الكمين!

عندما عاد «أحمد» إلى الشياطين بالفندق كانت الساعة تشير إلى الواحدة صباحًا ﺑ «روما» فخلد الشياطين للنوم.

بعد أن أطلعهم «أحمد» بما دار بينه وبين مستر «رودجر» عَبْر الهاتف اللاسلكي الذي تمتلكه «ساندرا» بسيارتها.

قال «بو عمير» وهو يتأهَّبُ للنوم: هل ستكون معنا النقود؟

قال «أحمد»: بكل تأكيد لن تكون معنا. وأكمل: «إن «إيطاليا» قد يحدث بها أيُّ شيء، وكلُّ شيء … لا تنسَ أن لقاءنا بمستر «رودجر» سيكون ﺑ «كالياري»، فضحك «بو عمير» وهو يقول: لقد كان الفريق المصري الذي وصل إلى كأس العالم عام ١٩٩٠ يلعب في هذه المدينة.

ابتسم «أحمد» وقال ﻟ «بو عمير»: شكرًا لك … ولكننا الآن مع مستر «رودجر» الذي قد يكون وهميًّا!

فاتسعَتْ عينا «بو عمير» دهشةً لكلمات «أحمد»، ثم قال: تقصد «ساندرا؟! قال «أحمد»: لا ليس «ساندرا»، ولكن قد يكون رودجر هذا يلعب لحساب نفسه، دون أن تكون له أية صلة بالمومياء المسروقة!

قال «بو عمير»: ولكن من أين حصل على معلومات بسعر المومياء أو العروسة كاسم حركي لها؟

قال «أحمد»: إن وسائل الحصول على هذه المعلومات كثيرة، وهو أمر سهل بالنسبة لهؤلاء.

قال «بو عمير»: وما الحل إذن؟

أجاب «أحمد»: سيكون اللقاء بهم غدًا وهميًّا أيضًا … واتجها إلى فراشهما ليَغُطَّا في نوم عميق حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي.

عندما استيقظ الشياطين من نومهم كانت هناك رسالة بانتظارهم، وكانت كلمات الرسالة تقول: «كونوا مستعِدِّينَ بعد نصف ساعة» … والتوقيع أسفل الرسالة بحرف «س» بالإنجليزية.

سارع بعدها الشياطين بالاغتسال وارتداء ملابسهم، وما إن دقَّت الساعة لتعلن التاسعة صباحًا حتى سمعوا جميعًا طَرْقًا على باب حجرتهم، وسرعان ما شاهدوا «ساندرا» السمراء وهي تدخل من الباب وتُلقي عليهم تحية الصباح، قبل أن تدعوهم بسرعة لمرافقتها إلى أسفل الفندق، حيث تنتظرهم سيارتان مُجهَّزتان لنقلهما إلى «كالياري»؛ تلك المدينة الجميلة والمُخيفة في الوقت نفسه!

غادر الشياطين «روما» في تمام الحادية عشرة صباحًا متوجِّهِينَ إلى «كالياري» بصحبة «ساندرا» … وكان الشياطين منقسمِينَ على سيارتَينِ، إحداهما «بيجو»، والأخرى «الستروين» التي تمتلكها «ساندرا»، وقضَتِ السيارتان ثلاث ساعات من السير المتوسط حتى وصلت إلى مشارف «كالياري».

قالت «ساندرا»: سيكون اللقاء مع «رودجر» اليوم في السابعة مساءً … وسنكتفي في المرة الأولى بلقاء أحدكم معه … بعدها سينتهي دوري؛ فلستُ على استعداد لدفع حياتي ثمنًا لأي شيء مَهْمَا بلغَتْ أهميته … وابتسمت «ساندرا» وهي تكمل حديثها: معذرة، لم أشأ تخويفكم، فقط حاولت أن أذكِّركم بالحقيقة … فدوري ينتهي فعلًا بعد لقائكم مع «رودجر»، وتحديد وقت التسليم والتسلُّم بالنسبة للعروسة والنقود.

ابتسمَتْ «إلهام» وهي تقول لها: ألن تحضري حفل زفاف العروسة؟ وشاركها «عثمان» القول وقد أدخلَ عليه المزاح بقوله: أمْ إنَّ العريس لا يعجبك؟ وأشار إلى نفسه.

كانت السيارتان قد وصلتا إلى «كالياري»، وكان بالسيارة الأولى التي تقودها «ساندرا» «أحمد» و«إلهام» و«عثمان»، بينما كانت السيارة الأخرى «البيجو» التي يقودها شاب إيطالي أشقر، ذو شعر أصفر طويل — برغم أن معظم الإيطاليِّينَ يميلون إلى اللون الأسمر والشعر الأسود — وكان يجلس معه «بو عمير» و«فهد».

وقد دار حوار طويل بينهم، كان الشاب الإيطالي ويُدعى «تشاينر» لَبِقًا في الحديث، وقد ذكر للشياطين بأن والدته ألمانية الجنسية، بينما أبوه إيطالي، ثم ذكر أيضًا أنه يعمل سائقًا لدى السيدة «ساندرا» منذ فترة قريبة لم تتجاوز ثلاثة أشهر … ثم حدَّث الشياطين عن «كالياري» وصِلتها برجال العصابات، وخاصة رجال «المافيا».

قال «فهد» مخاطبًا «تشاينر»: هل جئتَ إلى «كالياري» كثيرًا؟

فابتسم «تشاينر» وهو يقول: بكل تأكيد، زُرتها أكثر من مرة، ولكني لم أمكث فيها طويلًا … وسكت «تشاينر» وهو ينحرف بالسيارة يمينًا، ويتبع عن قربٍ سيارة «ساندرا» «الستروين» الزرقاء، قال «تشاينر»: إن من الصعب فعلًا في قيادة السيارات بإيطاليا في الطرق السريعة؛ فالحوادث هناك على أشَدِّها، ونادرًا ما يمضي يومٌ دون أن يقع فيه أكثر من حادثة، وخاصة الطرق السريعة التي تربط مدن إيطاليا ببعضها، مثل طريق «روما» و«نابولي» … وانحرفَتِ السيارة «الستروين» الزرقاء التي تقودها «ساندرا»، ومعها «أحمد» و«إلهام» و«عثمان» ناحية اليسار من تمثال السيدة «العذراء»، الذي يتوسط قلب «كالياري»، وأمام منزل صغير، ولكنه في غاية الأناقة، توقفَتِ السيارة ومن ورائها السيارة «البيجو» التي يقودها «تشاينر»، ومعه «بو عمير» و«فهد».

هبط الشياطين جميعًا وتقدمَتْ «ساندرا» صوب المنزل وهي تقول بالإنجليزية: تفضلوا … مرحبًا بكم في «كالياري».

وأدارت «ساندرا» المفتاح بالباب، وسرعان ما انفتح، ودخلت «ساندرا»، وتبعها الشياطين … كانت الشقة مُؤثَّثة بأثاث فاخر جدًّا، ولكنَّهُ قديم، وهذا يعكس وضع الأسرة التي تمتلك هذه الشقة.

قالت «ساندرا» وهي تفتح أبواب الشقة، وتدعو الشياطين لرؤيتها وترتيب حقائب السفر: إنكم ستمكثون بالمنزل حوالي ثلاثة أيام، ستلتقون خلالها بالسيد «رودجر»، وفور انتهائكم من إجراء الصفقة — أقصد صفقة العروسة — سيكون كلُّ شيء مُعَدًّا لعودتكم بها، ولكن لن أكون موجودة أثناء لقائكم اليوم بالسيد «رودجر».

قال «أحمد»: وما المانع في وجودك معنا حتى مغادرتنا «كالياري»؟

أجابَتْ «ساندرا»: هذا أمر خاص بأمنكم فقط، ولكم أن تعرفوا أن معظم رجال العصابات يعرفونني جيدًا … ثم نظرَتْ «ساندرا» إلى بقية الشياطين، فأومَئُوا برأسهم علامةَ الفهم والموافقة … في نفس الوقت الذي ابتسم فيه «تشاينر» وقال: أي مساعدة أخرى مِسِزْ «ساندرا»؟

قالت له «ساندرا»: شكرًا «تشاينر»، ولكنك سترافق (وأشارت إلى الشياطين حتى انتهاء إجازتهم وسفرهم إلى بلادهم)، فابتسم «تشاينر» وهو ينحني إلى الأمام ثم قال: «إن ذلك يُسعدني جدًّا مِسِزْ «ساندرا».

كانت الساعة تقترب من الخامسة مساء حين جلس الشياطين ومعهم «ساندرا» و«تشاينر» حول فطائر البيتزا الإيطالية ليتناولوا طعام الغذاء … وأخذوا يتحدثون عن «إيطاليا» من ناحية الآثار والمعتقدات الدينية، حتى اقتربت الساعة من السادسة والنصف، فاستعد «أحمد» للقاء مستر «رودجر» أو العميل بصحبة «ساندرا» … بينما أمسكَتْ «ساندرا» بجهاز التليفون اللاسلكي وضغطَتْ على عدة أزرار، ثم جاء صوت أحد الرجال قائلًا: إننا في انتظارك مِسِزْ «ساندرا» … برجاء إحضار النقود. فأجابت «ساندرا»: معلوم مستر «رودجر» إلى اللقاء.

كان «أحمد» في تلك الأثناء قد استعد لمقابلة «رودجر» بصحبة «ساندرا»، وقد ثبَّتَ بعض الأجهزة الدقيقة في أماكن متفرقة من جسده؛ ليستطيع الشياطين تتبعه في أي مكان لو حدث وأُسِرَ لأي ظرف من الظروف، أو اختطفَهُ أحد.

في تمام الساعة السابعة تحرَّكَتِ السيارة «الستروين» تقودها «ساندرا» وبجانبها جلس «أحمد» ومعه حقيبة جلدية بها بعض الأوراق النقدية من فئة اﻟ ١٠٠٠ دولار.

قال «أحمد» ﻟ «ساندرا»: أتعرفين حقيقة ما يجري الآن؟

قالت «ساندرا»: أعرف شيئًا واحدًا … وهو الهدف الذي نحن ذاهبون إليه … ثم أقوم بعد ذلك بتقديم أية مساعدة تطلبونها ما دامت بوسعي وأستطيع أن أفعلها … ثم أكملت «ساندرا»: لا تكن قلقًا بشأن إجراءات التفتيش الدقيقة التي تجرى عليك فور دخولك لمقابلة مستر «رودجر»، فقال «أحمد»: لا بأس … على ألا تكون أكثر من اللازم.

انحرفت السيارة «الستروين» يمينًا من شارع «الحرية» الطويل الذي يتوسط «كالياري»، ثم توقفَتْ أمام منزل من طابقَينِ، تحيط به أشجار ضخمة من كل جانب، وسور عال يرتفع إلى أربعة أمتار وفوقه الأسلاك الشائكة.

قالت «ساندرا» وهي تنظر إلى المنزل: إنها قلعة وليسَتْ منزلًا … واقتربت «ساندرا» وبصحبتها «أحمد» باتجاه الباب الذي انفتح تلقائيًّا بشكل أوتوماتيكي، وبداخله وقف عدد من الحراس أحنَوْا جميعًا رءوسهم ﻟ «ساندرا» تحيةً لقدومها، بينما اقترب أحدهم — وكان عملاقًا — من «أحمد»؛ ليقوم بتفتيشه، وانحنى الرجل لتفتيش «أحمد» في الوقت الذي صدرَتْ فيه صرخة عالية أتَتْ من اتجاه المنزل من الداخل.

اندفع الحراس جميعًا لمعرفة السبب … بينما وقف «أحمد» ومعه «ساندرا» لحظات دون حركة وقد ارتسمَتْ علامات التعجُّب على وجهَيْهما.

تُرى ماذا حدث بداخل القلعة؟!

وكيف حدث هذا بمجرد دخولهما؟!

نظر «أحمد» خلفه، فشاهد الباب العملاق وهو ينغلق أوتوماتيكيًّا والسور العالي، الذي يحيط بالقلعة من كل جانب … وقال مخاطبًا «ساندرا»: أعتقد أنه لا مفر! فأومأَتْ «ساندرا» موافقة، في الوقت نفسه الذي تعالَتْ فيه الصرخات الآتية من الداخل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤