later Rom. Emp., II, 414.
٢٧  Paparrigopoulo, K., Hist. Civ. Hellenique, 205–209.
٢٨  Lingenthal, Z., Gesch. Des Griechisch-romischen Rechts, 250.
٢٩  Pancenko, B. A., The Rural Code and Monastic Documents, 86.
٣٠  Uspensky, Th. I., Byz. Emp., I, 28.
٣١  Diehl, Ch., et Marçais, G., Mande Oriental, 256, n. 23.
٣٢  Vasiliev, Alexander, A., Byz. Emp. 246-247.
٣٣  Lingenthal, Op. Cit., 16-17; Byz. Zeit., III, 448-449.
٣٤  Brooks, E. W., Arabic Lists of Byz., Themes, Journal of Hellenic Studies, XXI, 67ff.
٣٥  Theophanes Continuatus, Historia, ed. Bonn. 6.
٣٦  Millingen, A., Byzantine Constantinople, 98-99.
٣٧  Paparrigopoulo, K., Hist. de la Civ. Hellenique, 188–191.
٣٨  Lombard, A., Constantin V., 105, 124–128.
٣٩  Bréhier, L., La Querelle des Images, 3-4.
٤٠  Uspensky, Th. I., Byz. Emp. II, 22–53, 89–109, 157–174.
٤١  Mansi, J. D., Sacrorum Consiliorum Nova, (Consilium Liberitanum, Par. XXXVI).
٤٢  Historia Ecclesiastica, VII, 18, 4.
٤٣  Patrologia Graeca, XLIII, 390; For authenticity, see, Serruys, D., Acad. Inscriptions et Belles Lettres, (1904), 361–363.
٤٤  Epistotue, IX, 105; XI, 13, ed. Migne; Patrologia Latina, LXXVII, 105.
٤٥  Becker, Ch., Islamstudien, I, 446.
٤٦  Lebedev, A. P., Ecumenical Councils of the Sixth, Seventh, and Eighth Centuries, 142.
٤٧  Kondakov, N. P., Iconography, II, 3; Andreev, I. D., Germanus and Tarasius Patriarchs of Const., 79; Vasiliev, A. A., Byz. Emp. 256-257.
٤٨  Bréhier, L., Byzance, Vie et Mort, 77.
٤٩  Theophanes, Chronographia, ed. Boor. 404; Leclercq, “Constantin”, Dict. d’Arch. Chrét., III, 248; Diehl, Ch., Leo III and Is. Dyn. Cam. Med. Hist., IV.
٥٠  Mansi, Amplissima Collectio Conciliorum, XIII, 323, 327, 346, 354, 355; Ostrogorsky, G., Gesch. des Byz. Bilderstreites, 7–29.
٥١  Theophanes, Chron. ed. Boor. 445, 446.
٥٢  Andreev, I., Germanus and Tarasius, 78.
٥٣  Patrologia Graeca, Cols. 1070–1186.
٥٤  Uspensky, Ch., N., Hist. of Byzantium, I, 228.
٥٥  Andreev, I., Germanus and Tarasius, 96.
٥٦  جراسيموس متروبوليت بيروت، تاريخ الانشقاق، ج١، ص٣٦٤-٣٦٥.
٥٧  جراسيموس متروبوليت بيروت، تاريخ الانشقاق، ج١، ص٣٦٥–٣٧٠.
Mansi, Amplissima Collectio Consiliorum, XIII.
٥٨  Bury, J. B., Charles the Great and Irene, Hermanthena, VIII, (1893), 17–37; Schramm, P., Kaiser Rom und Renovatio, I, 12-13.
٥٩  Theophanes, Chron., 475; Ostrogorsky, G., Gesch. des Byz. Staates, 128.
٦٠  Vasiliev, A. A., Byz. Emp. 265–269.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤