نصيحة الطبيب

المادة الأولى في وصية صحاح البدن

لا شك أن الأطباء معتبرون بين الناس لشدة نفعهم عندهم، ومع ذلك فالأولى الاستغناء عنهم؛ لأنهم رفقاء المرضى فلنحرص على حفظ أنفسنا من أسباب المرض ومن الاحتياج إلى الطبية.

والدواء المجرَّب لمنع الاحتياج إليه هو اعتياد الكد والقناعة، ولنذكر لك بعض أمور أُخر:
  • الأول: لا تسكن دارًا مماسة لمزرعة مرتفعة، أو دارًا غائرة في الأرض يسيرًا، فإن كلا هذين الوضعين يجعل الدار رطبة ومضرة للصحة؛ فالعافية ولو كانت قوية تذهب فيهما على تداول الأيام.

    ارفع أرض بيتك بعض قراريط، برمل أو حصى، أو طوب مسحوق، أو ما أشبه ذلك، وتجنب البناء في أرض مماسة لأرض أعلى منها، اجعل منافس الهواء إلى الجنوب الشرقي أي اجعله بين الشرق والجنوب؛ فإن ذلك للصحة أسلم من جميع الأوضاع.

  • الثاني: الهواء المخزون يجلب الحمَّى المحرقة، فوسع طاقاتك ليسهل فيها دخول الهواء والنور، وافتحها في غالب الأحيان؛ لأن البرد للصحة أوفق من الحر، فأهل الجانب الشمالي حياتهم وصحتهم أبرك من أهل الجنوب، والمريض يشفى في غرفة مفتوحة لسائر الرياح، وربما هلك لو كان بجانب الحرارة.
  • الثالث: بركة الماء الراكد إذا اشتد قربُها من البيوت فإنه يتصاعد منها أبخرة لا تناسب الصحة، بل تؤذيها أو ربما قتلت. وبسبب ذلك ترى بعض البلدان منتنًا بالأوباء فاجتنب هذه الأشياء الجالبة للأمراض والأوجاع.
  • الرابع: السُّكْر يرعى البدن ويحرقه، ويسرع بالمشيب، فنصيب من ينهمك على شرب الخمور وغيرها من المسكرات أن يصاب بداء الذبول وبقصر الأجل.
  • الخامس: من أسباب الأمراض اختلاف الزمن؛ كتعاقب الحر والبرد، ونزول المطر السريع أو نزوله باردًا في وسط الأيام الحارة، فأولى ما يطرد هذه الأمراض أن تلبس أزيد مما يقتضيه الفصل، فالبس أثواب الشتاء قبل فراغ الخريف، ولا تعجل خلعها عند دخول الربيع، وإذا ابتل بدنك كله بماء بارد فاغتسل بالماء الفاتر، فإن لم يبتل إلا عضو فقط، فاغسله وحده.
  • السادس: احذر إذا اشتد حرك أن تمكث في موضع بارد أو تشرب ماء شديد البرودة، وإلا فالعرق ينحبس حالاً ويتداخل في الباطن، ويتسبب عن ذلك داء الخناق وورم الصدر والفولنج١ المحرق وغير ذلك، فإذا نفذ القضاء وابتلي بأحدها، فالواجب تداركه لعله يخف، فأول ما تحس بمبادئ العلامات، فضع القدمين في ماء هين الحرارة، وطرِّ بالماء الفاتر ظاهر المتألم من الحلق أو الصدر أو البطن، واحتقن بالماء الفاتر المخلوط بيسير اللبن وتعاطَ (الشوربة) التي صورتها أن تأخذ قبضة من زهر «الخمان» وتضعها في إناء خزف مع أوقية ونصف من جيد الخل ورش على الجميع قدح ماء مغلي وغط الإناء ودعها تبرد، فمتى بردت هذه (الشوربة) فصفها بخرقة وذوب فيها أوقيتين من العسل، فإذا فعلت ذلك فقد غنمت ما حرمت منه الطبيب من الدراهم، فإن ما تعطيه له منها ذاهب عن يدك، وربما كان ذلك الطبيب لا يفيدك في هذا الداء شيئًا.

المادة الثانية في الدلالة على ما يصنع حين أخذ المرض في الظهور

اعلم أن كثيرًا من الناس باعتناء فاسد يريد أن يداوي المرضى فيهلكهم، فأول ما يبدو قليل من الحمى أو القيء فلا يجد أحسن من تعريق المريض فيضغطه تحت أغطية ثقيلة، ويحجب عنه الهواء، ويسقيه شوربة الخضراوات الحارة وربما سقاه خمرًا حارًا أو حلوًا، فهل من الأصحاء من يستطيع حمل ذلك؟ أو ليس أن هذا يمرض من ليس بمريض؟ نعم، قد يكون العرق به الشفاء، لكن حين تكون الأمراض قد صدرت عند انحباسه أو بعد تقليل هذه أو إزالتها بكثرة تعاطي (الشوربات) وعلى كل حال فلا بد من إدخال الهواء اللين في موضع المريض؛ لما أن حاجة الإنسان إلى الهواء كحاجة السمك إلى الماء، و(الشوربات) الحادة تزيد الحرارة التي تهلك المريض وتحرقه وتيبِّسُه، والخمر هو سم حقيقي في الحمى، فعليك بخلاف ذلك من (الشوربات) الرطبة الباردة، فإنها تذيب الأخلاط المنفسدة وتسهل خروجها وتجفف الحرارة، وتنظف المعدة، وبعض الناس يريد أن يرد العافية لذي القيء فيعطيه المرق: فيضاعف ألمه مع أن من الحقيقة المقررة عند أكابر الأطباء أن المريض الذي به خميرة المعدة كلما أعطوه من الأغذية زاد ضعفه، وهذه الأغذية إذا انفسدت بالأخلاط المعفونة التي تختلط معها في الجوف تنقلب مرضًا جديدًا، فما يتعين في شفاء المريض هو ما يضعف المرض؛ ففي كل عشرين مريضًا يموتون في الأرياف فأكثر من الثلثين يمكن أنه كان يشفى بلا شيء لو كان في موضع مستور من مضار الرياح، وكان لا يشرب إلا ماء مبردًا، ولكن لا مفر من القدر، وأغلب الأمراض الحادة والحميَّات يتقدمها أيام تشويش كيسير الخدر، وقلة النشاط وعدم شهيَّة الأكل، ويسير ثقل المعدة والتعب، وثقل الرأس والنعاس الثقيل، عديم الراحة غير المصلح القوي، بل وثقل الصدر والميل إلى البرودة وتيسر العرق غير المعتاد وانقطاع العرق المعتاد، وعند ذلك يتيسر تدارك أو تخفيف هذه الأمراض المضرة بأربعة: الأول: ترك سائر الأشغال الشاقة والمداومة على الأشغال الهينة، الثاني: تقليل أكل المغذيات أو اجتنابها، لا سيما ترك اللحم والمرق والبيض والنبيذ، الثالث: إكثار الشرب يعني أن يشرب كل يوم قزازة فأكثر في كل نصف ساعة طاسة من الشربة المذكورة في المادة السابقة أو من الماء الفاتر المخلوط في كل قزازة إما بخمس عشرة أو بعشرين حبة من الملح المعتاد أو بفنجان خل أو بملاعق من العسل. الرابع: الاحتقان بماء فاتر أو بهذا الدواء وهو أن تأخذ قبضتين من الحشائش أو من زهر الخبازي وتغمرهما وترش عليهما نصف (قزازة) ماء مغلي وتصفيها بخرقة وتضيف عليهما أوقية عسل.

المادة الثالثة: في الدلالة على ما يصنع حين ظهور المرض

اعلم أنه ينبغي للمريض إذا تلبس بالبرودة، أو القي٢ أو الألم أن يلزم الفراش والجلوس، وأن يتغطى زيادة عن عادته، وأن يشرب في كل ربع ساعة فنجانًا من مسخن (الشوربة) السابقة، فلا باس بتغطية المرضى حال بردهم، ولكن لا بد من تخفيف الغطاء كلما خفت البرودة؛ حتى يكون بمجرد انقطاعها ليس عليهم إلا الغطاء المعتاد.

ثم إن بعض أهالي القرى يعتادون النوم على طراحة مكبوسة ريشًا، ويتغطون بغطاء ثقيل من الزغب، والحر الصادر عن الريش هو خطر على المحمومين، لكن لما اعتيد على ذلك يمكن اغتفار هذه العادة في بعض الأحيان، إلا في مدة الحر واشتداد الحمى، فليتخذ للنوم طراحات مكبوسة بالقش، وللغطاء ملاحف أو أكسية أقل خطرًا من الريش، فهذا هو ما يريح المريض.

وينبغي الحذر من تسخين هواء محل المريض، ومن كثرة الناس، واللغط، ومن الكلام معه إلا على قدر الحاجة، وينبغي فتح طيقانه، وأقله ربع ساعة في النهار، وربع ساعة بالليل، وينبغي مع فتح الطيقان فتح باب الغرفة ليتجدد الهواء، ولكن لإبعاد المريض عن جريان الأهوية فلتسحب عليه ستائر فراشه، أو ليحجب عن الهواء بكيفية أخرى، وفي زمن الحمر ينبغي إبقاء طاقة من الطيقان مفتوحة.

ويحسن أيضًا تبخير غرفته بخل مطفى فوق نحو مجرفة حديد محماة.

وينبغي في الهجير، والمريض متعب بالهواء الحار، أن يرش بلاط غرفته، وأن يوضع فيها فروع غليظة من شجر الصفصاف ونحوه، تغمس في إناء فيه ماء، لتكون مسقية.

وليجتنب المريض تناول الأطعمة المغذية، ولا يأكل إلا يسيرًا من خفيف الثريد المنضج أو الأرز المطبوخ بالماء مع يسير من الملح، ولا بأس في الصيف بالأثمار المستوية في الشتاء بالتفاح المنضج، أو البرقوق والأجاص، بعد تيبسهما وطبخهما، فهذه الأثمار إذا أكلت بلا إكثار منها تروى وتبرد وتصلح الصفراء المنفسدة الحارة؛ فهي الأغذية اللائقة المحموم، واستعمل الشراب الرطب، والمبرد الذي ذكرناه سابقًا، ولا بأس أيضًا أن تضع في نحو (قزازة الماء) طاسة من عصير الفواكه التي ذكرناها قريبًا.

وينبغي للمريض أن يشرب كل يوم (قزازتين) من ماء فأكثر وأن يتناول في المرة يسيرًا، ففي كل ربع ساعة يشرب فنجانًا ما لم ينم، واللائق أن يكون الشراب غير شديد البرودة، ففي اعتدال الزمن يكون في مزاج طراوة نسيم.

ولو امتنع المريض من حاجة الإنسان جملة أيام، أو لم يبل بكثرة أو خرج بوله أحمر، أو خلطك في كلامه، أو كانت (حمته) قوية، أو كان وجع رأسه أو كليته شديدًا أو كانت بطنه متألمة، أو كان محتاجًا كثيرًا إلى النوم فليحتقن كل يوم مرة بالحقنة المركبة مما سبق ذكره في المادة الثانية، فالاحتقان شفاء المحموم إلا إذا حدث للمريض العرق النافع فلا يحتقن.

وإذا خف المرض فينبغي الخروج من الفراش في اليوم ساعة فأكثر، كما يمكنه، ولكنه لا أقل من نصف ساعة، ولا ينبغي ترك فراشه وهو متلبس بالعرق.

ومن المستحسن تصليح فراشه كل يوم، وتغيير ما على بدنه كل يومين، إذا تيسر ذلك، ومن الضرر البيِّن الحكم بخلاف ذلك. اعتقاد أنه يخشى على المريض من خروجه من فراشه، فيتركه في ثيابه المتسخة، وهذه الثياب لا تقتصر في أضرارها على إبقاء أصل المرض فقط، بل تقويه، (ولو) قيل، إن المريض تعبان جدًا، وهذه حجة عاطلة ولو سلم أن استعمال ذلك يتعبه درجة، فإنه يزيد ما بقي من قوته، ويسرع تخفيف ألمه.

المادة الرابعة: في معالجة الناقِه

اعلم أنه ما دام بالإنسان قليل من الحمى فلا يتناول إلا الأغذية الخفيفة التي بيناها، فإذا انقطع عرق الحمى؛ فلا بأس أن يتناول غيرها كقليل من اللحم الطري، أو السمك، أو المرقة أو البيض هين النضج، فهذه الأغذية تصلح القوى بشرط عدم الإكثار فيما يتناول منها، وإلا فتبطئ الصحة؛ لأن المعدة الضعيفة من المرض ليست متأهلة إلا ليسير الهضم، فلو أعطيتها فوق ما في قوتها لم ينهضم سائر ما يدخل فيها، بل ينفسد، وقوام البدن إنما هو بما تهضمه المعدة لا بما يصل إليها فقط، فينبغي للناقِه أن يكون كالمريض في تناوله قليلاً في كل مرة، ولكن في غالب الأوقات، وأن لا يتعاطى في المرة إلا جنسًا واحدًا من الأطعمة، وأن لا يكثر من تغيير الأطعمة، وأن لا يستعجل في مضغ ما يتناوله من الجوامد، وأن لا يكثر من الشرب، وخير الشراب هو الماء المخلوط بشيء من الأنبذة.

وليَسر على قدر ما يستطيع ماشيًا أو راكبًا عربة أو فرسًا، ومن العبث ترك ركوب الخيل في هذه الحالة لمن يملك الخيل، كأغلب أهل الأرياف، وإذا كان السير بعد تناول الطعام كان مقويًا لمادة الهضم بخلاف فعله قبل، فهو ربا يضر الهضم، وليتناول من قام من المرض يسيرًا من الطعام في المساء؛ لأن النوم أريح وأصبح له من الأكل، ولا يضره عدم قضاء الحاجة كل يوم، نعم إذا جاوز يومين من غير خروج شيء فليحتقن ثالث يوم، أو قبله إن علم أن قبض بطنه تتولد عنه الحرارة، أو الانتفاخ، أو ضيق الصدر، أو وجع الرأس، وينبغي لمن قام من مرضه جديدًا ألا يسرع في العودة إلى شغله، فإن لم يصبر إلى تمام عافيته طال ضعفه، فالاستعجال على الشغل قبل أوانه يعقبه من الخسارة زيادة على ما يؤمل كسبه، فإن لم يتحفظ على نفسه، وإلا أصابه مرض الذبول فينبغي حين إرادة الأخذ للمبادئ مراقبة العواقب.

المادة الخامسة: في وصايا عامة على الصحة

اتخذ القناعة في الأكل، فمن لم يقنع لا يشبع، بل يهلك نفسه، قيل: من أرخى على الطعام طويل عنانه، حفر مقبرته بحدة أسنانه، لا تأكل دون مرتين في اليوم، بل لا بأس بثلاثة، والصغار لهم أن يأكلوا أربع مرات بل خمسًا.

لا تنم عقب الأكل، ومدة النوم للسليم ست ساعات أو سبع، وللضعيف والصغير أطول من ذلك.

تضمحل القوة والعقل، ويذهب كل منهما باعتياد تطويل النوم.

النظافة نصف الصحة، فلتكن في البدن والثوب والمسكن والغذاء والمتاع.

لا تمضغ الدخان، ولا تنتشق به؛ فكثرة اللعاب الذي يكسبه للطبيعة مضعفة على طول الزمن، وبه يضيع الريق اللازم في الهضم، وينتن النفس، وتسودّ الأسنان، وتنفسد، وقد شوهد أن كثيرًا من الناس اعترته الحماقة بالإكثار من شرب الدخان أو شم النشوق.

إياك والانهماك على تعاطي الخمور والمسكرات، سيَّما أيام الصوم، وقد توهم أنها تشد القوى، مع أن القوة المستفادة من تعاطيها تمر في أدنى زمن، ويعقبها وهن، وذلك كما أن النار تذكو إذا أكثرت من نفخها وترعى الوقود سريعًا، ولا تعطي الحرارة إلى درجة.

وأما الفلاحون الذين يشتغلون في وقت الصيف فعليهم تغطية رءوسهم وأن يتداركوا أشغالهم.

المادة السادسة: في معالجات لجملة علل وأمراض

  • الأول: الزكام والنزلة، يقال: هذا ليس بشيء، إن هو إلا زكام أو نزلة، نعم، نسلم أن الإنسان لا يموت بذلك، لكن يتسبب عن ذلك حرارة الصدر المهلكة له.

    ومن كلام بعض الحكماء الأقدمين: يهلك بالنزلة والزكام أبلغ مما يهلك بالوباء، وعلاج ذلك: استعمال الشربة المذكورة في المادة الأولى، أو تعاطي سلاقة الخمان التي ربعها أو ثلثها لبن، وينبغي قبيل النوم وضع الرجلين في الماء الفاتر، ولو انحبست البطن تعيَّن الاحتقان، وينبغي الاقتصار على تناول الأطعمة الخفيفة، وتعاطي اليسير في المأكل، ولا بأس بتعاطي بعض طاسات من خفيف مرقة الخشخاش الأحمر، وقد توهم بعضهم أن هذا الداء يذهب بالعرقي المحروق، أو الخمر المعطر، أو الحلو، مع أن هذا كإلقاء الحطب في النار؛ إذ هذه الأشربة أقرب في تثقيل هذا الداء من إزالته، أو ليس أن هذا الداء حرارة، وهي تزداد بهذه الأشربة.

  • الثاني: وجع الأسنان إذا كان الوجع ناشئًا عن فساد السن فخير علاجه، كما قيل الكلبتان؛ فاللائق قلعه، وإلا دام الوجع، وفسد غيره من الأسنان، وربما جر ذلك إلى فساد الحنك، ولكن لو اختير بقاء السن خوفًا من قلعه فلا بأس أن نختبر، بأن تلطخ على موضع الفساد قطنة مبلولة في قطرات من عصير القرنفل، فإن ذلك يصلحها زمنًا طويلاً، وربما كانت نهايته تفتتها وسقوطها، ويمكن أيضًا إصلاحها بأن تلطخ على ذلك الموضع قطعة صغيرة من عرق عاقر قرحًا، وتتمضمض بسليق النبات المسمى: حشيشة الفضة، وأما إذا تحرك الوجع من غير أن تكون الأسنان منفسدة، فأدم الغرغرة بالشعير، أو بالماء واللبن، وتضميد الصدغ بالضماد المطري، واتخذ الحموم جملة ليال بماء فاتر ولا تشرب الأنبذة المخدرة ولا تكثر من الأكل، وأما إذا كان بالإنسان قرح فتنضيجه بأن تديم في فمك لبنًا أو تينًا مطبوخًا في لبن، فإذا نضج فافتحه، فإنه سهل غير مؤلم.
  • الثالث: السكتة اعلم أن داء السكتة يأتي الإنسان فجاءة فيعطل الحواس والحركات الاختيارية ما عدا النبض، وبه يعسر التنفس، وهذا المرض مخوف فتجب المسارعة إلى الطبيب، ومدة انتظار حضوره يجب أولا كشف رأس المريض، وتغطية ما عداه من البدن بشيء خفيف جدًا، وجلب الهواء الطري عنده، وفتح طوقه٣ بالكلية ثانيًا: يقام حسبما يمكن رأسه إلى أعلى ورجلاه إلى أسفل، ثالثًا: يحقن بحقنة مصنوعة من سلاقة الحشائش الطرية والملح، رابعًا: اسقِه كثيرًا من الماء حسب الإمكان، خامسًا: إبعاده عن الأشربة المخدرة كالخمر، وكذلك الماء المعطر شربًا وضمادًا وسعوطًا، سادسًا: عدم مسِّه وتحريكه إلا للضرورة، سابعًا: عصب الرجلين تحت الدغصة، وهي العظم المدور والمتحرك في وسط الركبة؛ حتى يتحجب الدم عن الصعود إلى الرأس، وربما يرجع داء السكتة بعد ذهابه، وكلما رجع، كان أصعب مما قبله، فالواجب تداركه من قبلُ بأن يأكل وهو في هذه الحالة قليلاً جدًا، وأولى ما ينفع له أن يترك العشاء، وأن يتجنب الأشياء الغزيرة المائية، وطيبات الروائح والحوامض والأشربة المقوية والقهوة، وأن يأكل قليلاً من اللحم كثيرًا من الخضراوات والفواكه، وأن يشرب دواء مسهلاً مرتين أو ثلاثًا، كل سنة، وأن يتريَّض، وألا كثر من السخونة في (أودته) أو حرارة الشمس، وألا يتأخر في النوم أو في القيام منه، وأن لا يلبث فوق ثمان ساعات في فراشه.
  • الرابع: ضربة الشمس، هو مرض يصيب الإنسان متى اعترض في الشمس زمنًا طويلاً عريان الرأس، فيعرف هذا المرض بوجع الرأس الشديد، واحترار البشرة واحمرار العيون، وجمود الدموع، وضعف البصر عن الامتداد إلى الضوء، وقد يحصل للمريض به سهر، وربما أحس بالنوم وقلق (قلقًا) شديدًا، وفي الغالب تكون بشرة الوجه محترقة، فالمريض لا يزال شديدًا حتى يأتي الطبيب سريعًا، فينبغي في مدة انتظاره أن تضع رجلي المريض في ماء فاتر، وتدخله نصف حمام، أو حمامًا كاملاً، واحتقنه بأعشاب مطرية، اسقِه كثيرًا من شربة الليمون والماء، أو اسقه ماء مخلوطًا بيسير الخل، وأنفع من ذلك مصل اللبن الصافي المخلوط بيسير الخل، والطخ على جبهته وصدغه ورأسه خرقة مطراة بماء بارد وخل معًا.
  • الخامس: نهش السميات: أولاً أخرج الزبان إذا لصقت بالمحل الملدوغ، ثانيًا: تعهّده بالماء، ثالثًا: الطخ عليه إمَّا كزبرة أو كرفسًا أو زهر الخمان. رابعًا: فإن عظم الحرقان فأسرع ما ينفع هو أن تبل خرقة صوف في سلاقة الخمان وتلطخها، وهي هينة الحرارة خامسًا: أن تلصق على الوجع لبخة من سحيق بزر الكتان أو من لباب الخبز الممزوج بالبن أو العسل.
  • السادس: قاعدة يجب اتباعها في تعهد الصغار والأطفال، حق على الأمهات اللاتي يردن حفظ صحة أنبائهن وتربيتهم أن يتركن عوائد البربر من لف الأطفال بكيفية يمتنع معها تحركهم، وتنقل أرجلهم أو أيديهم، فكيف يقلن لو أخبرهن إنسان أن اللازم لصحتهن أن يحتبسن في أثوابهن وأن يلصقن أذرعتهن ببدنهن، وألا يتحركن؛ كالمسلسل! فلأي شيء يصنعن ذلك بأطفالهن، وهم ضعاف، فليطلقنهم يتحركوا وليعرضن أطرافهن للهواء، من يتوهم من غير مستند أن الفرس الصغير أو العجل كذلك من المستحسن لصحتهما ربطهما تكتفهما على ذلك الوجه، أو ليس أن حكم تربية الآدمي كغيره من باقي الحيوانات؟
  • السابع: السم بالفطر٤ وهي جنس رديء من الكمأة، كثير من الناس من يهلك بميله إلى الفطر، وكان الأحسن في حقهم يقينًا أن يتجنبوه، وقد شوهد غير مرة أن الأم تحمل لعيالها كثيرًا من الفطر لتبرئهم به فتقتلهم بيدها، وأعمال هذا النبات السمي لا يظهر إلا بعض مضي ست ساعات إلى اثنتي عشرة؛ فأول ما تحس بها اطلب الطبيب وتناول مدة انتظار حضوره حبتين أو ثلاث حبات من الطرط مقيء، أي: ملح الطرطير المقيء بعد تذويبه في طاستي ماء.
  • الثامن: السم بالزنجار، اعلم أن آنية النحاس التي تستعمل فيها المطبوخات هي خطرة بسبب زنجرتها سريعًا، والزنجار سمٌّ قوي، فلتبيض أوانيك وقتًا بعد وقت بالقصدير، ولا تترك الأطعمة تبرد فيها، خصوصا إذا كان بها الخل أو الحماض أو الحريفات أو الدسمة، فإذا اعتراك وأنت محترز عن ذلك قولنج أو قيء فامزج نحو خمسة عشر من بياض البيض في (قزازتي) ماء، واشرب منها طاسة في نحو دقيقتين لتتقيأ السم، فإن لم تجد البيض فأكثر من شرب اللبن فإن عدمت اللبن فمن الماء المحلى أو ماء الصمغ.
  • التاسع: داء الكلب، وهو معروف لسائر الناس بوصفه وعمله الرديئين، وهو يتولد طبيعة في الذئاب والثعالب والسنانير وخصوصًا في الكلاب، وعضة الحيوان الكلب تكسب هذا الداء للآدميين وغيرهم من الحيوانات، وعلامة الكلْب الكَلِب أنك تراه أولاً كئيبًا ذابلاً مدة أيام، فيختفي، ويسلك المحال المظلمة، ولا ينبح، بل يختفي ويترك المأكل والمشرب، ثم يهجر بيت أصحابه، ويجري من جهة إلى أخرى، ويقف شعره، ويبتل لسانه من اللعاب، ويتدلى من فمه، وينعوج ذنبه بين رجليه، ويهرب من المائعات ويهم أن يعض سائر الناس، حتى صاحبه، ثم يموت بعد يوم أو يومين بشدة مصارعته، وتفوح من جيفته رائحة منتنة، فالواجب حينئذ دفنها في عميق من الأرض.

    ومتى عض هذا الكلب الإنسان فإن الجرح من عاداته أن يلتئم بالسهولة، كأنه غير متسمم، وبعد مدة قليلة أو كثيرة، وهي ثلاثة أسابيع إلى ثلاثة أشهر يحس بالجرح وجعٌ مكتوم، فينتفخ أثره، ويحمر، وينتفخ، ويقيح، ومدته تخرج حارة منتنة محمرة، ويذوق المريض الكآبة والخدر والكسل والبرودة، ويعسر عليه التنفس، ويمسك الوجع أمعاءه، يضطرب في تعاسة، يعطش عطشًا مهلكًا، ويقاسي إذا شرب، ثم يعتريه الارتعاد من الماء والمائع، ويبح صوته، ثم يجن ويموت، وليس من شأن من أصيب بهذا الداء أن يعض غيره دائمًا، بل معظم المبتلين بهذا الداء إذا أحس هجومه عليه ينصح الحاضرين بأن يكونوا منه على حذر، وما يذوقه من الألم تقصر عنه العبارة، فيتمنى ولو الموت.

    ومعالجته هي: أن أول ما يعضه الكلب تسرع الدواء فيه، فإن توانيت سرح السم إلى الدم، ولا يجدي التطبيب شيئًا، وذلك هو أن تستخرج الدم من الجرح بعد كشفه، وتغسله بماء مملح، وتكويه بحديدة بعد إحراقها في النار حتى تبيض بعد الاحمرار وتغرزها في سائر أقطار الجرح، فلو بقي جزء من الجرح غير محكم الكي كان الكي كلا شيء، ويصح أن تستعمل بدل الحديدة المحرقة دهن الزاج فتدخله بين شفتي الجرح وتجريه في سائره، ومتى انكوا اللحم تغطيه بخرقة مدهونة بالقيرووطي، أي: المرهم، أو بالزبدة الطرية، اعلم أنه يجب غسل الثياب المنقوبة بأسنان الكلب الكَلِب؛ لما أنها حين تشربت من ريقه تخلل بها جزء من سمه، وما تقدم لك هو الكيفية المتعينة المجربة في هذا المرض الشديد، فلا تتردد، أو تخف قليلاً من الألم الذي يطرد غيره من الألم الشديد، أو الهلاك المفزع، وأيضًا لو طلبت الحكيم لأثبت لك بسداد رأيه هذه المعالجات السالفة، ولا بأس أن تستعمل هذا الدواء في أي حيوان معضوض بكلب كَلِب.

  • العاشر: الاستعانة على إفاقة الغريق:
    • أولاً: لا تيأس من إفاقة الغريق إلا إذا أخذ بدنه في العفونة، فحينذ ولو مضت ساعات كثيرة من وقت غرقه، أو ذهبت حركته بالكلية، أو فقد أمارات الحياة فافعل به ما يستحقه عليك من واجبات الأخوة: فقبل كل شيء اطرد من اجتمع عليه من الخلق؛ لأنه يضيق الصدر، ويحجب الهواء.
    • ثانيًا: لو رأيت الغريق قد فقد الحس والحركة فأمل رأسه، بحيث يكون إلى أسفل، وافتح شفتيه؛ حتى يخرج بسهولة الماء الذي قد دخل من الفم أو الأنف، وارفع رأسه مغطاة بقلنسوة من صوف إن تيسرت، وأدرج باقي بدنه في نحو ملحفة.
    • ثالثًا: انقله سريعًا إلى أقرب موضع.
    • رابعًا: بعد وصوله اخلع ما عليه من الثياب بأسهل ما يمكن، ولو بقطعها بآلات إن لزم.
    • خامسًا: افرش له عند ذلك بعض طراحات و(مخدات) بها بعض صلابة واجعلها قريبًا من نار متقدة، وضع فوق الطراريح ملحفة من الصوف، ورقد الغريق فوقها مرفوع الرأس ملفوف البدن.
    • سادسًا: دلّك البدن تحت الملحفة بالرفق بخرقة صوف مدفأة يابسة، ثم دلك، بالمائات القوية المستقطرة على ظاهر بدنه خصوصًا على السرة وما حولها، والأولى خصوصًا في الشتاء أن تسخن عاجلاً ماء، وتملأ منه مثانات٥ على الثلثين من ماء هين الحرارة، وتضعها فوق أجزاء البدن المحتاجة للحرارة.
    • سابعًا: مدة الدلك أو عقب وضع المثانات ينبغي أن تدخل الهواء في صدره، بأن تضع قصبة أو ريشة في فم المريض، أو في إحدى طاقتي أنفه، مع فتح الأخرى، وانفخ في تلك القصبة بمنفاخ لدفع الهواء فيها، فإن كان النفخ في الفم فاقبض الأنف، ولكن ارخ أصابعك مرة بعد أخرى، ليخرج منه الهواء أحيانًا.
    • ثامنًا: أشممه القلي البخاري، يعني الروح البخارية من ملح النشادر، بأن تقرطس ورقة حتى تكون مبرومة في صورة فتيلة وتشربها من (قزازة) قلي بخاري، وتعرضها تحت أنف الغريق أو تداخلها في منخاره، وتكرر هذا العمل مرارًا بالرفق.
    • تاسعًا: ألعقْه إن أمكن يسيرًا من روح الأنبذة المخلوطة بالكافور، وربما مكث هذا المانع في فمه يسيرًا من الزمن، ثم بلعه ولكن لا تملأ فمه منه حتى يتعسر بلعُه.
    • عاشرًا: لو بلعها فاعطِه أكثر منها فلو تحركت معدته من غير وجود قيء، وذلك مما يتعبه فاعطه ثلاث حبوب من الطرطر المقيئ مذوبة في ثلاثة أو أربعة ملاعق ماء، فإن تقيأ بهذه الكيفية فاسقه ماء فاترًا، وإن أنزل من المخرج شيئًا فقوِّه بتناوله شيئًا من الأنبذة.
    • حادي عشر: لو أبطأ عن الإحساس فاحقنه حقنة حريفة، وصورتها أن تأخذ أوراقًا يابسة من الدخان، قدر نصف أوقية، ومن الملح المعتاد ثلاثة دراهم، وتغلي ذلك في مقدار من الماء يعادله نحو ربع ساعة وتحقنه به، ويصح أن تؤلف هذه الحقنة من نصف طاسة ماء وطاسة خل، وربع رطل من الملح المعتاد، وهذه كيفية معالجة الإفاقة للغريق، وتدبيرها ممكن لكل إنسان، حتى يحضر الطبيب، فيعينهم أيضًا، ولو كانت مفيدة، ففائدتها لا تحصل إلا بعد التدبير مدة ساعات على التوالي؛ ففائدة ذلك بطيئة خفية، ولذلك كان اللازم استدامة ذلك زمنًا، فمن الغرقى من لا يفيق إلا بعد ست ساعات أو سبع من مبدأ خروجه من الماء.
  • الحادي عشر: غيبوبة الحياة برائحة بيوت الأخلية والبالوعات والآبار والمجاري ونحوها.
    • أولاً: أخرج سريعًا من أصيب بهذا الداء، وضعه تحت الهواء.
    • ثانيًا: جرده من الثياب، ورش على بدنه ماء باردًا: أو ماء مشوبًا بخل، وهو أولى، وأولى منه حامض الجير.
    • ثالثًا: ألعقه ماء باردًا ممزوجًا بقليل من الخل.
    • رابعًا: احقنه بحقنة ماء بارد ثلثها خل، ثم بعد ذلك احقنه بملح ذائب.
    • خامسًا: أدخل في أنفه طرف شعر ريشة، وحركها بالرفق.
    • سادسًا: أدخل الهواء في صدره بواسطة قصبة، وانفخها بمنفاخ، كما سلف في الغريق عند العمل.
    • السابع: اسلك سبيل النشاط والاستعجال في هذه المعالجة. فكلما أبطأت كلما ظن اليأس من إنتاجها، ولما كان الموت لا ينكشف إلا بعد مدة، تحتم إدامة المعالجة حتى يتيقن.
  • الثاني عشر: غيبوبة الحياة بالبرودة:

    اعلم أن شدة البرد قد تستحكم بأعمالها في الإنسان، فتجمد الأعضاء، وتحبس جريان الدم، وربما مات بها الإنسان، ودواؤها مخوف العاقبة جدًا وإن كان لا ألم به أبدًا، فمباديها هو الرعشة التي تكاد تصرع الإنسان، وصلابة الجسم، وانحباس الدم، وخدر المفاصل، وذهاب الإحساس، والتذاذ البدن بالنوم، وانقياده إليه ولو بالقهر، وانقطاع حركات الحياة على التدريج، وعاقبته خروج المبتلى به من حيز الأحياء إلى حيز الأموات، وفي الحقيقة حركات الحياة ليست إلا متوقفة، فعليك أن تسرع في معالجته بدواء؛ سواء ذهبت أمارات الحياة بالكلية، أو بقي منها شيء، واعلم أن بعض الناس توهم أن معالجة إفاقته تكون بالحرارة، وهذا وهم فاسد، لإضرار الحرارة بكثير من الناس، ولكن معالجته هي أن تلف أولاً بدنه في محلفة من صوف، وتحمله إلى أقرب ما يرتاح فيه من الأماكن، وتخلع ثيابه وتضعه في فرش غير محمي، ثانيًا: إذا كان عندك ثلج فدلك البدن مع رفق بشيء من ذلك، مارًا من القلب إلى المفاصل، ثم بعد لحظات دلكه بدل الثلج بخرقة مسقية بماء بارد، وبعده بماء فاتر، ثم بماء مسخن ورش على وجهه شيئًا من هذه المياه ثالثًا: لو تعذر الثلج فضعه في حمام فيه ماء بئر بارد، وبعد نحو ثلاث دقائق أفرغ عليه قليلاً من الماء المسخن، وهلم جرا، فأفرغ عليه كل ثلاث دقائق، حتى تذهب برودة الماء على التدريج، ويصير فاترًا معتدلاً، واعمل جميع ذلك نحو ثلاثة أرباع ساعة فقط، فإن استشعرت برجوع حركة نبض المريض، فلك أن تزيد حرارة الحمام؛ حتى يصير في درجة سخونة الحمام المعتاد، وما دام المريض في الحمام فرش على وجهه يسيرًا من ماء بارد بعد تدليكه بخرقة رقيقة، رابعًا: الهواء في صدره بواسطة أنبوبة أو منفاخ، كما سبق في الغريق، سادسًا: أعطه سفوفًا حبات من الملح المعتاد، والعقه لعقتين ماء باردًا مخلوطًا بقطرات من ماء الملكة، سابعًا: إذا بقي بالمريض الخدر، فاسقه قليلاً من ماء ممزوج بخل وإن كان نومه به سباتًا فاحقنه بحقنة حادة، وهي ما تقدمت في شأن الغريق، ومن سوء الخطأ توهم أن استعمال الخمور والمسكرات القوية، يمكن أن يتدارك به إبعاد هذا الداء، مع أن الأمر بعكس ذلك، وهو أن كثرة الأشربة تحبس جريان الدم، فمن ينهمك على تعاطيها فهو أشد تأثرًا من غيره بآفات البرودة.

  • الثالث عشر: غيبوبة الحياة بدخان الفحم كل من يمكث في غرفة مغلقة موقد٦ بها فحم فقد ألقى نفسه في مهلكة، فمبدؤها يحصل للإنسان شدة وجع الرأس، وبعد ذلك يعتريه تعسُّر النفس. ثم يقع في ذبول، كحالة الموتى، فإن عولج فذاك، وإلا هلك.

    ومعالجته هي أن تسرع إلى تعريضه في الهواء وتتجرده من أنوابه، وتنيمه على ظهره، وتسقيه ماء ممزوجًا بخل وترش من هذا الماء على وجهه وصدره، وتبل خرقة من ذلك الماء وتدلك بدنه بها، وتمسح وجهه ثم تعيد ذلك عدة مرات، وتقرب نحو مشامه عود كبريت مشتعلاً، أو غيره من حاد الرائحة، وتغمزه في باطن أنفه بطرف ريشه، وتحقنه مرتين: الأولى بماء ممزوج بخل والثانية بماء ملح، فإن بقي بعد ذلك على حالته فدلك فقار ظهره بممسحة من عرف حيوان، والطخ شيئًا من معجون الخردل على بطن رجليه، وأدخل الهواء في صدره بأن تدخل في إحدى طاقتي أنفه فم منفاخ وليس في الغالب يُفيق المريض، فإن ساعدتك المقادير على إفاقته وظهر شيء من أمارات الحياة فضعه في فرش عظيم التسخين، في غرفة بها الهواء وألعقه شيئًا من خير الأشربة.

  • الرابع عشر: في معالجة الحرق: أول ما يحترق عضو الإنسان فليغمس العضو في أبرد ما يمكن من الماء، وإن تعذر غمسه في الماء، فرشه دائمًا بإسفنجة مملوءة منه، وكلما تسخن الماء المستعمل في ذلك الغسل فجدده، وواظب على ذلك ساعات، وافتح ما ينتفخ من الدمامل بطرف إبرة واحذر أن تفشخها أو تسلخ البشرة، ثم الطخ على ذلك العضو المرهم الملصوق على بعض خرقة رقيقة بورق اللازوق ومحل هذا كله ما لم يمض نصف ساعة قبل غسل العضو المحترق في ماء بارد، وإلا فهذا الدواء يكون مضرًا، بل في هذه الحالة لا بد أن تكتفي باستعمال المرهم الذي تنوب عنه الزبدة الطرية، ولو رأيت الحرق امتد على العضو بتمامه فعليك بالحكيم لتستعين به على ذلك.
  • الخامس عشر: في الجدري والتخلص من مجيئه بتلقيح البقري.

    أمر الجدري معلوم، وكونه إما قاتلاً أو مشوهًا. لا سيما بالوجه بين عند سائر الناس، وربما أذهب البصر وأورث أسقامًا تنقضي إلا انقضاء الأجل، وهناك طريقة لتداركه قبل أوانه مجربة فمن مرض بالجدري مع وجودها فهو من سوء تفريط والديه وإهمالهما، فعلى أبي الإنسان وأمه المبادرة لذلك، فإذا بلغ سن المولود ستة أسابيع إلى ثمانية وجب طلب الحكيم ليخرج سم الجدري بالتلقيح ولا عذر لهما إن أهملا في ذلك، لقدرتهما على مداواة ولدهما، فلو تركاه حتى أصيب بالجدري فقد فات أوان استعمال تلقيح البقري، فيندمان حيث لا ينفع الندم.

    وفي بعض الممالك تلقيح البقري للأطفال معين على بيت المال، فلا كلفه فيه خصوصًا على الفقراء، فعلى أهل هذه المملكة أن يقبلوا عليه في الحال، ولا يتأخروا إلى غد، فربما في اليوم القابل تحرك سم الجدري، ولا يغتر بقول من يزعم أنه غير مثمر شيئًا، فصحيح التجربة أوضح فائدة استعماله، ومن استعمله لطفل فأصيب الطفل بعد ذلك بالجدري؛ فذلك لفقد شروط: كان التلقيح كان غير محكم الوضع، والحبات التي أخذت كانت غير تامة، فإذا استعملته في المولود فاطلع الحكيم على حبات البقري تتحقق إصابة استعماله وعدمها، واستعمال تلقيح البقري غير مؤلم فهو أخف من شكة إبرة ولا يمرض به الإنسان، ويصح استعماله لأي عمر كان.

    والجدري داء متوقع مدة أجل الإنسان، حتى كأنه دين مآله إلى القضاء، وقضاؤه يحصل بالمسارعة إلى استعمال تلقيح البقري أن يريد التخلص من إصابته.

خاتمة

هذا آخر ما أوردنا شرحه من النصائح النافعة للصحة، فالصحة جوهر نفيس عن سائر ما عداه؛ إذ يسلبها لا تنفع زينة الحياة، فما ثمرة الأموال لعليل، لا يتمتع منها بشفاء الغليل. يذهب المريض كنوز ذهبه، لمن يبريه من وصبه، ومع ذلك قد يكون خلاف غرضه، فلا يصح له الشفاء من مرضه، تقرع الأمراض باب الخطير، على نسق ما تقرع باب الحقير، ولا ترق لشكواه، ولا تسمع دعواه، حكمة بالغة للحكم العدل، ذي الاقتدار والفضل، فليس بنا قوة ولا حول، بل الكل بحول وقوة ذي الطول، فهو الممرض والشافي، والمبتلي والمعافي، ها نحن الآن في حيز الحياة والثبات، ولا ندري هل نعد غدًا في زمرة الأموات؟ فهذا سر خفي لا نصل إلى فهمه، كيف وقد استأثر به الله في غامض علمه! فلا تثق بالمخايل الطاهرة، من الصحة الزاهية الزاهرة، فربما في أسرع من البرق اللامع، تعترينا الأمراض وتلزمنا المضاجع، وقدرتنا على القبض على الأجل، وحفظ الصحة من الخلل، كاقتدارنا على عروج السما، واتخاذ الأفلاك ملزمًا، فعلينا بالاستعداد للمعاد، ولنكن كالمسافر المستحضر على الحمل والزاد، العازم على الرحيل، الجازم من الإقامة بالقليل. قد كان بالأمس نوبة الجاز، وستأتي غدًا نوبة صاحب الدار، ولا خوف علينا ولا حزن، حيث كان خلاص ذمتنا حسن، هذا، والحمد لله وحده، وصلى الله على نبيه وآله وصحبه وسلم.

١  الفولنج: مرض معوي مؤلم يعسر معه خروج الثقل والريح.
٢  في الأصل: العي.
٣  الطوق (الياقة): الجيب.
٤  يسمى: نبات أوبر.
٥  زجاجات.
٦  في الأصل: مغلوقة موقود.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤