الطيور

(١) أصغر الطيور وأكبرها – والعنقاء

في أقاليم المنطقة الحارة كثير من أصناف الطير تمتاز عن طيور سائر المناطق بألوانها الجميلة وأصواتها الرخيمة، وفي جملتها نوع صغير الحجم جدًّا إذا تطاير حسبته ياقوتة مرسلة في الفضاء أو شرارة منبعثة من بطارية، وقد لا يزيد حجم الواحد منها على حجم بعض أنواع الفراش، وقد يتوهم الناظر إليه أنه فراشة ذات ألوان، وكثيرًا ما يذهب هذا الطير فريسة نوع من أنواع الرتيلاء القوية.

وإذا انتقلنا إلى الطيور الكبرى أول ما يتبادر إلى الذهن أن النعامة أكبرها كلها، ولكنهم عثروا على بقايا طيور اكتشفها الأستاذ أوين في زيلاندا الجديدة نقلوها إلى كلية الجراحة في لندن، ومنها بعض هيكل عظمي لطائر يسمونه الدينورنيس Dinornis ارتفاعه عشرة أمتار وعظم الفخذ في الإنسان البالغ لا يزيد حجمًا عن أدق عظامه، والدينورنيس قد انقرض من أجل غير بعيد، وسكان زيلاندا يتناقلون خبره فيما بينهم كما كان يتناقل العرب خبر عنقاء مغرب، ونحن نعد خبر العنقاء خرافة لا حقيقة لها، ولكن بالقياس على ما عثروا عليه في زيلاندا أصبح خبر العنقاء حقيقة تقادم عهدها، وضاعت الآثار الدالة عليها، ولا يبعد أن يعثروا على شيء من آثارها في المستقبل، كما عثروا على آثار الدينورنيس.
ومن الطيور الهائلة أيضًا طير الإيبورنيس Epiornis الذي كان في مداغسكر، ويظن أنه أعظم هامة من ذاك، فإن بيضة من بيوضه في متحف باريس الآن وحجمها يزيد على ستة أضعاف بيضة النعام الكبرى، وقد حسبوا مقدار ما يساوي حجمها من بيوض الطيور الصغيرة، فإذا هو نحو ١٢٠٠٠ بيضة، ثخانة قشرتها مليمتران لا تُكسر إلا بالمطرقة، فماذا عسى أن تكون قوة منسر فرخ الإيبورنيس عند محاولته الخروج من البيضة، وهو لا يخرج منها حتى يكسرها بمنقاره؟

فإذا قدرنا حجم الإيبورنيس بالقياس على حجم بيضته كانت هامته ستة أضعاف هامة النعامة، فاعتبر ذلك ليهون عليك تصديق قول العرب عن العنقاء، فقد قالوا فيها أقوالًا كثيرة لا يخلو بعضها من مبالغة، فإذا أخذناها على إجمالها، هان علينا التسليم بأنها من الطيور الحقيقية التي عرفها العرب ثم انقرضت، قال القزويني: «العنقاء أعظم الطير جثة، وأكبرها خلقة، تخطف الفيل كما تخطف الحداة الفار.» وقال أبو البقاء العكبري: «إن أهل الرس كان بأرضهم جبل يقال له مخ صاعد في السماء قدر ميل، وكان فيه طيور كثيرة، وكانت العنقاء به وهي عظيمة الخلق لها وجه كوجه الإنسان، وفيها من كل حيوان شبه، وهي من أحسن الطيور، وكانت تأتي الجبل في السنة مرة، فتلتقط طيوره، فجاعت في بعض السنين وأعوزها الطير فانقضت على صبي فذهبت به ثم ذهبت بجارية أخرى.»

فاستغرب الناس ذلك وبنوا عليه فساد الرواية، وأنها خرافة لا أصل لها، مع أننا سمعنا غير مرة بوقوع ذلك من طيور معروفة، فإن بعض النسور يهاجم الصيادين في أعلى جبال الألب ويؤذيهم، وبعضها يختطف الأولاد وينثرهم على الجبال. وأشهر واقعة من هذا النوع جرت في فالي بالجبل الأبيض سنة ١٨٣٨؛ وذلك أن فتاة اسمها ماري دليكس عمرها خمس سنوات كانت تلعب مع رفيقة لها على سفح ذلك الجبل فانقض عليها نسر هائل اختطفها وتشبث بمخالبه بأثوابها وطار بها، ولم يبالِ بصياح رفيقتها فسمع بعض الناس الصياح فتقاطروا حالًا فلم يجدوا من آثار ماري إلا فردة من حذائها، وتتبعوا آثار النسر إلى عشه فوجودا فرخين حولهما أكام من عظام الماعز والضأن، ولم يجدوا آثار ماري بينها، وبعد شهرين اكتشف بعض الرعاة جثتها على نصف فرسخ من المكان الذي كانت تلعب فيه.

وحدث سنة ١٨٦٨ في تبة بمسوري من الولايات المتحدة حادثة من هذا النوع، رواها معلم إحدى المدارس هناك قال: «حدث في مدرستي حادث غريب لم نسمع بمثله، وذلك أن بعض النسور الكبرى، قضى بضعة أيام لا ينفك عن اختطاف الحملان والخنازير، ولم يخطر لنا أنه يجسر على اختطاف الآدميين، ولكنه انقض على التلامذة ذات يوم وهم ويلعبون كالعادة واختطف ولدًا اسمه جمي كني وسنه ثماني سنوات وطار به، فسمعت صوت الغلام يناديني ويستغيث بي فوثبت وقد تعاظم صياح التلامذة وعلا ضجيجهم، وكأن النسر تهيب أو فُزع فأطلق الغلام من بين مخالبه فسقط ميتًا، وقد غرست مخالب النسر في لحمه.»

وذكروا نسورًا هائلة خطفت رجالًا وهم نيام، وأقوى النسور على ذلك يسمى في اصطلاح علم الحيوان جيباتوس Gypaetus فهل يقال بعد ذلك أن العنقاء لفظ يدل على غير معنى؟

(٢) عمر الببغاء

المشهور أن أكثر الحيوانات تعميرًا التمساح، قد يتجاوز سنه ثلاثمائة سنة، يليه الحوت نحو ٢٠٠ سنة، فالباز نحو ١٥٠ سنة، فالببغاء يتجاوز عمرها مائة سنة.

ببغاء اسمها «دوكي بنيت» لرجل أوسترالي، بلغت من العمر ١١٧ سنة. ذكر مؤرخها أنها ولدت سنة ١٧٩٦ في ضواحي سدني بمنزل أحد أصحاب المزارع هناك، فربيت في بيته وتوارثها أعقابه الواحد بعد الآخر إلى خمسة أعقاب آخرهم مدام سارة بنيت صاحبة فندق شهير في سلفانيا قرب سدني، وآثار الشيخوخة ظاهرة في هذا الطائر كل الظهور، وأصبح لشيخوخته لا يقوى على طحن الحبوب فيطبخونها له، لكنه لا يزال على عادته بإلقاء التحية على القادمين والترحيب بهم.

(٣) جيكنتوزورس أطول حيوان معروف

ذكرنا نوعًا من الزحافات البائدة يسمى بالاصطلاح العلمي دينوسوريا من تبايناته حيوان بائد اسمه ديبلودوكس، يمتاز بصغر رأسه وضعف أسنانه، وفي متحف باريس مثال من هيكله طوله بضعة وعشرون مترًا وعلوه بضعة أمتار، وكنا نحسب ذلك منتهى ما تبلغ إليه ضخامة الحيوانات، لكننا وقفنا على صورة عظم الفخذ لحيوان بائد أطول من هامة الإنسان.

فإنك تجد فيه عظام قائمة من قوائم ذلك الحيوان المهول، فإلى اليسار القسم السفلي من تلك القائمة؛ ويشتمل على الأصابع والأمشاط والزند، وإلى اليمين عظم الفخذ. اكتشف بقايا هذا الحيوان بحاثة ألماني في أفريقيا الشرقية الألمانية في بلد اسمه تنداغورو، وكانت العظام تشتمل على هيكل تام أخذ متحف كنستن بلندن قائمة من قوائمه، وهي كافية للدلالة على ضخامة هذا الحيوان الهائل، ويستدل علماء الحيوان منها أن طوله ربما زاد على ضعفي طول الديبلودوكس؛ أي إنه نحو ٥٠ مترًا طولًا و٧ أمتار علوًّا، فإن عظم الفخذ وحده طوله متران و١٥ سنتمترًا، وأما بقية عظام هذا الحيوان، فإنها في متحف برلين.

(٤) البومة في القطب الشمالي

من الخصائص الطبيعية في الحيوان أن يتكيف على ما يلائم الإقليم الذي يعيش فيه وإلا فإنه ينقرض، والغالب أن يتكيف عملًا بناموس الانتخاب الطبيعي لحفظ النوع، وفي بعض الحيوانات خاصة التكيف لمطابقة ظواهرها على ظواهر ما يحيط بها من التربة أو النبات، فيتخذ أحدها لونًا يشبه ما يعيش عليه من النبات، أو يسرح فوقه من التربة أو الحجارة، وهذا أيضًا من قبيل الانتخاب الطبيعي يراد به الدفاع عن النفس؛ لأن هذا الحيوان إذا طارده عدو يصعب عليه الاهتداء إليه لتشابه الألوان عليه، ويظهر هذا التلون على الخصوص بالحشرات، وفي الطيور؛ فالحجل مثلًا ترى لون ريشه بلون الحصى التي يتنقل عليها فلا يهتدي الصياد إليه إلا بمشقة.

ومن هذا القبيل نوع من البومة تعيش في المنطقة الشمالية على الثلوج إذا جاء الشتاء اكتسب شعرها لونًا أبيض كالثلج، فإذا جلست أخفت منقارها وأغمضت عينيها، فلا يشك من يقع بصره عليها أنها قطعة من الثلج؛ فلا يهتدي إليها الصيادون ولله في خلقه شئون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤