الفصل السابع

الحكومة والسيد جيسين

اقتصرتُ في تسجيلي للأحداث التي تلَت معاودة رجال العدالة الأربعة الظهور على تلك الأحداث التي أعرف أنها كانت النتيجة المباشرة لدعاية المائة الحُمر والنشاط المضاد للأربعة رجال العدالة.

لذلك لا أُورد أيَّ إشارة إلى الانفجار الذي وقع في مصنع وولويتش أرسنال للأسلحة والذخيرة، الذي نُسِبت المسئولية عنه إلى المائة الحمر، علمًا بأن الكارثة، على حد علمي، كانت راجعة إلى إهمال عامل. ولا أُشير إلى انفجار الماسورة الرئيسية في شارع أوكسفورد، الذي كان تفسيره أبسط بكثير مما يُمكن أن تجعلك النظريات الغريبة لصحيفة «ميجافون» تتخيَّله. فلم تكن هذه هي المرةَ الأولى التي أدى فيها سلك منصهر وغاز متسرب إلى اضطراب في شارع عام، ولم يكن ثمة وجودٌ للمؤامرة المُحكَمة التي نُسِبَت إلى الأناركية المنظمة.

أظن أن التاريخ الدقيق للغاية لحركة المائة الحمر هو الذي ورد في المقالات العشرة التي قدمها هارولد أشتون للنشر في صحيفة «ذا مورنينج ليدر» تحت عنوان: «أربعون يومًا من الإرهاب»، وبينما أظن أن المؤلف يعجز على نحوٍ متكرر، بسبب انعدام التعاطف لديه مع رجال العدالة الأربعة، عن أن يُقَدِّر تقديرًا كاملًا إصرارَ هذه المجموعة المذهلة من الرجال على بلوغ غايتها، سأنظر دومًا بعين الاعتبار إلى مقالات «أربعين يومًا من الإرهاب» باعتبارها التاريخ القياسي للحركة، ولفشلها.

في نقطة واحدة فقط في التاريخ أجد نفسي معارضًا للسيد أشتون، وهي الصلة بالضبط بين اكتشاف فاجعة شقة كارلبي، والعودة الاستثنائية للسيد جيسين المقيم بالمنزل رقم ٣٧ بشارع بريسلي.

ربما يكون من غير الحكمة مني أن أُشير في مرحلة مبكرة جدًّا كهذه إلى هذه العودة لجيسين؛ لأنه باستثناء النظريات المقدمة في مقالات «أربعين يومًا من الإرهاب»، لست مستعدًّا للخوض في الأدلة التي أبني عليها نظرياتي.

القصة الشائعة هي أنه في صباح يوم ما خرج السيد جيسين من منزله وسأل بائع الحليب المدهوش عن سبب إغفاله لترك تموينه الصباحي. حين تتذكر أن اختفاء «لونج» — ربما يكون أقلَّ إرباكًا أن ندعوَه بالاسم الذي كان معروفًا به في شارع بريسلي — قد أحدث ضجة غير عادية، وأن صورًا لمنزله من الخارج والداخل ظهرت في كل الصحف، وأن خبراء الجريمة في الصحف نشروا أعمدة وأعمدة من النظريات القائمة على تكهنات، وأن المنزل رقم ٣٧ بشارع بريسلي كان لبضعة أسابيع قِبلَة المهووسين، الذين وقفوا بالخارج محدقين في الواجهة المتواضعة في ارتباك لساعات وساعات، يُمكنك أن تتخيل أن تفسير بائع الحليب كان له اللمسة الصحفية نفسها التي من شأنها أن تُعْجِب جمهورًا كانت عقولهم قد رُوِّضت لأجيال على يد كُتَّاب قصص المجلات لاستقبال خاتمة كهذه تمامًا.

الحقيقة أن السيد لونج، عند عودته للحياة، ذهب على الفور إلى وزارة الداخلية وروى قصته لمعاون الوزير. لم يذهب في سيارة أجرة، ولا انتُشِل في حالة من الإعياء كما أوردت خطأً إحدى الصحف، ولكنه وصل مستقلًّا حافلةَ ركاب مكتظَّة حتى الباب، واصطُحِب ليَمثُل في حضرة معاون الوزير على الفور تقريبًا. بعدما روى السيد لونج قصته اقتِيدَ إلى وزير الداخلية نفسِه، وأُرسِل في طلب رئيس الشرطة، وجاء على عجل من سكوتلاند يارد، يُرافقه المفتش فالموث. كل هذا موضَّح في كتاب السيد أشتون.

ونقلًا عن المرجع نفسِه: «لسبب استثنائي ما، يبدو أن لونج، أو جيسين، بواسطة الوثائق التي في حوزته، قد أوضح موقفَه في المسألة على نحو أرضى وزير الداخلية وسلطات الشرطة، وعلاوة على ذلك، حفز بهذه الوثائق الغامضة السيد المبجل، حتى إن السيد ريدجواي، الذي كان رافضًا تمامًا قَبول الاستقالة التي قدمها له جيسين، أعاده إلى منصبه.»

فيما يتعلق بكيفية وصول اثنتين من هذه الوثائق إلى جيسين أو إلى رجال العدالة الأربعة، يتحرى السيد أشتون الحكمة في التزامه بالصمت إزاء ذلك، ولا يحاول حل لغز حيَّر كلًّا من وزارة الخارجية الفرنسية ووزارة الخارجية الروسية.

فقد كانت هاتان الوثيقتان الرسميتان، الممهورة إحداهما بتوقيع الرئيس الفرنسي والأخرى بالتوقيع الممتد للقيصر نيكولاس، يُفترَض أن تكونا مدرَجتَين مع مذكرات رسمية أخرى في سجلات وطنية تحت حراسة مشددة.

أعقب زيارة السيد جيسين لوزارة الداخلية اكتشاف فاجعة شقق جارلبي، ولا يُمكنني أن أفعل ما هو أفضلُ من الاقتباس من صحيفة «التايمز»؛ لأن تلك الصحيفة، غيرةً من ظهور أي أخبار عن شخصية مثيرة في أعمدتها، قللت المعلومات إلى أضيق حدودها. ربما تكون رواية صحيفة «ميجافون» مادة مقروءة أفضل، لكن المساحة المتاحة لي لن تسمح بأن أُدرِجَ في هذا الكتاب الأعمدةَ الثلاثة والثلاثين من المادة المقروءة، وعناوين الأخبار، والصور القلمية، والرسوم التوضيحية البيانية التي قدمت تلك الصحيفة المغامرة من خلالها تفاصيل عن الرعب المروِّع لقرَّائها. وعلى ذلك تقول صحيفة «التايمز»:

بُعَيد الساعة الواحدة من بعد ظهر أمس وعقب المعلومات الواردة، تمكَّن المفتش فالموث، من إدارة التحقيقات الجنائية، يُرافقه الرقيبان المفتشان بويل ولاولي، من الدخول إلى البناية رقم ٦٩، بمجمع شقق كارلبي، الذي تقطنه الكونتيسة سلينفيتش، وهي سيدة روسية شابة، تتمتَّع باستقلالية مالية. كانت جثث ثلاثة رجال ممددة على الأرض، وأمكن التعرف على هوياتهم وهم:

لودر بارثولوميو، في الثالثة والثلاثين من عمره، عضو سابق في شعبة مشاة خيالة كوندورب.

رودولف ستارك، في الأربعين من عمره، يُعتقَد أنه نمساوي وداعية ثوري بارز.

هنري ديلاي فرانسوا، في السادسة والثلاثين من عمره، مواطن فرنسي، ويُعتقَد أنه كان مشتركًا في العمل الدعائي.

يبدو سبب الوفاة في حالة بارثولوميو واضحًا، ولكن في حالة الرجلَين الآخرَين تُوجَد بعض الشكوك، وسوف تنتظر الشرطة، التي تلتزم موقف التحفظ الصارم، الفحص الطبي قبل الإدلاء بأي تصريح.

من المفهوم أن إحدى السمات غير المعتادة للحادثة تكمن في رسالة عُثِر عليها في الغرفة تحمل إقرارًا، بالنيابة عن تنظيم يُعرف باسم رجال العدالة الأربعة، بالمسئولية الكاملة عن قتل الأجنبيَّين الاثنَين، وثمة سمةٌ أخرى هي، حسبما كتب أحد المراسلين، الضرر الهيكلي الاستثنائي الواقع على الغرفة نفسها. كما لم يُستدَلَّ على أثر للمستأجرة، الكونتيسة سلينفيتش، حتى ساعة متأخرة من ليلة أمس.

كان الشاغل الأساسي للمفتش فالموث، بينما كان واقفًا في منتصف الغرفة، التي أُزيلَت منها معظم آثار الفاجعة، هو «الضرر الهيكلي» الذي مرت صحيفة «التايمز» مرورَ الكرام على ذكره.

كان بجوار قدمه فجوة مربعة كبيرة، وأدناه، في الشقة الخالية بالأسفل، كانت توجد كومة من جص، وشرائح خشب، وركام التدمير.

قال المفتش لرفيقه موضحًا: «الأمر الغريب، الذي يُبين مدى دقة وإتقان هؤلاء الرجال، أن أول شيء عثرنا عليه عندما وصلنا إلى هناك كان ورقة نقدية من فئة العشرين جنيهًا مثبتة في الحائط وعليها رسالة موجزة مكتوبة بقلم رصاص تقول إن هذه الورقة النقدية تُرِكَت لتُدفَع لمالك العقار مقابل الضرر الواقع.»

يُمكن إضافة أنه تجاهل، بناءً على الرغبة الصريحة للشاب الذي كان بجواره، كل شكليات الحديث.

أثناء حديثه، وجد نفسه مرة أو مرتَين على وشك أن يقول «سُمُوك»، لكن الشاب، كان في غاية اللطف، وبسرعة شديدة، هدَّأ من روع المحقق ليتغلب على الانزعاج الذي سببه له وصول الزائر الموقر ومعه رسالة من رئيس الشرطة، وأصبح ودودًا.

قال الشاب بهدوء: «بالطبع، لديَّ اهتمام بكل هذا. لقد قرر هؤلاء الناس، لسبب ما، أنني لست مؤهلًا لأن أعيش على وجه الأرض.»

«ماذا فعلت للمائة الحمر يا سيدي؟»

ضحك الشاب.

وأضاف بابتسامة مرحة: «لا شيء. على النقيض، لقد ساعدتهم.»

تذكَّر المحقق أن هذا الأمير، وريث عرش الإسكوريال، عُرِف عنه غرابة الأطوار.

على نحو مفاجئ كان مربكًا، استدار الأمير وعلى شفتيه ابتسامة.

«أنت تفكر بشأن سمعتي السيئة، أليس كذلك؟»

نفى السيد فالموث بإحراج قائلًا: «لا، لا! أنا …»

قال الآخر بضحكة خفيفة: «أوه، نعم، لقد فعلت أمورًا كثيرًا. إنه شيء يسري في الدماء، فابن عمي ذائع الصيت.»

قال فالموث بطريقة مثيرة للإعجاب: «أؤكد لسموك أن أفكاري لم تكن، أفكارًا بشأنك، ثمة قصة تقول إنك منخرط في الاشتراكية، ولكن ذلك، بالطبع …»

أكمل الأمير بهدوء: «صحيح تمامًا.» ووجه انتباهه إلى الفجوة في أرضية الغرفة.

سأله: «هل كوَّنت أي افتراض؟»

أومأ المحقق برأسه.

«إنه أكثر من افتراض، إنه معلومة، تعلم أننا رأينا جيسين، وخيوط القصة كلها في متناول أيدينا.»

«ماذا ستفعلون؟»

قال المحقق بتبلُّد: «لا شيء. سنجعل التحقيق في سرية إلى أن نتمكَّن من وضع الأغلال في يد رجال العدالة الأربعة.»

«وطريقة القتل؟»

أجاب فالموث بطريقة جازمة: «يجب أن يبقى ذلك في طيِّ الكتمان.» قد تقدم هذه المحادثة فكرة عن المسلك غير المسبوق للشرطة فيما يتعلق بالتحقيق اللاحق.

في محكمة الطب الشرعي كان هناك ثلاثة من رجال الصحافة ونحو خمسين من عامة الناس. دون رغبة مني بأيِّ طريقة في أن أُلقي بظلال من الشك على أطهر قوة شرطية في العالم، يُمكنني فقط أن أذكر أن هيئة المحلَّفين كانت منضبطة على نحو ملحوظ، حتى إن عامة الناس وجدوا أن مبنى المحكمة كان مكتظًّا برجال بأكتاف عريضة حتى إنهم لم يتمكنوا من الدخول. أما الصحافة، فقد أدى التعميم السري دورَه، وكان مندوبو الصحافة الثلاثة الذين شغلوا مكتب المراسلين في المحكمة حريصين على اتباع التعليمات.

دامت الإجراءات القضائية وقتًا قصيرًا جدًّا، وسُجِّل الحكم «… شخص أو أشخاص غير معروفين»، وأُضيفَ لغز لندني جديد (اقتُبِس من صحيفة «ذا إيفنينج نيوز») إلى القائمة المقلقة بالفعل والضخمة من الجرائم التي أفلت مرتكبوها من العقاب.

كان تشارلز جارنيت أحد الصحفيين الثلاثة الذين حضروا التحقيق، وبعد أن انتهى كل شيء واجه فالموث.

قال بمشاكسة: «اسمع يا فالموث، ما هذه الفوضى؟» هز فالموث، الذي لديه من الأسباب ما يجعله يعرف الرجل ويخشاه إلى حد ما، رأسه بغموض.

قال تشارلز بوقاحة: «أوه، هراء! لا تكن غامضًا بهذه الطريقة المقرفة، لماذا لا يُسمَح لنا أن نقول إن هؤلاء الرجال ماتوا؟»

سأله المفتش: «هل رأيت جيسين؟»

قال تشارلز بمرارة: «رأيته، وبعد كل ما فعلته من أجل ذلك الرجل؛ بعد أن وضعت قدمه الضخمة على درجات التحضر.»

سأله فالموث ببراءة: «ألن يتكلم؟»

قال تشارلز بحزن: «لقد كان كَتومًا مثل الغسالة الداخلية لمضخة تفريغ.»

كان المفتش يتأمل فأصدر همهمة. إن عاجلًا أو آجلًا لا بد أن يحدث الاتصال مع تشارلز، وكان هو الرجل الوحيد الذي من المرجح أن يكشف النقاب عن سر جيسين. من الأفضل أن يعرف الصحفي الآن.

قال فالموث بهدوء: «لو أنني مكانك، ما كنتُ سأزعج جيسين؛ أنت تعرف طبيعته، ومدى خدمته للحكومة. تعالَ معي.»

لم ينطق ببِنْت شَفة ردًّا على الأسئلة التي طرحها تشارلز حتى مرا عبر البوابات المبهرجة لمجمع شقق كارلبي واستقر بهما مصعد عند باب الشقة.

فتح فالموث الباب بمِفتاح، ودلف تشارلز إلى الشقة في أعقابه.

رأى الفجوة في أرضية الغرفة.

قال: «هذا لم يُذكَر في التحقيق، ولكن ما علاقة هذا بجيسين؟»

رفع رأسه ونظر إلى المفتش في حيرة، ثم فجأة أدرك الأمر وصفَّر.

قال: «حسنًا، أنا …» ثم أضاف بهدوء: «ولكن ما رأي الحكومة في هذا؟»

قال فالموث بأفضلِ ما بوُسعه من طريقة رسميَّة، وهو يُملِّس في نفس الوقت على وبر قبعته: «الحكومة تعتبر الملابسات غير عادية، ولكنها قبلت الموقف بفلسفة عظيمة.»

في تلك الليلة عاود السيد لونج (أو جيسين) الظهور في «الرابطة» وكأن شيئًا لم يحدث بالمرة، وخاطب مستمعيه مدة نصف الساعة حول موضوع «هل يُمكن أن يكون لصوص المنازل حراسًا جيدين؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤