إيطاليا من جديد!

بعد أن انتهى الشياطين اﻟ «١٣» من تدريبات الجَرْي حول مضمار الكهف السري، توجهوا جميعًا إلى تناوُل طعام الإفطار بسرعة قبل أن يحين موعد لقاء الزعيم في التاسعة صباحًا، لكنهم علموا أن الاجتماع قد تأجَّل للسابعة مساءً، فتوجهوا بعد ذلك إلى القاعة الكبرى، وجلسوا لمشاهدة أحد الأفلام البوليسية، كانت أحداث الفيلم تحكي عن كيفية اقتحام قلعة محاطة بالأسلاك الشائكة التي تتصل بمصدر كهربائي، وفي الوقت نفسه مزودة بأجهزة إنذار في غاية الدقة … كان فيلمًا تسجيليًّا لتدريب قوات البوليس في إحدى الدول المتقدمة، ليتعلم الشياطين منه أحدث الطرق والوسائل التي توصَّلَتْ لها تلك الدول لمواجهة العصابات وتجار المخدرات.

قضى الشياطين أكثر من ساعتَينِ، استمتعوا خلالها بأحداث الفيلم الغريبة … وذهبوا بعدها لمواصلة تمارين ألعاب الدفاع عن النفس «الكاراتيه» و«الجودو»، واستمر المران أكثر من ثلاث ساعات، وكانت الحركة الجديدة التي يتعلمها الشياطين هي كيفية مواجهة أحد الأفراد لمجموعة من الرجال المسلَّحِينَ دون أن يُصاب بأذى … وكان «بو عمير» و«أحمد» و«عثمان» أول مَن حفظ هذه الحركة الصعبة التي تتطلب الدقة والمرونة والقوة في الوقت نفسه.

كانت الساعة تقترب من الثالثة عصرًا حين أنهى الشياطين تمارين الدفاع عن النفس، وبدءوا في الاستعداد للاجتماع بالزعيم رقم «صفر» في الرابعة بعد أن تغيَّر الموعد للمرة الثانية.

كان من الواضح أن رقم «صفر» في عجلةٍ من أمره، وهذا ما ظهر عند اجتماعه بالشياطين من خلال نبرات صوته التي أتَتْ سريعة متلاحقة … وقال: معذرة أيها الشياطين لتأجيل الاجتماع للسابعة مساءً ثم تقديمه مرة أخرى … والآن فلنبدأ في سرد تفاصيل المغامرة القادمة، فقد حان الوقت لتتحركوا قبل أن تُباع المومياء ويصعب علينا العثور عليها مرةً أخرى، فنحن نعلم الآن أين هي … وقد يطول الوقت بنا لنعلم أين اتجهَتْ لو حدث وبِيعَت للجهة الطبية التي تحاول بكل الوسائل الحصول عليها بأي ثمن.

صمتَ رقم «صفر» قليلًا، ثم قال بعدها: إن المعلومات التي لدينا الآن تقول إن مومياء الفتاة الرومانية موجودة الآن ﺑ «إيطاليا» … تحت سيطرة عصابة تُطلق على نفسها اسم «المنتقمون»، ورغم حداثة هذه العصابة إلا إنها في غاية القوة والجبروت، ويكفي أنها استطاعت سرقة خزانة أكبر بنك ﺑ «فرنسا» دون أن يتم القبض على أي فرد من أفرادها، وهي بلا شك في منتهى الخطورة … ولعل أهم ما يميزها طُرقُ التمويه التي تُتقنها ببراعة؛ فكثيرًا ما خَدعَتْ رجال البوليس في أكثر من دولة.

ويكمل رقم «صفر» حديثه: إن زعيم عصابة «المنتقمون» رجل عسكري قديم … شارك في أكثر من حرب واكتسب خبرة كبيرة منها، وجنسيته من دولة شديدة الكراهية للعرب؛ ولذلك فمعظم نشاطه يتركز في الدول العربية … وله أعوان كثيرون يساعدونه بكل إخلاص وتفانٍ لازدواج المنفعة؛ فهم يتقاضون رواتب وعمولات ضخمة، فضلًا عن عدائهم للعرب … يصمت رقم «صفر» لحظات، قال بعدها: إن عصابة «المنتقمون» كبيرة، وليس لها مكان مُحدَّد، ومن المعلوم أنها تركِّز معظم نشاطها في «إيطاليا»، وهي بكل تأكيد لها صلة بعصابات «المافيا» الشهيرة.

يصمت رقم «صفر» مرةً أخرى، وينهمك في تقليب بعض الأوراق أمامه، ثم يتوقف فجأة ليقول: معي تقرير كامل بالصور عن أبرز رجال عصابة «المنتقمون» وسيكون بين أيديكم بعد هذا الاجتماع، والمطلوب منكم تحديد أسماء المسافرين للمهمة، وأقترح ألا يقل العدد عن خمسة، على أن يكون باقي الشياطين في حالة تأهُّب قصوى تحسُّبًا لما ستسفر عنه الأحداث القادمة.

وسكت رقم «صفر»، سمعَ بعدها الشياطين صوت أقدامه وهي تبتعد عن المنصة، فعرفوا أن الزعيم قد انصرف … فنهضوا جميعًا واتجهوا إلى غرفهم.

كانت التقارير المُصوَّرة التي أُعِدَّتْ عن عصابة «المنتقمون» بانتظارهم، فانهمكوا في دراستها ومعرفة كل تفاصيلها.

قال «أحمد» وهو يمسك بصورة أحد الأشخاص: هذا هو «صموئيل»، وتُنطق هكذا بالعبرية … زعيم عصابة «المنتقمون»، والتقرير المرفق للصورة يقول: «العمر خمس وستون عامًا، الطول ١٧٥سم والوزن ٧٥ كيلوجرامًا، وهو قويُّ البنية، رغم قصره النسبي، و«صموئيل» يتحدث أكثر من لغة وهو شديد الذكاء … حاد اللهجة والمزاج، ونادرًا ما يبتسم … وهو يجيد استخدام السلاح بشتى أنواعه، وخاصة المسدسات الصغيرة التي يحمل منها اثنَينِ دائمًا، حتى إنه ينام بهما.»

سكت «أحمد» وهو يُلقي بالتقرير جانبًا، في الوقت نفسه الذي قال فيه «بو عمير»: «وهذا هو «ماهير» أقرب أعوان «صموئيل» وهو قصير القامة كما أظهرته الصورة، كثيف الشعر، أزرق العينَينِ، وبه علامة مميزة على جانب وجهه الأيسر إثر جرح غائر قديم، لم تَمْحُهُ السنين، ويعتمد عليه «صموئيل» كثيرًا لقدرته الفائقة في عقد الصفقات، وإنجاز المهمات الصعبة … وهو يتحدث بأكثر من لغة أيضًا، ويستخدم يده اليسرى كثيرًا، وخاصة عند استخدام السلاح الذي يجيد استخدامه إجادة تامة.»

وما إن انتهى «بو عمير» من حديثه عن «ماهير» حتى صاحت «إلهام» وهي ترفع صورة لإحدى السيدات وتقول: إن ملامحها تكاد تكون شرقية، هذه الماكرة «مادلين»، والتقرير المرفق مع صورتها يقول: ««مادلين» أو «هيه»، ٢٨ سنة … وهي من نفس جنسية «صموئيل» ولها علاقة وثيقة به، وهي شديدة الغيرة عليه، مما يجعلها عصبية جدًّا أحيانًا …»، وأكملت «إلهام»: «و«مادلين» لها أثر كبير على «صموئيل»، فهي قادرة دومًا على إقناعه بأشياء كثيرة لا يوافق عليها … فهي ليست سكرتيرته فقط، ولكنها واحدة من أفراد العصابة، ولها نفوذ كبير برغم صغر سنها.»

انهمك الشياطين في دراسة التقارير، فسرقهم الوقت دون أن يشعروا، حتى دقَّتْ ساعات المقر الحائطية، تُعلن الساعة الآن الثانية عشرة، فذهبوا جميعًا إلى فراشهم، وقد كسَتْ وجوههم علامات التحدي والإصرار … في الصباح الباكر، استيقظ الشياطين مبكرًا كالعادة، واتجهوا بسرعة إلى مضمار الكهف السري ليقوموا بتمارين الصباح اليومية التي تجعلهم في لياقة عالية، وما إن فرغوا منها حتى سارعوا لتناول طعام الإفطار قبل أن يستدعيهم رقم «صفر» إلى القاعة الصغرى لمناقشة خطة السفر، وحول المائدة المستديرة المواجهة لمنصة الزعيم الزجاجية … جلس الشياطين لحظات قبل أن يسمعوا أقدام رقم «صفر» وهي تقترب من المنصة.

حيَّا الزعيم الشياطين بسرعة، ثم قال متسائلًا: هل حدَّدْتُم المجموعة المسافرة إلى «إيطاليا»؟

قال «أحمد» مجيبًا على تساؤل رقم «صفر»: مجموعة الشياطين اﻟ «١٣» في تمام الاستعداد، وأيُّ خمسة منهم قادرون على القيام بالمهمة.

قال رقم «صفر»: أعرف ذلك يا «أحمد» … ولكنني أردتُ معرفة الأسماء بالتحديد لترتيبات السفر التي تلزم معرفة الأشخاص أولًا.

قال «أحمد»: إننا لم نتفق على مجموعة مُعيَّنة حتى الآن، وسنترك لك اختيار ذلك.

ضحك رقم «صفر» ضحكة قصيرة، ثم قال: لعلها من المرات النادرة التي أتدخل فيها لاختيار أفراد المغامرة … وأكملَ رقم «صفر» قائلًا: أعرف أنكم جميعًا تريدون الذهاب إلى «إيطاليا» والعودة بالمومياء، ولكن المغامرة لا تحتاج إلا إلى خمسة أفراد فقط، على أن يظل الباقي في حالة استعداد دائم.

قال «أحمد» مخاطِبًا رقم «صفر»: متى سيكون السفر؟

أجاب رقم «صفر» قائلًا: سيكون في الغد على الأكثر، ثم أكمل: وإنني أقترح الأسماء الآتية: «أحمد»، «عثمان»، «فهد»، «بو عمير»، «إلهام»» … وصمت رقم «صفر» لحظات قصيرة، قال بعدها: إن رجالنا في «إيطاليا» سيكونون بانتظاركم غدًا في العاشرة مساءً … وسيكون السفر في الساعة السادسة، ومنهم ستعرفون أشياء كثيرة ستفيدكم بكل تأكيد في هذه المغامرة.

أكمل رقم «صفر»: وفور هبوطكم من الطائرة ستجدون إحدى الفتيات بانتظاركم، وهي سمراء اللون ترتدي ملابس بيضاء، وتضع على عينَيْها نظارة طبية، وتمسك بوردةٍ حمراء بيدها اليسرى، ثم تقترب منها «إلهام» وتقول لها بالإنجليزية: «شكرًا» فلن تجيب عليها «ساندرا» (وهو اسم الفتاة)، بل ستقرِّب الوردة إلى أنفها، ثم تبتسم وتنصرف إلى خارج المطار حيث تكون السيارة بانتظاركم.

صمت رقم «صفر» مرةً أخرى، قال بعدها: لا تنسوا أن مهمتكم مُحدَّدة، وهدفكم هو عودة المومياء المسروقة فقط، أما عصابة «المنتقمون» فلا دخل لكم بها حتى لا تواجهوا مزيدًا من الصعوبات … وأكمل رقم «صفر»: فليس من الضروري القبض عليهم، وإنما عودوا بالمومياء فقط، وتحاشوا قَدْر المستطاع الصدام معهم، فقد يستنجدون بأحد أفرع عصابات «المافيا» هناك، وهو أمر وارد، فلهم مصالح مشتركة، وعلى وجه التحديد في مدينة «كالياري» التي يتركَّز فيها وجود رجال «المافيا»، لقربها من جزيرة «صقلية»، منشأ عصابات «المافيا» الشهيرة.

سكت رقم «صفر» لحظات قصيرة … ثم قال بعدها: كونوا حذِرِينَ … مع أمنياتي لكم بالتوفيق.

سمع بعدها الشياطين صوت أقدامه المنصرفة بانتظام، فعرفوا أن الزعيم قد غادر القاعة، فنهضوا بسرعة واتجهوا إلى غرفهم تمهيدًا للاستعداد للسفر في اليوم التالي.

قضى الشياطين بقية وقتهم في التحدُّث عن حضارات مصر الفرعونية، وتوفقوا طويلًا أمام سِجِلِّ الملك الصغير «توت عنخ آمون» وترجمتها باللغة العربية «المولود من الشمس» … التي أطلق عليه الإله «آمون»، وأحيانًا أخرى الإله «رع» والمقصود بها أيضًا «الشمس» … كان سِجِلُّ الملك الصغير حافلًا بالمعلومات المثيرة؛ فهو أصغر ملوك مصر على الإطلاق؛ إذ لم يتجاوز عمره الحادية عشرة حين تولى السلطة في مصر الفرعونية … ثم كان الجدال الكبير الذي أُثِيرَ عند موته؛ فهناك قصص تقول إنه مات مسمومًا بيد زوجته الصغيرة، أو بيد المُحيطِينَ به من الكهنة والخدم، وهناك قصص تحكي عن موته الطبيعي … لكن الشيء المؤكد هو عدم وجود دليل قاطع عن سبب موته.

قال «أحمد» موجِّهًا حديثه إلى الشياطين: إن من أجمل الطرائف فعلًا أن يتم الكشف عن مقبرة «توت عنخ آمون» أو الملك الصغير بواسطة أقدام حصان!

وأكمل «أحمد» حديثه: في عام ١٩٣٤ قام العالم الإنجليزي «كارتر» ببعثة أثرية للتنقيب عن آثار مصر الفرعونية، وأثناء قيامه بتفقُّد إحدى الآثار بمدينة «الأقصر»، ترك حصانه حرًّا طليقًا وتحرَّكَتْ أقدام الحصان الخلفية عشوائيًّا، لتكشف عن وجود فتحة عميقة بأسفل المقبرة الموجود بها الحصان، وسرعان ما توجَّهَ إليها العالِم الشهير «كارتر»، وأمرَ العمال بتوسيع الحفرة التي قادتهم إلى مقبرة الملك الصغير «توت عنخ آمون»، ولشدة ما أدهش «كارتر» والمهتمِينَ بالآثار الفرعونية أن يجدوا مقبرة «توت عنخ آمون» كاملةً، ولم يمسها أحد!

وكانت أمه قد بَنَتِ المقبرة بطريقة غريبة، حتى لا يكتشفها اللصوص، وجعلتها أسفل المقابر العلوية التي تعرضت للسرقة والنهب، بينما ظلَّتْ مقبرة الملك الصغير كما هي … وهي موجودة الآن بالمتحف المصري، وتُعتبَر محتويات المقبرة الذهبية هي الوحيدة الكاملة من كل مقابر الملوك المُكتشفة.

كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة حين أنهى «أحمد» حديثه، وشاهد «عثمان» وهو يتثاءب، فمازحه قائلًا: أجاءك النعاس أيها الملك «سويك»؟! فضحك الشياطين، بينما قال «عثمان» وهو يتوجه إلى غرفته: نعم لقد حدث أيها الكاهن «سنفرو».

وانفجر الشياطين في الضحك، وقد اختلطَتْ ضحكاتهم بدقات الساعات الحائطية التي أعلنَتْ عن منتصف الليل، قاموا بعدها جميعًا إلى فراشهم وقد ارتسمَتْ على وجوههم تفاصيل المغامرة التي ستدور في «كالياري» معقل رجال «المافيا» ووكر عصابة «المنتقمون».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤