الفصل العاشر

كان من الطبيعي أن يضع وجدان التليفون في حجرته في المساء، فقد كان كثيرًا ما يُستدعى في أعماق الليل للتحقيق في حوادث، وكان الأب والأم في غِنًى عن التليفون في مثل هذه الساعات من الليل، بل لعلهما كانا في حاجة إلى من يُبعده عنهما.

ودقَّ جرس التليفون في حجرة نوم وجدان، وصحا كما صحت ميرفت، وأجاب هو: سعادتك وجدان بك أبو الفضل؟

– نعم أنا.

– أنا وهبي رشوان من قسم الهرم.

– أهلًا وسهلًا.

– أخو سعادتك ياسر أبو الفضل؟

– نعم.

– هل تسمح بتشريفنا؟

– مسافة الطريق.

– شكرًا.

ولم تسأله ميرفت إلى أين، ولكنه قال لها: حادثة.

وكأنما خشي أن تكون سمعت اسم أخيه. وقالت ميرفت دون اهتمام: شيءٌ تعوَّدنا عليه.

•••

كيف ذهب ياسر إلى الشرطة؟ أمر يحتاج إلى أن نعود إلى بضعة أسابيع، يوم كان ياسر وسوسن مدعوَّين للعشاء والسهرة عند صديقهما حمدي السلولي، وقبِلا السهرة، واشترت سوسن الفستان الذي ستذهب به، حتى كان اليوم المحدد، عاد ياسر من البنك ليجد سوسن تقول له: ياسر، اذهب وحدك إلى السهرة.

– لماذا؟

– لا أدري، ربما للحمل دخل في الأمر. ليس لي مِزاج وأشعر بدوخة وصداع.

– أعتذر؟

– لا، إذا اعتذرت ستجعلني أذهب غصبًا عني. حمدي شابٌّ ممتاز وأحب أن تكون عَلاقتك به طيبة.

– أمرك، أروح وأمري إلى الله.

وذهب ياسر، وكان عشاء كالذي تعوَّد أن يراه منذ عرف هذه الدعوات. شرب للويسكي غالبًا أو لغيره من العوامل المساعدة من الجين أو الكمباري إلى قرب الحادية عشرة أو بعدها بقليل، ثم العشاء. أمَّا السمر والحديث فطول السهرة طبعًا. إلا أن هذا العشاء بالذات تميَّز بشيءٍ لا يتكرَّر كثيرًا في الدعوات الأخرى. كانت الراقصة الناشئة التي بدأت تلمع أخيرًا مها رمزي مدعوَّة إلى الحفل. بطبيعة الحال التفَّ حولها الشُّبَّان وراحت توزع عليهم القليل الذي تعلمته في عالم الليل. ألم أقل لك إنها ما زالت في أول الطريق؟

وقال لها حمدي: الآنسة العظيمة مها رمزي هي وحدها صاحبة الأمر في تحديد الموعد الذي تتناولون فيه العشاء.

وقالت أصوات مازحة: هذا تحيُّز. وآخرون: هذا استبداد، وهذا طغيان. وقالت مها: ألا تحبون أن أكون أنا المستبدة وأنتم الرعية؟

وتعالت الأصوات: ونِعمَ الاستبداد، وأهلًا وسهلًا، ويحيا الاستبداد.

وقالت: خلاص، أنا التي أقول متى نأكل.

وتعالت الأصوات: الأمر مطاع، وتحت الأمر. ولا لزوم للأكل كله. وصاح أحدهم بصوت طغى على الجميع: بشرط.

وقالت مها: ليس لأحد أن يشترط عليَّ.

وقال الصوت: إذن برجاء.

وقالت مها في دلال ساذَج: تقبل الرجاوات إذا أعجبتنا.

وصاح صاحب الصوت ولم يكن إلا ياسر: رقصة، نرى رقصة.

ونظرت إليه مَليًّا. وكانت قد عرفَت عنه كلَّ شيءٍ. عرفَت أنه أخو وكيل نيابة مهم، وعرفت أنه نسيب مليونير فاحش الثراء. عرفت كل شيء. وحين قدَّمه إليها حمدي في العشاء أُعجبت بصورته وقوامه وملبسه. فحين طلب إليها الرقص نظرت إليه مليًّا ثم غمزت له بعينها وهي تقول: لأجل خاطرك أنت بالذات أرقص.

وهتفت أصوات: تحيا المحسوبية، تحيا الخواطر! وسارع ياسر إلى ملفعته وذهب إليها وقام بربط الحزام حول وسطها وعدلت رباطه وأُدير التسجيل، وراحت مها ترقص على تصفيق الحضور أكثر مما ترقص على موسيقى المسجِّل.

وانتهى الرقص، وبدأ الإعداد للعشاء، وراحت العيون السكرانة تتطلع إلى حجرة المائدة. وفي خبرة أدرك كلٌّ من ياسر ومها أنهما يستطيعان أن يختلسا بضع كلمات، فإن تكن مها قليلة خبرة بمهنة الرقص فما هي بقليلة خبرة بمهنة المرأة.

– متى ستتركين العشاء؟

– عندما تحب.

– الآن.

– قد يلحظون.

– نتظاهر بأننا معهم على العشاء وننصرف.

– معقول.

وتم الأمر على ما اتفقا عليه. وفي المصعد: معك سيارة؟

– معي.

– وأنا معي سيارة.

– تتركها أنت؟

– وهو كذلك.

وحين أصبحا في الطريق قال لها: هذه سيارتي.

– مرسيدس آخر موديل طبعًا يا عم.

– تحت أمرك.

– هي من الليلة تحت أمري فعلًا.

– فعلًا.

– بكم اشتريتها؟

وركبا سيارتها ولم تكن قد أصبحت مرسيدس بعد، وإنما هي تحبو نحوها. وأجاب السؤال: أنا لا أشتري.

– طبعًا، يا بخت من كان النقيب خاله.

– أو حماه.

وضحكا وهي تقول: هدية منه؟

– يوم الصباحية. إلى أين أنتِ ذاهبة؟

– إلى الشقة عندي.

– حلو.

– ما زال أمامي أكثر من ساعة نقضيها معًا.

•••

في البيت قُبَيل خروجهما قال لها: أترين أن أؤجر شقة لنا؟

– كم كنت ستدفع في الإيجار؟

– مائة جنيه؟

– قل مائة وخمسين.

– مثلًا.

– أؤجر لك شقتي هذه وتدفع لي المبلغ. ألم تكن ستؤجرها لي.

– أنا وأنت فقط؟

– طبعًا.

– إن عرفت أخرى قتلتك. أنا لست مثل زوجتك تضحك عليَّ. الخادمة تأتي في الصباح ومن بعد الظهر إلى اليوم التالي وحدي.

– عظيم، تبقى المسألة في بيتها.

– إذن اتفقنا.

– وهذا هو المقدم.

وأعطاها مائة وخمسين جنيها. فقد كانت الأموال تجري في يده لا يعرف كيف يُنفقها. فبعد الشهر الأول من الزواج أخبرته زوجته: أبي سيعطينا ألفي جنيه في الشهر.

– يعطيك أنت؟

– ألست أنا وأنت واحدًا؟

– طبعًا.

– إذن أنا سأضع المبلغ في هذا الدرج، ويكون معك مفتاح، وما تريده خذه، وما أريده آخذه.

– وإن نفد؟

– يأتي غيره.

وهكذا أصبح مرتبه الكبير الذي يتقاضاه من البنك شيئًا ضئيلًا لا يستحق الذكر. فقد أدرك صفوت أن حالة ياسر المالية لن تحتمل المظاهر التي يفرضها عليه زواجه بابنته، وطلب إلى ابنته أن تقول له ما قالت متصورًا أن إعطاءه مالًا لياسر بطريقة أخرى قد تغضُّ من كرامته.

وهكذا لم يكن في إعطاء ياسر مائة وخمسين جنيهًا لمها أيُّ عسر عليه.

وأصبح ياسر يتردَّد على مها في أغلب أيام الأسبوع قبل أن تذهب إلى الكباريه. إلا أن هذا لم يكن يمنعه أن يذهب إلى الكباريه مرَّة في الأسبوع أو مرتين، فقد كانت سوسن من هذا النوع الذي لا يحاسب زوجه وكان يكفيه أن يقول لها إنه سيسهر ليلته مع بعض أصدقاء حتى توافق دون حتى أن تسأله عن هؤلاء الأصدقاء.

وكانت مها في كل ليلة يأتي فيها إلى الكباريه تخرج معه، فهو لا يأتي فجأة، وإنما يتفقان على ألا تأخذ سيارتها وتكون واثقة أنها ستجد سيارته أو سيارة حميه، لا فرق، لتصل بها إلى منزلها.

•••

بعد هذه المقدمة نستطيع الآن أن نرويَ الحادث الذي أقضَّ مضجع وجدان المسكين.

كان الكباريه زاخرًا بروَّادِه. وكانت هناك منضدة يجلس إليها جماعة من المصريين. يتصدر أحدهم المائدة ويُنفق ببذَخ واضح. وحين ظهرت مها لتؤديَ رقصتها تركها ترقص بضع دقائق، ثم قام إليها وألبسها عِقدًا من العقود الجديدة التي لم تعدها الحياة إلا في هذه السنوات الأخيرة. كان عِقدًا بألف جنيه موزعة أوراقه ذات المائة جنيه على دائر العقد، وقبلته مها وخلعت العقد وأعطته للطبَّال واستمرت في الرقص، بين تصفيق المنضدة وزياطها.

ومضت دقائق أخرى وقام إليها المعلم تيسير أبو العزم وألبسها عِقدًا آخر من نفس النوع. وتقاضى القبلة وزياط المنضدة وقعد.

وانتهت مها من الرقص ودخلت إلى حجرتها لتغيِّر ملابسها وتقاسمت الألفي جنيه مع صاحبة الملهى والموسيقيين، وخرجت قاصدةً إلى المنضدة التي يجلس إليها ياسر الذي قام وهو يقول لها: أنا غير مرتاحٍ لهذه الجماعة، هيا بنا.

– ولا أنا، هيا بنا.

وهمَّا بالخروج، وإذا بالمعلم تيسير أبو العزم وجماعته يعترضون طريقهما.

– إلى أين يا ست؟

وقال ياسر محاولًا أن يحميَها: وأنت ما لك!

وقال تيسير: يا أفندي، أنت الذي لا مال لك، أمَّا أنا فقد قدمت ألفي جنيه نقوطًا، كل مائة تنطح مائة، وأنا يا أخي لا أكلمك.

وقال ياسر: وهل معنى هذا أن تمنعها من الخروج؟

– لا، العفو، إنما أظن أنه من باب الذوق أن تأتيَ وتجلس مع الثور الذي دفع لها ألفي جنيه في خمس دقائق.

– وهل هذا أمر؟ وهل ما دمت دفعت نقوطًا تتحكم فيها؟

– إنت كل كم يوم تأتي إليها ولا تدفع قرشًا ولا عشرة، ثم تأخذها جاهزة آخر الليل، ونحن نرمي الآلاف ولا ننال ولو جلسة. طيب كلمة، طيب ضحكة!

طبعًا كل الناس قد تجمَّعوا حولهم. وكان المشرف على الكباريه الخبير خبرة واسعة بهذه الأحوال قد أبلغ الشرطة، ولكن قبل أن تأتيَ الشرطة قال ياسر: هذا تهجُّم، هذه وقاحة.

وقال تيسير: أمَّا عجائب يا إخواننا. الوقاحة أن تدفع وتطلب الأخذ، أم تأخذ ولا تدفع؟

وتصايحَت جماعة تيسير، وضرب أحدهم ياسر صفعة حاسمة. وهكذا أصبح من الحكمة أن يتدخل فتوَّات الكباريه في شكل محاولة للصلح هيَّأت الفرصة للشرطة أن تأتيَ في الوقت المناسب وتأخذ الجميع إلى القسم.

وعرف الضابط ياسر من بطاقته وسأله عن تليفون أخيه. وهكذا دقَّ جرس التليفون في حجرة وجدان، وهكذا وجد المسكين نفسه في قسم الشرطة.

وكان الضابط قد صرف تيسير أبو العزم بعد أن هدَّده بالحبس إذا عاد لمثل ما فعَل. فحين جاء وجدان حيَّاه الضابط في تلطف.

– المسألة لم تكن محتاجة تشريف سعادتك. مجرد خناقة عادية، إلا أنني حين عرفت شخصية ياسر أحببت أن أقول له شيئًا أمامك.

وكان وجدان في حالة من الألم غاية في الحدة؛ فهو لم يتصور نفسه قط قادمًا إلى قسم الشرطة ليتسلم أخاه، وهذا التباعد بين منهجه في الحياة وبين ما هو فيه جعله يوشك أن ينهار. قد يتصور أن يذهب إلى ياسر في حادثة مرور بسيارته الجديدة، أو في مشكلة روتين، أمَّا تشابك في كباريه بينه وبين سكارى من أجل راقصة. كان في دوار، ولكن ما قاله الضابط بعد ذلك جعله يُفيق على حقيقة أبشع. قال الضابط: يا وجدان بك، أنا أقول لأخيك ياسر أمامك إن حماه كل ليلة يظل يدخن الحشيش في شقته إلى الصباح. ولولا أننا نعلم أنه لا يتاجر في المواد المخدِّرة لألقينا عليه القبض، ولكن الرائحة فاحت، وأصبح سكوتنا أمرًا في غاية الصعوبة بالنسبة إلينا.

وارتج على ياسر وازدادت حيرته وهو يرى الأثر المروِّع الذي ارتسم على وجه أخيه، وساد الصمت لحظات، ثم قال وجدان: أشكرك يا وهبي بك، وأرجو أن تترك لي أنا هذه المسألة.

– شكرًا يا وجدان بك وآسف لإزعاجك. مع السلامة.

وحين خرج وجدان من القسم ومعه ياسر ومها لم يلتفت إليهما، وإنما ركب سيارته الصغيرة التي أهداها له أبوه بعد أن عاد من الميدان. وتوجَّه إلى البيت والفجر يؤذن يدعو المؤمنين إلى الصلاة.

وفي الصباح كان من الطبيعي أن يذهب ياسر إلى وجدان في عمله. وكانت الحجرة خالية بهما.

– هل أحست زوجتك بشيء؟

– لا.

– أتأخذ أموالها لتُنفقها على الراقصات؟

– ولماذا خلقت أموالها إذا لم تكن للإنفاق على الراقصات؟

– أهذا منطق؟

– إنا اخترت زواج المال لأتمتع به.

– لأول مرة أُضطر أن أقول لك إنك أوقح بكثير مما كنت أعتقد.

– أنت تعيش في دنيا خاصة بك. لم يعد باقيًا من معالمها إلا أنت وقلة ساذجة لا تدري شيئًا مما يُحيط بها.

ووجم وجدان. يبدو أن كلام أخيه حقيقة كانت خافية عنه. إنه لا يريد إلا أن يكون إنسانًا سويًّا لا يعتدي على حق أحد ولا على كرامته، ولا يعتدي أحد على حقه أو كرامته، ولكن يبدو أن هذا المطلب الذي يراه يسيرًا غاية اليسر بسيطًا كل البساطة مستحيل التنفيذ. ماذا صنع هو حتى يذهب ليرى أخاه في موقف الأمس ولا شك أن الضابط يعرف كل الحقائق عن أخيه وعن زواجه وعن تصرُّفاته وعَلاقاته؟ وماذا صنع هو حتى يكون نسيبًا لشخص لم يتدخل في اختياره، بل كان يعارض في نسَبه ويصبح بسببه موضع احتقار من الشرطة والمجتمع.

أفاق من خواطره وقال لأخيه: ماذا تريد الآن؟ لماذا جئت؟

– لا شيء. مجرد أن أراك وأعتذر عن إزعاجك.

– لا عليك. هذا إزعاج أنا متعود عليه، وليس الإزعاج ما يؤلمني، ولكن الذي روَّعني أن أراك حيث رأيتك بالأمس، وروَّعني أيضًا ما قال الضابط عن حميك.

– ماذا ستفعل معه؟

– هذا شأني.

– أرجوك، لا تُغضبه.

– أيضًا هذا شأني. وعلى كلِّ حال لا تخَفْ؛ هذا نوع لا يغضب أبدًا.

– على كلِّ حال، السلام عليكم.

– مع السلامة.

•••

طلب وجدان التليفون: صفوت بك؟

– أنا.

– أنا وجدان، هل أستطيع أن أراك؟

– تحت أمرك طبعًا. هل هناك شيء؟

– حين نلتقي أقول لك.

– تشرفني في البيت؟

– لا.

– أجيء إليك في النيابة؟

– ولا في البيت.

– إذن.

– نلتقي في مكان عام.

– في الهيلتون؟

– الساعة السادسة اليوم.

•••

– يا سعادة الوكيل، نحن تجار ولنا أعداء كثيرون في السوق، وهذه إشاعات.

– يا صفوت بك، الشرطة لا تخلق إشاعات، ولا تتصرف بناءً على إشاعات. والذي فهمته أنهم يراعون النسب الذي بيننا. وأنا لا أستطيع أن أتحمَّل هذا ولا أقبله. نحن أسرة عشنا محترمين ولا نرضى أن يمسَّ أحدٌ سُمعتنا التي قدَّمنا عمرنا لنحافظ عليها.

– يا سعادة البك.

– اسمع، أظن ليس من المعقول أن أستقيل من النيابة لتشرب سعادتك الحشيش! أصبح الناس يقولون لك يا بك. يا أخي احترم نفسك على الأقل قدر احترام الناس لك.

– يا بك هذا كلام كبير. وواضح أن سعادتك تعيش في دنيا أخرى. الحشيش لا يشربه اليوم إلا أمثالي البكوات. كلمة بك اليوم ليس مصدرها المرسوم، وإنما مصدرها الباكو.

– الباكو؟!

– باكو الآلاف من الجنيهات.

– هذه دنياكم.

– دنيا الناس اليوم، ولكنك أنت تعيش في دنيا أخرى، ولا داعي للكلام.

– فهل أنت مُصمِّم إذَن أن تظلَّ على ما أنت عليه؟

– طبعًا من أجل خاطرك لن أجعلك تسمع عنِّي شيئًا من هذه الناحية. وإنما كل ما في الأمر أنني لاحظت أنك تتكلم بمنطق أصبح غريبًا على الزمن، وأحببت أن أكسِب فيك ثوابًا حتى تصحوَ على الزمن الجديد.

– وفِّر عليك ثوابك. أنا عضو في النيابة وقضايا الرشوة والسرقة والتهرُّب من الضرائب والتحايل على القانون هي عملي. ولكن ليس هذا هو المجتمع. والذين يفعلون كذلك كانوا موجودين في كل زمان، وهم موجودون الآن في كل دولة.

– ليس بهذه الصورة.

– بل ربما بصورة أبشع. ولكن أؤكد لك أن الشرفاء هم الأغلبية. إننا نسمع عن القلة؛ لأن القلة هي التي تخرق العرف العام. أمَّا الذين لا نسمع عنهم شيئًا فهم الأغلبية الساحقة وعددهم لا يُقارَن بالمجرمين والحشاشين. لا تطمئن نفسك أنك ابن زمنك، أنت شذوذ في الزمن، ولم يخلُ زمن من شذوذ. كلُّ ما يؤلمني أن الصالحين وهم الكثرة يتعثَّرون أثناء سَيْرهم عبر الحياة في الأشرار وهم القلة، وهكذا يقع الظلم على المجتمع بأسره مع أنه في مجموعه بريء. عن إذنك يا صفوت بك. سلام عليكم.

وقام وانصرف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤