الفصل العشرون

خُلفاء الإسوريين والأسرة العمورية

٨٠٢–٨٦٧

نيقيفوروس الأول وميخائيل الأول (٨٠٢–٨٢٠)

واستطاع نيقيفوروس Nicephorus أو نقفور أن يستولي على الإمبراطورية في يسرٍ وسهولةٍ كما سبق أن أشرنا، وكان ساميَّ الأصل إن لم يكن عربيًّا،١ ولم يقتفِ آثار إيرينة في تنفيذ مقررات المجمع السابع، ولكنه لم يضطهد مَنْ قال بإكرام الأيقونات، ولا هو شَجَّعَهم، وجاهد جهادًا طيبًا في سبيل الخزينة، فنقض الإعفاءات من الضرائب التي كانت قد منحتها إيرينة استرضاءً، وأَعَادَ النظرَ في سجل الأراضي، وفي ضرائب الدخل، وفرض ضرائبَ جديدةً خصَّ بها الأغنياء؛ لتعبئة الجيش وتسليحه، فاكتسب بذلك كُرْهَ بعض الأوساط، ومن هنا — على الأرجح — تَهَجَّمَ عليه ثيوفانس المؤرخ.٢
ومع أنه أخمد — بسهولةٍ — ثوراتٍ عِدَّة أشعلها ضباطٌ ساخطون؛ فإنه لم يكن موفقًا في حروبه الخارجية، فقد كتب منذ أوائل عهده إلى هارون الرشيد يقول: «إن هذه المرأة (إيرينة) وضعتْك موضع الرخ ووضعت نفسها موضع الشاة، فَأَدِّ إليَّ ما كانت المرأةُ تؤدي إليك.» فأجابه الرشيد: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله هارون أمير المؤمنين، إلى نقفور كلب الروم، أما بعد، فقد فهمت كتابك، والجواب ما تراه لا ما تسمعه.»٣
وأغار هارون على آسية الصغرى، واحتل في السنة ٨٠٦ تيانة «طواني» وأنشأ فيها مسجدًا وجَعَلَها قاعدةً لأعماله الحربية، وغزا رودس في السنة ٨٠٧، وفرض الغرامة، فَدَفَعَها نيقيفوروس كما دفعتها إيرينة من قبله.٤
ثم شُغل هارون بالثورات في أقاليمه الشرقية، وغزا نقفور البلغار في السنة ٨١١؛ لينتقم من مليكهم كرومِّ الذي كان قد سطا على تراقية، فأحرز عليه نقفور انتصارًا باهرًا، ولكنه فوجئ بعد ذلك بهجومٍ ليليٍّ اشتد فيه القتال، فسقط نقفور وجُرح ابنه وولي عهده ستوراقيوس. على أن الروم لم يقفوا حتى بلغوا أدرنة وتركوا جثة الفسيلفس في ميدان القتال، فقطع البلغاريون رأس نقفور واتخذوا جمجمته كأسًا.٥
figure

وكان نيقيفوروس قد أشرك ابنه الوحيد ستوراقيوس في الحكم منذ السنة ٨٠٣ وزوَّجه من نسيبة لإيرينة بعد أنْ فازت في مسابقة على الجمال، ولكن جرح ستوراقيوس كان قاتلًا فتولى العرشَ بعده صهرُهُ ميخائيل الأول، وهو من أسرة نبيلة عريقة في الشرف. وكان ميخائيل هذا لطيفَ المعشر معجبًا بالرهبان، فأبعد عن الوظائف جميع أعداء الأيقونات، فأثار غضبهم ودفع بهم وبمَنْ قال قولهم إلى التآمر.

ومما زاد الطين بلة أن البطريرك نيقيفوروس أعلنها حربًا على المهاجرين الشرقيين، وكان هؤلاء قد نقلوا من الولايات النائية المتاخمة لحدود العرب إلى العاصمة وتراقية؛ ليحلوا محل الذين سقطوا في الحُرُوب أو ماتوا مِن جراء الطاعون.

وهؤلاء الشرقيون كانوا لا يزالون يدينون بمذاهبَ لم تُقرها المجامع المسكونية، وعلى الرغم من وساطة البعض ورجائهم إلى البطريرك أن يُعامل هؤلاء بالحسنى ويتودد إليهم؛ لعلهم يعودون إلى حضن الكنيسة، فإن البطريرك تمادى في القسوة فعادت المشادة الدينية إلى ما كانت عليه من قبل.٦
وكانت الحربُ البلغاريةُ لا تزال ناشبة، وكان الخاقان البلغار كرومُّ لا يزال يسطو على الأرياف والمُدُن حتى وصلتْ طلائعُ فرسانه إلى أسوار أدريانوبل، فضَجَّ السكانُ، وطالب المهاجرون الشرقيون بالعودة إلى أوطانهم في آسية، ورأى الوُجهاءُ والأعيانُ أَنْ لا مَفَرَّ من الحرب لصَدِّ هذا العدوان، فأَعَدَّ ميخائيل جيشًا كبيرًا، وزحف إلى الجبهة في أيار من السنة ٨١٣، فالتقى في الثاني والعشرين من حُزَيْرَان جيوش البلغار عند أدريانوبل، فدارت الدائرة على الروم وانهزم ميخائيل، فنادى الجند بلاوون الأرمني، أحد كبار القادة فيهم، فسيلفسًا، وفي العاشر من تموز دخل لاوون العاصمة فاستقبله الشيوخُ، وتنازل ميخائيلُ وتَرَهَّبَ واعتزل في دير من أديرة الجزر.٧

لاوون الخامس (٨١٣–٨٢٠)

وأَوَّلُ ما فعله هذا الفسيلفس الأرمني أَنْ أَقْسَمَ يمينَ الولاء للكنيسة، وقطع وعدًا بأنْ يُحافظ على عقائدها ومصالحها، ثم عُني بأسوار العاصمة للصمود في وجه البلغار الذين ما فَتئوا يصدمونها، وكان خاقانُهُم كرومُّ يحاول إرهاب السكان بذبح الأبرياء عند الأسوار، ولكن في ربيع السنة ٨١٤ بينما كان هذا الخاقان يعد هجومًا جديدًا على العاصمة البيزنطية فاجأتْه المنية، وكان ذلك في الرابع عشر من نيسان، فاضطر ابنُهُ أن يُصالح الروم؛ ليتسنى له توطيدُ العرش، فسالمهم ثلاثين سنة، وسلِمت القسطنطينية من هجمات البلغار ثمانين سنة.٨

وكان لاوون وصوليًّا في سياسته، وكان يعتمد على جُنُودٍ آسيويين لا يحترمون الأيقونات ولا يرغبون في تكريمها، فما إن استتب له الأمرُ وتَخَلَّصَ مِنْ خطر البلغار حتى نكث يمينه ونبذ عهد الولاء للكنيسة، وكان مراوغًا مداورًا، فبث — بادئ ذي بدء — في الأوساط الرسمية وغير الرسمية أن ما حَلَّ بالدولة من ضَعْفٍ وما أَحْدَقَ بها مِنْ خَطَرٍ إنما نَشَأَ عن العَوْدَةِ إلى تكريم الأيقونات وتَقْدِيسِهَا.

وبَعْدَ أَنْ تمكن من جمع قرارات مجمع السنة ٧٥٤ عقد مجلسًا في القصر ضَمَّ بعض وجهاء الطرفين المتخاصمين، ممن قال بالأيقونات وممن حرَّمها، ودعا البطريرك نيقيفوروس إلى هذا المجلس في خريف السنة ٨١٤ وثيودوروس رئيس دير الأستوديين وطلب إلى المجتمعين أن يبحثوا في أمر الأيقونات، فأجابه ثيودوروس — بصراحة وشدة — أن البحث في الأُمُور الدينية منوطٌ برجال الدين، وأن الواجب على الفسيلفس أَنْ يُطيع هؤلاء في أُمُور الدين لا أن يغتصب دورهم اغتصابًا، وأن للفسيلفس أن يعنَى بما سوى ذلك.٩
فأجاب لاوون بأنه لا يرغب في حمل الناس على الاستشهاد، وفي عيد الميلاد من هذه السنة استمع للقداس الإلهي في كنيسة الحكمة الإلهية مظهرًا الخشوع مكرمًا الأيقونات، ولكنه في ربيع السنة ٨١٥ ألقى القبض على البطريرك نيقيفوروس ونفاه إلى خريسوبوليس وأقام في موضعه علمانيًّا يدعى ثيودوتوس، ثم عقد مجمعًا محليًّا في نيسان من السنة نفسها في كنيسة الحكمة الإلهية ثبَّت فيه مقررات مجمع السنة ٧٥٤ وحرَّم تكريم الأيقونات.١٠
على أن لاوون الخامس كان أقل إسراعًا ممن سبقه إلى محاربة الأيقونات، مع أن مقاومة من كرَّم الأيقونات كانت أَشَدَّ وأقوى مِن ذي قبل، فاكتفى لاوون بنفي الأساقفة والرهبان وبحبسهم، نفى ثيودوروس مثلًا إلى بيثينية ثم إلى أزمير. وهذا المجاهد بقي قويًّا شديدًا، فكتب من سجنه في أزمير في السنة ٨١٩ يشدد عزائم الرهبان كما أنه استغاث ببابا رومة وببطاركة الشرق الثلاثة.١١
وأشرك لاوون ابنه في الحكم وظن أنه بذلك يؤسس أسرة حاكمة، ولكن رفاقه في السلاح الذين عاونوه في الوصول إلى الحكم — وفي طليعتهم ميخائيل العموري — لم يرضَوا عن مسلكه فتآمروا عليه، واكتشف لاوون هذه المؤامرةَ وقذف بميخائيل إلى السجن، ولكنه أَجَّلَ عقابه حتى عيد الميلاد، وترك شركاءَه في المؤامرة أحرارًا، فعزم هؤلاء وأصدقاؤهم على أَنْ يضربوا ضَرْبَتَهم قبل أن ينكشف أَمْرُهُم، وقرروا أن يذبحوا لاوون في كنيسته الخاصة عند حضوره القداس؛ لأنه كان لا يقترب من القربان المقدس حاملًا السلاح. وهكذا، حضر المتآمرون قداس الميلاد وهاجموا لاوون في أثناء صلاة التوبة، فاختطف هو الصليب المعدني الثقيل من المذبح وضرب به بعض الذين هاجموه، ولكنهم تكاثروا عليه وذبحوه على مقربة من المذبح وأخرجوا ميخائيل من سجنه وتوَّجوه فسيلفسًا قبل أن تكسر قيوده الحديدية.١٢

الأسرة العمورية (٨٢٠–٨٦٧)

وكان ميخائيل الثاني هذا ريفيًّا غير مثقف، وقد أطلق عليه اسم العموري نسبةً إلى عمورية Amorium مسقط رأسه في ولاية فريجية، وكان يدعى الألثغ والتمتام، وكان قد قضى حياته في الجيش وترقى في سلكه حتى أصبح من كبار الضباط، وبقي جنديًّا عتيقًا بطباعه وعاداته، ولكنه كان قديرًا ماهرًا حكيمًا، فخصَّ عرشه بشطرٍ وافرٍ مِنْ وقته، وتزوج من إفروسينة ابنة قسطنطين آخر ورثة الإسوريين، فقوَّى بذلك حقه في التاج، وأشرك ابنه ثيوفيلوس في الحكم، ثم أصدر أمرًا منع فيه كل مشادة حول الأيقونات، واستدعى من المنفى جميع المبعَدين بسبب ذلك. واستقبل ثيودوروس الراهب الإستديوني في قصره وأكد له حرية العبادة، وقال لنقيفيوروس البطريرك: ليس لي أن أبتدع في الإيمان والعقيدة ولا أن أُجادل في التقاليد الموروثة أو أن أنقضها،١٣ ولكنه قبل أن يتسنى له شيء من هذا اضطر أن يُجابه ثورةً مخيفةً دامتْ سنتين وفاقتْ في اتساعها أكثر ثورات عصرها.

ثورة توما الصقلبي (٨٢١–٨٢٣)

وكان بين رفاق ميخائيل في السلاح ضابطٌ كبيرٌ، صقلبيُّ الأصل أو أرمنيٌّ، التحق بخدمة أحد البطارق في عهد إيرينة، فاتصل سرًّا بزوجة البطريق وذاع هذا السر، فهرب إلى الشام وبقي فيها حتى عهد لاوون الخامس، فلما كان عهد نقفور عاد إلى بلاد الروم واشترك في ثورة بردانيوس في السنة ٨٠٣، ثم عاد إلى جوار الرشيد وبقي حتى عهد المأمون (٨١٣–٨٣٣)، وهذا الضابطُ الكبير هو توما الصقلبيُّ، بَطَل هذه الثورة التي نحن بصددها.

ومما جاء في المراجع اليونانية أنه في أثناء ثورة بردانيوس (٨٠٣) على نقفور؛ تنبأ أحد الرهبان بفشل بردانيوس ورفاقه لاوون وميخائيل وتوما، وبأن الأولَين يحملان التاج الإمبراطوري، وبأن الثالث ينادَى به إمبراطورًا، ولكنه يهلك بعد ذلك بقليل.

والواقع أَنَّ لاوون أصبح فسيلفسًا، وأن ميخائيل استوى على العرش بعده، وأن توما طمحت نفسُهُ إلى الملك، فبدأ يسعى له في أرمينية والبونط منذ أواخر عهد لاوون، فلما قتل لاوون في السنة ٨٢٠ استغل توما الظرف واتجهت أنظارُهُ شطر القسطنطينية وعرشها، وأيدت آسية الصغرى — بمعظمها — توما الصقلبي، لم يشذ منها سوى ثيمتي أرمينية والأبسيق، وادعى توما أنه قسطنطين السادس ابن إيرينة، فالتف حوله مكرمو الأيقونات. ورأى المستضعفون من سكان آسية الصغرى في توما محرِّرًا، فدخلوا في حزبه؛ أملًا في تحسين مستقبلهم «فرفع الخادم يده في وجه سيده، والجندي في وجه قائده، والقائد في وجه أميره.»١٤

ويرى بعضُ رجال الاختصاص أن الصقالبة في آسية الصغرى رأوا في توما محررًا قوميًّا، فاندفعوا في سبيل نُصرته اندفاعًا عظيمًا، ولا ننسى أَنَّ الأباطرة كانوا قد نقلوا إلى آسية أُلوفًا من الصقالبة.

وتفاهم توما والمأمون فأَمَدَّهُ هذا بجيشٍ قويٍّ، ثم استمال جُبَاةَ الضرائب في آسية، فتَوَافَرَ لديه المالُ، وأمر المأمون أيوب بطريرك الروم في أنطاكية أن يرسم توما فسيلفسًا؛ لأنه سمع أن الفسيلفس لا يقام من غير بطريرك «فقرأ البطريرك عليه الأدعية ووضع على رأسه تاجًا ذهبيًّا بأحجار ثمينة»،١٥ والتحق بتوما أيضًا أسطول إيجه فلم يبقَ لدى ميخائيل الثاني سوى الأسطول الإمبراطوري.

ونهض توما بجيوشه إلى بر الأناضول، ولم يكن عند ميخائيل الثاني فكرة صحيحة عن قوة خصمه، فدفع لملاقاته بجيشٍ صغيرٍ، ونشبتْ معركةٌ انتصر فيها توما وانهزم جيشُ الفسيلفس، فأدرك ميخائيل أنه يواجه ثورة ليست كالمعتاد وأن أنصار الأيقونات يؤيدون توما؛ ولهذا أسرع فاستدعى إليه زُعَمَاءَ القائلين بتكريم الأيقونات وحاول إقرارَ السلام الديني بمؤتمر في القصر — كما سبقت معنا الإشارة — ولكن ثيودور الراهب رفض الاجتماع مع الهراطقة، وقصد توما القسطنطينية متناسيًا أنه يترك وراءَه أنصارًا لخصمه، ووصل إلى المضايق وعبر البحر إلى تراقية، فتَبِعَهُ عددٌ كبيرٌ من السكان وبينهم الصقالبة المقدونيون، وبلغ القسطنطينية في أواخر السنة ٨٢١ وبدأ حصارها برًّا وبحرًا، وكان يتوقع أن تفتح العاصمة أبوابها بمجرد اقترابه منها، ولكنها لم تفعل، وضعفت الحماسة له في أوساط حزب الأيقونات؛ لأنه كان قد أحاط نفسه بالمسلمين وجاء منهم بعدد كبير، ورفع ميخائيل علم الحرب على سطح كنيسة بلاخرنة، وترأس ابنه ثيوفيلوس موكبًا رافعًا الصليب ورداءَ العذراء ودار حول الأسوار يسأل المعونة الإلهية لإنقاذ المدينة.

واستمرتْ عمليات الحرب متساجلة واقتصرتْ على اصطداماتٍ يسيرة؛ لأن ميخائيل صرف نفسه عن الاشتباك بمعركةٍ حاسمةٍ لكثرة جُنُود توما، ثم اتفق ميخائيل وأمورتاج خاقان البلغار فأصبح توما أمام عدوين، وضج جيشه ساخطًا؛ لأن الحرب طالت دونما وصول إلى نتيجة حاسمة، وانحاز قسمٌ كبيرٌ من جيش توما إلى الفسيلفس في إحدى المعارك، فارتد تُوما إلى أركاذيوبوليس، فحصره ميخائيل فيها خمسة أَشْهُر، فجاع أهلُ المدينة وقامت فيها مؤامرةٌ فألقي القبض على توما وقيد وسُلِّم إلى ميخائيل في منتصف تشرين الأول من السنة ٨٢٣ فقتله،١٦ ولم يَقْوَ المأمونُ على إمداد توما بأكثر مما فعل؛ لاشتغاله بثورة الخُرَّمية.

نزول العرب في أقريطش (٨٢٦-٨٢٧)

وثار أهل قرطبة على الخليفة الحكم في السنة ٨١٤ فهزمهم الخليفة، وأمر من بقي منهم حيًّا أن يغادر إسبانية في ثلاثة أيام، فجمع الثوار نساءَهم وأطفالهم وما استطاعوا حمله وأبحروا إلى أفريقية، وقصد قسم منهم بلغ عدده خمسة عشر ألفًا إلى أرض مصر فنزلوا في ضواحي الإسكندرية في هذه السنة نفسها، ثم انتهزوا فرصة اشتغال المصريين بثورة على العباسيين فاحتلوا الإسكندرية نفسها في السنة ٨١٦. وفي السنة ٨٢٥ جاء القائد العباسي عبد الله بن طاهر وطلب إلى الأندلسيين مغادرة الإسكندرية، ونصح لهم أن ينزلوا في إقليمٍ من أقاليم الروم.١٧
وفي السنة ٨٢٦ أغار الأندلسيون الإسكندريون على جزيرة أقريطش غارة استطلاعية تمهيدية وآبُوا بالغنائم والأسرى، وفي السنة ٨٢٧ أو ٨٢٨ نزلوا فيها فلم يلقَوا مقاومةً تذكر، وأنشئوا لهم حصنًا وأحاطوه بالخندق وجعلوه حاضرةً لهم، فسميت قاعدتهم: الخندق ولا يزال اسمها Candia، وحاول ميخائيل انتزاع أقريطش من يد هؤلاء العرب، فأنفذ إليها حملة قوية في السنة ٨٢٨ وأردفها بحملة أُخرى في السنة ٨٢٩ ولكن جهوده لم تثمر، وقُدِّر للعرب الأندلسيين أن يبقوا فيها مدة قرن يغيرون منها على الجُزُر المجاورة وعلى مراكب التجار، فيقُضُّون بذلك مضجع الروم ويُنزلون بتجارهم خسارة فادحة.١٨

ثورة يوفيميوس الصقلي (٨٢٦-٨٢٧)

وثار يوفيميوس تورمارخوس صقلية في السنة ٨٢٦ على ميخائيل الثاني، وأَعْلَنَ نفسه فسيلفسًا، ولكنه خشي سُوءَ العاقبة، فراسل زيادة الله الأول الأغلبي (٨١٧–٨٣٨)، وفاوضه على أن يحكم يوفيميوس صقلِّية بلقب إمبراطور ويدفع للأمير الأغلبي مالًا سنويًّا، فأنفذ زيادة الله سبعين سفينةً وعشرة آلاف فارس إلى صقلية بقيادة عبد الله أسد بن فرات، وكان نزولُهُم فيها في السنة ٨٢٧ بدءًا لاحتلال طويل الأمد، ولم يوجه الروم جهودًا كبيرةً للدفاع عن هذه الجزيرة؛ نظرًا لبُعدها، ولانشغالهم بناحية الشرق،١٩ ولم تكن انتصارات العرب فيها سريعة ولكنهم استولوا بالتدريج على الجزيرة كلها في عهد خلفاء ميخائيل.

ثيوفيلوس الأول (٨٢٩–٨٤٢)

وبرغم هذه الثورات المزعجة المخيفة؛ فإن ميخائيل تُوُفي وفاةً هادئةً وتولى الحكم بعده ابنه ثيوفيلوس «حبيب الله»، وكان ثيوفيلوس هذا رَجُلَ حربٍ، فقاد جيوشه بنفسه وأَحْرَزَ بعض الانتصارات، وفي الوقت نفسه كان رجلَ إدارة وتدبيرٍ ماليٍّ، فترك في الخزينة عند وفاته ما يعادل مليون ليرة ذهبية، وعني بالبناء فَشَيَّدَ قصرًا جديدًا في القسطنطينية ضاهى به قصر المأمون وفَاقَهُ زُخرفًا وجمالًا، وأصبحت شجرته الذهبية حديث الشرق بأسره، كما ظلت أُسُوده الذهبية — التي ترفع من أسفل العرش فتزأر — حديثَ الأجيال المقبلة.

واهتم لمدارس الدولة التي كانت تُخرِّج رجال الإدارة والأساقفة، فوكل أمرها إلى لاوون الرياضي أشهر علماء عصره وأرفعهم شأنًا، ونجح بإبقائه في بلاده على الرغم مِنْ أَنَّ خليفةَ بغداد كان يشوِّقه للانتقال إليه.٢٠
ومما يجدر ذكره في هذا المقام أن ثيوفيلوس حين أصبح أرملًا طلب إلى الإمبراطورة إفروسينة أن تجمع في تشريفاتها أجمل بنات الأشراف في العاصمة وسار بين صفوفهن ليختار زوجة، وكان يحمل في يده تفاحة من الذهب تشبهًا بباريس بطل الأساطير اليونانية القديمة، فوقع نظرُهُ في أول الأمر على الحسناء إيكاسية، وعندما اقترب منها قال لها: «إن معظم الشر من النساء.» فأجابت: «ومعظم الخير أيضًا.» فأفحمتْه. ويبدو أن هذا الرد لم يُرضِ الفسيلفس؛ لأنه تابع طريقه وأعطى التفاحة الذهبية لثيودورة التي كانت تنافسها في الجمال، وكان اختيارُهُ سريعًا؛ لأن ثيودورة كانت تكرم الأيقونات، فاستعملت نفوذها كله ضد آراء زوجها.٢١
ويختلفُ المؤرخون في موقف ثيوفيلوس من الأيقونات، فبعضٌ يَرَى فيه عدوًّا لدودًا للأيقونات وأنصارها، وبعضٌ يراه معتدلًا في موقفه مقتصرًا في إجراءاته على العاصمة وضواحيها،٢٢ والواقع أنه رغم تَعَلُّقِهِ بالعذراء والقديسين، قد اتخذ له في هذه الأُمُور مستشارًا عدوًّا للأيقونات وهو العالم الشهير يوحنا الكاتب، وجعل من صديقه هذا بطريركًا مسكونيًّا وكوى كفَّي العازار الراهب المصور بالحديد الحامي، وجلد ثيوفانس وأخاه ثيودوروس الراهبين الفلسطينيين ووسم جبينهما بأبياتٍ من الشعر نَظَمَها هو نفسه.٢٣

ثيوفيلوس والعرب

وظهرت طائفة الخرَّمية في جبال فارس بين أذربيجان والديلم، وتولى رئاستها بابك وعاث في البلاد فسادًا في عهد المأمون، وهزم جُيُوش الخليفة العباسي المَرة تلو الأُخرى، وأباد جيشًا بأكمله بعثه المأمون في السنة ٨٢٩-٨٣٠، وقد دامت ثورة بابك حتى أيام المعتصم (٨٣٣–٨٤٢)، فجرَّد المعتصم جيشًا كبيرًا بقيادة الأفشين وغيره؛ للقضاء على هذه الثورة، فأرسل بابك إلى ثيوفيلوس يحرَّضه على الخليفة العباسي، فرأى ثيوفيلوس في ثورة بابك فرصةً يقابل فيها العباسيين بمثل ما فعلوا عندما ساعدوا توما في ثورته على والده ميخائيل، وهكذا أعدَّ ثيوفيلوس جيشًا كبيرًا واتجه به إلى أعالي الفُرات وهو يأمل الاتصال بالخرَّميين، وبلغ إلى زبطرة سنة ٨٣٧ وأشعل فيها النار وسَبَى نساءَها وأطفالها، ثم دخل سميساط وملاطية،٢٤ وعاد بعد ذلك إلى القسطنطينية فاستُقبل فيها استقبال الظافر وخرج الناس للقائه بأكاليلَ من الزهر، وأقيمتْ حفلةُ سباق ظهر فيها ثيوفيلوس بثيابٍ زرقاء فوق عربة تجرها خيول بيضاء، وأُلبس تاج النصر ونادى الشعب: أحسنتَ السَّير أيها السائق الأصيل!
ولكن المعتصم استطاع أَنْ يَقْضِيَ على ثورة بابك في أواخر السنة ٨٣٧، ففرغ للروم وأَعَدَّ ثلاثةَ جيوش سيَّر أحدها بقيادة الأفشين عبر طوروس من درب الحدث، وقاد هو الجيشين الآخرين وعبر بهما من أبواب قيليقية، وكانت أنقرة نقطة التلاقي، فصمد ثيوفيلوس أولًا عند نهر الهاليس (آلس كما يسميه العرب)، ولكنه لَمَّا علم بزحف الأفشين منفردًا قام لصده قبل أن يتسنى للأفشين الانضمام إلى الجيشين العربيين الآخرين، فالتقاه قُرب دوزمانة وهي لا تَبْعُدُ كثيرًا عن ترخال، فدارت الدائرة على الروم وانهزم ثيوفيلوس منكفئًا إلى القسطنطينية، وتقدم العرب إلى عمورية فحاصروها ثم دخلوها عنوةً ونهبوا وأحرقوا، وأسروا عددًا كبيرًا من الجند والضباط والقادة، وقتلوا ستة آلافٍ من الأسرى، وأمر الخليفة اثنين وأربعين من كبار الضباط أن يُسلموا ليَسلموا، فلما أَبوا قتلوا عند ضفة دجلة،٢٥ ولعل المعتصم فكر في الزحف على القسطنطينية ولكنه اضطر ليرجع؛ إذ وردت عليه أنباء مؤامرة قامت لخلعه،٢٦ وفي السنة ٨٣٩ ظهرت سفينةٌ روميةٌ في مياه السواحل الشامية، وفي السنة ٨٤٠ تقدم الروم فأخذوا مرعش واحتلوا بعض مناطق ملاطية، ورغب المعتصم في السلم ولكنه عاد فأَعد عمارة كبيرة ليغزو بها القسطنطينية، إلا أن المنية عاجلته في السنة ٨٤٢، وعصفت عاصفة هوجاء بالعمارة العربية فحطمتها،٢٧ ووجه ثيوفيلوس وفودًا نحو الغرب: إلى البندقية وإلى أنكلهايم عاصمة لويس التقي الورع، وإلى عبد الرحمن الثاني الأُموي الأندلسي، يطلب المعونة، ولكن ثيوفيلوس — على الرغم من الترحيب بهذه الوفود — لم يلقَ أية معونة.

ميخائيل الثالث (٨٤٢–٨٦٧)

وتُوُفي ثيوفيلوس في السنة نفسها التي تُوُفي فيها المعتصم، وخلَّف خمس بنات وابنًا ذكرًا هو ميخائيل الثالث، وإذ كان ميخائيل هذا لا يزال في السادسة من عمره؛ فإن المليك الراحل جعل زوجته ثيودورة وصية على الملك القاصر، وعاونها في الوصاية مجلسٌ تألف من كبار رجال الدولة، وكان ذروموس ثيوكتيستوس Theoctistus عم ثيودورة ووزير المال أشهر هؤلاء وألمعهم.
وكانت ثيودورة مِن مُحِبِّي الأيقونات، ووافقها على ذلك مجلس الوصاية، فدعت الآباء الأرثوذكسيين إلى مجمع ليحلوا ثيوفيلوس زوجها من خطيئته في اضطهاد من كرَّم الأيقونات، وطلبت إلى البطريرك يوحنا الكاتب أن يشترك في أعمال هذا المجمع فأَبى، فعزله مجلس الوصاية وأقام مثوذيوس المعترف بطريركًا محله، وصدَّق المجمع أعمال المجمع السابع، وفي أَوَّلِ أَحَدٍ من الصوم الكبير من السنة ٨٤٣ نصبت الأيقونات المكرمة في كنيسة الحكمة الإلهية، وأصبح هذا اليوم — وما زال — عيدًا سنويًّا لرفعها وانتصار الرأي الأرثوذكسي،٢٨ وأصدر البطاركة الثلاثة خريستيفوروس الإسكندري وأيوب الأنطاكي وباسيليوس الأوروشليمي بيانًا مشتركًا بوجوب حماية الأيقونات وتكريمها.

وظلت ثيودورة — بالتعاون مع عمها ثيوكتيستوس — تُدير دَفَّة الحكم أربع عشرة سنة (٨٤٢–٨٥٦)، وفي خلال هذه المدة طرأ تغييرٌ على عضوية مجلس الوصاية؛ فأصبح أخو ثيودورة برداس عضوًا في هذا المجلس، فنشبت مشادةٌ بينه وبين ثيوكتيستوس أهم أسبابها حب السلطة وشهوة الحكم.

فنشأ انقسامٌ داخليٌّ بين الأعضاء وأدى إلى استقالة عمانوئيل عم الفسيلفس وإلى سجن ثيوكتيستوس وقتله سنة ٨٥٤، وكان السبب وشاية رفعها برداس إلى الفسيلفس الشاب أن ثيوكتيستوس عَقَدَ النية على التزوُّج من ثيودورة أو إحدى بناتها للوصول إلى العرش، فنشأتْ مشادةٌ عنيفةٌ بين ثيودورة وأخيها برداس حَوْلَ السلطة أَدَّتْ في السنة ٨٥٦ إلى خُرُوج ثيودورة وبناتها من القصر، وأصبح برداس صاحب الصول والطول.

وتُوُفي أحد أبناء برداس فأقامت امرأته إفذوكية في بيت عمها برداس، ولم تكن الحماة والكنة على مشرب واحد فاندلعت الشرور في البيت، وأظهر برداس عطفًا على كنته فاتهمته امرأته بكنته، فطرد امرأته من البيت، فالتجأت إلى أخته ثيودورة الإمبراطورة، فتكدرت ثيودورة من هذا النفور وما رافقه من خبر قبيح.

وفي هذه الأثناء كان قد توفي البطريرك مثوذيوس في السنة ٨٤٨، وحَلَّ محله إغناطيوس بمساعدة ثيودورة، وكان إغناطيوس هذا رجلًا ورعًا تقيًّا، ولكنه كان فظًّا قاسيًا، وكان خبر برداس وامرأته وكنته قد شاع في المدينة، فوبخ البطريرك برداس ونهاه عن المحرَّم ونصح له أن يقبل امرأته في بيته، فأبى برداس.

وفي عيد الظهور الإلهي سنة ٨٥٧ تقدم برداس مع ميخائيل الثالث ليتناول الأسرار الإلهية، فأبى البطريرك مناولتَه وطرده خارج الكنيسة أمام الشعب كله، فأخذ برداس يرجو ويستعطف وشَفِعَ له القيصر ولكن دون جدوى.

وكانت الكنيسةُ الأرثوذكسيةُ قد انقسمت على نفسها من حيث موقفها من الدولة، وظلت منقسمةً حتى السنة ٩١٢، فالأستوديون ومَنْ أَيَّدَهم من المتشددين في الدين؛ رأوا أَنْ لا مُبَرِّرَ لِتَدَخُّل السلطة في شئون الكنيسة، أما الرهبانُ الأوليمبيون وكبار الأساقفة؛ فكانوا معتدلين في موقفهم من السلطة وتَدَخُّلِها. ومن هنا نشأت متاعب مثوذيوس البطريرك، ومن هنا كان انتقاء إغناطيوس، فإن الإمبراطورة ثيودورة ظنت أن المعسكرين سيؤيدانه؛ نظرًا لطهارته وتَشَدُّدِه في الدين، ونظرًا لكونه ابن ميخائيل الثاني الفسيلفس السابق، ومن هنا أيضًا ضغط برداس على فوطيوس العلماني ليكون خلفًا للبطريرك إغناطيوس.٢٩

وحنق برداس على البطريرك إغناطيوس وطفق يسعى للانتقام منه، واتفق أن راهبًا ادعى أنه ابن ثيودورة من رجلٍ كان لها في السابق، فأخذ الشعب ينظر إليه كأنه هو الملك المزمع بعد تَنَحِّيها، فقبض عليه برداس وزَجَّهُ في السجن، واستنطقه فلم يعترف، فأمر بقلع عينيه وقَطْع أوصاله، وكان البطريرك إغناطيوس يعطف على هذا الراهب ويُدافع عنه ناسبًا عمله إلى الجنون، فاغتنم برداس الفرصة واتهم البطريرك بالتآمر على الفسيلفس؛ ليرجع ثيودورة وبناتها إلى إدارة المملكة، فصدق الفسيلفس ميخائيل الثالث كلام برداس وأمر إغناطيوس أن يجعل ثيودورة وبناتها راهبات في أحد الأديرة، فسألهن إغناطيوس هل يُرِدْنَ الدخول في سلك الرهبنة فأنكرن، فامتنع عن إجابة طلب الفسيلفس قائلًا: إن القانون يقضي منهن الموافقةَ، وهنَّ لا يوافِقن، فإكراههن مخالفٌ للقانون، فصدَّق ميخائيل أن البطريرك عدوٌّ له، فأكره والدته وأخواته على الترهب. كما أمر إغناطيوس أن ينزل عن كرسيه، فقدم إغناطيوس استعفاءَه في الثالث والعشرين مِنْ تشرين الثاني وبقيت الكنيسةُ خمسة وعشرين يومًا بدون راعٍ.

وتَشَاوَرَ الأساقفةُ والفسيلفس وبرداس في أمر الخلف، وأجمعوا على أنه يجب أن يكون رجل سلام يتوسط للوفاق بين الجهتين، واشترطوا أن يكون أيضًا ذا همة ونشاط؛ ليدفع الهرطقات، فاتفقوا على فوطيوس كاتم أسرار المملكة وقتئذٍ، وهو الذي اشتهر بالدراية والحكمة والفضيلة والتقوى والعفة الطوعية والعلم والفلسفة،٣٠ فرفض فوطيوس أن يتولى المنصب ولم يرضَ أن يستعيض عن السكينة والراحة بأتعاب السدة البطريركية، فأصر عليه الرؤساء والأعيان بوجوب القبول، فلم يُصْغِ لهم، فانحاز إليه عندئذٍ أكثر أتباع إغناطيوس المستقيل، وهدده برداس بالسجن فَأَذْعَنَ لمشيئته، وأخذ يعلو درجات الكهنوت في سُرعة فائقة، فسيم في اليوم الأول متوحدًا، وفي اليوم الثاني إناغنوسطًا، وفي اليوم الثالث إيبوذياكونًا، وفي الرابع شماسًا، وفي الخامس قسًّا، وفي السادس يوم عيد الميلاد أسقفًا وبطريركًا.

وكان المتقدم في شرطونيته غريغوريوس آزبستاس أسقف سرقوسة، فَأَدَّى تَقَدُّمُ غريغوريوس آزبستاس في الشرطونية إلى نُفُور إغناطيوس المستقيل وخمسة أساقفة معه، واشتد الخِصَامُ، ويئس إغناطيوس وأتباعُهُ من الوصول إلى حَلٍّ مُرْضٍ، فكتبوا إلى بابا رومة يَشْكون ظلمهم، وكتبوا أيضًا إلى بطاركة الإسكندرية وأنطاكية وأوروشليم.

وفي أثناء هذا كله استؤنفتْ محاربةُ الأيقونات وذرَّ قرن الشقاق بين الأرثوذكسيين وأصحاب الطبيعة الواحدة، وهَبَّ البولسيون والمانيسيون يشاغبون،٣١ وعرا الكنيسةَ اضطرابٌ شديدٌ؛ من جراء هذه القلاقل، فرأى الفسيلفس ومجلسه الأعلى والبطريرك الجديد أن يجمعوا مجمعًا مسكونيًّا، وكتب فوطيوس «رسائل الجلوس» وأرسلها إلى البابا وسائر البطاركة، وبات ينتظر «رسائل السلام» في الرد عليها، فأرسل البطاركة الشرقيون الثلاثة رسائلَ السلام.
أَمَّا بابا رُومَة نيقولاوس الأول فَإِنَّهُ لام الفسيلفس على عزل إغناطيوس، واحتج على ترشيح علماني ليخلفَه، وطالب بإعادة رئاسته على الأبرشيات التي كانت قد سلخت عن كرسي رومة في عهد لاوون الثالث، وأرسل أسقفين اثنين إلى القسطنطينية ليحملا رسالته وينظرا في الموقف عن كثب، فلما وصلا ووقفا على مسألة فوطيوس وإغناطيوس وَجَدا أن إغناطيوس كان قابلًا بشرطونية فوطيوس وأن الجميع التمسوا فوطيوس وأحرجوه ليقبل البطريركية، فاشتركا في المجمع المسكوني الثامن «الأول والثاني» الذي انعقد في القسطنطينية في السنة ٨٦١ ووافقا على ارتقاء فوطيوس، وعلى سائر قرارات هذا المجمع، وأَهَمُّها ألا يقوم بعد ذلك بطريرك من طبقة العوام أو الرهبان ما لم يَتَمَرَّسْ في الدرجات الكنائسية درجة درجة، ويتمم المدة القانونية فيها.٣٢
وأرسل ميخائيل الثالث أعمال هذا المجمع «الأول والثاني» المسكوني إلى البابا نيقولاوس الأول مع أحد كتابه لاوون ومع سفيرَي البابا وزَوَّدَهُم بهدايا كنائسية ورسالة منه إلى البابا، وكتب فوطيوس أيضًا رسالةً مَلْأَى بأقوال اللطف الإنجيلي،٣٣ فلَمَّا تَسَلَّمَ نيقولاوس هذا البريد ووقف على مضمونه، وعلى ما فعله نائباه في القسطنطينية؛ أَلْغَى عمل النائبين، مدعيًا أنهما تَجَاوَزَا صلاحيتهما، وعقد مجمعًا محليًّا في السنة ٨٦٣ وحكم على فوطيوس وقطعه، واعترف بإغناطيوس بطريركًا قانونيًّا وهدد باللعنة والحرم كل من يتجاسر أن يخالف هذا القرار، وكتب بذلك إلى الفسيلفس فأجابه الفسيلفس بكتاب مرٍّ جعل البابا يقول عنه: إن كاتبه قد غمس قلمه في حلق ثعبان.

ومما زاد العلاقات تعقدًا أن ميخائيل الثالث وفوطيوس البطريرك كانا قد نجحا بنشر الدين المسيحي في الأوساط البلغارية الحاكمة، فتَدَخَّلَ البابا في شُئُون الكنيسة البلغارية الجديدة، فثار ثائرُ ميخائيل وفوطيوس، وأعدَّا منشورًا لقطعه، واتهما الكنيسة الرومانية بالهرطقة والخروج على مقررات المجامع المسكونية، وطلبا عقد مجمع مسكوني؛ للنظر في هذه الأمور. ثم اغتيل ميخائيل الثالث في الرابع والعشرين من أيلول سنة ٨٦٧.

تنصر الصقالبة (٨٦٤–٨٦٧)

وحوالي السنة ٨٦٢ أَوفد رستيسلاف أمير مورافية الكُبرى رسلًا إلى القسطنطينية يستجير بميخائيل الثالث على البلغار حلفاء خصمه لويس الألماني، وأثمرتْ مساعي رستيسلاف حوالي السنة ٨٦٤ عندما هزم الروم جيشًا بلغاريًّا كان في طريقه إلى الحُدُود المورافية للتعاوُن مع الألمان. وراب رستيسلاف أمرُ المرسلين الألمان الذين كانوا يخلطون بين الدين والسياسة في بلاده، فطلب مبشرين أرثوذكسيين يعلمون شعبه الدين القويم، فاختار البطريرك فوطيوس الأخوين قسطنطين ومثوذيوس لهذه الغاية.

وكان الإمبراطور قد سبق له أن خبر قسطنطين قبل تَبَوُّئه العرش البطريركي، حين أوفده إلى الخزر في جنوبي روسية للقيام بمهمة سياسية ودينية، وكان قسطنطين مِن أَشْهَر علماء عصره في الدين والفلسفة، ويعرف لغة الصقالبة؛ لأنه نَشَأَ في ثيسالونيكية وترعرع فيها في منطقةٍ كثيرةِ الصقالبة. ورحل الأخوان إلى مورافية في السنة ٨٦٤ فاشتقا من الأحرُف اليونانية حروفًا صقلبية، ونَقَلا الإنجيل إلى اللغة الصقلبية، وبَشَّرَا بها وصَنَّفَا في هذه اللغة بعض الكتب الضرورية للخدمة الدينية.

تَنَصُّرُ البلغار (٨٦٤)

واستقرَّ البلغار — كما سبق أن أشرنا — في ميسية وتراقية واختلطوا بالصقالبة وتعلموا لُغَتَهُم، وكانوا أَقَلِّيَّةً عسكرية حاكمة، فرأى بوغوريس Boris خاقانُهُم (٨٥٢–٨٨٩) أن مصلحته تقضي بتقبل الدين المسيحي وهو دين رعاياه الصقالبة؛ ليَتَسَنَّى له توطيدُ سلطته المركزية إزاء الزعامات المحلية الإقليمية عند الأمراء البلغاريين، وبدأ البلغار يتعرفون إلى النصرانية عن طريق رعاياهم الصقالبة وعلى يد الأسرى الروم، وكان الأسرى البلغار يتعلمون الدين المسيحي في بلاد الروم، وكان مِن جُمْلَة هؤلاء شقيقة خاقان البلغار بوغوريس؛ فإنها أقامتْ مدةً طويلةً أسيرةً في بلاط الروم، وتعلمت الدين المسيحي وتقبلت المعموديَّة، وعند مبادلة الأسرى عادتْ إلى بلادها ومعها مثوذيوس أَخُو قسطنطين المشار إليه آنفًا، فحاولت مع مثوذيوس استمالة بوغوريس إلى الإيمان فلم تستطعْ.

وكان مثوذيوس هذا راهبًا بارعًا في فَنِّ التصوير، وكان بوغوريوس يرتاح إلى الصور المتقنة، فرسم مثوذيوس صورة الدينونة، ورسم فيها الديان جالسًا وميزان العدل مرفوعٌ والصديقون ينالون الأكاليل والأشرار يدخلون جهنم، لما رأى بوغوريس الصورة تخشع وخَافَ ومال إلى النصرانية، وفي السنة ٨٦٤ وقع جوع شديد في بلاد البلغار، واستعان لويس الألمانيُّ ببوغوريس على رستيسلاف، فهب بوغوريس يزحف بجُمُوعه، فهجم عليه ميخائيلُ الثالثُ وخاله برداس، فسلَّم نفسه والبلادَ، وعاهد أَنْ يعتمد ويكون مسيحيًّا.

وجاءَ بوغوريس وعظماء مملكته إلى القسطنطينية، واعتمد على يد البطريرك فوطيوس وسُمِّيَ ميخائيل في المعمودية باسم إشبينه ميخائيل الفسيلفس، وعيَّن البطريرك فوطيوس رئيس أساقفة لبلغارية وقسيسين ومعلمين، وبعد سنتين (٨٦٦) هجم لويس الألماني على بوغوريس وغلبه، فطلب البابا نيقولاوس إلى لويس الألماني أَنْ يدفع بوغوريس إلى طلب مُعَلِّمِينَ روحيين من البابا، فبادر البابا إلى إرسال قسيسين إلى بلغارية، وكان ما كان مِنْ أمر الاختلاف بين فوطيوس ونيقولاوس، فطعن القسيسون الباباويون بفوطيوس، وأعادوا معمودية مَنْ سبق أن اعتمدوا على يد قساوسة الروم وطردوا هؤلاء من بلغارية، فأذاع فوطيوس منشورَه ضد البابا في السنة ٨٦٧ — كما سبق أن أشرنا.٣٤

ميخائيل الثالث والعرب

وأَدَّى اندفاعُ ثيودورة في سبيل الدين القويم إلى اضطهاد البولسيين في آسية الصغرى، وهم فرقةٌ مسيحيةٌ انتسبت باسمها إلى بولس السميساطي، واختلفت في عقيدتها وطقوسها عن الكنيسة الأم، فاستدعت الكنيسة رؤساءَهم وخيَّرتهم بين الأرثوذكسية والقتل، فلما رفضوا أخذت الحكومة البيزنطية تعمل على إخضاعهم بالقوة فقتلت منهم عددًا كبيرًا، وفَرَّ الباقون إلى حُدُود العرب إلى تفريقه Tephrice وضواحيها، فأصبحوا أداةً فعالةً بيد العرب في حروبهم مع الروم.

وتُوُفي المعتصم في السنة ٨٤٢ وتولى الخلافة بعده ابنه الواثق (٨٤٢–٨٤٧) فواجه أزماتٍ داخليةً خطيرةً؛ منها ثورة دمشق، وثورة الأكراد، وعصيان الخوارج، فلم يستطع المضيَّ في محاربة الروم، وكان الروم لا يزالون في غمرة الفشل الذي أصابهم في صقلية؛ ولذا فإننا نقرأ عن وصول رسول رومي إلى بلاط الواثق يفاوض في فداء الأسرى، وحصل الفداء على ضفاف اللامس في أواخر السنة ٨٤٥، وأرسلت ثيودورة في السنة التالية جُنْدًا إلى صقلية، ولكن هزمهم أبو الأغلب العباس، ثم حاول الرومُ النزول في خليج منديلو بالقُرب من بالرمو فلم يوفقوا.

وتجاوز هجوم العرب صقلية إلى إيطالية، فتقدموا إلى مصب التيبر في السنة ٨٤٦، وعادوا إلى المصب نفسه في السنة ٨٤٩، فهبَّت عاصفةٌ قويةٌ وأغرقت أُسطولهم، وأُسر كثيرٌ منهم، واقتِيدوا إلى رومة وأُلزموا بالعمل في بناء مدينة الفاتيكان.٣٥
وكان العرب الأندلوسيون في أقريطش لا يزالون يعرقلون سُبُل تجارة الروم ويهددون جُزُر إيجه وشواطئه بالقرصنة، فأمرت ثيودورة بالإغارة على سواحل مصر لتخريب ما فيه من صناعة بحرية كانت تزود عرب أقريطش بالسفن والعتاد وأحيانًا بالرجال، فقام أسطولٌ روميٌّ إلى دمياط في ربيع السنة ٨٥٣ وهاجم دمياط في الثاني والعشرين من أيار، يوم عيد الأضحى، وكان الوالي العباسي على مصر عنبسة بن إسحاق قد استدعى حامية دمياط للاشتراك في عرضٍ حربيٍّ في الفسطاط، فهرب سُكَّان دمياط وهلك منهم خلقٌ كثير، واستولى الروم على المؤن والذخيرة المعدة للشحن إلى أقريطش وأحرقوا السفن المكدسة في المخازن البحرية، وأقلعوا إلى تنيس ثم إلى أشتوم فأحرقوا ما كان بها من الآلات الحربية.٣٦
ولم يَطُلْ عهدُ الواثق في الخلافة، فإنه أُصيب بداءِ الاستسقاء «فعُولج بالإقعاد في تنور مسخن، فوجد لذلك خفة، فأمرهم مِنَ الغد بالزيادة فقعد فيه أكثر من اليوم الأول فحمي عليه فأخرج منه في محفة.»٣٧ فمات في الثانية والثلاثين من عمره، وبُويع بعده أخوه المتوكل على الله جعفر بن المعتصم (٨٤٧–٨٦١) فكان نيرون العرب، فإن ما اقترفه من أفانين الانتقام والجَوْر لم يصل إليه خيالٌ، وبلغ ما نشأ عن كبائره من النفور مبلغًا حمل ابنه المستنصر على قتله، ثم مات المستنصر ألمًا وندمًا في السنة الأولى من خلافته (٨٦١)، فاختار الحرس وجنود الأتراك خلفًا له المستعين بالله، فدامت خلافته ثلاث سنوات، ثم استبدلت به عصابة من الحرس المعتز بالله (٨٦٦)، فانبرت عصابة أُخرى وخلعت المعتز هذا في السنة ٨٦٩ فجلس على كرسي الخلافة المهتدي (٨٦٩-٨٧٠)، ففكر بالإصلاح، فأدى ذلك إلى قتله في قصره، فخلفه المعتمد فدام عهده اثنتين وعشرين سنة (٨٧٠–٨٩٢) بفضل إخلاص أخيه الموفق.٣٨

وفي آخر صيف السنة ٨٥٦ حين عاد علي بن يحيى من صائفته التقليدية قام بتروناس أخو برداس خال الفسيلفس بغزو العرب، فأحرز نصرًا في أرض سميساط، وتقدم حتى بلغ قريبًا من آمد ثم اتجه إلى الشمال الغربي نحو البولسيين في تفريقة فأحرق قرًى عدة وأسر عشرة آلاف، ولم يكد ميخائيل الثالث يستكمل فتوَّته حتى نهض لغزو العرب في السنة ٨٥٩ قاصدًا سميساط ومعه برداس خاله فبلغ الفرات فنهب وأحرق وأسر، وحصل فداء في السنة ٨٦٠، وقام نصر بن الأزهر إلى القسطنطينية لهذه الغاية، وعليه السواد وقلنسوة وسيف وخنجر فلم يرضَ بتروناس خال الفسيلفس أن يأذن للسفير العربي بالدخول إلى البلاط على هذه الهيئة، واحتج بوجهٍ خاصٍّ على الثوب الأسود وحمل السيف، فغضب الرسول ورجع، فأدركوه وأدخلوه فقدم إلى الإمبراطور ما حمل من الهدايا ألف نافجة مملوءة مسكًا وثيابًا من حرير وكمية من الزعفران النادر وحليًّا أخرى مختلفة.

وكان ميخائيل يجلس في الاستقبال على عرشه يحيط به بطارقتُهُ الأشراف وبين يديه التراجمة مسرور وغلام للعباس بن سعد الجوهري ومترجم عجوز اسمه سرحان ولعله سرجيوس، فتقدم رسول الخليفة بالتحيات وجلس في المكان الذي أعد له، ووضعت الهدايا أمام الفسيلفس، فأخذها وأحسن معاملة السفير، ومكث رسول الخليفة العباسي أربعة أشهر في عاصمة الروم، ثم استؤنفت مفاوضات الفداء، وأقسم كل طرف على الوفاء، ثمَّ تمَّ تنفيذه عند اللامس Limes فأطلق الروم أكثر من ألفي مسلم فيهم عشرون امرأة وعشرة أطفال، وأطلق العرب أكثر من ألفَي أسير، أما الألفُ الباقية فتركت لقاء ما وُعِدَ به الفسيلفس من افتداء البطريق المأسور في لؤلؤة، وكان قومٌ من الروم قد دخلوا الإسلام وقومٌ من العرب قد تنصروا، فمن رغب في النصرانية ترك عند الروم.٣٩
والغريب أَنَّ النضال بين الروم والعرب استُؤْنف في صيف هذه السنة نفسها، فسار ميخائيل الثالث بنفسه لغزو العرب ووصل إلى موربوتامن، فأنذره وكيله في العاصمة، قائد الأسطول ألدرنغار نسيتاس أوريفاس، بقدوم الروس، فاضطر الفسيلفس أن يسرع في العودة قبل أن يشرع في الحرب شروعًا جديًّا، فوصل إلى العاصمة وقد أحاط بها الروسُ وقتلوا من حولها السكان، فلم يستطع أن يعبر المضيق إلا بعد مشقة،٤٠ وانتهز العربُ حملة الروس وغياب الفسيلفس، فبذلوا نشاطًا كبيرًا، فشنَّ أمير ملاطية عمر بن عبد الله غارةً على الروم، فعاد بسبعةِ آلاف أسير، وأغار قرباص فأسر خمسة آلاف، وعاد علي بن يحيى بخمسة آلاف أيضًا ومائتي فرس وثور وحمار، وأغار فضل بن قارون بحرًا بعشرين سفينة وأخذ أنطاكية.٤١
وفي صيف السنة ٨٦٣، في أيام المستعين؛ قام عمر بن عبد الله أمير ملاطية بحملة موفقة بلغ بها قلب أرض الروم، فخرَّب ثيمة أرمينية، وتقدم حتى بلغ البحر الأسود فأخذ أميسوس «سمسون»، وساءَه أن يوقف البحرُ سيرَه فأمر بضرب البحر! وعلم ميخائيل الثالث بهذا كله، فجهَّز جيشًا قويًّا وجعل على رأسه بتروناس خاله، فزحف بتروناس فأدرك عمر بن عبد الله عند بوزن Poson في بفلاغونية في الثالث من أيلول سنة ٨٦٣، فحصره وأوقع به هزيمةً تامة، واحتزَّ رأسه وأرسله إلى القسطنطينية، وقتل عددًا كبيرًا من جُنُوده وأسر الباقين.٤٢

وسادت الفوضى في أيام المستعين بالله، من مكة، إلى حمص، فالموصل، فأصفهان، واستبد الحرس من جنود الأتراك وهددوا المستعين، فحاول الفرار من سامرَّا إلى بغداد، فقطع بذلك صلته بالترك، فأقاموا مقامه المعتز، وتنازل المستعين عن حقه في الخلافة (٨٦٦) واعتزل باقي حياته في المدينة.

١  Brooks, E. W., Byzantines and Arabs, Eng. Hist. Rev., (1900), 743ff.
٢  Bratiann, G., Etudes Byz. d’Hist. Econ. et Soc., 196ff.
٣  القلقشندي، صُبْح الأَعْشَى، ج١، ص١٩٢، الدكتور إبراهيم العدوي، الإمبراطورية البيزنطية، ص٧٩.
Bury, J. B., Hist. of Eastern Rom. Emp., 249-250.
٤  Theophanes, Chron., ed., Boor, 482-483.
٥  Ibidum, 489–491.
٦  Theophanes, Chron., 495; Theodore Studion, P. G., 1481–1485, Ep. II, 155.
٧  Theophanes, Chron., 500–503; Bury, J. B., Hist. of East. Rom. Emp. 29-30; Schlumberger, G., Les Iles des Princes, 35–38.
٨  Runcimann, S., First Bulgarian Empire, 72–75.
٩  Vita Theodore, Patrologia Graeca, Vol., 99, 181–183.
١٠  Theophanes, Chron., 1033–1036.
١١  Vie de St. Georges d’Amastris, 110–136.
١٢  Anonyme (Scriptor Incerius), Vie de Léon l’Arménien, Pal. Graeca; Legende Arabe, Byzantion, 1939, 383 sq.
١٣  Gelzer, H., Abriss der Byz. Kaisergeschichte, 967; Ternovsky, F. A., Graeco-Eastern Church, 487; Dobroklonsky, A., Theodore the Confessor, I, 849.
١٤  Theophanes Continuatus, 53.
١٥  Michel le Syrien, III, 57.
١٦  وأفضل من صنف في ثورة توما الأستاذ ألكسندر فازيلييف، راجعْ ترجمة مؤلفه: الروم والعرب، ص٢٨–٤٨، تعريب الدكتور محمد عبد الهادي شعيره، والدكتور فؤاد حسنين علي، القاهرة، دار الفكر العربي.
١٧  الكندي، الولاة والقضاة، ص١٦٣–١٨٠.
١٨  فازيلييف، الروم والعرب، ص٥٢–٦١، الدكتور إبراهيم العدوي، الإمبراطورية البيزنطية، ص٨٨–٩٠.
Bury, J. B., East. Rom. Emp. 287–291; Brooks, E. W., Arab Occupation of Crete, Eng. Hist. Rev., 1913, 431–443.
١٩  Gabotto, F., Eufemio il Movemento Separatista nella Italia Bizantina.
فازيلييف، الروم والعرب، ص٦٢–٨٤.
٢٠  Goerges le Moine, III, 23; Symeon Magister, Chronique, 20.
٢١  أومان، الإمبراطورية البيزنطية، تعريب الدكتور مصطفى طه بدر، ص١٦٤-١٦٥.
٢٢  Bury, J. B., East. Rom. Emp. III, 140-141.
٢٣  Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 286.
٢٤  البلاذري، فتوح البلدان، ص١٩٢، اليعقوبي، ج٢، ص٥٨٠.
٢٥  Bary, J. B., Mutasim’s March Through Cappadocia, Journal of Hell, Studies, 1909, 120–129; Vasiliev, A. A., Martyrs of Amorion, Transactions of Imp. Acad. of Sciences, VIII, Ser. III.
٢٦  الطبري، ٣، ١٢٣٦.
٢٧  Diehl et Marçais, Monde Oriental, 312-313.
٢٨  جراسيموس متروبوليت بيروت، الانشقاق، ج١، ص٣٩٥.
Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 287.
٢٩  Brehier, L., Byzance, Vie et Mort, 117-118.
٣٠  Dvornik, F., Photian Schism, Cam., 1948, 432. راجع أيضًا كلامنا عنه في الفصل التالي.
٣١  Runciman, S., Mediaeval Manichee, Cam., 1947; Obolensky, D., Bogomils, Cam., 1948.
٣٢  Bréhier, L., Byzance Op. Cit., 119; Regestes des Actes du Patriarcat Byzantin, 466; Mansi, Amplissima, XVI, 297–301.
٣٣  جراسيموس متروبوليت بيروت، الانشقاق، ج١، ص٤٤٨–٤٦٨.
٣٤  French, R. M., Eastern Orth. Church, 57–66; Diehl et Marçais, Monde Oriental, 324–326.
٣٥  فازيلييف، الروم والعرب، ص١٨٠–١٨٧.
٣٦  المصدر نفسه، ص١٨٨–١٩٢.
٣٧  الكامل لابن الأثير، ج٥، ص٢٧٦-٢٧٧.
٣٨  تاريخ العرب لسديو، تعريب عادل زعيتر، ص٢٢٨-٢٢٩.
٣٩  الطبري، ج٣، ص١٤٤٧–١٤٥١.
٤٠  Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 277-278.
٤١  الطبري، ج٣، ص١٤٤٩.
٤٢  فازيلييف، الروم والعرب، ص٢١٨–٢٢٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤