سادسًا: وقوع النبوة

بعد الحديث عن إمكانية النبوة يأتي وقوع النبوة بالفعل. وما يهمنا هو وقوعها في المرحلة الأخيرة التي تتضمن من قبل وقوعها في المراحل السابقة، فالنهاية تدل على البداية في حين أن البداية لا تدل على النهاية. الحديث الأول مجرد حديث في الإمكانيات النظرية وعدم الاستحالة العقلية، في حين أن الحديث الثاني هو نقل لما وقع بالفعل، وتناوُل لموضوع تاريخي، بالإضافة إلى صحة نقله، بالرغم من هذا الوقوع إلا أنه يُمكِن أيضًا وجود أدلة عليه، إما الأخبار منها في كتب الأنبياء السابقين، أو أحوال النبي قبل البعثة، أو المعجزات بالمعنى القديم، أو الإعجاز بالمعنى الجديد.

(١) أخبار الأنبياء السابقين

إذا كانت كل مرحلة تؤدي إلى المرحلة التالية، فإن هذا التطور يكون مُخبَرًا عنه؛ فالمرحلة السابقة تُخبِر عن قدوم مرحلة لاحقة؛ فالدليل على خاتم النبوة هو إخبار كل نبي سابق بما سيتلوه من تنبؤات وما يتبعه من أنبياء. والحقيقة أن هذا الدليل ليس حاسمًا من حيث الواقع وإن كان مقبولًا نظرًا؛ فدِقة الوصف بالمكان والزمان والتعيين والاسم قد لا يكون دليلًا على الصدق، بل قد يكون دليلًا على الكذب، كما هو الحال في بعض الكتب السابقة، مثل إنجيل يوحنا الذي يُكثِر من هذه التفصيلات للإيهام بالصحة التاريخية؛ فتفصيلات الإطار حتى ولو طابقت الواقع قد لا تعني صدق الواقعة. وماذا لو كان النص السابق محرَّفًا ومبدَّلًا في نصوصٍ لم تثبت صحتها تاريخيًّا؟ وماذا لو كان النص موضوعًا وكثير من النصوص قد تم وضعها بعد حدوث الواقعة إسقاطًا من الحاضر على الماضي؟ وماذا لو كان النص الأصلي محذوفًا أو منقوصًا من أجل تزييف الوقائع والطعن في شرعيتها؟ وماذا لو كان النص مؤوَّلًا بحيث ينطبق على الواقعة بعد حدوثها ولا يُشير إليها؟ وماذا لو كان النص بغير ذي دلالة، ثم تحدث الواقعة فتجعل النص دالًّا، بل وتخلق فيه دلالته قصدًا بعد أن كانت الدلالة بالمصادفة؟ وكيف يُمكِن الاستدلال بالمراحل السابقة وهي منسوخة، خاصة إذا جاز النسخ في الأخبار جوازَه في الأمر والنهي، وإذا جاز في العلم جوازه في الإرادة؟ وهل من الضروري أن تعلمه المراحل السابقة وتُخبِر عن قدوم مرحلة لاحقة، أم أن ذلك يتكشف من الموضوع ذاته من خلال علاقة داخلية؛ علاقة الوسيلة بالغاية، أو العلة بالمعلول، أو المقدمة بالنتيجة، أو الافتراض بالقانون؟ ولا يدخل هذا الإخبار ضمن المعجزات؛ لأنه ليس خرقًا لقوانين الطبيعة، ولا نقضًا لمجرى العادات.١ ولن يُقنِع الإخبار به إلا أصحاب الدين الجديد الذين آمنوا بالمراحل السابقة، وقدروا على تجديد الدين. أما الأمم الأخرى التي لم تبلغها المراحل السابقة، أو التي بلغتها وأصرت على المحافظة على دين الآباء، فيظل الإخبار بالنسبة لهؤلاء بغير ذي دلالة، كما أن مجرد الخبر هو إيمان بالرواية دون العقل، والرواية ظنية طبقًا لنظرية العلم؛ ومن ثَم يُصبِح وقوع النبوة معتمِدًا على إخبار الأنبياء السابقين ظنيًّا خالصًا.

(٢) أحوال النبي قبل البعثة

هل يُمكِن اعتبار أحوال النبي قبل البعثة دليلًا على وقوعها وإثباتًا لها؟ إن معظم ما يُنقَل عن ذلك إنما يأتي أيضًا من الأخبار، وليست السابقة التي تنتهي إليه بتحقق النبوة، بل اللاحقة عليه التي تقص من أخبار الماضي، وهي في غالبها أخبار آحاد لا تُفيد إلا الظن، والمتواتر منها أيضًا بمفرده لا يُفيد إلا الظن، طبقًا لنظرية العلم؛ لاحتياج الدليل النقلي إلى دليل عقلي ولو واحد. وكثير من هذه الأخبار قد وُضِعت بعد البعثة، إسقاطًا من الحاضر على الماضي؛ فبعد ظهور العبقرية يتم الحديث عن بوادرها، وبعد وقوع النبوة يتم اكتشاف إرهاصاتها. وغالبًا ما كانت في كتب السيرة تبجيلًا للرسول، وتعظيمًا للنبي من أجل جعله فوق مستوى البشر، متفرِّدًا بالوقائع، مُصطفًى بالصفات. وعِلم السيرة ليس علم أصول الدين؛ الأول نقلي خالص والثاني نقلي عقلي، تكفي في الأول الحُجَج النقلية في حين أنها تظل في الثاني ظنية، ولا تتحول إلى يقينية إلا بحجة عقلية ولو واحدة، طبقًا لنظرية العلم في المقدمات النظرية الأولى. ولو كانت معجزات قبل البعثة فإنها لا تدل على البعث؛ لأن هذه المعجزات قد وُضِعت قبلها. وتكون المعجزة دليلًا على صدق النبوة إذا كانت مقارنة لها، لا قبلها ولا بعدها. وإذا كان الرسول لا يكون كذلك قبل البعثة، وهو مجرد إنسان عادي، لا نبيًّا ولا رسولًا قبل البعثة، فكيف تظهر عليه أحوال غريبة؛ كرامات أو معجزات؟ وإذا كانت هذه الأحوال مجرد كرامات قبل البعثة ومعجزات بعد البعثة، فهل ننتظر من الأولياء الذين تظهر عليهم الكرامات أن يتحولوا إلى أنبياء فيما بعد؟ ليست المعجزات قبل البعثة مقدمات لتلك التي تقع بعدها؛ فالمعجزة لا تحتاج تقديمًا بمعجزة أخرى، أو تصديقًا لما سيأتي بعدها من معجزات، وإلا لتسلسل الأمر إلى ما لا نهاية، وظهرت ضرورة معجزة أولى صادقة بذاتها لا تحتاج إلى معجزة أخرى قبلها. وإن حياة النبي قبل البعثة جزء من حياته الخاصة وليست العامة.

وقد تُقسَّم أحواله قبل البعثة إلى أمور في ذات الرسول، وإلى أمور في صفاته، وإلى أمور خارجة عنه؛ فالأمور التي في ذاته مثل النور الذي كان يتقلب في آبائه إلى أن وُلِد، وهي حتمًا صورة مجازية للخير والحق والعدل، والنور صورة إلهية ولغة النبوة في الديانات القديمة. والتقلب في الآباء إحدى صور التناسخ، أو أحد مظاهر حلول الأبوة في البنوة في الديانات القديمة أو الفِرَق الكلامية. وهو ضد التصور الإسلامي الذي يجعل المسئولية فردية، بما في ذلك النبوة التي لا تُورَث ولا تُورَّث بنص الوحي.٢ وكيف يتولد النور في آباء النبي ولم يكونوا مهتدين بعدُ بما في ذلك الجد والعم؛ الأقرباء المباشرون الذين رأوا الرسول قبل البعثة، أو الذين بلغتهم البعثة وهم أحياء. أما إن كان في ولادته مختومًا مسرورًا، نزل واضعًا إحدى يدَيه على عينَيه والأخرى على سوأته، فذلك تقابُل الخير والشر، النور والظلمة، فاليد على العين حماية لها من النور، واليد على السوأة تغطية لها. فالرسول خير وليس به شر، وهو ما يُضاد المألوف في الولادة؛ فالجنين لا يتحرك إراديًّا ولا يعرف مكان عينَيه من سوأته، وربما يكون مُغمَض العينَين من دماء الرحم، والسوأة إدراك اجتماعي ينشأ بالتربية، وقد يكون ذلك تغطية لموضع الوطء في مجتمعٍ يسوده الشذوذ الجنسي ووطء الوِلْدان. أما أن يكون خاتم النبوة بين كتفَيه، فهو تحويل المعنى إلى شيء؛ فالختم هو النهاية وليس الخاتم، كما هو واضح في «وختامه مسك». وكيف يدخل الخاتم رحم الأم؟ وهل يكون في الأصبع أم بين الكتفَين؟ وكيف يقبض الجنين عليه ولا يقع؟ وما حجم الخاتم وشكله ومعدنه؟ وكيف لم يرفض جسد الأم الجسم الغريب منه؟ أما أن تطول قامته عند الطويل وتتوسط عند الوسيط، فذلك يدل على أن رؤيته ذاتية خالصة، وأنه يبدو على أحسن وجه طبقًا لتصوُّر الرائي، وأن الذات هي التي تخلق الموضوع، وأن الإنسان يرى العالم على شاكلته، وكما يهوى ويرغب؛ فالمسيح عند الأسود أسود، وعند الأبيض أبيض، والرسول عند الطويل طويل وعند القصير قصير. أما الرجم بالنجوم عند قرب بعثته، وكون ذلك سبب إسلام قوم من الكهنة، فهو إدخال لعنصر الطبيعة في النبوة؛ فالطبيعة أيضًا تشعر بالنبي وتتنبَّأ به وتتهيأ له؛ ولذلك نموذج في الإنجيل بتنبؤ ملك المجوس بولادة المسيح بالنظر إلى النجوم. والنجم في التصور القديم جسم لطيف مُنير، له روح وعقل ونفس وحياة؛ وبالتالي فهو صادق فيما يُخبِر به.٣
والنوع الثاني من أحواله قبل البعثة هي أمور في صفاته، مثل الصدق والأمانة والعفاف والشجاعة والفصاحة والسماحة والزهد، وبلوغه النهاية في العلوم والمعارف، وتمهيد المصالح الدينية والدنيوية. وهي صفات عامة لا تميِّز النبي عن غيره، ولا الرسول عن باقي البشر؛ فقد كان الصحابة كذلك. وهناك شجاعة القادة، وفصاحة الخطباء، وسماحة الأتقياء، وزهد الأولياء، وأمانة الأمناء على بيت المال، وصدق المُخلِصين، وعفاف المؤمنين، وعلوم الحكماء، ومعارف الصوفية، ودفاع الفقهاء المُحتسِبين عن المصالح الدينية والدنيوية، وإلا كان الكل أنبياءً ورسلًا، ولم يتميز عنهم خاتم النبوة بشيء، ولكانت النبوة سمات إنسانية خالصة، وقيمًا إنسانية رفيعة تستهوي الناس كما تستهويهم سِيَر الأبطال والقادة والعلماء.٤
أما النوع الثالث من أحواله قبل البعثة وهي الأمور الخارجة عنه، فهي تجمع بين الصفات الجسدية العضوية ومظاهر الطبيعة، وذلك مثل شق بطنه وغسل قلبه. والحقيقة أن ذلك لا يتعدى صورة معنوية للطهارة، كما هو الحال في الأمثال العامية. فالقلب ليس في البطن بل في الصدر، والشرور ليست في القلب عالقة به فيُغسَل منها، ولكنها صفات في الأفعال يُدرِكها العقل وتختارها الإرادة. وإن كان الرسول خيرًا محضًا دون شر، فقد انتفت حرية إرادته واختياره بين الخير والشر، وامَّحى منه التكليف وضاع منه الاستحقاق. وهي صورة رمزية للعصمة التي ستُصبِح إشكالًا نظريًّا فيما بعد عندما يتحول صدق الرسالة إلى عصمة الرسول. أما إظلال الغمامة فوقه فهي صورة للحماية والحفظ والرعاية، ولكن هل الحماية من مظاهر الطبيعة فقط أم الحماية من شرور البشر وضغائن الأعداء؟ وهل الأمراض من حرارة الشمس وحدها؟ وأين الحماية من البرد وسائر الأمراض؟ وكيف تُوجَد الغمامة في الحر القائظ وعدم وجود البخار من البحار؟ وكيف تظلِّل الغمامة وهي تسير بسرعة الريح إنسانًا يسير بسرعة الإبل؟ أما تسليم الحجر والمدر عليه فهو نوع من تعرُّف الطبيعة وحساسيتها للنبوة في مقابل جحود البشر والتنكر لها. وحديث الطبيعة مع النبي معروف في تاريخ الأديان من قبل، مثل حديث سليمان مع الهدهد والنمل. وحديث الحجر أعجوبة في مجتمع صحراوي فيه الحجارة في وحشة الصحراء، وسلام المدر أيضًا أمنية في مجتمع صحراوي يرنو فيه الإنسان للبعيد إذا ما عز القريب.٥

(٣) هل له معجزات بالمعنى القديم؟

إذا كانت المعجزة بالمعنى القديم وفي المراحل السابقة على ختم النبوة هي خرق قوانين الطبيعة والجريان على غير المألوف، فإن هذا المعنى لا يكون ساريًا في آخر مرحلة من مراحل النبوة عندما يكتمل الوحي وتتحقق غايته، وهو استقلال العقل وحرية الإرادة، وإلا كان ذلك ارتدادًا للماضي وعودًا إلى التبعية وحاجة الإنسان إلى وصايا خارجية، وذلك إنكار للتقدم والتحقق وقدرة الوحي على تربية الإنسانية وكمالها ورقيها. المعجزة يقين خارجي لا ينفع في مرحلة اكتمال الوحي واستقلال العقل والإرادة، بل إنها تكون مناقضة لهما؛ فالإسلام دين العقل والحرية، ولا تنفع معه خرق قوانين الطبيعة التي تنهدم بها قوانين العقل، ويكون الفعل فيها لقدرة خارجية وليس لقدرة الإنسان؛ فالمعجزة مستحيلة من حيث المبدأ في آخر مرحلة من مراحل النبوة، ولكن هل هي واقعة؟٦

(أ) استحالة نقل المعجزة بالآحاد أو بالتواتر

إذا كانت المعجزة واقعة بالفعل، فليس هناك من سبيل إلى معرفتها إلا بالنقل، ولا يكون النقل إلا بأخبار الآحاد، أو بالأخبار المتواترة. وأخبار الآحاد لا تُورِث إلا الظن ولا يحدث بها اليقين، وتظل محتمِلة الصدق والكذب. وكثير من روايات المعجزات أخبار آحاد، وأخبار غير متواترة؛ لذلك كانت كلها في الأحاديث وليست من القرآن؛ لأن القرآن خبر متواتر نقله الكافة عن الكافة، وليس كالحديث الذي به الآحاد والمتواتر. والآحاد لا يُورِث علمًا؛ ومن ثَم لا يكون الآحاد طريقًا إلى العلم بوقوع المعجزة.

أما المتواتر، فليس مجموع آحاد، بل له شروط أربعة في مقدمتها الاتفاق مع الحس والعقل، بالإضافة إلى العدد الكافي الذي يستحيل معه التواطؤ، واستقلال الرواة عن بعضهم البعض، وتجانُس انتشار الرواية في الزمان. لا يُمكِن إذن إثبات المعجزة بالتواتر؛ لأنها تُعارِض شهادة الحس وبداهات العقل ومجرى العادات، وهي أحد شروط التواتر، والتواتر فيها ليس مثل التواتر على شجاعة علي؛ لأن شجاعة علي تُطابِق الحس ومجرى العادات، وليس فيها ما يُناقِض أوليات العقل أو قوانين الطبيعة. وكثير من روايات المعجزات كانت في أصلها آحادًا ثم أصبحت متواترة.٧

وقد توفَّرت الدواعي نظرًا لغرابتها وشهرتها على نقلها متواترة، ولكن لم يحدث، وظلَّت آحادًا؛ مما يدل على أنها رؤية أفراد؛ أي إدراك ذاتي لمُعجَب أو لجمهور أو خطأ حواس لمخدوع. ولا يُمكِن إثبات المعجزات بالاضطرار أو بالنظر والاستدلال القائم على التواتر؛ فالمعجزات لم تتواتر إلا بعد أن كانت آحادًا، وربما كانت بدايات الآحاد وضعًا؛ فهي تفقد إذن شروط التواتر. لقد وُضِعت الأحاديث التي تروي المعجزات في فترة متأخِّرة، ثم نُسِبت إلى مبلِّغ الوحي، ثم اختلقت الشواهد الحسية والوقائع المعينة والتحديدات الزمانية والمكانية؛ للإيحاء بأن الراوي إنما قد روى عن مشاهدة مباشرة ومعاينة للوقائع ومعاصرة للأزمان. وهذا معروف في تاريخ الأديان؛ فقد حدث نفس الشيء في رواية الإنجيل الرابع عندما أعطى الراوي التحديات الزمانية والمكانية ووصف الوقائع المادية؛ ليُوحي بالمعاصرة مع أنه موضوع في عصر متأخِّر. وهناك عدد آخر من الروايات لا تذكُر المعجزات وتسكت عن تكذيبها. والسكوت ليس دليلًا على التصديق وإن لم يكن دليلًا قاطعًا على التكذيب، كما أن السكوت مُمكِن على اختلاف الأحاديث الراوية للمعجزات وفي عصر متأخر، ولو كانت موضوعة في عصر متقدم لأمكن تكذيبها، وإذا كان العصر المتأخِّر هو الذي وضع الأحاديث فإن ذلك يدل على أنها حاجة اجتماعية شاملة تعم الجميع؛ الرغبة في تعظيم الأشخاص. فالسكوت عليها ليس سكوتًا في الحقيقة، بل تعبير عن رضًا جماعي، لا عن تواطُؤ، بل عن حاجة. وقد كان في كل عصر من يكذِّب هذه الأحاديث، إن لم يكن بالنقد الخارجي فبالنقد الداخلي اعتمادًا على العقل؛ ففي عصر النقل والتفسير بالمأثور كان الغالب هو النقد الخارجي للرواية، ولكن في عصر متأخر ظهر النقد الداخلي القائم على العقل، وبدأ الشك في المعجزات ليس فقط كرواية ولكن أيضًا كموضوع، ليس فقط في السند ولكن أيضًا في المتن، ليس فقط في الوضع التاريخي بل أيضًا في خلق الواقعة. وربما في عصر آخر تُصبِح رواية المعجزات أكثر ضررًا على الأمة من أي شيء آخر، إذا ما كان الجيل يدعو إلى التأكيد على سلطان العقل، ودَور العلم، والاعتماد على الحرية والتخطيط، وليس على إجراء المعجزات.

ولا يتعلق الأمر بالسند وحده، بل يتعلق أيضًا بالمتن؛ أي بصياغة الخبر؛ فالتواتر وإن كان شرطًا في السند إلا أن النقل الحرفي هو شرط المتن، بلا زيادة أو نقصان، أو تقديم وتأخير، أو إظهار أو إضمار. والنقل بالمعنى مثل خبر الآحاد لا يُورِث المعجزات زيادةً أو نقصانًا، وفي وصفها إجمالًا أو تفصيلًا مدعاة للشك فيها؛ وبالتالي في رواياتها، وعادةً ما يكون الاتجاه في الرواية نحو الزيادة أكثر مما هو نحو النقصان؛ فكُلَّما زاد التعظيم والإجلال زادت قدرة الخيال الشعبي على خلق الوقائع في السِّيَر وتاريخ الأبطال، وكلما حضر المعنى وتوتَّرت النفس به نسج الخيال وقائع دالةً عليه؛ فالمعنى هو الذي يخلق الواقعة أكثر مما تدل الواقعة على المعنى. ويحدث ذلك إذا ما كانت هناك واقعة واحدة نمطية تستخدم كأصل في القياس الشعوري، فتُختلَق طبقًا له عدة وقائع أخرى على نفس المنوال، وإذا ما تم ذلك في بيئة ثقافية وسياسية مواتية، مثل الأمية والقهر السياسي، يزداد عمل الخيال من الدعاة والقصاصين والرواة؛ إلهاءً للناس عن مشاكلهم اليومية، وإغراقًا في الإعجاب بسيد المرسلين. فيسَّر الحاكم الجالس وراءهم والمُستفيد من مدح المداحين مرة لسيد المرسلين وخاتم النبيين، ومرة لأمير المؤمنين ورئيس المجاهدين.

ولا يعني إنكار هذه المعجزات القديمة الظنية إنكار وقوع النبوة؛ فوقوع النبوة لا يثبت حتى بالمعجزات المتواترة بهذا المعنى القديم، ولا يعني وجود قدرة مُطلَقة، إنها تُثبِت إطلاقها وسلطانها بالوقوف أمام قدرات أخرى؛ قدرة العقل وقدرة الطبيعة، بل الأقرب أن تكون مُتفِقة مع العقل والطبيعة. وما دام العقل أساس الوحي، وأن بديهيات العقل ومسلَّماته هي ذاتها حقائق الوحي وتصوُّراته، فلا يكون هناك أي دور للمعجزة. النبوة طريق لإيصال الوحي، والوحي هو العقل، ولا حاجة إلى دليل لإثبات النبوة أو لصدق النبي إلا اتفاق رسالته مع العقل. ليس الشك في هذه المعجزات القديمة غياب التحدي منها، بل لوقوعها ومعارضتها للعقل والطبيعة ولجوهر الوحي في آخر مراحله. إن إثبات صدق المعجزة بصدق الرواية حتى ولو كانت متواترة، هو إثبات صدق خارجي بصدق داخلي آخر، وابتعاد عن الصدق الداخلي للنبوة مع مزيد من التضحيات بأوليات العقل وقوانين الطبيعة وشعور الجماعة، ورجوع بالوحي إلى الوراء، إلى مراحله الأولى، وكأن الإنسانية لم ترتقِ، وكأن وعيها لم يكتمل باستقلال العقل وحرية الإرادة. وما الفائدة من جعل النبي هرقلًا؟ لقد كان من الصحابة مثل عمر خاصة مُعجَبًا بجانبه الإنساني؛ بشخصه وبعدله وبمبادئه وبرعايته لمصالح الناس، وكان العقلاء مُعجَبين برسالته وبشريعته دونما حاجة إلى إجراء المعجزات. وهل حديث الحيوانات وشهادة الإبل بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله شرفٌ للتوحيد؟ وأين البراهين على وجود الله والدلائل على صدق النبوة إمكانًا ووقوعًا، هل تفهمها الإبل؟ إن هذا الجانب لَأضعفُ أجزاء علم أصول الدين مع أمور المعاد، ولا يوازي الذات والصفات والأفعال. صحيحٌ أنها ضمن السمعيات دون العقليات، ولكن يُمكِن نقل السمعيات خطوة نحو العقليات، وجعلها كلها عقليات. وقد كانت في الطريق إلى ذلك لولا توقُّفها في المرحلة الأولى للحضارة الإسلامية في القرون السبعة الأولى.

(ب) تصنيف المعجزات

لو كانت المعجزات في كتبٍ مُوحًى بها لَطبِّقت عليها عدة مناهج، مثل تحليل الأشكال الأدبية.٨ ومع ذلك يُمكِن إجراء ذلك على متون الحديث بالرغم من ظنيتها، ويكون مقدمة نحو نقل السمعيات إلى العقليات، ونحو نقل العلوم النقلية، مثل علوم السِّيَر والحديث إلى العلوم العقلية. وسيقتصر التحليل على شيئين: الأول وضع المعجزات في إطار تاريخ الأديان؛ فقد صِيغَت بناءً على أنماط مثالية سابقة معروفة ومروية في الجزيرة العربية، وشكَّلت خيال الرواة للدين الجديد، وربما وُضِع كثير منها في نطاق دسائس اليهود والنصارى إرجاعًا للإسلام إلى المراحل السابقة، وطمسًا لخصائص الدين الجديد؛ لأنه على مستوى المعجزات لا يُمكِنه الصمود أمام القدر الهائل منها في النبوات السابقة. والدليل على ذلك وضع علماء أصول الدين ما يُسمَّى بالمعجزات الجديدة في إطار المعجزات القديمة، وكيف اجتمع لخاتم الأنبياء كل المعجزات القديمة بعد أن كانت متفرِّقة في الأنبياء السابقين، وكأنها مباراة ومنافسة في إجراء المعجزات، كمًّا وكيفًا.٩

والثاني تصنيف المعجزات في مجموعات مُتناسِقة من حيث مادتها، طبقًا للبيئة الجغرافية، وهي بيئة الصحراء التي كانت الإطار المادي للخيال الجديد. فإذا كانت المعجزات المروية في علم أصول الدين وحده تتراوح ما بين الأربعين والخمسين، فإنه يُمكِن تصنيفها في سبع مجموعات تتعلق بالفلك أو الطبيعة أو الجماد أو النبات أو الحيوان أو الإنسان أو المجتمع.

  • (١)
    فبالنسبة للفلك تُروى معجزات؛ الأولى شق القمر أو انشقاق القمر أو انفلاق القمر. والاختلاف في الصياغات يدل على عملية التخييل والخلق الفني.١٠ فلفظ «شق» فعل متعدٍّ يدل على قوة خارجية فاعلة أكثر مما يدل عليه لفظ «انشقاق» وهو فعل لازمٌ يوحي وكأن الفاعلية في داخل الشيء، وهو تصوُّر أقل عظمة من الأول؛ فالقوة الخارجية في الخيال أقدر من القوة الداخلية، وأكثر تشخيصًا وجذبًا للانتباه من القوة الداخلية التي هي أقرب إلى التفسير العلمي، وإذا ما حدث الشق أو الانشقاق فإنه يحدث بطبيعة الحال الفلق أو الانفلاق، فهما حركتان متضادتان، ولا يُمكِن أن يظل القمر منشقًّا إلى ما لا نهاية؛ لأن المعجزة خرق مؤقَّت لقوانين الطبيعة. وقد تعتمد الصيغة على نص قرآني لواقعة مُشابِهة مع تغيير وقتها، بدل أن تكون في آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة تحدث في وقت النبي. ويُضاف إليها التعليل لهذا النقل من الآخر إلى الأول، ومن المستقبل إلى الحاضر، مثل أن يكون ذلك ردًّا على الأعداء حين السؤال عن وقت الحادثة. ويحدث نقل آخر من الأرض إلى السماء؛ فمعجزات السماء أقوى من معجزات الأرض. وفي حالة الشق كفعل متعدٍّ يظهر الفاعل وهو سبابة الرسول يشق بها القمر في السماء، إشارةً إلى الطاعة وصورةً للسكين، وتوجيهًا للأمر. وهذا ليس بجديد؛ فقد حدث من قبل لدى أنبياء بني إسرائيل في توقف الظل والشمس. أما وقوف الشمس مدة من الوقت وردُّها بعد المغيب فواضحٌ أنه نسج على أصل انشقاق القمر مرة بشق الكم، ومرة بتغيير الكيف، بتوقيف الحركة كما وقفت ليوشع بن نون عندما كان مع بني إسرائيل يُقاتِل الجبارين.١١ وقد يُحاوِل بعض المعاصرين إثبات ذلك علميًّا، فلا يُثبِت المعجزات ولا يُنكِرها، أو يُنكِرها كحادثة خارقة للعادة، ويُثبِتها كحادثة طبيعية. وفي هذه الحالة يُصبِح العلم هو أساس الإثبات أو النفي وليس الرواية، كما يُصبِح مقياسًا لصدق المعجزة؛ وبالتالي لصدق النبوة، ولا تصح المعجزة مباشرةً دليلًا على صدق النبوة. ولما كان العلم نتاجًا للغرب، يُصبِح التراث الغربي مقياسًا لتراثنا القديم؛ وبالتالي يزداد وقوعنا في التغريب بدل تخلُّصنا منه. والحقيقة أن الشمس والقمر آيتان لله لا ينكسفان ولا ينخسفان لموت أحد بنص الحديث، يخضعان للقانون الطبيعي، ومسخَّران لنفع الإنسان. وأي اضطراب فيهما يسبِّب اضطرابًا مُشابِهًا في حياة الإنسان.١٢ وفي مجتمع صحراوي لم يكن للآلهة أو للسحرة فيه أي قدرة على خرق قوانين الطبيعة، ولدى قبائل تجهَل قوانين العلم، كان من الطبيعي أن يكون انشقاق القمر وتوقُّف الشمس في الخيال الشعبي ولدى رواة المدح وكُتاب التعظيم أحدَ وسائل التخييل وطرق الإقناع.
  • (٢)
    أما ظواهر الطبيعة الأخرى فتأتي هذه المرة من الأرض وليس من السماء. ليس من الشمس والقمر والنجوم وهي قيم في نهار الصحراء وليلها، بل من طبيعة أرضها وحاجاتها، مثل الماء للسقي أو للوضوء. فمن هذا النوع نبع الماء بين أصابعه، وقد يُضاف إلى ذلك الغاية أو العلة أو العلة الغائية لذلك، وهو وضوء الجيش، أو سقيه العدد الكبير من الماء اليسير أسوةً بمعجزة الطعام، إشباعه الخلق الكثير من الطعام القليل. وقد يُضاف شرب الدواب مع شرب البشر، ما دام الكل عطشى، وكائنات حية، ورحمة عامة. ولو استمرت فترة الخلق كما تستمر عند الصوفية لَشرِبت الطير والهوام وكل ذي حياة ونفس، كما يظهر النموذج القديم في تاريخ الأديان مذكورًا في صياغة المعجزة، مثل خروج الماء من الحجر لموسى، واعتبار المعجزة الجديدة أعجب من النمط القديم. وقد تُذكَر شهادة الحاضرين لتوثيق المعجزة والتصديق بها أمام الشهود. وقد تتحول المعجزة من مجرد واقعة وقتية إلى ظاهرة طبيعية دائمة، فيُصبِح الماء عينَين في مكان محدَّد مثل تبوك، وقائمَين إلى الآن أسوة ببئر زمزم الذي يوجد حتى اليوم. فليس محمد أقل من إبراهيم وإسماعيل وهو من نسلهما على أية حال. وبدلًا من أن يأتي الماء نبعًا من الأرض، قد يأتي نزولًا من السماء، فينزل المطر بدعواه حتى ولو في وقت الصحو دونما حاجة إلى غمام، فذاك أعظم حتى لا يكون هناك رابط ضروري بين العلة والمعلول. ونبع الماء ونزول المطر في بيئة صحراوية جافة يُعَد معجزة في حد ذاته، وفي مجتمعٍ الماء حياته، والجفاف موته.١٣
  • (٣)
    أما ظواهر الجماد فهي في مُقابِل الماء في الصحراء، فذلك مثل تسبيح الحصى بين يدَيه، وتسليم الحجر عليه، وكلام الجماد.١٤ وقد يسبِّح الحصى بين يدَيه من فعله أو من يدَيه؛ أي مِن فعل الرسول، وهو أكثر إغراءً؛ نظرًا لوجود العلة الخارجية من مجرد التسبيح بعلة داخلية، تسبيح الحصى من ذاته. وقد يكون التسبيح يبن الأصابع أو في الكف، صورتَي الحركة أو الثبات؛ بين الأصابع نظرًا لوجود صوت الخشخشة، وفي الكف بلا أصوات طبيعية وهو أعظم وأقدر وأبلغ. وقد يسمع الحاضرون التسبيح؛ أي بحضور الشهود والجمع الغفير؛ حتى لا تكون المعجزة ذاتية فردية، وحتى يعطى لها تصديق موضوعي جماعي. فلو كان هناك احتمال الخطأ في واحد فلا يُمكِن أن يعم هذا الاحتمال الجميع. وقد يسلِّم الحجر عليه ويتعرف على النبي، مقابلةً بجهل الإنسان وتكذيب غير المصدِّق به؛ فالجماد أكثر تصديقًا من الإنسان. وقد يتكلَّم الجماد من مجرد لمس النبي له، وكأن النبوة كما هو الحال في المثل الشعبي: «تخلي الجماد ينطق». فما بال الإنسان لا ينطق تصديقًا بها؟ وفي جو الصحراء حيث يعز الكلام، ولا يجد الأعرابي من يكلِّمه، فإنه يشعر لا محالة بكلام الحصى والجماد له حتى يأنس في وحدته، وكما هو الحال في الشعر العربي، وفي كل شعر في الخطاب المُتبادَل بين الشاعر وظواهر الطبيعة.
  • (٤)
    أما ظواهر النبات فتتمايز فيما بينها؛ بين الصوت، مثل تسبيح العنب والرمان؛ وبين الحركة أي الصورة، مثل حنين الجذع، ومجيء الشجرة في صورة هادئة، أو انقلاعها في صورة عنيفة.١٥ فقد يسبِّح العنب والرمان بمجرد أن يُحضِره جبريل في طبق أمام الرسول تعرفًا عليه. وفي حنين الجذع قد يزداد تفصيل اليابس؛ حتى يظهر التناقض بين الحنين واليبس؛ فالحنين يحتاج إلى رطوبة وحياة وهو طبيعي، في حين أن حنين اليابس إيقاع تناقُض بين الحنان واليبس؛ أي بين الحياة والموت. وقد يزداد الحنين بالجذع حتى يلتزم؛ أي يطوي نفسه على الرسول، ويكوِّر نفسه حوله مُلتزِمًا بتعرفه على النبي!

    وقد يكون الحنين بحضور الجميع؛ أي بحضور الشهود؛ حتى يزداد الأمر تصديقًا ويتجاوز نقد خداع الحواس لفرد واحد. وقد يحن الجذع في واقعة خاصة في النبوة، ليس فقط النبوة العامة، بل إحدى لحظاتها في الخطبة؛ فقد كان الجذع منبرًا قبل بناء المنبر، ولم يشَأ أن يستغيى عن الرسول، فعاود الحنين إليه ومال عليه، ولم يترك الرسول حتى طيَّب الرسول خاطره، فعاد واستقام الجذع! وقد يُضَم الصوت إلى الصورة، فيتكلم الجذع، ويئن وهو يحن ويسمع الحاضرون كلامه. أما بالنسبة لحركة النبات فقد تجيء الشجرة بأمره وترجع بأمره إلى مغرسها، على عكس الإنسان العاصي الذي لا يأتمر بأمر الرسول. فللرسول قدرة على تحريك مظاهر الطبيعة وتحريك النبات. قد توصف الحركة فقط في صيغة مختصرة، مثل مجيء الشجرة، وقد تُفصَل الحركة بالعلة الفاعلة وهو الأمر، كما يُفصَل مسار الحركة ذهابًا وإيابًا؛ إلى مَغرسها إيابًا، ومن مَقلعها إيابًا. وقد توضع الواقعة كلها في قصة وحوار؛ طلب أعرابي دليلًا على النبوة واستجابة النبي لذلك بإجراء الواقعة. وقد حاول المعاصرون تفسير ذلك علميًّا عن طريق قوانين الهواء، ودفع الريح للجذع، ومن خلال الثقوب، فيتحرك وتُحدِث الصوت، أو بقانون الميل والعودة إلى المكان الطبيعي، كما يفسَّر إجابة الشجرة له بقانون الجاذبية. وهذا يُحِيل المعجزة إلى حوادث طبيعية لا تخرق قوانين الطبيعة، بل تتفق معها، ولكنها تجعل العلم هو الأساس؛ وبالتالي لا تُصبِح المعجزات دليلًا على صدق النبوة أو وقوعها.

  • (٥)
    أما ظواهر الحيوان فهي أكثر بكثير من ظواهر الفَلك أو الطبيعة أو الجماد أو النبات؛ نظرًا لأهمية الحيوان في البيئة الصحراوية، طعامًا وركوبًا ودفاعًا. وتتفاوت ظواهر الحياة بين الصوت، أي الكلام والمكالمة والنطق والإنطاق والشكوى والشهادة والخطاب والسلام والتكليم؛ وبين الصورة، أي الحركة كالمجيء والذهاب أو حدوث تغيُّر غير متوقَّع في وظائف الحيوان. فمِن معجزاته إنطاق العجماء أو نطق العجماء أو نطق البهائم؛ فالنطق فعل طبيعي من الشيء في حين أن الإنطاق بعلة فاعلة خارجية، وهي أقوى من الحالة الأولى، والأمر كذلك في مكالمة الأعجم أو كلام الحيوان الأعجم؛ الثانية فعل طبيعي في حين أن الأولى لها علة فاعلية خارجية. وتحت هذا العنوان العام يدخل كثير من الوقائع التفصيلية التي قد تقل أو تكثر، ومثال هذا كلام الذئب أو مكالمة الذئب؛ فالأول للشيء والثاني للفاعل، أو إنطاق الله للذئب للإخبار عن النبوة أو شهادة الذئب له بالنبوة. وقد تأتي الصورة مع الصوت، فتُصبِح الواقعة كلام الذئب ومجيئه، أو بالحركة فقط، فتُصبِح مجيء الذئب. وقد تتضح الغاية من الكلام؛ فلا يكون مجرد قول بل شهادة؛ أي قول حق بطريقة علنية أمام الأشهاد. وقد تتغير الواقعة ودلالتها والهدف منها؛ فبدل أن يكون كلام الذئب للشهادة على النبوة تكون للاعتراف بأخذ شاة، في حين أن الخلق لا تعترف بنبوة محمد. وقد يأخذ الكلام صيغة إنشائية بدلًا من الصيغة الإخبارية؛ تعبيرًا عن الجانب الوجداني في الموقف، فيُصبِح نموذج كلام الحيوان هي شكاية الناقة، شكوى البعير، شكوى البعير له بالتخصيص. وقد يتحول الأمر من الشكاية إلى شهادة بالبراءة، فتشهد الناقة ببراءة صاحبها من السرقة، أو إلى الكشف عن الشفقة والرحمة بالحيوان من الظبية التي ربطها الأعرابي، فسألت الرسول الإطلاق حتى تُرضِع وليدها وضمنت الرجوع، فأطلقها ورجعت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله أكثر مما يشهد الحكماء ببراهينهم ويُثبِتون بأدلتهم! وقد تكون صيغة الكلام ليس مع الذئب أو الناقة أو الظبية، بل مع الغزالة التي تسلِّم وتتعرف عليه. أما تغيير الوظائف العضوية للحيوان فمثل درور الضرع من الشاة اليابسة الجرباء التي لا لبن لها مرارًا، ومثل أكل الأرَضة كلَّ ما في الصحيفة المكتوبة على الأشخاص؛ بني هاشم وبني عبد المطلب، حاشا أسماء الله؛ أسوةً بما كان متبَّعًا في اليهودية المُحافِظة من تحريم مسح أو رمي أو وطء أو إتلاف أي صحيفة عليها اسم الله، بل يجب حينئذٍ لفُّها في باطن الأرض؛ فأسماء الله لا تُمحى!١٦ كما أن لذلك أنماطًا سابقة في تاريخ اليهود عند أنبياء بني إسرائيل في كلام سليمان للهدهد، وحديث المسيح في المهد صبيًّا. ولقد حاول المعاصرون إيجاد تفسير علمي لذلك استشهادًا بالببغاء، ولكن الببغاء لا يفهم كما فهم الذئب والبعير والناقة والغزالة والظبية.
  • (٦)
    أما ظواهر الطعام والصحة، أي ما يتعلق بالبدن، فيأتي في المقدمة كلام الذراع أو تكليم الذراع؛ الصيغة الأولى تصف الفعل والثانية تصف الفعل مع الفاعل. وأحيانًا تتفصل الصيغة ويأتي سبب الكلام، فتُصبِح كلام الذراع المسمومة. ولما كان هذا الكلام شهادة على النفس فقد تُصبِح الصيغة شهادة الشاة المسمومة. وقد تتحول الواقعة إلى قصةٍ بها حوار مباشر، مع تعليل لسبب الحديث، وهو خلق الله في الذراع كلامًا، وقول الذراع للرسول: «لا تأكلني إني مسمومة.» وقد تُنقَل بعدُ صِيغُ ظواهر الجماد، مثل تسبيح الحصى، فتصبح تسبيح الطعام من أجل تقابُل بين الطعام المسموم والطعام الطيب؛ الأول ينبِّه على الشر والثاني يسبِّح بالخير. وإذا ما عرفنا أن الدعوة كانت موجَّهة من يهودي، فإن هذه الواقعة بصيغتها المختلفة إنما تدل على العناية بالنبي وحفظه من عداء اليهود له. أما الواقعة الثانية، تكثير الطعام، فلها صياغات عدة تختلف فيما بينها من البداية أو الوسط أو النهاية؛ فقد تكون البداية مجرد وصف لواقعة مادية وأنها حادثة مثل جعل الطعام كثيرًا؛ وقد يقرَّب الواقعة درجة من الخيال، فتُصبِح تكثير الطعام القليل؛ وقد يُزاد عليها العلة الفاعلة، فتُصبِح تكثير الطعام القليل ببركته ودعائه؛ وقد تزاد الدلالة وتتحول من الواقعة المادية إلى الواقعة الإنسانية، وتتحول البداية من الجعل والتكثير إلى الإطعام والإشباع، فتُصبِح الصيغة إطعام الرسول المِئين والعشرات من صاع شعيرة مرة بعد مرة، مع زيادة تحديد كمِّي للطعام ولعدد الناس ولمدة الزمان؛ تقويةً للدلالة وإثارة للانتباه. وكذلك إطعامه النفر الكثير من طعام يسير قرارًا بحضرة المجموع حتى يُزاد الشهود، وتتحول الواقعة من إدراك فردي قد يقع في خداع الحواس إلى إدراك جماعي ورؤية موضوعية. وتصل الدلالة إلى أقصاها عندما تُصبِح الصيغة إشباع الخلق الكثير من الطعام القليل، أو إشباع الخلق الكثير من الطعام اليسير. وربما تزداد الصيغة وتتضخم على نحو إنشائي بالترادف؛ لإحداث مزيد من الأثر على الناس، فتُصبِح إشباع العدد الكبير والجم الغفير من الطعام اليسير. وللواقعة نمط قديم في تاريخ الأديان في تكثير المسيح للطعام، وإطعامه الخلق الكثير من طعام قليل، وشرب الخلق الكثير من الماء القليل ببركته ودعائه مع تحديد كمي للطعام بسمكتَين وللشراب بقربتَين، وفاض من الطعام والماء ما يكفي لخلق أكثر. ومما لا شك فيه أن حضور جمع غفير بحضرة القائد أو الزعيم يجعل أحوالهم النفسية في غاية التواتر، وعواطفهم في غاية الحدة، بحيث يفقدون الإحساس بالجوع والشبع والعطش والروي من الناحية العضوية. ويكفي أقل القليل من الطعام والماء لسد جوعهم وعطشهم ما دامت النفس في هذه الحالة من التوتر والعواطف في هذه الدرجة من الحدة. وهي تجربة نفسية إنسانية، يشعر بها عامة الناس من لقاء الأمهات للأبناء بعد طول غياب، ولقاء المُحِبين بعد طول هجران، ولقاء الصوفية بالله بعد مخاطر الطريق. أما الواقعة الثالثة فتتعلق بالأمراض العضوية، مثل إزالة الضر من الأمراض. وقد تُزاد على ذلك العلة الفاعلة المادية المباشرة مثل لمس اليد، فتُصبِح شفاء الأمراض العضال بمجرد لمسة؛ أو العلة المعنوية غير المباشرة مثل الدعاء، فتُصبِح شفاء الأمراض العضال على يده بمجرد لمسه لأصحابها أو دعائه لهم. وقد يزداد التفصيل باسم الرحمة والمريض وحضور الشهود ومدة الشفاء، فتُصبِح الواقعة إبراء عينَي علي من الرمد بحضرة الجماعات في ساعة. وقد يشتد الخيال بوقائع الصحة والمرض، ويُصبِح استبدال الأعضاء والأطراف، ابتداءً من رد عين أحد أصحابه بعدما قُلِعت فعادت أحسن مما كانت، حتى إحياء الميت بمجرد دعائه.١٧ ولهذه الوقائع أنماط سابقة في تاريخ حياة المسيح من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، مع أن البيئة العربية لم تكن بيئة طب ودواء؛ مما يدل على تغلُّب النمط القديم أحيانًا على البيئة، كما تتغلب البيئة أحيانًا فتفرض وقائعها، كما هو الحال في ظواهر الحيوان. ويُحاوِل بعض المعاصرين تفسير ذلك علميًّا عن طريق الإشارة إلى قوانين الطب وزرع الأعضاء في الأجسام، خاصةً إذا كانت من نفس الأجسام. فإذا كان ذلك صحيحًا تظل المعجزة خداعًا؛ لأنها تُوهِم الناس بأنها خرق لقوانين الطبيعة مع أنها حادثة طبيعية تتم وفق قانون طبيعي نجهله، ولكن بتقدُّم العلم يُمكِن فهمه؛ وبالتالي يبقى الناس في الجهل، ويُرسى إيمانهم على الخداع. فإذا ما تعلَّم الناس اهتزَّت قواعد الإيمان، وتحوَّلوا من الإيمان بالعقائد والأنبياء إلى الإيمان بالعلم والعلماء، ويكون الفضل لاكتشاف الحقائق للعلم، ويُصبِح العلم ضد الإيمان تَضادَّ الحقيقة للوهم، ويتحول الإيمان بالمُطلَق إلى إيمان بالنسبي، خاصةً إذا ما تغيَّر العلم وتغيَّرت اكتشافاته، ويُصبِح الدين مجرد متسلِّق على العلم مبرِّرًا لوجوده من خلاله. وما دام وقع الدين في التبرير فلا فرق بعد ذلك أن يقع في تبرير العلم أو تبرير السياسة، وما دام يستمد وجوده من غيره فلا فرق بعد ذلك أن يستمد وجوده من رجال العلم بعد أن يُصبِح رجال الدين هم رجال العلم أو من رجال السياسة، وقد يتآزر الفريقان وتتحدد السلطة الدينية مع السلطة السياسية في مواجهة حقائق الإيمان التي هي حقائق المجتمع وأوضاعه الحالية.
  • (٧)

    أما الظواهر الاجتماعية المتعلِّقة به فهي مثل الإنذار بالغيب والتنبؤ به، وقدرته على إحداث عاهات بالآخرين المُعادِين له، أو الكاذبين عليه والمتذرِّعين لرفض مطالبه، وما يتعلق بنبوته وطريقة الاتصال بمصدر الوحي، أو ببعض شعائره مثل رمي الجمار. ولكن تتجلى هذه الظواهر خاصةً في حروبه مع الأعداء وحمايته وهو في مرحلة الضعف، أو انتصاره وهو في مرحلة القوة، سواء كان ذلك ساعة مولده أو بعد مولده وبعثته؛ فإنباؤه بالغيب وإنذاراته كثيرة، منها دعاء اليهود إلى تمنِّي الموت، وإخبارهم بعجزهم عن ذلك، وأنهم لن يتمنوه أبدًا. وقد يتأتى ذلك بمعرفة الطِّباع واستقراء لسلوكهم في التاريخ، دون أن يكون في ذلك بالضرورة تنبؤ بالغيب، ومن ذلك إنذاره بمَصارع أهل بدر بحضرة الجيش موضعًا موضعًا، وقد يكون ذلك نتيجة للمعرفة بقوانين الحرب وإدراكًا لموازين القوى. أما إخطاره بالنور الواقع في سوط الطفيل فربما لانعكاس الضوء على السيف في وهج الشمس من كثرة النزال، واستعمال ذلك نفسيًّا من أجل شحذ الهمم وتقوية الروح المعنوية.

    أما دعاؤه على الذي قلَّد مِشيته بأن يكون كذلك، فقد يكون ذلك أثرًا نفسيًّا على المقلِّد من هول ما فعل، وهو تقليد مشية الرسول، وتحويل الأمر الجاد إلى أمر هزل وارتباكه، فتحوَّل الشيء المُصطنَع إلى مشي طبيعي. أما دعاؤه على بنت الحارث الذي ادعى أن بها بياضًا فبرصت في الحال، فقد يكون هذا البياض الأول بدايات البرص الذي لم يتعرف عليه الحارث. أما عدم تكاثُر الجمار بالرغم من رميه أجيالًا وأجيالًا، فقد يكون ذلك من فعل الريح، أو أنه يؤخذ منه نفسه ليرمي من جديد، أو لأنها من صغرها لا يُمكِن أن تكون جبالًا حتى جيل الرواة؛ فتكوين الجبال يحتاج إلى ملايين السنين ومعاصر لعمر الأرض. أما ظهور جبريل مرتَين، مرة في صورة دحية بحضرة الناس، ومرة أخرى في صورة رجل لم يرَه أحد من قبل؛ فطبيعيٌّ ألا يرى الإنسان وظيفة المخاطب؛ أي الطرف الآخر، إلا إذا كان هو الطرف الأول المحاور. أما الباقون فلن يرَوا فيه إلا مجرد إنسان، سواءٌ كان معروفًا من قبل أو لم يكن كذلك. أما وقائع قصة هروبه من مكة واختفائه بغار حراء، فهي تدل كلها على الحماية والرعاية والنصر المُرتقَب؛ فالرمي بالتراب من أجل إعماء العيون يحدث من جراء إثارة الغبار، كما هو الحال في العواصف والضباب التي يصعب معها الرؤية. وعدم رؤية الأعداء له في الغار مُمكِن إذا كان الموضوع خارج زاوية الرؤية إذا رأى الإنسان أمامه وكان موضوع الرؤية تحت قدمَيه أو العكس. أما قصة فتح الباب في حجر صلد في جنب الغار، فهي طويلة الصياغة، القصد منها الإيحاء بالتعجيز؛ فالحجر صلد وليس رخوًا، والباب المفتوح في جنب الغار وليس في واجهته؛ مما يدل على الصعوبة في نوع الحجر وفي مكان الفتح. أما كون الباب موجودًا من قبل فهذا ما يحتاج إلى علماء الآثار، وليس إلى مجرد رواية الراوي. والدليل العقلي المروي بأنه لو كان موجودًا يومئذٍ لما أمكن الاختفاء فيه، يكشف عن الرغبة في الإقناع العقلي مُتجاوِزًا البحث الأثري. وإن تعليل العلة بعلة الإقناع والتحديد الكمي معروفٌ من تاريخ الروايات أنه لا يدل على شيء واقعي، بقدر ما يدل على أكبر قدر من الإيحاء بالصدق في الاختلاق. والتأكيد على الزمان بأنه ما زال ظاهرًا حتى اليوم يدل على القدرة على الصمود في وجه عوامل التعرية وهزات الأرض. وشهادة الناس من كافة أرجاء الأرض ضرورية؛ حتى تتحول الرؤية الذاتية للفرد إلى رؤية موضوعية للجماعة. وإن عدم قدرة أهل الأرض فتح الباب الثاني لهو إبراز للتحدي، وهو أحد شروط المعجزة. ويُعاد الاستشهاد بجموع الحاضرين من قريش الذين كان بإمكانهم رؤية الباب لو كان هناك. ويزداد الأمر إعجابًا عندما توجد آثار رأسه وكتفَيه ويدَيه باقية حتى اليوم في الحجر، مع أن الحجر لا ينطبع بآثار اليد أو الرأس أو الكتفَين، ولا يتأثر إلا بعوامل التعرية على مدى مئات السنين. وإن الاهتزازات الأرضية لَقادرة على إحداث تغيرات في الصخور ما يتخيله الإنسان على أنه أبواب ومغارات تنفتح وتنغلق، وما يراه الهارب أنه تم لإخفائه عن أعيُن الأعداء؛ ولكي تكتمل الصورة ترسخ قوائم فرس سراقة في الرمال. وقد يحدث ذلك من شدة الركض حتى الوصول إلى منطقة كثبان رملية، فتغوص فيها القدمان كما تغوص المركبات وتدور العجلات حول نفسها في المكان. هذا في مرحلة الترقب والخوف وقبل انتصار البعثة. أما بعد الإعلان عنها وقوة الشوكة والتمكُّن من أسباب الغلبة، فتظهر وقائع المقاومة والنزال والوقوف في وجه الأعداء. وقد ترتبط في البداية ببعض الظواهر الأخرى مثل الطعام؛ فكما أمكن تكثير الطعام فكذلك أمكن قضاء غرماء جابر من تمرٍ يسيرٍ حُشِي بجانبه، وتزويد عمر أربعمائة راكب بتمرٍ يسير، وبقي التمر بالجنب، في مكان معيَّن خافٍ عن الأعين وليس في الأمام. وعلى نمط رمي التراب في وجه الأعداء في حالة الدعوة السرية، يُمكِن أيضًا بعد الدعوة العلنية رميه في وجوه الكفار يوم الحرب، فيُصيب عين كل واحد فينهزموا. وليزداد ذلك تأكيدًا تأتي الحجة النقلية: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى. وقد يُغالي بعض المعاصرين في اعتبار ذلك نوعًا من الغازات أو الإشعاعات أو الغبار النووي الذي لا يفرِّق بين الأعداء والأصدقاء، إحساسًا بعجزهم عن مُجارات العلم، وتحويلهم العلم إلى نوع من المعجزات الجديدة. قد تحدث معجزات أخرى في الحروب، بعضها معلوم وبعضها مجهول، مثل دفاع أربد عنه. وقد تُحمى المدن قبل البعثة وأثناء ولادته إكرامًا له، مثل رمي الله جيش أبرهة صاحب الفيل بالحجار عام غزوه مكة، وتلاوة ذلك في القرآن حتى الآن بركة ودعوة؛ فللبيت ربٌّ يحميه. فكما أن شخص الرسول مُحاط بالرعاية فكذلك مكان مولده، ومركز شعائره، وقدسية مدينته. ولا يمنع ذلك من وجود طير جارح في الصحراء بجموع غفيرة، كما هو الحال في موسم الهجرات، تبحث عن طعامهم في صحراء قاحلة. فلما وجدت الجيش وبقايا طعامه وروائحه، حطَّت عليه كما يحط الجراد على الزرع فلا يبقى منه شيء.١٨ لذلك كانت المعجزات بهذا المعنى القديم طريقًا مسدودًا، ولم تعُد دليلًا على وقوع النبوة أو صدقها، وأصبح الدليل نوعًا جديدًا من التحدي، هو التحدي البشري، عقلًا وإرادة، مُتفِقًا مع اكتمال الوحي وتحقيق قصده.
١  معرفة ذلك بالأخبار، وما يُوجِب العلم به وما لا يُوجِب (المغني، ج١٥؛ النبوات، ص٧-٨). وهذا هو المسلك الثالث عند الإيجي، أخبار الأنبياء المتقدِّمين عليه من نبوته في التوراة والإنجيل. فإن قيل إن زعمتم مجيء صفة مفصَّلًا أنه يجيء في السنة الفلانية، في البلدة الفلانية، وصفته كيت وكيت، فاعلموا أنه نبي باطل؛ لأن التوراة والإنجيل خالية من ذلك. وذِكره مجملًا لا يدل على النبوة على ظهور إنسان كامل، أو لعله شخصه آخر لم يظهر بعد. ويُمكِن الرد على ذلك بأن المعجزة وأخبار السابقين مجرد دليل مكمِّل (المواقف، ص٣٥٧). إخبار الأنبياء المتقدِّمين في كتبهم السماوية عن نبوته، فهذه مجامع أدلة نبوته، والاستقصاء فيها مذكور في المطوَّلات (المحصل، ص١٥١، ص١٥٤). بشارات الأنبياء قبله؛ لذلك أذعنت له جماعة من أحبار أهل الكتاب، مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه، وقبلهما عبد الله بن سلام، وقبله بحيرا الراهب ثم النجاشي، وقبله سيف بن ذي يزن. ولسماع شأنه عن أهل الكتاب آمن به العيسوية من اليهود، غير أنهم شكُّوا في بعثته إلى بني إسرائيل (الأصول، ص١٨٢-١٨٣).
٢  وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (٢: ١٢٤).
٣  لا نور في ذاته مثل النور الذي كان يتقلب في آبائه إلى أن وُلِد ولادته مختومًا مسرورًا واضعًا إحدى يدَيه على عينَيه والأخرى على سوأته، خاتم النبوة بين كتفَيه، طول قامته عند الطويل ووساطته عند الوسيط، الرجم بالنجوم عند قرب بعثته وذلك كان سبب إسلام قوم من الكهنة (الأصول، ص١٨٢-١٨٣).
٤  ومن صفاته الصدق والأمانة والعفاف والشجاعة والفصاحة والسماحة والزهد، وبلوغه النهاية في العلوم والمعارف، وتمهيد المصالح الدينية والدنيوية (التحقيق، ص١٧١-١٧٢).
٥  الأمور الخارجة عنها، مثل: شق بطنه، وغسل قلبه، وإظلال الغمامة، وتسليم الحجر والمدر (الأصول، ص١٨٢-١٨٣).
٦  ثبتت نبوته واشتهرت رسالته بالمعجزات والدلالات القطعيات (الطوالع، ٢٠٤؛ التحقيق، ص١٧). ما يظهر على يدَيه من الآيات الباهرات المعجزات القاهرة، والحجج النيِّرة الخارقة للعادة، والخارجة عما عليه العادة وتركيب الطبيعة. والله لا يُظهِر المعجزات ولا ينقض العادات إلا للدلالة على صدق صاحبها وكشف قناعه، وإيجاب الإقرار بنبوته، والخضوع لطاعته، والانقياد لأوامره ونواهيه (الفِرَق، ص٣٢٦).
٧  هذه المعجزات لا تثبت تواترًا، لكن مجموعها يُفيد العلم (الإرشاد، ص٣٥٣-٣٥٤). هذه الوقائع لم تبلغ مبلغ التواتر (الاقتصاد، ص١٠٦-١٠٧). آحاد هذه الأمور غير معلومة ولا منقولة بطريق التواتر، وإنما هي مستنِدة إلى الآحاد، وهي مما لا سبيل إلى التمسك بها في القطعيات وإثبات النبوات (الغاية، ص٣٤٩). لم تثبت بطريق متواتر (الغاية، ص٣٥٦-٣٥٧). هذه الأشياء لو وُجِدت لنُقلِت إلينا نقلًا متواترًا؛ لأنها أمور عجيبة، والدواعي على نقلها متوفِّرة. فلما لم تُنقَل نقلًا متواترًا علِمنا أنها ليست صحيحة، ولم نسلِّم بسلامتها عن الطعن، ولكن لا نزاع في أنها لم تُنقَل إلينا نقلًا متواترًا، بل إنما نُقِلت على سبيل الآحاد، ورواية الآحاد لا تُفيد العلم. لا نسلِّم بأن رواة الغرائب التي يُمكِن الاستدلال بها على الرسالة بلغوا حد التواتر؛ فإنه ليس كل ما يُذكَر في كتاب دلائل النبوة مما يصح الاستدلال به عن طريق القطع على الرسالة … لا نسلِّم أن رواة هذه الأشياء بلغوا حد التواتر (المحصل، ص١٥١-١٥٢). وإن لم يتواتر كل واحد منها (الطوالع، ص٢٠٤). وانظر أيضًا نفس موضوع التواتر في الأصول، ص١٧٩-١٨٠، ص١٦١-١٦٢؛ النظامية، ص٥٦-٥٧؛ التمهيد، ص١١٦–١١٩؛ الفصل، ج١، ص٥٩-٦٠؛ المِلَل، ج١، ص١٥١-١٥٢؛ التحقيق، ص١٧١-١٧٢.
٨  انظر بحثنا «مدرسة الأشكال الأدبية»، مجلة ألف، القاهرة، العدد الأول؛ وأيضًا في «دراسات فلسفية»، ص٤٨٧–٥٢٢، الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٨٨م.
٩  في بيان معجزة كل نبي على التفصيل مثلًا: (١) علَّم آدم الأسماء كلها من غير دراسة ولا قراءة ولا كتاب. (٢) أنقذ نوحًا من الطوفان وخلَّصه منه. (٣) سلَّط الريح على قوم هود، وما كان من شأنها في قوم عاد. (٤) دمَّر قوم صالح بالصيحة عندما عصَوا أمره بشأن الناقة. (٥) نجاة إبراهيم من النار. (٦) إخراج موسى يده بيضاء للناظرين، وقلب العصا حية، وحل عقدة لسانه، وسائر الآيات التسع. (٧) تليين الحديد لداود. (٨) تسخير الريح والجن والشياطين لسليمان. (٩) إحياء عيسى الموتى وإبراؤه الأكمه والأبرص. والنتيجة أنه اجتمعت لمحمد كلُّ وجوه المعجزات التي تفرَّقت في الأنبياء. وقد أفرد البغدادي لذلك مصنَّفًا خاصًّا هو: «الموازنة بين الأنبياء» (الأصول، ص١٨٠). وأصبح علمًا مستقلًّا أو جزءًا من علم بين علم أصول الدين وعلوم السيرة.
١٠  شق القمر (الفصل، ج٢، ص٨٥؛ الإرشاد، ص٣٥٣-٣٥٤؛ الأصول، ص١٨٢-١٨٣؛ الإنصاف، ص٦٣؛ الفِرَق، ص٣٤٤-٣٤٥، ص٣٢٦؛ الطوالع، ص٢٠٤). شق القمر في السماء بالسبابة نصفَين (المسائل، ص٣٧٨-٣٧٩؛ النظامية، ص٥٦-٥٧؛ الأصول، ص١٦١-١٦٢؛ الاقتصاد، ص١٠٦-١٠٧). انشقاق القمر (الاقتصاد، ص١٠٦-١٠٧). انشقاق القمر بدعوته؛ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (٥٤: ١)، ولو لم يقع ذلك لقال له أعداؤه متى كان هذا؟ وهذه معجزة سماوية، وكانت معجزاته من قبلُ أرضية (التحقيق، ص١٧١-١٧٢؛ البحر، ص٥٩؛ الفصل، ج٢، ص٨٦-٨٧؛ الغاية، ص٣٤٩، ص٣٥٦-٣٥٧؛ الحصون، ص٥٥–٥٧). انفلاق القمر (لمع الأدلة، ص١١٢).
١١  وقوف الشمس مدة من الوقت وردها بعد المغيب كما وقفت ليوشع بن نون عندما كان مع بني إسرائيل يُقاتِل الجبارين، ويُحاوِل حسين الجسر إثبات ذلك علميًّا عن طريق تحوُّل العناصر من السائل إلى الغاز أو العكس (الحصون، ص٥٧–٥٩). وقد أنكر النظَّام رواية ابن مسعود في انشقاق القمر (المِلَل، ج١، ص٨٧-٨٨؛ الفِرَق، ص١٣٢، ص٣١٩).
١٢  ذُكِرت «الشمس» في القرآن ٣٣ مرة، فهي تخضع لقانون طبيعي لا يتبدل، مثل شروقها من المشرق وغروبها من المغرب؛قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ (٢: ٢٥٨)، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى (١٣: ٢)، (٣١: ٢٩)، (٣٥: ١٣)، (٣١: ٥)، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ (١٤: ٣٣)، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ (١٦: ١٢)، (٧: ٥٤)، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٦: ٣٨)، لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ (٣٦: ٤٠)، ولا يختل نظام الشمس إلا في آخر الزمان كعلامة للساعة، مثل: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٧٥: ٧–٩)، إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (٨١: ١)، إن الشمس دليل على وجود الله كما هو الحال عند إبراهيم؛ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ (٦: ٧٨)، وهي نور للناس؛هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ (١٠: ٥)، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (٧١: ١٦)، وهي مواقيت للناس للصلاة؛ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ (١٧: ٧٨)، ومواقيت للعبادة والتسبيح: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا (٢٠: ١٣٠). أما القمر فقد ورد ذِكره في القرآن ٢٧ مرة في نفس المعاني ولنفس الغايات. فهناك قانون طبيعي؛ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (٩١: ١-٢)، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٦: ٣٩)، ولا يُقسِم إلا بالثابت القائم؛ كَلَّا وَالْقَمَرِ (٧٤: ٣٣)، وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (٨٤: ١٨)، ولا يختل إلا كعلامة من علامات الساعة؛اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (٤١: ٣٧)، فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٧٥: ٨).
١٣  نبع الماء بين أصابعه (اللمع، ص١١٢؛ لمع الأدلة، ص١١٢؛ الإرشاد، ص٣٥٣-٣٥٤؛ الأصول، ص١٦١-١٦٢، ص١٨٢-١٨٣؛ الإنصاف، ص٦٣؛ الفِرَق، ص٣٤٤-٣٤٥؛ الطوالع، ص٢٠٤؛ الاقتصاد، ص١٠٦-١٠٧؛ المواقف، ص٣٥٦-٣٥٧). رواية أنس (الحصون، ص٥٩). نبوع الماء من بين أصابعه لوضوء جيشه، وذلك أعجب من خروج الماء من الحجر لموسى (المحصل، ص١٥١-١٥٢). نبَعان الماء بين أصابعه بحضرة العسكر (الفصل، ج٢، ص٨٦-٨٧). وسقيه الألف والألوف من ماء يسير ينبع من بين أصابعه (الفصل، ج٥، ص٥٩-٦٠). نبع الماء حتى رويت الجنود ودوابهم (التحقيق، ص١٧١-١٧٢). نبعان منهما عين تبوك، فهي كذلك إلى اليوم (الفصل، ج٢، ص٨٦-٨٧). استنزال المطر (الإنصاف، ص٦٣). دعاؤه للمطر فأتى للوقت وفي الصحو فانجلى الوقت (الفصل، ج٢، ص٨٦-٨٧). وتُنكِر السمنانية أن يكون سقية الألف والألوف من ماء يسير ينبع من بين أصابعه، وغير ذلك ليس بذي دلالة على صدق الرسول في نبوته؛ لأنه لم يتحدَّ الناس بذلك، ولا يكون عندهم آية إلا ما تحدَّى به الكفار فقط (الفصل، ج٥، ص٥٩-٦٠).
١٤  تسبيح الحصى (الأصول، ص١٨٢-١٨٣؛ لمع الأدلة، ص١١٢؛ الإرشاد، ص٣٥٣-٣٥٤؛ الإنصاف، ص٦٣؛ التمهيد، ص١١٥-١١٦؛ الفِرَق، ص٣٢٦، ص٣٤٤-٣٤٥). تسبيح الحصى بين يدَيه أو من يدَيه (الغاية، ص٣٤٥؛ الأصول، ص١٦١-١٦٢؛ الاقتصاد، ص١٠٦-١٠٧؛ البحر، ص٥٩؛ التحقيق، ص١٧١-١٧٢). تسبيح الحصى في كفه (الاقتصاد، ص١٠٦-١٠٧؛ البحر، ص٥٩؛ الغاية، ص٣٤٩، ص٣٥٦-٣٥٧). تسبيح الحصى حتى يسمعه الحاضرون (الغاية، ص٣٤٥). وفي ذكر القاضي عبد الجبار لتسبيح الحصى أشار إلى صوت الخشخشة بطريق غير مباشر (الشرح، ص٥٩٤–٥٩٧). تسليم الحجر (الطوالع، ص٢٠٤؛ التحقيق، ص١٧١-١٧٢). قال أنس: كُنا عند رسول الله، فأخذ كفًّا من حصًى، فسبَّح في يده حتى سمعنا التسبيح (المواقف، ص٣٥٥-٣٥٦). وأنكر النظَّام ذلك (الفِرَق، ص١٣٢، ص٣١٩).
١٥  قال جعفر بن محمد الصادق عن أبيه إنه وهن رسول الله، فأتاه جبريل بطبق فيه رمان وعنب، فسبَّح ذلك العنب والرمان (المواقف، ص٣٥٥-٣٥٦). حنين الجذع (البحر، ص٥٩؛ الفصل، ج٥، ص٥٩-٦٠؛ التحقيق، ص١٧١-١٧٢). حنين الجذع اليابس إليه (الغاية، ص٣٤٥، ص٣٤٩؛ البحر، ص٥٩). حنين الجذع إليه حتى التزم (الأصول، ص١٨٢-١٨٣). حنين الجذع بحضرتهم جميعًا (الفصل، ج٢، ص٨٦-٨٧؛ المواقف، ص٣٥٧). حنين الجذع الذي سمعه كلُّ من حضره من الصحابة (الفصل، ج١، ص٨٣). بعده ١٤٥٠ مجيء الشجرة (الفصل، ج٥، ص٥٩-٦٠). مجيء الشجرة بأمره ورجوعها بأمره إلى مَغرسها (الأصول، ص١٨٢). إقبال الشجرة إليه ورجوعها بأمره إلى مَغرسها (الأصول، ص١٦١-١٦٢). انقلاع الشجر (التحقيق، ص١٧١-١٧٢). ولما طالب الأعرابي منه الشاهد على نبوته دعا الشجرة وهي على سقط الوادي، فأقبلت تخد الأرض خدًّا حتى قامت بين يدَيه، وشهدت له بالنبوة، ورجعت إلى نبتها. حركة الجمادات منها قصة الشجرة، وما روى ابن عباس أنه قال لأعرابي: أرأيت لو دعوت هذا العذق. فدعاه فجاءه، ثم قال ارجع. فرجع (المواقف، ص٣٥٥-٣٥٦؛ المِلَل، ج١، ص٨٧-٨٨). وقد أنكر عباد بن سليمان مجيء الشجرة (مقالات، ج٢، ص١٦٧). وعند السمنانية حنين الجذع ومجيء الشجرة ليس شيءٌ من ذلك دلالةً على صدق الرسول في نبوته؛ لأنه لم يتحدَّ الناس بذلك، ولا يكون عندهم آية إلا ما تحدى به الكفار فقط (الفصل، ج٥، ص٥٩-٦٠). ويقرب القاضي عبد الجبار من التفسير العلمي لهاتَين الواقعتَين، فإجابة الشجرة له حين دعاها دعوتها إلى مكانها يُمكِن فهمه إما بقانون الجاذبية أو بخداع البصر لو كان وهمًا. وقد يفسَّر ذلك بعودة الجذع إلى استقامته الطبيعية بعد أن كان مائلًا، أو ميله الطبيعي بعد أن كان مستقيمًا (الشرح، ص٥٩٤–٥٩٧).
١٦  إنطاق العجماء، نطق البهائم (الإنصاف، ص٦٣؛ الإرشاد، ص٣٥٣-٣٥٤؛ لمع الأدلة، ص١١٢؛ الطوالع، ص٢٠٤). نطق العجماء (الاقتصاد، ص١٠٦-١٠٧). مكالمة الحيوان الأعجم (المحصل، ص١٥١-١٥٢). كلام الحيوانات العُجم (المواقف، ص٣٥٥-٣٥٦). كلام الذئب (الفِرَق، ص٣٢٦). مكالمة الذئب (النظامية، ص٥٦-٥٧). أنطق الله الذئب لما أخبر عن نبوة النبي (الإبانة، ص٢٤). كلام الذئب ومجيئه (الفصل، ج٢، ص٨٦-٨٧). مجيء الذئب (الفصل، ج٥، ص٥٩-٦٠). شهد له الذئب بالنبوة (المواقف، ص٣٥٥-٣٥٦). خطاب الذئب لوهب بن أوس بقوله: أتعجب من أخذي شاة وهذا محمد رسول الله يدعو إليه الخلق فلا يُجيبونه. وهي كثيرة لا تُعَد ولا تحصى (التحقيق، ص١٧١-١٧٢). شكاية الناقة، شكوى البعير (الفصل، ج٥، ص٥٩-٦٠). شكوى البعير له (الفصل، ج٢، ص٨٦-٨٧). شهدت الناقة ببراءة صاحبها من السرقة، ولكل قصة في كتب السير (المواقف، ص٣٥٥-٣٥٦). سلام الغزالة عليه (الغاية، ص٣٤٥). تكليم الغزالة (الغاية، ص٣٤٩). درور الضرع من الشاة اليابسة الجرباء (التحقيق، ص١٧١-١٧٢). درور الشاة التي لا لبن لها مرارًا (الفصل، ج٢، ص٨٦-٨٧). أكلت الأرَضة كلَّ ما في الصحيفة المكتوبة على بني هاشم وبني عبد المطلب، حاشا أسماء الله فقط (الفصل، ج٢، ص٨٦-٨٧، ج١، ص٨٨). وقد أنكر النظَّام تشبيه الجن بالبط (المِلَل، ج١، ص٨٧-٨٨). وعند السمنانية شكوى البعير ومجيء الذنب ليس في شيء من ذلك دلالةٌ على صدق الرسول في نبوته؛ لأنه لم يتحدَّ الناس بذلك، ولا يكون عندهم آية إلا ما تحدَّى به الكفار (الفصل، ج٥، ص٥٩-٦٠). نطق الطفل الرضيع والحيوان الأعجم والحجر وشهادتها له بالرسالة والاستشهاد بالببغاء (الحصون، ص٦٠-٦١).
١٧  كلام الذراع (الطوالع، ص٢٠٤). تكليم الذراع (الفصل، ج٥، ص٥٩-٦٠). كلام الذراع المسمومة (الغاية، ص٣٤٥؛ المواقف، ص٣٥٦). شهادة الشاة المسمومة (التمهيد، ص١١٥-١١٦؛ الفِرَق، ص٣٢٦؛ التحقيق، ص١٧١-١٧٢). خلق الله في الذراع كلامًا؛ لأن الذراع قالت لرسول الله لا تأكلني إني مسمومة إني مسمومة (الإبانة، ص٢٤). تسبيح الطعام (الفصل، ج١، ص٦٤). والواقعة الثانية صياغاتها كالآتي: جعل قليل الطعام كثيرًا (الفِرَق، ص٣٢٦، ص٣٤٤-٣٤٥؛ الإرشاد، ص٣٥٣-٣٥٤؛ الأصول، ص١٨٢-١٨٣؛ التمهيد، ص١١٥-١١٦). تكثير الطعام القليل (الاقتصاد، ص١٠٦-١٠٧). تكثير الطعام القليل ببركته ودعائه (البحر، ص١٥٩). تكثير الطعام القليل حتى يكفي الجمع الكثير والجم الغفير (النظامية، ص٥٦-٥٧). إطعام الرسول المِئين والعشرات من صاع شعيرة مرة بعد مرة (الفصل، ج٥، ص٥٩-٦٠؛ الحصون، ص٥٩). إطعامه النفر الكثير من طعام يسير مرارًا بحضرة المجموع (الفصل، ج٢، ص٨٦-٨٧). إشباعه الخلق الكثير من الطعام القليل (المواقف، ص٣٥٦-٣٥٧؛ المحصل، ص١٥١-١٥٢؛ الاقتصاد، ص١٠٦-١٠٧). إشباعه الخلق الكثير من الطعام اليسير (الأصول، ص١٦١-١٦٢؛ البحر، ص٥٩). إشباع العدد الكبير والحجم الغفير من الطعام اليسير (الشرح، ص٥٩٦-٥٩٧). شفاء الضر من الأمراض (الإنصاف، ص٦٣). شفاء الأمراض العضال بمجرد لمسة (الحصون، ص٥٩-٦٠). شفاء الأمراض العضال على يده بمجرد لمسه لأصحابه أو دعائه لهم، إبراء عين علي من الرمد بحضرة الجماعات في ساعة، وعين أحد أصحابه بعدما قُلِعت فعادت أحسن ما كانت، إحياء الميت بمجرد دعائه (الحصون، ص٥٩-٦٠).
١٨  إنباؤه بالغيب (المواقف، ص٣٥٦). الإنذار بالغيوب (الفصل، ج٢، ص٨٦-٨٧؛ الإرشاد، ص٣٥٣-٣٥٤). دعاء اليهود إلى تمنِّي الموت، وإخبارهم بعجزهم عن ذلك، وأنهم لا يُثبِتونه أصلًا. إنظاره بمصارع أهل بدر بحضرة الجيش موضعًا موضعًا. إخطاره بالنور الواقع في سوط الطفيل بن عمر الدوسي. قوله للحَكم إذ حكى مشيته كن كذلك؛ فلم يزل يرتعش إلى أن مات. قوله إذ خطب بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة المزني، فقال له أبوها أن بها بياضًا. فقال ولتكن كذلك. فبرصت في الوقت، وهي أم شبيب بن الرصاء الشاعر المشهور، وغير ذلك كثير؛ رمي الجمار الذي ترميه ما لا يُحصي إلا الله كل عام لا يزيد حجمه في ذلك الموضع. ظهور جبريل مرتَين؛ مرة في صورة دحية ثم أتى دحية بحضرة الناس، وأخرى في صورة رجل لم يعرفه أحد ولا رُؤي بعدها. أما وقائع الدفاع في مرحلة الضعف فمثل رميه بترابٍ عم عيونهم، وخروجه بحضرة مائة من قريش وهم لا يرَونه، دخوله الغار وهم عليه لا يرَونه، فتح الباب في حجر صلد في جنب الغار لم يكن فيه قط، ولو كان هنالك يومئذٍ لما أمكنه الاختفاء فيه؛ لأنه ليس بين البابَين إلا أقل من ثماني أذرع، وهو ظاهر إلى اليوم كل عام وكل حين، يزوره أهل الأرض من المسلمين. ولو رام فتح الباب الثاني في ذلك الحجر أهلُ الأرض ما قدروا على إزاحته سالمًا عن مكانه، ولو كان ذلك الباب هنالك يومئذٍ لرآه الطالبون بلا مئونة؛ لأنهم لم يكونوا إلا جموع قريش لعلهم مِئون كثيرة. آثار رأسه القدسي في ذلك الحجر، وآثار كتفَيه ومِعصمه وظاهر يده باقٍ إلى اليوم، رسوخ قوائم فرس سراقة إذ تبعه. أما ظواهر الحرب بعد الإعلان فمثل قضاء غرماء جابر من تمرٍ يسيرِ حُشي بجنبه، تزويد عمر أربعمائة راكب من تمرٍ يسيرٍ بقي بجنبه، رمي وجوه الكفار يوم الحرب بكفٍّ من تراب، فأصاب عين كل واحد منهم شيء من ذلك التراب، فانهزموا؛وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى (الحصون، ص٦١). أما ظواهر الانتصار ساعةَ مولده فمثل رمي الله جيشَ أبرهة صاحب الفيل؛ إذ غزا مكة عام مولده بالحجارة المُنكَرة بأيدي طير مُنكرَة، ونزلت في ذلك سورة من القرآن تُتلى إلى اليوم بركة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤