المكيدة
مضى على ذلك الحديث ثمانية أيام، وباسي منهمك في غرامه لا يعبأ بما يكيد له الدوق.
ومونسورو مشتغل بظنونه، لا يهدأ له بال … وهو موجس خيفة من الدوق.
والدوق منقبض الصدر يتراوح بين الاندفاع مع تيار الغيرة والانتقام من باسي، وبين الصفح عن ذلك البطل حفظًا لجميله واحتفاظًا بوداده، إلى أن كان اليوم الثامن.
وكان ذاك اليوم يوم عيد، والملك والدوق وجميع أتباعهما جلوس في المعبد.
وكان الدوق جالسًا بين باسي ومونسورو.
فبينما هم جلوس إذ دَنَا رامي من باسي، وأعطاه ورقةً.
فنظر إليه الدوق نظرةَ القلق؛ لأنه كان يعلم من جواسيسه أن هذا الرجل رسول باسي إلى ديانا.
ثم قطب حاجبَيْه وجعل يسارق باسي النظر، فرآه قد وضع الرسالةَ في طيِّ قبعتِه.
وجعل يقرأ ما فيها، ولوائح السرور تجول بين عينَيْه.
فعلم الدوق أن الرسالة من ديانا، وأنها تدعوه إلى موعدٍ من غير بدٍّ.
فلم يطق الصبر إلى انتهاء الصلاة.
فأدارَ وجهه إلى مونسورو فقال: أتذكر أيها الكونت ما وعدتُ به منذ ثمانية أيام؟
– إن مثل هذا الوعد لا يُنسَى يا مولاي، وأنا أنتظره بفارغ الصبر.
– طِبْ نفسًا فستعلم كلَّ شيء في هذا المساء، وستنتقم من المسيء إليك شرَّ انتقامٍ.
– إذًا فأنت ذاكر لي اسمه؟
– كلا أيها الكونت، بل إني سأريك إيَّاه الليلةَ في مكانك من عروسك، فتصنع به وبها ما تشاء.
ولكن النتائج لا تُدرَك إلا بمقدماتها، ومقدمة هذا الانتقام إغراء العاشقين.
– كيف ذلك يا مولاي؟
– ذلك أن تذهب في الحال قبل انتهاء الصلاة إلى منزلك، فتخبر زوجتك أني مُرسِلك بمهمة مستعجلة إلى ضواحي باريس.
ثم تودِّعها على أنك مسافر في الحال، وتأتي فتختبئ في قصري إلى أن تحين ساعةُ الانتقام.
فاذهَبِ الآن مُسرِعًا، وإذا كنتَ حريصًا على شرفك، فاحرص على سرِّكَ.
فنهض مونسورو، وخرج من الكنيسة خروجَ الظافر إلى أن بلغ المنزل.
فأخبر امرأته أنه مسافر إلى حين.
ثم أخذ معدات السفر للزيادة في إغرائها، وانطلَقَ مهرولًا إلى قصر الدوق.
وبعد انتهاء الصلاة، سار باسي بالموكب الملكي إلى أن بلغ القصر، فاستأذن من الدوق.
فصرفه وهو يبتسم له ابتسامَ الأبالسة.
غير أن باسي لم يفطن لهذا الابتسام لانشغال قلبه بالرسالة، وذهب وقلبه موعب فرحًا إلى منزل مونسورو، فولجه متذرِّعًا بحجة الصداقة.
فقابلَتْه ديانا على الباب، وعلائم البشر تجول بين ثنايا وجهها الجميل، وقالت: أترى وصلَتْ إليك الرسالة؟
– نعم أيتها الحبيبة، وقد أتيتُ ممتثِلًا طائعًا يدفعني الشوقُ المبرح إلى لقاء مَن أحبُّ.
– ما دعوتُكَ أيها الحبيب إلا لنتفِّقَ على موعدٍ للقاء، فقد اشتدَّتْ مراقبة زوجي الغيور، حتى لم نجد إلى الخلوة سبيلًا.
ولكن للعشاق إلهًا يكلؤهم بلطفه، فقد دبَّرَتِ التقاديرُ ما نسعى إليه منذ أيام.
– كيف ذلك أيتها الحبيبة؟
– إن مونسورو قد خرج الساعة من عندي في سفر يغيب فيه يومين بأمر الدوق، وأنت الآن سجين عندي إلى أن يعود.
– بُورِكَ من سجن أودُّ الموت فيه.
ثم أكَبَّ على عنقها يقطعه تقبيلًا، ودموع الفرح تنهل من عيون العاشقين.
أما الدوق فإنه لم يكد يَلِجُ قصره، حتى دعا بصفِيِّه وكاتِم أسراره الخاص.
فلما خَلَا بهما المكان، أدناه الدوق منه وقال: كُنِ الليلةَ على أهبة الحذر، فقد عزمتُ على أن أضرب الضربةَ القاضية.
– كيف ذلك يا مولاي؟ …
وما للغضب آخِذ منك هذا المأخذ؟
– لقد زادَتْ جرأة باسي، حتى إنه أصبح يتلو رسائلَ غرامها إليه أمامي.
وبلغ من دهاء مونسورو أنه يقيِّدني بالمواثيق وينذرني كما يشاء.
فأنا سأَدَعُ الواحد يقتل الآخَر، وأنتقم من القاتل بالقتل، فأنالُ بغيتي من الاثنين.
ثم قصَّ عليه اتفاقه مع مونسورو، وكيف أنه مختبئ عنده إلى أن يجنَّ الظلام.
فيذهب بفريق من الأشقياء إلى المنزل، حيث يجد فيه باسي وديانا على فراش الغرام.
وبعد أن انتهى من حديثه هذا قال: والآن فائتني بأربعة من القَتَلة الأشرار، وادفع لهم قدرَ ما يشاءون من المال.
ثم أخبرهم إذا وجب الأمر أنني أظلِّلهم بحمايتي، كي يُقدِموا على جميع ما أريد من غير خوفٍ.
وَلْينتظروني خارج القصر، حيث أوافيهم عند الساعة التاسعة والنصف من هذا المساء.
فامتثَلَ الرجل لأمر الدوق …
وانصرف في الحال لإنفاذ أمره.
أما الدوق، فإنه دخل إلى الغرفة التي كان فيها مونسورو، فاختليَا ساعةً طويلة، خرج بعدها الدوق في شأنه، وبقي الكونت حيث كان.