الألعاب الرياضية

(١) يا رَبُعْ (عَرْعارِ)

يا رَبُعْ … يا رَبُعْ … عَرْعارِ عَرْعارِ.

إذا خرج الفتى من بيته، ولم يجد أحدًا يلاعبه، رفع عقيرته١ فقال: «يا ربع … يا ربع … وين الربع؟»

فإذا سمعوا صوته خرجوا ولعبوا معه.

وفتيان الأعراب كانوا يفعلون هذه الفعلة غير أنهم ينادون: «عرعار … عرعار.»

(٢) إِرْمِ إِلْتِرْمي (القرعة)

يَنتخب الأستاذان اللَّذان يترأسان الفرقتين قبل الشروع باللعب فتًى يتقدمهما على بضع خطوات، بحيث لا يسمع الهمس من الأتباع الذين تجمهروا خلفه على مقربة من الأستاذين.

ويرفع الفتى ذراعيه إلى العلاء قابضًا كفه اليمنى باسطًا اليسرى، كما في الرسم.

فيهمس الأستاذان في أُذُن بعضهما ويتفقان على رأي، فإذا طلب أحدهما اليدَ المقبوضة مثلًا، فتكون اليدُ المبسوطة من حق الثاني، والعكس بالعكس.

وقد يَستغنيان عن الهمس لبعضهما ويكتفيان بإجراء عملية هي أضمنُ لكتمان السر، وهي أن يَمُدَّ أحد الأستاذين يديه وقد قبض إحداهما وبسط الأخرى، فيمسك الأستاذ الثاني بإحدى تلك اليدين ليختص بها.

وبعد أن ينتهيا من ذلك يصرخ أحدهما قائلًا: إرم إلترمي.

ومعنى ذلك: ارم التي تريد أن ترمي، فيخفض إلى جانبه إحدى يديه المرفوعتين ويكون البَتُّ في الحكم.

فلو كنت أستاذًا وطلبتَ اليد المقبوضة ثم انخفضتَ فتكون قد خسرتَ الصفقة.

وهذه الطريقة هي أولى طرق الاقتراع، وتسمى بالتسييف إشارة إلى أن اليد المرفوعة المبسوطة هي تشبه السيف إذا أُشْهِرَ.

(٣) طُرَّة لو كِتْبَة (خَطْ مَناشِير)

وهي أن يُبرز أحدهما نقدًا فيقذف به في الهواء، فيعلو متقلِّبًا ثم يعود فيهبط فيسقط أرضًا.

وفي حالة تَعالي النقد في الهواء وتقلُّبه يطلب أحد وجهي النقد.

فيقول الأول: «كتبة لو طرة؟» أي: أيَّ الوجهين تريد، هل الطرة «وهي الطغرى» أو «الكتبة وهي الكتابة»؟ فيقول الثاني: «الطرة» مثلًا، ويتصفَّحان النقد بعد سقوطه فإن وجد الطرة فالثاني غلب اللعب وإلا فالخسارة من نصيبه.

وقد يقوم «القحف» مقام النقد إن لم يكن في حوزة اللاعبين نقدٌ ما.

فيتناول القحف أحدهما ويبل أحد وجهيه ثم يقذف به في الهواء كما جاء وصفه سابقًا، وحكمه أن يعتبر الوجه المبلول «كتبة»، والوجه اليابس «طرة» وهذه هي الطريقة الأصلية في الاقتراع.

(٤) تَكْ مَناجِفْت (خسًا زكًا)

وقد تستعملها الأحداث في الاقتراع، وسوف نأتي على ذكرها بصورة مسهبة في غير محل من هذا الكتاب.

(٥) رِكِّيبَهْ لو نِزِّيلَهْ

  • (١)

    إن هذه اللعبة خاصة بالأحداث والصبيان تدرِّبهم على القفز والاعتلاء، ثم تجرُّ بهم إلى امتطاء ظهور الصوافن وهي تلقى في روعهم الصبر والأناة الطويلة مما لا يخفى أثرهما فيهم، عندما يبلغون سن الرشد، ثم هي تدربهم على تحمُّل الأثقال من الصغر.

  • (٢)

    اللعب: ينقسم اللاعبون إلى فرعين، وبعد أن تُجرى القرعة بينهما يعتلي الفريق الرابح ظهور الفريق الخاسر.

  • (٣)

    كيفية الاعتلاء: يسند الخاسرون مؤخرتهم إلى الجدار ويأخذون هيئة الراكع، أي: يمسك كل منهم ساقَي نفسه بقبضة ذراعيه الممتدتيْن، وهو بهذه الهيئة المتصنَّعة لا يختلف عن هيئة الجواد الطبيعية.

    ويمتطيهم الآخرون — كما ترى في الرسم ذلك — وهم يشكلون صفًّا متقارب الفُرُجَات، وينتظرون المارة وهم على صهوات جيادهم المصطنعة حتى يبادر أحدهم فيسأل قائلًا: «ركيبة لو نزيله.»٢

    فيتروى المسئول مليًّا ويلاحِظ التعب في الفريقين ثم يُصدر حكمه القطعي، فإن حكم لهم بالركوب فهم يستديمون ذلك، وإن حكم بالنزول يتبدل الدَّوْر، ويتمتع الفريق الخاسر بالركوب.

    ويشترط في السؤال أن لا يسألوا امرأة أو طفلًا، علَّهم يلاحظون في ذلك أن المرأة رقيقةُ القلب سرعان ما يلين جنانها، والطفل لا يستطيع أن يَبُتَّ في قراره.

(٦) هِيجِي گُولي وِالعبي

تقف — عادة — فتاتان وجهًا لوجه على قَيْدِ خطوتين وتغنيان سويَّةً وبنغمة جميلة النشيد التالي، وهما تبديان إشارات خاصة تارة إلى الرأس وطورًا إلى المعصم: «حدگدگه ماصوله والشيخ دگت اطبوله.» «مَنَا فشخني عمي» (وتشيران إلى صدغيهما الأيمن) «منا سايح دمي» (وتشيران إلى صدغيهما الأيسر) «منا خصور السلطان» (وتمسك كل منهما بمعصمها الأيمن) «منا خصور المرجان» (وتمسك كل منهما بمعصمها الأيسر)، ولما تنتهيان من ذلك تتخصَّران، وتتقدمان إلى الأمام بحركات شبيهة بالرقص، وهما تقولان:

هيجي گولي والعبي.
هيجي گولي والعبي.

(٧) صندوقنا العالي (الجِعِرَّى)

  • (١)
    إن هذه اللعبة التي تُزاولُها فتيات بغداد اليوم كانت تلعب قديمًا، وكان يسميها العرب «الجِعِرَّى».٣

    وقد لا تنحصر في الفتيات فتتعداهن إلى الصبيان الصغار.

  • (٢)

    اللاعبات: ثلاث، اثنتان منهن يحملن فتاة جميلة صغيرة عزيزة عليهن.

    وإما أن يجري الدَّوْرُ مجراه في أحد أساليب الاقتراع.

  • (٣)

    (أ) اللعب: تتقابل الفتاتان وجهًا لوجه وقد صنعتا من أيديهما مقعدًا مريحًا.

    (ب) وكيفية ذلك: هو أن تَقبض كل منهما بقبضة يدها اليمنى يدَها اليسرى من فوق الرسغ، وتشد على ذلك بقوة، ثم تمسك الأولى بكف ذراعها الأيسر يَدَ رفيقتِها اليمنى من فوق الرسغ أيضًا، وهكذا تعمل الأخرى نفس عملها فيهيئان بعد ذلك من أيديهما الأربع مقعدًا مريحًا يعوزه الفرش الوثير.

    فيَتَدَانَيَان إلى الأسفل، فتقعد تلك العزيزةُ على المقعد الذي أُعِدَّ لها، وتضع كلتا يديها على أكتافهما.

    ثم يَسِرْنَ بها وهن يهتفن بهذا النشيد:

    صندوقنا العالي
    فدوه لابن خالي
    صَيَّاغ خلخالي
    أمشي واگول دِش أُو دش

    ولما يصلن إلى كلمة: «دِش أُو دش» يضربن بأرجلهن على الأرض، ويدبكن ويهززن الفتاة التي اتخذتْ من أيدي صاحبتيْها مقعدًا ومتكأً، فتقفزان بها إلى الأعلى وتهبطان بها إلى الأسفل، يهزجن نشيد: «صندوقنا العالي»، وما زلن في طرب وفرح حتى يئول الدور إليهن.

(٨) توكي٤ (الحَجْلُ)

  • (١)

    تعوِّد اللاعبين على رياضة المشي برجل واحدة، وإصابة الأهداف عند الرمي عليها من مسافة قريبة.

  • (٢)

    اللاعبون: إما اثنان أو «أُستاذان» وما يَجُرَّانِهِ من الأتباع.

  • (٣)

    أرض اللعب: تُخَطَّطُ على هيئة مستطيل ويُقسَّم هذا المستطيل إلى ستة أقسام كل قسم يسمى «بيتًا» كما هو في الرسم.

  • (٤)

    اللعب: تجري القرعة بين الفريقين، ويبدأ الفائز بقذف «قحف» في البيت الأول، ويدخل إليه على رِجْلٍ واحدة حجلًا فيصدم القحف برجله الواحدة ويدفعه إلى الخارج، ثم يقذف القحف للمرة الثانية في البيت الثاني وفي الثالث حتى يبلغ البيت الرابع، حيث يحق له أن يستريح، أي: يُنزل رِجْلَهُ المرفوعةَ، وبعد إخراج القحف من البيت الرابع يقذفه في الخامس، فالسادس، وهو البيت الأخير.

    وبعد ذلك يقذفه بقوة إلى خارج المستطيل، ويُصطلح على خارجِهِ بلفظة «الچولة» العامية ويقصدون بها الصحراء.

    ويخرج القحف من البيوت الستة واحدًا فواحدًا، فيصبح هو الناجح «ويضمن» بيتًا من بيوت المستطيل جزاء تعبه، فيحق له آنذاك الاستراحة فيه بينما لا يحق لغريمه أن يدخله، أو يقع قحفُه فيه ولو على سبيل الصدفة مما يعاني غريمه المشاقَّ للتغلب على هذه الصعوبات، وإذا فاز في المرة الثانية فهو يضمن بيتًا آخر، وهكذا.

    وقد اشترط في هذه اللعبة أنه إذا وقف القحف على أحد خطوط المستطيل، أو خرج حين محاولة إخراجه من جهة منحرفة فاللاعب يخسر دَوْرَهُ.

(٩) ثلاث طفرات

للطَّفْر ضروبٌ مختلفة، فالبعض منهم يَطْفِرُ من علٍ إلى أسفل، والبعض الآخر من الأرض إلى دَكَّةٍ عالية وما شابهها، على أرجلهم أو حاجلين، والبعض الآخر يمارس لعبة «ثلاث طفرات» التي نحن بصددها.

أما لعبة ثلاث الطفرات هذه فهي أن يتزايد فريق من اللاعبين على طول المسافة التي يقطعونها وثبًا.

أما كيفية الوثب فإليكها: يَخُطُّ اللاعبون خطًّا بالفحم أو التباشير، ويَتَرَاصَفُون في جهة واحدة منه، فيعدو أحدُهُم من بعيد وما إن يقترب من الخط حتى يطأه بخفة غريبة، ثم يَثِبُ ثلاث وثبات متعاقبة إلى الأمام بما استطاع من رشاقة وقوة.

فيؤشِّرُ الْحَكَمُ المحلَّ الذي انتهى إليه.

ثم يَثِبُ الثاني من بعده، فالثالثُ، وهكذا حتى يفرغ الجميع.

ومن بلغ أطول مسافة «بطفراته الثلاث» فهو الحائز قصب السبق.

ومثل هذه اللعبة لعبةُ «سبع طفرات»، ولا تخالفها في شيء سوى أن وثبات اللعبة الأولى ثلاث والثانية سبع.

ملاحظة: إن هذه الألعاب كتمهيد للعبتيْ «طفيرك يا گمر» «وسنبيلة السنبيلة» الآتيتين.

(١٠) طُفَّيرك يا گُمر٥ (النُّفَّاز)

  • (١)

    فائدة اللعبة: تُعَوِّد اللاعبين السرعة في القفز، وتدربهم بصورة تدريجية على ذلك.

  • (٢)

    اللاعبون: أستاذان وعدة أتباع لكل منهما.

  • (٣)

    اللعب: يُجْرَى التسييف فيقعد على الأرض فَتَيَانِ اثنان من الخاسري القرعة تجاه بعضهما ويفتحان أرجلهما، بحيث يكوِّنان منها شكلًا «معينيًّا» يُقفل طرفاه بملاقاة الأقدام ببعضها ويطفر الفائزون واحدًا بعد واحد، ثلاث مرات، يتقدمهم في الطفر أستاذهم.

    ثم يلم الجالسان أرجلهما ويلصقان أخماص أقدامهما ببعضها، فيطفر الأستاذ على رجل واحدة ثلاث مرات ذهابًا وإيابًا، ويقتفي أثرَهُ الأتباعُ.

    ومن بعدها يضع كلٌّ من الجالسين قدمه اليمنى على قدم رفيقه اليسرى، فيكرر الأستاذ والأتباع طَفْرَهُمْ.

    ثم يضع الجالسان كفيهما مجموعتين فوق أقدامهما، فيَطْفِرُ الأستاذ وأتباعه ثلاث مرات على رِجْلٍ واحدة أيضًا.

    ثم يفتح الجالسان أشبارهما ويُرَكِّبَانِ كل كف على الأخرى فيطفرها الأستاذ وأتباعه.

    ثم يقفان ويمدان بينهما حزامًا لا يرفع عن موضع الحزام فيطفره الأستاذ وأتباعه.

    وتكون هذه الهيئة هي الأخيرةَ والأكثرَ ارتفاعًا.

    أما إذا مست أَرْجُلُ الطافرين أَرْجُلَ الخاسرين في أي دور من هذه الأدوار «ومعنى ذلك أنهم قصَّروا في الطفر»، فيخسرون إذ ذاك الصفقة.

(١١) سُنْبِيلَة السُّنبِيلَة (الدُّبَّاخ)

  • (١)
    فوائدها: إن هذه اللعبة من الألعاب الرياضية المهمة التي تُعَوِّدُ ممارسيها على القفز عاليًا، وتقوي فيهم مَلَكَةَ الانتباه والحذر، وتجعل ألسنتهم طليقةً لا يَعْتَوِرُهَا التلعثم أو التلكُّؤ، وهي عربية الاسم مأخوذةٌ من٦ سَنْبَلَ الرجل ثوبه إذا جَرَّهُ من خلفه أو أمامه، وإن العرب قد مارسوها في غابر أيامهم، وسَمَّوْها بغير هذا الاسم فهي تُسمى عندهم «الدُّباخ أو الدماخ».٧
  • (٢)

    اللاعبون: كثيرون يترأسهم أرشدُ الأولاد أو أصعبهم مراسًا وهو الذي يتولى إدارة اللعب.

  • (٣)

    اللعب: تجرى القرعة أو التسييف بين اللاعبين، يقترع لاعبان ويتنحَّى الفائز منهما بعيدًا، فيتقدم لاعبٌ آخرُ، ويقترع مع الخاسر وهكذا تدور القرعة بين كل خاسر ومقترع حديث إلى أن يظل الأخير، فعليه حينئذ تدور دائرة اللعب، فينحني الخاسر في رحب الطريق وكأنه يركع ماسكًا ركبته في يديه، ومسندًا رأسه إلى صدره كجواد لا عنق له ويسمونه «بالنايم»، فيطفر من فوقه اللاعبون الذين ربحوا الصفقة بخفة ورشاقة.

    وله الحق أن يشترط قبل البدء باللعب على القافزين أحدَ ثلاثة أمور:
    • (أ)
      الدلك.٨
    • (ب)

      أو الغلطة.

    • (جـ)

      أو الطاقية.

    فإذا اشترط على اللاعبين الأمر الأول «الدلك»، فيجب أن يطفر اللاعبون من فوقه واحدًا فواحدًا دون أم تمس أرجلُهم وأفخاذُهم شيئًا من جسده، وما على القافز إلا أن يضع راحتيْ يديه على ظهر «النايم»، ثم يفتح رجليه إلى الجانبين، ويتحول إلى الناحية الأخرى، فإذا ما لامستْ رجلُ الطافر رأسَ «النايم» أو كفله أو ظهره أو سقط أرضًا، فحينئذ يأخذ دور الخاسر الأول، وينتظم الخاسر في سلك القافزين.

    ولئن طلب الأمر الثاني «الغلطة»، فيجب أن يهمس القافز في أذن النائم كلمة واحدة من كلام خاص لا يسمعه غيره، أما إذا سقط أو لامستْ رجلاه شيئًا من جسد النائم فلا لَوْمَ عليه.

    والكلام الذي يقال:

    سنبيلة السنبيله
    على النبي صلينا
    صلينا ما بُتِينا
    بتينا الحَلَوَاني
    حلواني الچِكچِكاني
    چِكچِكان البقرة
    أمها وأبوها التَقَره
    البقرة بالزويه
    وعروق قلب النايم مستويه
    دجاجة وافروخها
    واتلوخى والوخها
    أبو الزَّعَرْ فوق التَّلْ
    بيده عوده أو يِتْفَتَّلْ

    وعندما يغلط القافز في الإعادة فهو الذي يخسر الصفقة وتدور الدائرة عليه.

    وأما إذا طلب الأمر الثالث، فتوضع إحدى الطاقيات على ظهره وتُثْقل بحجارة؛ لئلا يلعب الهواء بها أو يسقطها اضطراب النائم عمدًا.

    فيقفز اللاعبون إلى الناحية الثانية على أن لا تسقط الطاقية عن ظهر النائم.

    وتتطلب هذه الحالة أن يكون الطفر عاليًا.

(١٢) الخِتِيبَة (الغُمَّيْضَة، الغميضاء)

  • (١)
    كان يلعبها صبيان الأعراب قديمًا، وتسمى عندهم «العَياف» و«الطريدة» و«الغميضاء»٩ أيضًا.

    واعتادت فتيات العراق أن يَلْعَبْنَهَا، ولا بأس إذا زاولها الفتيان.

  • (٢)

    اللاعبات: الأم: وهو اللقب الذي يطلقنه على الرئيسة، وينضم إليها من التابعات من تخسر القرعة وتدور عليها دائرة اللعب، فالتابعات مهما كان عددهن.

  • (٣)

    كيفية اللعب: تقف «الأم» وتغمض بيديها عين التي وقعت عليها القرعة، فلا تعود بعد ذلك ترى شيئًا، فتنتهز اللاعبات هذه الفرصة ويختفين في كمائن مختلفة.

    وبعد أن تطمئن الأم من اختبائهن تصيح بأعلى صوتها: «حلَّتْ» ثم تطلق سراح مغمضة العينين، فتهرول هذه باحثة عن اللاعبات اللواتي أحسنَّ التستر، وأبطلن كل حركة تنبئ عن وجودهن.

    فإذا ألقت القبض على إحداهن تعود بها إلى الأم، وعلى المقبوض عليها أن لا تعصي لها أمرًا، وعليه تدور دائرة اللعب عليها، فهي التي تغمض عيناها، وهي التي تتحرى الكمين هنا وهناك.

    وإن صاحت الأم قائلة: «حلت» من قبل أن تمسك الباحثةُ أحدًا حينذاك تتقاطر إليها اللاعبات والفرح يملأ صدورهن، مغتبطات بمقدرتهن الفائقة التي أَبْرَزْنَهَا في الختل.

(١٣) تِسْعَة والبيضة (التدبيح)

  • (١)
    لقد كان العرب يمارسون هذه اللعبة بكثرة ويسمُّونها «التدبيح»،١٠ وهي تعوِّد الصغارَ على طلاقة اللسان والعدِّ بدون تلعثم، وتدرِّبهم على الخفة في القفز، وحفظ الموازنة في الركوب، فتكون لهم كدروسٍ ابتدائية في الفروسية يتلقَّوْنها منذ الصغر.
  • (٢)

    اللاعبون: أستاذان وفريقان من الأتباع.

  • (٣)

    اللعب: يقف الأستاذ الذي خسر القرعة مسندًا ظهره إلى الجدار، ويتقدم أحدُ أتباعه الخاسرين فيضع رأسه على بطن الأستاذ ممسكًا إياه من حزامه بثبات وقوة، بينما يكون قد قوَّس ظهره وأصبح كحصان أُعِدَّ للوثوب عليه، ويتقدم تابع آخر فيتخذ هيئة التابع الأول إلا أنه يسند برأسه إلى فخذ التابع إما من الناحية اليمنى أو اليسرى، ويأخذ الثالث نفس هذه الهيئة، وهكذا الرابع والخامس إلى آخر الأتباع الذين لا تتجاوز عدتهم الخمسة أو الأربعة غالبًا.

    وبعد أن يتشكَّل من مجموع الأتباع الخاسرين حصانًا واحدًا طويل الشقة عنقه عند بطن الأستاذ الخاسر وكفله إلى الخارج، أو جسرًا ممدودًا، كما هو ظاهر في الرسم، يجيء دور القفز.

    يتحفَّز الأستاذ الرابح القرعة فيتراجع إلى الوراء، ثم يهرول بسرعة وبخفة، فمتى وصل إلى الحصان الطويل ضرب بيديه على الكفل، وانشمر بكل ما أُودِعَ من قوة، «وجهده في هذه القفزة أن يصل إلى عنق الحصان»؛ ليتيح المكان الفسيح لبقية الأتباع الذين يوالون القفز من بعده.

    وهناك يجيء دَوْرُ العدِّ، فيَعُدُّ الأستاذ بعد أن يقفز: واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، ثمانية، تسعة، والبيضة، والبيضة ثم يسكت.

    يجري كل ذلك بطلاقة لسان وبدون تلعثم أو غلط، فلئن توقف أو غلط أو سقط إلى الأرض عند الطفر، فيكون الخسرانُ من نصيبه ونصيب أتباعه، وتدور عليهم دائرةُ اللعب.

    هنا يعقبه التابع الأول فيفعل فعلته، فالثاني، فالثالث … إلى بقية الأتباع.

    وكل قافز منهم يردِّد العدد من واحد إلى التسعة كما أوضحنا سابقًا.

    ويحتمل في هذه اللعبة أن يركب أَزْيَدُ من واحد من الغالبين على ظهر واحد من الخاسرين، فينبغي أن يَثْبُتَ لهذا الحمل الثقيل، وإلا فإنْ ساخت قوائمه أو «فطس» إلى الأرض، فينزل الغالبون عن الحصان، ويعيدون الركوب كرة ثانية.

(١٤) أزعيركِنْ (طار اللكلك)

  • (١)

    من فوائد هذه اللعبة أنها من الناحية الواحدة تشحذ القريحة وتساعد على الحفظ والتذكُّر، ومن الناحية الأخرى بمثابة درس من دروس الأشياء لما يجيء فيها من مئات الطير وعميم الهوام والدواب.

  • (٢)

    اللاعبون: رئيس وأتباع.

  • (٣)

    اللعب: يأخذ اللاعبون مقاعدهم على هيئة دائرة ووجهًا لوجه، ويجلس الرئيس في وسطهم وهو عادة من أغزرهم حفظًا، وأكثرهم معرفة، فيدير دفة اللعب.

    يدور الرئيس بسَبَّابته في الأرض والأتباعُ قد وضعوا أيديهم أرضًا.

    ويبدأ الرئيس فيقول: «طار طار طار …» وعلى حين غرة يذكر اسم حيوان أو جماد، فيقول مثلًا: «طار اللقلق.»

    فعلى الأتباع أن يقولوا بصوت واحد:
    طرنا وَيَّاهُ.
    طار الفهد!
    ما طرنا وَيَّاهُ.

    وعليهم هنا أن لا يرفعوا أصابعهم عن الأرض، ولئن فعلوا أو هَمُّوا فيُعَدُّونَ كأنما نطقوا بأفواههم.

    ويستطرد الأستاذ في ذِكْرِ الحيوانات أو غيرها، وهو يجتهد في أن يذكر أسماء غريبة قد لا تقع تحت علمهم أو لا تمر ببالهم … وهكذا يحاول أن يقف منهم على مبلغ ذكائهم وغزارة علمهم وسرعتهم في الجواب.

    أما المخالف الذي يرفع بسبابته إلى العلاء عند ذكر الجمل أو السبع أو الحجر مثلًا، ولا يرفعها عند ذكر الديك والطاوُس وغيرهما، فينهالون عليه ضربًا بالأكفِّ إرئيس بالكفِّ.

(١٥) مَلْعُونْ طَشَّرْ خِرَزِي «سَفْدُ اللِّقاح»

  • (١)
    للعرب لعبةٌ قريبةُ الشبهِ من هذه اللعبة تسمى «سَفْدُ اللِّقاح»،١١ ولعل اللعبة هذه كانت هي لعبة سفد اللقاح نفسها فطرأ عليها بعض التحوير والتغيير، وتلعبها اليوم الفتيات.
  • (٢)

    اللاعبون: أم وأب وأولادٌ لهما.

  • (٣)

    يتقابض الأم والأب باليدين، ويكون الأولادُ أرتالًا، أي: ينتظمون بعضهم في إثر بعض، كل واحد آخذ بحجزة صاحبه من خلفه ويحتمون وراء الأم، وكل يحاول أن لا ينفك عن هذه السلسة الوثيقة.

    ثم يبدأ الأولاد الصغار بالمزاح، فيغربون في الضحك، وتتعالى قهقهاتهم وهم في هذه الآونة محتمون بحمى الأم، ومكتنفون جوارها، فيفور حقد الأب فيَوَدُّ إسكاتَهم، غير أنهم لا ينصاعون إليه، فيحاول أن يجرهم إليه فتمنعه الأم من ذلك فيطول النزاع بين الاثنين، ويكثر الجولان فإذا جاءها من اليمين رمت بأبنائها إلى الشمال، وفتحت يديها بوجهه وبالعكس، فإذا خاتلها من اليسار دفعت بأبنائها جهة اليمين، فيغلي حقد الأب ويشتد في نضاله وهو ينشد الهزيج التالي:
    مَلْعُون طَشَّر خِرَزِي.
    فتجيبه الأم على الفور:
    إِشِحَّدَه يأْكُلْ وَلَدِي.
    ثم يقول:
    أنا الأَبْ آكلهمْ.
    فتجيب الأم:
    أنا الأُمْ أحميهمْ.

    وما زال هذا يتحين الفرص وتلك تحبط مساعيَه حتى تصل يده إلى أحد الأولاد، فينفكُّ هذا من حلقة الأم ويكون وراءه، وطوع إرادته، وهكذا كلما مس ولدًا أخذ مكانه وراء الولد الذي قبله حتى يتعادل عدد الأولاد عند الأب والأم، ومتى تقابل الفريقان صاروا يتزاحمون ويتدافعون، والغالب هنا مَنْ زَحَمَ ومَنْ دَفَعَ.

    وإذا كانت الأم قوية البنية شديدة الحرص على أولادها، كثيرة الحذر عليهم، فمن الصعب على الأب أن يمس أحد الأولاد الملتجئين إليها.

    أما إذا كانت ضعيفةً خائرة القوى، فربما نزع كل أولادها بجولة واحدة أو جولتين.

(١٦) پَاسْ پَاسْ پَسِيروَنْ

  • (١)

    إن هذه اللعبة من الألعاب الحديثة إلا أنها قريبة الشبه بلعبة «ملعون طشر خرزي»، وتلعبها الفتيات أيضًا.

  • (٢)

    اللاعبات: فتاتان تطلقان على كل منهما «أُمًّا»، وأتباع لهما كثيرات.

  • (٣)

    اللعب: تتقابل الأُمَّان وتمسك كل منهما بيد صاحبتها، ثم تتفقان على اسم تنتحله كل منهما، ويجري ذلك بالهمس بحيث لا تعرفه الفتيات الأُخَرُ.

    فإحداهن تأخذ لنفسها لقب «فضة» مثلًا، والثانية «ذهب» أو اللؤلؤ والمرجان، أو الحديد والفحم، إلى غير ذلك من الأسماء سواءٌ أكانت غالية أم رخيصة.

    فتمر الفتيات من تحت أيديهما المشتبكة الواحدة في إثر الواحدة، ويشترط أن تُغَنِّيَا — بنغمةٍ خاصةٍ عند مرور البنت — ما يلي:
    پَاسْ پَاسْ پَسِيروَنْ
    لما يجي أسيروَنْ.

    ثم تشاورها الأُمَّان قائلتين لها: ماذا تريدين الفضة أم الذهب؟ اللؤلؤ أم المرجان؟ الفحم أم الحطب؟ إلى آخر ما اتفق رأيهما على انتحاله.

    فإن أجابتهما: أريد الذهب، أوقفتاها وراء من تلقبتْ بالذهب، وإن أجابتهما: أريد الفضة، أوقفتاها وراء من انتحلتْ اسم الفضة.

    وهكذا حتى ينتهين جميعهن، وتكون الأتباع قد انقسمن إلى قسمين، لم يراع فيه تساوي العدد، يقف كل قسم وراء الأم التي رغبن فيها، وتكون البنات بمنزلة البنات الصغيرات لأمهن.

    وبالأخير تتزاحم الأُمَّان وتتدافعان، يشد أزر كل منهما البنات اللواتي تكاتفن وراءها، والأم التي تدفع الأخرى تعد هي الفائزة، وكذلك من انتسب إليها من الفتيات.

(١٧) كُلُوهُمْ (الشَّحْمَةُ)

  • (١)
    صبيان الأعراب زاولوا هذه اللعبة من قبل وسَمَّوْهَا «الشحمة»،١٢ وقد ذكرها الجاحظ والراغب الأصفهاني، إلا أنها وصلت إلينا وهي محرَّفة بعض التحريف.

    ومن فوائد هذه اللعبة: أنها تعوِّد الأطفالَ من الصغر على إتقان الخَتْل والكمين في الحرب، وإيقاع الخصم في قبضتهم على حين غرة منه، وتعودهم بعين الوقت على أخذ الحذر من الوقوع في شرك الأعداء.

  • (٢)

    اللاعبون: أستاذان وأتباعٌ لم تتعين عدتهم.

  • (٣)
    اللعب: تجري القرعة بين الفريقين، فيظل الفريق الخاسر في ثَوِيٍّ١٣ لا يستطيع أن يبرحه، بينما الأستاذ الذي غلب القرعة قد تمتع بحرية تامة هو وأتباعه، فيقود أتباعه ويخبِّئُهُم في البيوت ويختلون بحيث يهدِّئُون حركاتهم ويُخفتون أصواتَهم، فلا تكاد تسمع لهم رِكْزًا،١٤ وهم مع ذلك يتطلَّعون من شقوق الأبواب ومن ثقوبها الصغيرة، ولا يَتَنَادَوْنَ إلا بالهمس والإشارة إذا قضت الضرورة أن يتداولوا.

    وبعد أن يختفوا تمام الاختفاء، ويطمئن الأستاذ من ذلك، يعود إلى الفريق الخاسر فيقول لهم: «اتبعوني!» فلا يعصون له أمرًا، ويتبعونه على خيفة منهم وحذر منه؛ لئلا يباغتهم أتباعه.

    أما هو فيتقدم الموكب كطليعة له، بمسافة لا تتجاوز البضع خطوات؛ يلهيهم، ويصرف عنهم المواقع الحقيقية التي اختبأ الكمين فيها.

    فإذا ما وصل مُخْتَبَأَ أصحابه وابتعد عنه قليلًا نادى بأعلى صوته: «كُلُوهُمْ يا رَبُعْ كُلُوهُمْ!»

    وهو يصفق، ويدبك، ويحثهم على الضرب، ويقوي فيهم الحماسة.

    فينقضُّ أتباعه عليهم بغتة، ويوالون الضرب عليهم، ولا يطيق الخاسرون خلاصًا منهم إلا إذا التجئوا إلى الثوي.

    وأما إذا استطلعوا محل الكمين من قبل أن يصرخ دليلهم قائلًا: «كلوهم» فلهم ملء الحق أن يسحبوهم إلى الثوي كأسرى حرب بين الإهانة والضرب.

(١٨) إبرِيسَمْ إبرِيسَمْ أيشْ

  • (١)

    فوائد اللعبة: تصقل الفكر، وتجلو الصدأ عنه، وتقوِّي الذاكرة بعين الوقت، وتذيق الفائز حلاوة النصر التي ما وراءها حلاوة.

    والذكي من الأتباع من حَزَرَ اللون المطلوب معرفته مستفيدًا من فراسته وذكائه، وقوة ملاحظة نظره إلى أفواه المتشاورين الذين لا يبخلون على الأتباع بأن ينظروا إلى حركات شفاههم، وانفتاحها وانطباقها إنما يحذرون عليهم أن يسترقوا السمع.

  • (٢)

    اللاعبون: أستاذ واحد ومساعد وأتباع مهما كان عددهم.

  • (٣)

    اللعب: يجلس الأستاذ جلسة الآمر الناهي وبيده حزام من الجلد، وإلى جانبه يجلس مساعده، أما الأتباع فيشكِّلون نصف دائرة على بعد خطوتين أو ثلاث خطوات منهما، بحيث لا يسمعون همس الأستاذ ومساعده غير أنهم قد استعدوا كل الاستعداد لمراقبة الهمس.

    ثم يتفق الأستاذ مع مساعده على لون من الألوان سرًّا ويقر رأيهما عليه.

    ويمد الأستاذ من بعد ذلك يده التي بها الحزام، ويبدأ الجالسين واحدًا فواحدًا وهو يقول: «إبرِيسَمْ إبرِيسَمْ أيشْ.»

    فمن حَزَرَ اللونَ السريَّ المتفق عليه أعطى الحزام له، فيوالي الضرب بالأتباع الجالسين عن يمينه وشماله، فينفرون من وجهه بالطبع، وهو يَجِدُّ في إثرهم حتى ينادي الأستاذ قائلًا: «حلَّت»، ويجب أن يكف عن الضرب على الفور، أما إذا لم ينتبه إلى «نداء» الأستاذ وضرب ولو ضربة واحدة أحدَ الأتباع، فللأتباع الحق في أن يتجمهروا عليه ويُشبعوه ضربًا على ظهره بأَكُفِّهِمْ المبسوطة إلى أن يَلْتَجِئَ إلى الأستاذ ويحتميَ بحِمَاهُ، وليس سوى الأستاذ من يستطيع أن ينقذه من انتقام الأتباع.

ملاحظة: إن هذه اللعبة تتطلب من الأستاذ أن يتحلى بمزايا شريفة، منها الأمانة وعدم المحاباة أو التحزُّب إلى أحد اللاعبين، وعليه أن يقول الصدق وينظر الأتباع جميعهم بنظر سواء، فإنه إذا انكشف أَمْرُ خيانته وأثبتها الأتباعُ، وشهد المساعد عليه بذلك وهو كالرقيب عليه، فللأتباع الحق في أن يعزلوه عن رتبته «الأستاذية»، ويُرَئِّسُوا سواه من بينهم، بينما هو يندس في حلقتهم كواحد منهم.

(١٩) ناگِر بيت أُو ناگِر بيت١٥

  • (١)

    إن هذه اللعبة شبيهة بلعبة «إبريسم إبريسم أيش» التي مرَّ ذكرها.

  • (٢)

    اللاعبون: أستاذان وفريقاهما.

  • (٣)

    اللعب: يأخذ الأستاذان مقاعدَهما من الأرض، ويجلس أتباع كل منهما ناحية بعيدة، أو يقفون في جمهرتين هنا وهناك عن الأستاذين.

    فيتهامس الأستاذان، ويقر رأيُهما على بيت من بيوت الحيِّ، فلا يعرف التابعون ما يدور بين الأستاذين من الحديث والرأي.

    والمتفرِّس منهم من كان يلاحظ إشارتَهما وحركاتِ شفاههما.

    يتحول أحد الأستاذين إلى الأتباع ويصيح:
    ناگِرْ بِيتْ أُو ناگِرْ بِيتْ جَوَّ لْكَاعْ أُو ما علِّم.

    فيتحرى إجابته أحد الفريقين على مسمع من الفريق الآخر.

    فيقول أحدهم: بيت عامر مثلًا، فيخطئ، فيتقدم آخر ويقول: بيت عدنان مثلًا، فيخطئ أيضًا، فيتقدم ثالث فيقول: بيت عُتْبة مثلًا، وكان بيت عتبة هو المتشاوَر عليه حقًّا.

    فيركب إذن هذا الفريقُ الفريقَ الآخر إلى بيت «عتبة» ويَقْفُلُونَ بهم.

    وهكذا يتقدم الأتباع واحدًا بعد الآخر، ويعدِّدون بيوت الحارة معتمدين إما على الفراسة أو على الحَدْس أو على الظن … حتى يتأتى لواحد منهم، وإن لم يصب الفريق الأول فيوجه السؤال إلى الفريق الثاني حتى يحزر أحدهم.

(٢٠) يا عمي جَتَّكْ الطُّيُورْ

  • (١)

    اللاعبات: بضع فتيات.

  • (٢)

    اللعب: تجلس إحدى الفتيات القرفصاء وتقوم بتمثيل دور شيخ أَحْدَبَ طاعنٍ في السن، احدودب ظهره وتثاقلت مشيته.

    ويحيط بها الفتيات الباقيات، فيبدأن يغنين بنغمة خاصة ويهتفن ويقلن للشيخ الأحدب وقد التففن حوله:
    يا عمَّي جاءَتْ الطُّيُورْ.
    فيتحول إليهن ويقول:
    ما أقدر أقومَنْ حِدْبتِي.

    ثم يطَّرد بينهن وبينه الحوار التالي:

    البنات : «يا عمي جاءت الفرسْ.»
    العم : «يا لوعتي صدري اِحْتَبَسْ، ما اقدر اقومن حدبتي.»
    البنات : «يا عمي جاءت الغَنَمْ.»
    العم : «من كِبَري جسمي انْهَدَمْ، ما اقدر اقومن حدبتي.»
    البنات : «يا عمي جاءت البَقَرْ.»
    العم : «شيخوختي اصلُ الكدَرْ، ما اقدر اقومن حدبتي.»

    وما زلن يذكرن له مجيء الدواب والأموال والأنعام وغيرها، وهو يرد عليهن ذلك الرد، ويتصنع العجز حتى يتبادر إلى أذهانهن «العروس».

    فيقلن له: «يا عمي جاءت العروس.»

    فما يكاد يطرق أسماعه خبر العروس حتى يهب من موضعه وهو ممتلئٌ قوةً ونشاطًا، فيقول:
    الآن زالَتِ البُؤُوسْ.
    الآن زالت حدبتي.

    ثم يلتفت إليهن؛ ليمسك واحدة منهن، وهن يتراكضن من بين يديه هنا وهناك.

(٢١) قره جاك

  • (١)

    اللاعبون: أستاذان لكل منهما فريقٌ من الأتباع.

  • (٢)

    اللعب: بعد أن تُجْرَى القرعة يتفرق الفريق الناجح شماطيط هنا وهناك في الدروب ومنعطفات الشارع، بينما الفريق الخاسر يتبوأ الأرض، ويشرف عليهم الأستاذ الذي كسب القرعة.

    أما الأستاذ الذي خسر القرعة فينطلق وراء أولئك الذين أخذوا يتواروْن عن وجهه في البيوت، فما يجتازهم حتى ينكصوا على أعقابهم أو يسبقوه جريًا فلا يدرك غبارهم.

    ومتى انتهز الفريق المتفرِّق فرصةَ ابتعاد أستاذ الخاسرين، كَرُّوا على الجالسين وأوسعوهم ضربًا، فيستغيث هذا الفريق بأستاذهم الذي تولى عن هؤلاء في مطاردة أولئك، ويستنجدونه ويصرخون بأعلى صوتهم: «ملا داد … داد …» فيسمع أستاذهم الصريخَ فيَخِفُّ لإغاثتهم، وإلقاء القبض على المعتدين وإيقافهم عند حدهم.

    وشعارهم المناداة بأعلى صوتهم أيضًا بقولهم: «قره جاك … جاك.» فإذا ما أمسك واحدًا ينقلب الدَّوْرُ على عقبيه وينهزم الجالسون، وهم يرفعون عقائرهم قائلين: «قره جاك.»

    ثم يجلس الذين كانوا تشردوا هنا وهناك ولاذوا بالفرار، وكلما انهالت عليهم الضربات نادوا: «داد … داد …» وهكذا إلى آخر اللعب.

(٢٢) قِرَيمِيجَه (أو دِيرْ فِنْجَانَكْ، الحَجُّورةُ)

  • (١)
    صبيان العرب كانوا يعالجون هذه اللعبة من القديم ويسمونها «الحجُّورة».١٦
  • (٢)

    اللاعبون: كثيرون، كل لاعب يُعِدُّ له مخراقًا أي: يبرم كوفيته برمًا محكمًا حتى يجعلها بمتانة الحبل أو هي أشد، ثم يَخُطُّونَ دائرة ويثبتون في مركزها سكة يربطون إلى طرفها حبلًا معتدل الطول.

  • (٣)

    اللعب: تجرى القرعة بين كل اللاعبين، فيأخذ الذي دارت عليه الدائرة بطرف الحبل الآخر، ولا يحق له أن يسيبه ألبتة.

    ويكدِّم سائر اللاعبين كوفياتهم حول السكة، فيدور هذا حول السكة المضروبة التي تجمعت حولها الكوفيات، فيمنعهم من الاقتراب منها.

    والذي يسعى أن يختطفها بالعنف يقابله حامي الكوفيات برفسة من رجله، فإذا صادف أن رفس الدائرُ حولها أحدًا فيترك آنذاك الحبل، ويأخذه المرفوس ليحل محله.

    أما إذا داهمه أو ختل له أحدهم فأتيح له دخول الدائرة، وقعد قرب السكة، فمن حق هذا أن يوزع الكوفيات على أصحابها وهو قاعد.

    ومتى ما حصل اللاعبون على كوفياتهم يصبحون كأَعْزَلَ أُعِيدَ إليه سلاحُهُ، فينهالون على الدائرة ضربًا بالكوفيات المبرومة مجتنبين رفساته.

    أما هو فيحاول رفسهم بغاية جهده، فإن رفس واحدًا ناوله الحبل ودار المضروب حول السكة عوضًا عنه، وهكذا يدور اللعب بين واحد وآخر.

(٢٣) فانُوسْ من ذَهَبْ (الفاعُوسُ)

  • (١)

    كان صبيان العرب يمارسون هذه اللعبة قديمًا ويسمونها «الفاعوس».

  • (٢)

    اللاعبون: أستاذان وأتباعٌ.

  • (٣)

    بعد المساهمة يمتطي الأستاذ الرابح وأتباعُهُ ظهورَ الخاسرين «بالهيئة التي أسلفنا وصفها في لعبة ركيبة لو نزيلة»، ويغمضون بأيديهم عيونهم، وبعد أن يتأكد الأستاذ الرابح أن جميع أتباعه امتطَوا صهوات خيولهم، واستقروا في أماكنهم يناديهم واحدًا فواحدًا بأسمائهم المستعارة التي قَرَّ رأيه على تسميتهم بها من قبل الركوب.

    فيقول مثلًا: فانوس من ذهب، أو رمانة من ذهب، أو تفاحة من ذهب، فيترجل المنادَى عليه من ظهر حصانه «الخاسر» بكل هدوء ورصانة، ويمشي على رؤوس أصابعه إلى أن يصل دُوَيْن الأستاذ الخاسر، وقد أُغمضت عيناه كبقية أتباعه فيصفق بكفيه، ثم يعود بسكينة تامة أيضًا إلى هيأته الأولى ممتطيًا غريمه، فيقول الأستاذ عندئذٍ: «ديروا رُوسنْ خِيلكُم للوراء.» فيترجَّلون ويُولُّون وجوههم شطر الجدار، الخاسرُ منهم والغالبُ وممنوعٌ عليهم الإشارة والهمس، فيتقدم الأستاذ الثاني إليهم متحسِّسًا إياهم، ولعله يعرف المصفقَ من اضطرابه أو التفاته أو سرعة دقات قلبه، أو من إشارة أحد أتباعه إليه، وتكون غالبًا بِمَدِّ المرفق أو القدم، فإذا حَزَرَهُ فقد غلب وركب، وإذا لم يحزر فتدور عليه الدائرة مرة أخرى.

ملاحظة: قد اعتاد اللاعبون أن يقوموا بلعبتهم هذه في الليالي المقمرة، حيث يهب النسيم العليل البليل نسيم الربيع أو الخريف، وحيث الأضواء التي يرسلها القمر تبدِّد الظلمةَ السائدة فيفرق اللاعبون وجوه بعضهم.

(٢٤) التنُّور خراب

  • (١)

    اللاعبون: أستاذان وأتباع لكل منهما.

  • (٢)

    اللعب: تجرى القرعة بين الفريقين، فيبني الخاسرون من أنفسهم شكلًا مخروطيًّا شبيهًا بالتنور، تكون قاعدته أرجلَهم المتفرقة المسمَّرة في الأرض، وقِمَّتُهُ رؤوسهم المجتمعة.

    وبسهولة تامة يتم لهم اتخاذ هيئة التنور، فما عليهم إلا أن ينحنوا قليلًا إلى الأمام واضعين هاماتهم بالتَّماس مع بعضها، وأيديهم على رقاب بعضهم كواحد يشد أزر آخر.

    أما مهمة أستاذهم الخاسر فإنه يدور حول التنور، يذود عنه ويصرف الكيد، وقد عمد إلى تسليح نفسه بعصًا أو حزام من الجلد أو مخراق.

    وينبغي أن يتيقَّظ لمُخاتَلَة الفريق الغالب ويتنبَّه لخداعهم، وينبغي أن يكون رشيقًا همامًا خفيف الحركة.

    ويحاول الأستاذ الغالب اعتلاء هذا التنور والركوب فوقه على حين غِرَّة من الأستاذ الخاسر، الذي شمَّر للدفاع عن تنوره ومحافظته من الانهيار والخراب.

    فمتى رآهم هاجمين صدهم عن الركوب بضربة من حزامه أو مخراقه.

    ولئن أصاب أحدًا من الفريق الغالب؛ فشل كلُّ هذا الفريق ودارتْ عليه دائرة اللعب.

    أما إذا تمكن الرابحون من اعتلاء متن التنور دون أن يمسهم الأستاذ، فيظل الفريق الخاسر متحملًا ثقل أجسام الرابحين حتى يتسنى لأستاذهم الذي انتدبوه أن يصيب لدى الوثوب أحدًا من خصومهم فيخفف عنهم العبء.

    ويشترط هنا أن «لا يخسف التنور» وأن لا يلحقه الخراب، فإذا انخسف من جهة أو تخرب فيبنى التنور للمرة الثانية، ويتجدد اللعب على الخاسرين.

(٢٥) أبا حائِطْ (الماسَّةُ)

  • (١)
    كان يزاول هذه اللعبة صبيان الأعراب، ويسمونها «الماسَّة» و«الضبطة» و«الطريدة».١٧
  • (٢)

    اللاعبون: مهما كان عددهم من غير أستاذ.

  • (٣)

    اللعب: بعد أن يُجْرَى الاقتراع يقف الخاسر في فِناء الملعب، ويلمس الباقون الجدران بأيديهم ويتبادلون الأماكن على حين غرة منه، هذا يجيء إلى محل ذاك وذلك يحل محل هذا.

    وهو أثناء تَنَقُّلهم يحاول أن يصيب أحد المتنقلين، فإن أصابه حل المصاب محله، ودارت عليه دائرة اللعب.

    ولا يحق له أن يصيب أحدًا من اللاعبين ما دام اللاعب متمسكًا بالجدار.

    ومثل هذه اللعبة «أبا گَعْده» و«أبا وقفة» إنما تختلف الثانية والثالثة عن الأولى بأن يسرع اللاعب في الثانية فيقعد، وفي الثالثة فيقف؛ لينجو من إصابة الخاسر.

(٢٦) الملاواة١٨

  • (١)

    يتفاخر الأحداث والفتيان بسواعدهم المفتولة وعضلاتهم المجدولة، ويصفون من لا يتفاخر بذلك «رخو اليد» أي: ناعمها وضعيفها، ويتبجح كل منهم على سواه، ويثني على نفسه بأنه الأشد بطشًا والأصلب عُودًا والأكثر قوة، ولما كان الادعاء وحده لا يبرِّر الموقف ولما كان:

    كل من يدعي بما ليس فيه
    كذبته شواهد الامتحان

    فقد دعَّموا حججهم بالبرهان، فهم يعمدون إلى أبرزهم شخصيةً فيحكِّمونه ليشهد مفاخرتهم، واتخذوا الملاواة من بعض ما يفخرون به، وهنا يتقدم المتفاخر بقوته للملاواة فيتصدى له متفاخرٌ آخرُ، فيتلاويان، ومَنْ لوى يمين صاحبه فهو غالبه، وله يصعد الهتاف إلى عنان السماء.

  • (٢)

    كيفية الملاواة: يجب أن يتقابلا وجهًا لوجه، ويثبِّتا أقدامهما في الأرض، ويرفعا صدريهما، ويدفعا بهما إلى الأمام ويَمُدَّا أيديهما على مَدَاهُمَا، فيشبكان اليمين باليمين ويتأهبان منتظرين إشارة «الحَكَم».

    وما إن يبدي «الحكم» إشارته حتى يشد كل منهما كفه على كف غريمه، ويحاول أن يلويها، فترى الوجوه محمرة وأشاجع١٩ اليدين متوتِّرة، وكلٌّ يطوي أصابعه ويضمها على بعضها بعنف وشدة، والغلب في الأخير لمن لَوَى والفشل لمن لُوِيَ.

(٢٧) المصارعة

  • (١)

    لعبة معروفة، وهي أن يتماسك اثنان ويتعالجا حتى يطرح أحدهما الآخر على الأرض.

    وللصراع ضروبٌ وأنواع، ضربنا عنها صفحًا؛ لأنها أصبحت مألوفة ومنتشرة.

  • (٢)
    بعض حيل الصراع وأسمائها في العربية:
    • (أ)

      «البند» وتسميه العرب ﺑ «الشغزبية»، بالزاي والراء، والتنسُّفُ وهي أن تلوي رجله برجلك، وبما أنه من نوع الغدر فإنهم يعيبونه.

    • (ب)

      الشفَلْقة والأَسْنُ وهو أن تأخذ الإنسان من خلفه فتصرعه.

    • (جـ)

      العجَّار والعِرْنة هو الصِّرِّيع الذي لا يُطاق جنبه.

    • (د)

      ولا يعد المصارع مصروعًا إلا إذا تقرطب على ظهره وألقي على قفاه، ويسمون المصروع «مقرطبًا».

    • (هـ)

      والدَّهْشَرةُ عندهم هي سرعة الأخذ.

    • (و)

      والمصارعون يعوِّدون أنفسهم على إشالة الأحجار الثقيلة، والقضيب الحديدي ذي الكرتين في طرفيه «الكلل»، فتمرَّن أعضاءهم ويختبرون القوة برفعها.

    والعرب تسمِّي الأحجار التي ترفع لاختبار القوى «بالربيعة»، ولا بأس من إطلاقها على أجرام المصارعة.

(٢٨) المختبى بطَّال

  • (١)

    هي لعبةٌ إذا لم نبالغ فيها فهي حربية لا تختلف عن البراز في شيء، تدعو إلى الشجاعة والإقدام والصبر على المكافحة والتخلص عند الوقوع في ورطة، وهي تتطلب فوق ذلك نَفَسًا طويلًا، وصوتًا جهوريًّا.

  • (٢)

    اللاعبون: أستاذان وأتباع لكل من الأستاذين لا يزيدون على العشرة.

  • (٣)

    اللعب: تجرى التعبئة باصطفاف الفريقين صفين متقابلين كلا وراء خَطِّهِ المُعَيَّنِ لا يكاد يتجاوزه، وتتراوح المسافة بين الخط والخط بين الخمسين والستين خطوة.

    فيأمر الرئيس البادئ باللعب أصغر اللاعبين بالبراز؛ ليجس له نبض الفريق المضادِّ، ويطلع على مدى قواه، فيتقدم هذا، مشمِّرًا عن ساعديه، متنكِّبًا أذياله، صارخًا بأعلى صوته وبصورة مستطيلة بطيئة الجملةَ التاليةَ: «المختبي بَطَّال — بَطَّال — بطال.»٢٠

    وهو مع ذلك يجول ويصول هنا وهناك، متحفِّزًا منتبهًا يقظًا، لا تكاد تستقر قائمتاه على الأرض، ويسعى أن يصيب أحد اللاعبين من الجهة المخاصمة.

    فيتحفز له الفريق الثاني، ويتخذون أنواع الحيل لحصره وإلقاء القبض عليه، وهم بعين الوقت يتقافزون من هنا إلى هناك؛ ينفرون من ضرباته لهم ويستعدون لمباغتته.

    فإذا أصاب هذا المبارز خصمًا منهم، ونكص إلى موضعه بخفة يُعَدُّ أنه قد غلب المعركة.

    أما ذلك المصاب الذي انقهر فينبغي أن يغادر اللعب؛ لأنهم يعدونه قد سقط في المناوشة وأنه باصطلاح اللاعبين قد «مات»، وإن تنفس المبارز من تلقاء نفسه في وسط الجملة عُدَّ مغلوبًا أيضًا.

    وإذا تمكن الفريق المدافع أن يتغلب أحدُهم أو بعضهم أو كلهم على المبارز، فيسحبونه إلى أن يعبر خطهم عَنْوَةً أو يخمدوا أنفاسه قبل ذلك فهو قد «مات» أيضًا ولا يحق له أن ينازل أحدًا بعد.

    وهكذا يموت المهاجم الذي يطلب البراز أو يموت المدافع الذي يتصدى لقهره إلى أن يجيء دور الأستاذ، وهو بالطبع أقوى الفريق بنية وأشدهم مراسًا وأكثرهم جولانًا في الميدان، فيفر من وجهه الجبان ويناضله الشجاع، فيظل يجول ويصول في الحلبة حتى تكون الغلبة معه أو عليه.

    ويتم الرهان غالبًا بأن يركب الفريقُ الفائز الفريقَ المغلوب عدة مرات بين الخطين حسب ما يقرره الفريقان قبل المباشرة باللعب.

(٢٩) ألجوبِي (الفَنْزَجُ)

نوعٌ من الرقص القومي، وقد غلب عليه في هذه الأيام اسم الدبكة؛ لأنهم يدبكون الأرض بأقدامهم حينما يأخذهم الوجد في الرقص.

وكانت العرب تمارسه وتسميه الفنزج،٢١ أخذوه من العجم فيما أخذوا من أمور الترف.

ولا يزال هذا النوع من اللعب أو الرقص يمارسه الأعراب والقرويون في كافة أنحاء العراق، في أيام الأعياد والأفراح.

يصطفُّ الشباب على هيئة نصف دائرة، ثم يأخذ بعضهم بيد بعض ويرقصون رقصة رجل واحد على صوت الطبل، وأنغام المزمار أو «المطبج» في معظم الأوقات، فتارة يهزون أكتافهم وطورًا يدبكون بقدم واحدة، وهم في كل ذلك يتمايلون ذات اليمين وذات اليسار، وتتعالى زعقاتهم، أما الذين يقفون في الأطراف فيلوِّحون بمناديلهم في الفضاء.

(٣٠) الطابق (والساس)

الطابق

  • (أ)
    تسميه العرب العِصاء٢٢ ولا يمارس لعبة الطابق إلا من بلغ أشده وشد حيازيمه،٢٣ وتوفرت فيه خِلالُ الفتوة ولم تندثر معالم هذه اللعبة كما اندثر سواها، إنما لا يزال الشبان الأنجاد٢٤ في بعض أحياء بغداد يزاولون هذه اللعبة، ونحن نتملى بهم بين حين وآخر.

    أما فتيان الأرياف فهي لعبتهم التي شغفوا وأغرموا بها، وأحسنوا اللعب بها، سيما في الأعياد أو حفلات الأفراح التي يرسمونها في القِرَان أو الختان أو ما ضاهاهما من نزهات الريف.

  • (ب)

    اللعب: يُضرب الطبل ويُعزف المزمار بنغمات خاصة بلعبة «الطابق»، فيتقدم إلى حلبة اللعب شابان وقد ارتديا أحسن أثوابهما وشمَّرا عن ساعديهما، فيخطران في البدء جيئةً وذهوبًا وقد تصنَّعا الجد واعتلى صدراهما، ودفعا بأكتافهما إلى الوراء، ويبديان من الحركات الرشيقة الموزونة على إيقاع الطبل، ونفخة المزمار ما يخلب الألباب.

    أما الحاضرون فهم سكوتٌ كأنما على رؤوسهم الطير، قد اشرأبَّتْ أعناقهم إلى اللاعبين وضربوا عليهم نطاقًا من العيون.

    فترى اللاعبَين يتقابلان وجهًا لوجه وبينهما عشر خطوات، وكل منهما ينظر شزرًا إلى الآخر.

    ثم يتقربان من بعضهما رويدًا رويدًا وشيئًا فشيئًا، وقد تخصر كل منهما بذراعه الأيمن ورفع رجله اليمنى ويده اليسرى إلى الأعلى، ثم لا يلبثان بعد أن يدليا بإشارات خاصة ظريفة أن يغيِّرا هذه المرة أرجلهما اليسرى وأيديهما اليمنى، ويتخصران بالشمال، وهما يلوِّحان في الفضاء بالمناديل التي يحملانها، فتخفق قلوب الحاضرين على خفق هذه المناديل، وربما زعقت النساء «بالهلاهل» لفرط ما يتولاهن من الجذل.

    وما يزالان على هذه الحالة التي أطلقوا عليها اسم «التسريح»، وهما في إقبال وإدبار وإبداءِ إشاراتٍ خاصة وتلويح بالمنديل، ودوران على العقب حتى تغلي مراجلهما، حينذاك يتناول كل منهما عصًا بيمينه، وأغلب ما تكون خيزرانة رفيعة تتلوى ودَرَقَةً من جلد بيسراه.

    وأول ما يُقْدِمَانِ عليه هي المصافحة وتُجْرَى بقرع العَصَوَينِ ببعضهما، ثم يرتدان إلى الوراء خطوات ويقدمان على المناوشة، فيبركان على ركبة واحدة وقد ارتفع صدراهما وأيديهما بما فيها، فيتضاربان بالعصي وهما على هذه الهيئة، وكل منهما يدرأ الضرب الذي انهال عليه من غريمه بدرقته.

    ثم ينهضان سوية وعلى حين غرة وقد حمي الوطيس بينهما فيقدمان على المبارزة.

    والشرط هنا أن يتقي المبارز الضربات التي يوجهها إليه غريمه، ويقصدان فيها أن يصيب منه رأسه أو إبطه، وقد يجيء بعضها شديدًا؛ فلذلك ترى كلًّا منهما يحاول بما في طاقته وبعد مراوغة كثيرة أن ينال غريمه في هذين المكانين.

    أما الأطفال الذين هم أقل شأنًا ممن ذكرنا، فلا يتقاعسون عن ممارسة الطابق، وإن شغفهم به ليس باليسير.

    إنما لم يتم لهم أن يتملكوا درقة أو الخيزران؛ لذلك فهم يحتالون للأمر فيضربون بكف أيديهم اليمنى، ويتقون براحة اليد الأخرى، ويطبقون كل قواعد «الطابق»، وهكذا يتقنون هذه اللعبة القديمة الظريفة إذ يمارسونها منذ الصغر.

الساس٢٥

وتسميه العرب المُماصَعة، والمبالَطة، والمثاقَفة.٢٦

وهو أن يتضارب اللاعبان بالسيوف دون الخيزران، ويدرآن الضربات، ويتَّقيان شرها بالتروس وليس بالدرق، وشتان بين سيف قاطع وخيزرانة رفيعة.

أما قواعد المناوشة والمبارزة بالسيف فلا تختلف عما هي في الطابق، إلا أنه يقف على مقربة من اللاعبين فتًى آخرُ يكون «كالمُحاجز» بينهما يتوسطهما ويفصلهما كلما اشتد بينهما النضال، وعليهما أن يَكُفَّا عن العراك كلما توسطهما.

ومتى فرغا من القراع انحنى كل منهما على الآخر وقبله في رأسه وكتفه، فكأنما يهمس في أذنه: «لا بأس يا صاح، فما نحن بخصمين، لقد انتهى اللعب، وعدنا إلى الصفاء والولاء.»

ثم يأخذان مقاعدهما بين الحاضرين فيتقدم مِنْ بعدهما شابان آخران يمارسان اللعب كما مرَّ آنفًا، وهكذا اثنان بعد اثنين حتى يأزف الوقت وينفرط عِقد الحفلة.

وللساس شروطٌ يراعيها اللاعبون وقواعدُ لا يزيغون عنها، وهناك محكِّمون تُسمع مشورتهم، ولهم القول الفصل في حدوث النزاع أو غيره، ضربنا صفحًا عن بيان كل هذه خشية التطويل.

(٣١) المكاسرة٢٧ (المنازعة)

أما المكاسرة فأمرها عجيب، قل الحرب وأي حرب شعواء يُسْعِرُ نارها الأطفال بتحرشاتهم، والحرب كما قيل: «أولها الكلام» فتتعدَّى إلى الشباب، وربما تَدَاخَلَ في أمرها الرجالُ.

فحينذاك يحترق في لظاها الأخضر واليابس، وقد تستقر الحزازات في الصدور، وتدوم الحرب سجالًا لعشرات الأيام ففي كل يوم يحمي بينهم الوطيس.

وقد تشترك فيها عدة أحياء أُخَرُ، فلا يحسمها إلا شيوخ الحي وعقلاؤه أو الشرطة المحلية، إذ تُشتِّت المتجمهرين وتعقَّب المحرضين.

وأسباب هذه الحرب الأطفال كما قلنا؛ فقد يجتمع أطفال كل حي من الأحياء المتقاربة ويتراجمون بالأحجار.

فإذا اشتدت وغلت مَرَاجِلُها فهناك يتواعد على ساعة النزال الحيَّان المتخاصمان، ويتقابل كل حي فيتقاذفون بالمقاذيف «المعاچيل».

فتكثر الجرحى وتسيل دماء الرؤوس وتضج النساء من الطرفين، وتخفق الرايات وتُضرب الطبول، وتبعث الهوسات الحماسة في الصدور وتقودها إلى النضال، وذلك إذا تنازلوا بالعصيِّ والهراوات الغليظة، فيبرز الشباب أولًا من كل حي ثم يعقبه الأكبرُ منهم سنًّا ويشد من أزره ويثبِّت موقفه.

وهناك لا يعدمون الحيل العسكرية، فيعملون حركات الالتفاف ويقطعون خطوط الرجعة على بعضهم، ويضربون الحصار على الخصوم، ويتحصنون وراء القبور وأكوام الأحجار التي اتخذوها كمتاريسَ لهم.

ويغنمون من المنهزمين الغنائم الكثيرة من عصيٍّ، وطاقيات، وكوفيات، وغيرها.

وفي المكاسرة هذه يتبين الشجاع والجبان، فيُقَدَّر هذا ويُهان ذاك على الدوام، وقد قيل: عند الامتحان يُكرم المرء أو يهان.

المقذاف٢٨ (المعجال)

  • (١)

    يُحاك من خيوط القطن المبرومة، له بطن كراحة اليد تُسمَّى «الفنجان»، وقد تُشْبِهُهُ وله طرفان أسميا «بالجنايد»، وفي أحد طرفيه حلقة من الخيوط نفسها يُدخل فيها الخنصر، ويُطلق عليها «العروة» حتى لا يَنشمر المقذاف مع الحجارة بقوة القذف، وفي الطرف الآخر خيوط ملونة من الحرير الدقيق تُحدِث صوتًا عاليًا أثناء القذف، فتشجِّع القاذف وترعب الفريق الآخر.

  • (٢)
    وكيفية القذف: هي أن يوضع الحجر في الفنجان وتلبس الحلقة في الخنصر كما يلبس الخاتم، ثم يمسك باليد نفسها الطرف الآخر أيضًا، ويدير المقذاف في الهواء عدة مرات ثم يرميه بقوة خارقة، وهو يطلق الطرف ذا الخيوط الحريرية، فتندفع الحجارة كما تندفع أحجار المناجن٢٩ ولها أزيزٌ ورنينٌ في الهواء.

(٣٢) قَلْبَةُ العقرب

يتبارى الفتيان بهذه اللعبة دائمًا، وهي — والحق — من الألعاب الرياضية المفيدة، فيبرز عليهم من أجادها، وهم يعترفون له بالفضل والسبق.

وهي تتطلب ممارسة كثيرة ورباطة جأش وخفة في إجراء الحركة:
  • (١)

    «الحركة الأولى»: يضع الفتى يديه على الأرض بخفة، ويرفع في الوقت نفسه رجليه إلى العلاء، ويطويهما من عند الرُّكَب حتى تنزلا على الأرض، فيقف على يديه ورجليه فيشبه بهذه الهيئة الغريبة ذواتَ الأربعِ قوائمَ إلا أن بطنه تتجه إلى فوق، وظهره يقابل الأرض، ولا يُسوِّغون له أن يمس ظهره التراب.

  • (٢)

    «الحركة الثانية»: يضع الفتى يديه على الأرض، ثم يرفع رجليه بكل قوة وسرعة فيسندهما بالجدار، فيضاهي بهيئته هذه عقربًا تدب من الجدار إلى الأرض.

    وهذه الحركة تمهِّد له السبيل للمشي على اليدين، وقد يقف أحدهم على يد واحدة، ويسند إلى الجدار رجلًا واحدة أيضًا، ويعمل الثاني مثله فيتطاولان في المكث.

  • (٣)

    «المشي على اليدين»: يضع الفتى يديه على الأرض بخفة، ثم يقلب رجليه إلى العلاء دون أن يطأ الأرض كما هي في الحالة الأولى، ولا يسندهما بالجدار كما هي في الحالة الثانية.

    فيسير على يديه في بادئ الأمر بضع خطوات، ثم لا يزال يمارس هذه الحركة ويتمرن عليها، فيستطيع بعد ذلك أن يسير على يديه مسافةً بعيدة، ولا بد لهذه اللعبة من الجرأة والشجاعة.

  • (٤)

    «السَّرْبَسُ»: هو أن يضع الواحد يديه على الأرض ويرفع رجليه إلى الأعلى، ثم يهبط الأرض على رجليه إلى الجهة الثانية ويستقيم، ويجري كل ذلك بمدة قصيرة جدًّا، وتتوالى هذه الحركة حتى يُخَيَّلَ إليك أن «دولابًا» يدور.

١  صوته.
٢  مصغر الركبة والنزلة الواحدتين.
٣  التاج، المجلة السلفية للسنة ٢، الإفصاح.
٤  أصل هذه اللفظة تركيةٌ مأخوذةٌ من تكي بمعنى: الحجل — على رأي بعضهم — وتسميها العامة المُستراح أيضًا، وهي تسميةٌ أقرب إلى العربية من التوكي، ولا مانع من تسميتها «بالحجل» أو التوقي التي هي من تاق، يُقال: تاق القِدح في الميسر إذا خرج عند الإجالة.
٥  لفتيان الأعراب لعبة يتواثبون فيها يسمونها النفاز، فلو أطلقناها على هذه اللعبة لصحت التسمية.
٦  التاج.
٧  التاج، السلفية للسنة الثانية.
٨  الدلك: الدعك.
٩  التاج، الإفصاح، المجلة السلفية للسنة الثانية.
١٠  التاج، المجلة السلفية للسنة الثانية.
١١  التاج، الساق على الساق، المجلة السلفية للسنة الثانية.
١٢  التاج، الحيوان، المجلة السلفية للسنة الثانية.
١٣  الثوي: البيت المعد للأسير.
١٤  الركز: الصوت الخفي.
١٥  محرَّفة ناقر، من النقر، أي: الطرق على الباب.
١٦  التاج، الإفصاح، المجلة السلفية، الساق على الساق.
١٧  التاج، المجلة السلفية للسنة الثانية.
١٨  لفظة عربية أصيلة.
١٩  الأشاجع جمع أشجع: وهي أصول الأصابع.
٢٠  ولا يخفى ما في تكرار هذا الصوت من الرياضة للفم واللهاة والعين، وتحسين اللون وتنقية الصدر، كما ذكره ابن سيناء في قانونه.
٢١  معرَّب لفظة پنجة الفارسية.
٢٢  العصاء: اللعب بالعصا، كاللعب بالسيف، يقال: عَصِيَ يَعْصَى إذا لعب بها، راجع التاج.
٢٣  استعد للأمر وتشمَّر.
٢٤  الشجعان.
٢٥  الساس: محرفة من الساز الفارسية، وهي آلة حربية.
٢٦  المماصعة والمبالطة والمثاقفة كلها بمعنى المجالدة بالسيوف، وكانوا يلعبونها بالرماح أيضًا، وقد اشتهر عند جاهلية العرب بهذا الفن عامر بن مالك فسمي ملاعب الأسنة، وقيل: «أَلْعَبُ بالأسنة من عامر بن مالك.» وثاقف غلام بين يدي الصاحب بن عباد، فاقترح على أصحابه وصفة فأرتج عليهم، فقال هو فيه:
ومثاقف في غاية الحذق
فاق حسان الغرب والشرق
شبهته والسيف في كفه
بالبدر إذ يلعب بالبرق
واشتهر بها اليابانيون والسودانيون وغيرهم وأتقنوها.
٢٧  اقرأ ملاحظات المقدمة. وكانت تسميها العرب المنازعة، راجع القانون لابن سيناء.
٢٨  راجع الإفصاح.
٢٩  جمع منجنيق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤