طفولة الحب١

نشأةُ الحبِّ التي لم تَحْفَظيها
بَعْدَ هَجْرِي في عذابٍ وسَعِيرْ
لم تشأْ تَرْكي ولو لم تَتْرُكيها
ما بَدَتْ في غير مرآها النَّضيرْ
عَرَفَتْ قدري وإنْ لم تقدريها
فاحتَمَتْ في صُحْبَتي من كلِّ ضِيرْ
وتأسَّست آهِ، لو لم تَهْجريها
لأفادتكِ كخِلٍّ وعَشيرْ!
مُهجتي الصغرَى بها كيْ تُلْهِميها
مثلما تُغنيكِ من شَوْقِي الكثيرْ!

•••

سُطِّرَتْ من كل حسِّي وفؤادي
وحَوَتْ من صفوٍ أنواعَ البيانْ
وتجلَّتْ في حُليٍّ من سُهادي
وجناني وغرامٍ وتَفَانْ
كلُّ سطرٍ ضمَّ جزءًا من رشادي
مثلما ضمَّ أغاريدَ المثانْ
نُخْبَةٌ من شِعْرِ روحٍ لم تفيها
وغُناءٍ من مُعنًّى بل ضريرْ
كان يتلو آيةً للحبِّ فيها
كلما وافَى بقلبِ المستنيرْ!

•••

كم تقضَّى مجلسٌ فيها وفيهْ
من مَلَذَّات التلهِّي والطفولَهْ
بينَ دَرْسٍ واشتياقٍ لا يليهْ
غيرُ سَمْعٍ للموسيقى الجميلهْ
مِنْ بَنَان لاعبٍ كم يَشْتَهِيهْ
كلُّ من يرجو إلى النُّعمى دليلَهْ
فأقَضِّي أنسَ ساعاتٍ شبيها
في ذُهولٍ بسجينٍ أو أسيرْ
ما تمنَّى غيرَ أن لا يصطفيها
غيرُه سمعًا إلى اليومِ الأخيرْ!

•••

آهِ! كم كنتُ أراعي من جَمالِكْ
شمسَ إقبالٍ وسَعْدٍ للغَداهْ
أتحاشى في مراعاتي لحالِكْ
نظرةً طالت، وإنْ فيها الحياهْ!
كلُّ حظي خلسةً نجوى سؤالِكْ
وابتسامٌ منك … ما أحلى لماهْ!
تلك نفسٌ تُيِّمتْ لم تَرْحَميها
رغمَ سنِّي … يا لَتعذيبِ الصغيرْ!
وأماني مهجةٍ لم تعرفيها
في زمان الحبِّ عِرْفانَ الضميرْ!

•••

ثم ولَّى ذلك العهدُ الكريمْ
وغروب الشمس يتلوها الشَّفقْ
آهِ! ما أقساكِ يا ربِّي الرحيمْ
آهِ! ما أشقى محبٍّ قد صُعِقْ!
ما بكَى إلا كما يبكي الفَطِيمْ
حين يُسْلَى، لا كعبدٍ قد عُتِقْ
فبكتْ مثلي عيونٌ لم تريها
للوفاء الحيِّ والنُّبْلِ الكبيرْ
وتلقَّتني كأمٍّ لِبَنِيها
رحمةُ الدنيا على قلبي الكَسِيرْ!

•••

فقضيت العمر أبكي ثم أبكي
بين عَتْبِ الصبرِ والدهرِ المسِن
فإذا بالصبر يُفني بعضَ شَكِّي
وأمَر الهجر يمحوه الزمَنْ
وأراكِ الآنَ مَنْ يدنو لِفَكِّي
من إسار الذعْرِ لا أسْر الشَّجَنْ
فلكِ الشكرُ، وها نفسي سَلِيها
هل لها إلاكِ يا كَنْزِي الوفيرْ؟
فارحمي، أو فاظلمي، أو فاقتليها
بنسيمِ الحبِّ لأقاسي الهجيرْ!

•••

وتغنَّى بمُدامِ الفَجْر طائرْ
عاشقٌ مثلي، ولكن في هناءْ
وكأنَّ الشمس لَبَّتْهُ كساحرْ
وجمالُ الكون ما غنَّى وشاءْ!
فأهاج الشعرَ من قلبٍ وخاطِرْ
واستوى الحُبُّ على عرشِ الفضاءِ!
فبحثتُ عن سطورٍ لم تَعيها
كلها ذكرى لأحلام السرورْ
ومعانٍ للهوى لم تُدْركيها
تتهادَى بكريماتِ الشُّعور!

•••

فتناولت قريرًا في خشوعْ
ذابلَ الذِّكْر الذي لم تَحْفِظيهْ
وتأملتُ به بينَ الدُّموعْ
نشأتي، والدمعُ يمحو الحُزْنَ فيهْ
وشذَى الحبِّ به صَفْوًا يَضوع
ليت شعري هل يوفَّى مِن ذويهْ؟
بعد نجوَى أدمعٍ إن تَذْرِفيها
قطرةٌ من مَدْمَعِي البحر الغزيرْ!
يرتوي منها غرامي فيليها
نابتُ الحب على رغم الصخورْ!
١  هذه قطعة أخرى بديعة اخترنا نشرها في هذا الملحق على سبيل التنويع وإتمامًا للفائدة. وهي مبنية على عواطف الشاعر حين عثوره بين أوراقه بعد غياب طويل على مذكرة حبيبته الدراسية، وكان يدرس لها في الآداب العربية، كما كان ينعم بغنائها وتوقيعها. فأثر في نفسه هذا الاتفاق الغريب: اتفاق عثوره على مذكرتها التي أهملتها بين أوراقه الخاصة، ونظم في ذلك هذه الأغنية المشجية المؤثرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤