من رسائله الخاصة

كتب أبو عثمان إلى أبي الفرج الكاتب في المودة والخلطة:

أطال الله بقاءك، وأعزك وأكرمك، وأتم نعمه عليك.

زعم — أبقاك الله — كثيرٌ ممن يَقرض الشعر ويَروي معانيه، ويَتكلَّف الأدب ويَجتبيه، أنه قد يُمدح المرجوُّ المأمول والفتى المزور، بأن يكون مخدوعًا، وعَمِيَّ الطرف مُغفَّلًا، وسليم الصدر للراغبِين، وحَسَن الظن بالطالبِين، قليل الفطنة لأبوابِ الاعتذار، عاجزًا عن التخلُّص إلى معاني الاعتلال، قليلَ الحِذق بِردِّ الشفعاء، شديد الخوف من مَيَاسمِ الشعراء، حَصورًا عند الاحتجاج للمنع، سَلِس القياد، إذا نَبَّهْتَه تَنبَّه للبَذل. واحتجُّوا بقول الشاعر:

إيتِ الخَلِيفَةَ فَاخْدَعْهُ بِمَسْأَلَةٍ
إِنَّ الخَلِيفَةَ لِلسُّؤَّالِ يَنْخَدِعُ

فانتحالُ المأمول للغَفلة التي تعتري الكرام، واختداعُ الجوادِ لخِدَع الطالِبين ومخاريق المُستميحِين، بابٌ من التكرُّم، ومن استدعاء الراغب، ومن التعرُّض للمُجتدِي، والتلطُّف لاستخراج الأموال، والاحتيال لحل عُقَد الأشِحَّاء، وتهييجِ طبائعِ الكرام.

وأنا أزعم — أبقاك الله تعالى — أن إقرار المسئول بما يَنحَل من ذلك نَوكٌ وإضماره لؤمٌ حتى تَصِح القِسمة ويعتدل الوزن، وأنا أعوذ بالله من تذكيرٍ يناسب الاقتضاء، ومن اقتضاءٍ يُضارع الإلحاح، ومن حِرصٍ يقود إلى الحرمان، ومن رسالةٍ ظاهرها زهدٌ وباطنها رغبة، فإنَّ أَسقطَ الكلامِ وأَوغدَه وأَبعدَه عن السعادة وأَنكدَه ما أَظهرَ النزاهة وأَضمرَ الحرص، وتَجلَّى للعيون بعينِ القناعة واستشنع ذلةَ الافتقار، وأَشنَع من ذلك وأَقبَح منه وأفحش أن يَظُن صاحبه أن معناه خفيٌّ وهو ظاهر، وتأويله بعيدُ الغَور وهو قريب القَعْر. فنسأل الله تعالى السلامة فإنها أصل النعمة عليكم، ونحمده على اتصال نعمتنا بنعمتكم وما ألهمنا الله تعالى من وصفِ محاسنكم. والحمد لله الذي جعل الحمد مُستفتَح كتابه وآخِر دَعوَى أهلِ جَنَّته. ولو أن رجلًا اجتهد في عبادةِ ربِّه واستفرغ مجهوده في طاعةِ سيِّده لِيَهَب له الإخلاص في الدعاء لمن أنعم عليه وأحسن إليه، لكان حريًّا بذلك أن يُدرك أقصى غايةِ الكرمِ في العاجل، وأَرفعَ درجاتِ الكرامةِ في الآجل. وعلى أني لا أعرف معنًى أَجمعَ لِخصالِ الشكر ولا أَدَلَّ على جماعِ الفضلِ من سخاوة النفس بأداء الواجب. ونحن وإن لم نكن أعطينا الإخلاص جميعَ حقه، فإن المرء مع من أحب وله ما احتسب. ولا أعلم شيئًا أَزيَد في السيئة من استصغارها، ولا أَحبَط للحسنة من العُجب بها، ومما يستديم الخطأ التقصيرُ وإهمالُ النفس وتركُ التوقُّف وقِلةُ المحاسبة وبُعد العهد بالتثبُّت. ومهما رَجَعنا إليه من ضعفٍ في العزم وهانَ ما نَفقِد من مناقل الحكم، فإنَّا لا نجمع بين التقصير والإنكار. ونعوذ بالله أن نُقصِّر في ثناءٍ على مُحسنٍ أو دعاءٍ لمُنعم، ولئن اعتذرنا لأنفسنا بصِدقِ المَودَّة وبجميلِ الذكر فما يُعَدُّ لكم من تحقُّق الآمال والنهوض بالأثقال أَكثَر. على أنكم لم تُحمِّلونا إلَّا الخف، وقد حملناكم الثقل، ولم تسألونا الجزاء على إحسانكم، وقد سألناكم الجزاء على ما سألناكم، ولم تُكلِّفونا ما يجب لكم، وكلفناكم ما لا يجب عليكم، ومن إفراط الجهل أن نتذكر حقَّنا في تصديق ذلك الظن. وقد قال رسول الله : «ما عَظُمت نعمةُ الله على أحدٍ إلا عظُمَت عليه مُؤْنَةُ الناس.» وأنا أسأل الله الذي ألزمكم المؤن الثقال، ووَصَل بكم آمال الرجال، وامتحنكم بالصبر على تجرُّع المرار، وكلَّفكم مفارقة المحبوب من الأموال، أن يُسهِّلها عليكم، ويُحبِّبها إليكم، حتى يكون شغفكم بالإحسان الداعي إليه، وصبابتكم بالمعروف الحامل عليه، وحتى يكون حُبُّ التفضُّل والمحبة لاعتقاد المِنن، الغاية التي تستدعي المُدبر، والنهاية التي تعذر المُقصِّر، وحتى تُكرِهوا على البر من أخطأ حظَّه، وتفتحوا باب الطلب لمن قَصَّر به العجز.

ثم اعلم — أصلحك الله تعالى — أن الذي وُجِد في العِبرة وجَرَت عليه التجربة، واتَّسَق به النظم، وقام عليه وزن الحُكم، واطَّرَد منه النَّسَق، وأثبته الفحص، وشَهِدت له العقول، أن من أَوَّل أسباب الخُلطة والدواعي إلى المحبَّة ما يُوجَد على بعض الناس من القبول عند أَوَّلِ وهلة، وقِلةِ انقباضِ النفوس مع أول المخالطة، ثم اتفاق الأسباب التي تقع بالموافقة عند أول المجالسة، وتَلاقِي النفوس بالمُشاكَلة عند أولِ المُخالَطة. والأدب أدبان: أدبُ خُلقٍ وأدبُ روايةٍ، ولا تَكمُل أُمورُ صاحبِ الأدب إلا بهما، ولا يجتمع له أسباب التمام إلا من أجلهما، ولا يُعَد في الرؤساء، ولا يُثنَى به الخِنصَر في الأُدباء، حتى يكون عقله المُتأمِّر عليهما والسائس لهما. فإن تمَّت بعد ذلك أسباب المُلاقاة تمَّت المُصافاة وحَنَّ الإِلفُ إلى سَكَنه. والشأن قبل ذلك ما يَسبِق إلى القلب ويَخِف على النفس. ولذلك احترس الحازم المُستعدَى عليه من السابق إلى قلب الحاكم عليه. ولذلك التمسوا الرفق والتوفيق يترك اللحن بحُجَّته بعد أن تخلف الداهية كثيرًا من أدبه ويَغُض من محاسن مَنطِقه التماسًا لمواساة خصمه في ضعف الحيلة والتشبُّه به في قِلةِ الفطنة. نعم، ومتى يكتب كتابَ سِعايةٍ ومحل وإغراق فيَلحن في إعرابه، ويَستخِف في ألفاظه، ويتجنَّب القصد ويَهرُب من اللفظ المُعجِب ليُخفي مكان حِدَّته ويستر موضعَ رفقه، حتى لا يحترس منه الخَصم ولا يتحفظ منه صاحب الحُكم، بعد ألَّا يَضُر بعَينِ معناه، ولا يُقصِّر في الإفصاح عن تفسيرِ مغزاه. وهذا هو الذي يكون العَيِي فيه أبين، وذو الغباوة أفطن، والرديء أجود، والأنوك أحزم، والمُضيِّع أحكم؛ إذ كان غرضه الذي إياه يرمي وغايته التي إليها يجري الانتفاعَ بالمعنى المُتخيَّر دون المُباهاة باللفظ، وإنما كان غايته إيصال المعنى إلى القلب دون نصيبِ السمعِ من اللفظ المُونِق والمعنى المُتخيَّر، بل ربما لم يَرضَ باللفظ السليم حتى يُسقِمه ليقع العجز مَوقِع القوة، ويَعرِض العِيُّ في محل البلاغة. إذ كان حق ذلك المكان اللفظ الدون والمعنى الغُفل. هذا إذا كان صاحب القصة ومُؤلِّف لفظ المحل والسعاية ممن يَتصرَّف قلمه ويعمل لسانه ويلتزق في مذاهبه ويكون في سَعَةٍ وحِلٍّ لأن يحط نفسه في طَبقةِ الذُّل وهو غزير، ومحل العِيِّ وهو بليغ، ويتحول في هيئة المظلوم وهو ظالم، ويمكنه تصوير الباطل في صورة الحق، وستر العيوب بزخرف القول. وإذا شاء طفا، وإذا شاء رسب، وإذا شاء أخرجه عقلًا صحيحًا. وما أكثر من لا يحسن إلا الجيد فإن طلب الرديء جاوزه، كما أنه ما أكثر من لا يستطيع إلا الرديء فإن طلب الجيد قَصَّر عنه. وليس كلُّ بليغٍ يكون بتلك الطباع، ومُيسَّر الأداة، ومُوسَّعًا عليه في تصريف اللسان، وممنونًا عليه في تحويل القلم. وما أكثر من البُصراء من يحكي العميان ويُحوِّل لسانه إلى صورة لفظ الفأفاء بما لا يبلغه الفأفاء ولا يُحسنه التَّمتام، وقد نجد من هو أبسط لسانًا وأَبلغُ قلمًا لا يستطيع مُجاوزة ما يشركه والخروج مما قصَّر عنه. ولولا الحدود المُحصلة، والأقسام المُعتدلة، لكانت الأمور سُدًى، والتدابير مهملة، ولكانت عورة الحكم بادية، ولَاختَلطَت السافلة بالعالية.

وأنا أقول بعد هذا كله: لو لم أُضمِر لكم محبةً قديمة، ولم أَضرِبكم بشفيعٍ من المُشاكَلة، ولا بسبب الأديب إلى الأديب، ولم يكن عليَّ قبول ولا عليَّ حلاوة عند المحصول، ولم أكن إلا رجُلًا من عرض المعارف ومن جمهور الأتباع، لكان في إحسانكم إلينا وإنعامكم علينا دليلٌ على أنَّا أخلصنا المحبة وأصفينا لكم المودة. وإذا عرفتم ذلك بالدليل النيِّر الذي أنتم سببه، والبرهان الواضح الذي إليكم مرجعه، لم يكن لنا عند الناس إلا توقُّع ثمرة الحب ونتيجة جميل الرأي، وانتظار ما عليه مُجازاة القلوب. وبقَدْر الإنعام تجود النفوس بالمَودَّة، وبقَدْر المَودَّة تنطلق الألسن بالمِدحَة. وهذه الوسيلة أكثر الوسائل وأقواها في نفسي بمُحَرَّمِ غُمْرٍ ولا بمتحل غُفل، ولا بضيقِ العطن حديث الغنى، ولا بزمر المروءة مُستنبط الثرى، بل وصلته بحمَّالِ أثقال، ومُقارعِ أبطال، وبمن وُلد في اليسر ورُبِّي فيه، وجرى منه على عرقٍ ونزع إليه. ولا خير في سمينٍ لا يحتمل هُزال أخيه، وصحيحٍ لا يَجبُر كَسْر صاحبه.

وقد تنقسم المودة إلى ثلاثِ منازل: منها ما يكون على اهتزاز الأَريَحية وطبع الحرية، ومنها ما يكون على قدْر فَرْط وسائل الفاقة، ومنها ما يَحسُن موقعه على قدْر طباع الحرص وجشع النفس. فأرفعها منازل حب المشغوف شكر النعمة، وهو الذي يدوم شكره ويبقى على الأيام وده. والثاني هو الذي إنما اشتد حبه على قدْر موقع المال من قلب الحريص الجشع واللئيم الطبع، فهذا الذي لا يشكر وإن شكر لم يشكر إلا ليستزيد، ولم يمدح إلا لِيستمِد، وعلى أنه لا يأتي الحمد إلا زحفًا ولا يفعله إلا تكلُّفًا. وأنا أسأل الله الذي قسم له أفضل الحظوظ في الإنعام أن يقسم لنا أفضل الحظوظ في الشكر. وما غاية قولنا هذا ومدار أمرنا إلا على طاعة توجب الدعاء، وحرية توجب الثناء، شاكرِين كُنَّا أو مُنعِمِين، وراجِين كنا أو مَرجوِّين. ومن صَرَف الله حاجته إلى الكرام، وعَدَل به عن اللئام، فلا يَعُدَّن نفسه في الراغبِين ولا في الطالبِين المُؤملِين؛ لأن من يجرع مرارة المطال ولم يمد للراجي التسويف ويقطع عنقه بطول الانتظار ويحمل مكروه ذل السؤال ويحمل على طمع يحثه يأس، كان خارجًا من حدود المؤمِّلين. ومن استولى على طمعه الثقة بالإنجاز، وعلى طلبته اليقين بسرعة الظفر، وعلى ظفره الجزيل من الإفضال، وعلى إفضاله العلم بقلة التثريب وبالسلامة من التنغيص بالتماس الشكر وبالغُدوِّ وبالرَّواح، وبالخضوع إذا دخل، والاستكانة إذا جلس، ثم مع ذلك لم يكن ما أنعم عليه ثوابًا لسالف يد، ولا تعويضًا من كد، كانت النعمة محضةً خالصة، ومهذبةً صافية، وهي نعمتكم التي ابتدأتمونا بها. ولا تكون النعمة سابغة ولا الأيدي شاملة ولا الستر كثيفًا ذيَّالًا وكثير العرض مطبقًا ودون الفقر حاجزًا وعلى الغِنى ملتحفًا، حتى يُخرج من عند كريمٍ حُرٍّ ثم يُحتسَب إلى شاكرٍ حُر. وأنتم قوم تقدَّمتم بابتناء المكارم في حال المُهلة، وأخذتم لأنفسكم فيها بالثقة على مقاديرِ ما مَكَّنتم الأَواخِي ومَدَدتُم الأطناب وثَبتُّم القواعد؛ ولذلك قال الأَوَّل:

عَزَمْتُ عَلَى إقَامَةِ ذِي صَبَاحٍ
لِأَمْرٍ مَا يُسَوَّدُ مَنْ يَسُودُ

وأبو الفرج — أَعزَّه الله — فتى العَسكرَين، وأديب المِصرَين، جمع أَرْيحيَّة الشباب، ونجابة الكهول، ومجد السادة، وبهاء القادة، وأخلاق الأدباء، ورشاقة عقول الكُتاب، والتغلغل إلى دقائق الصواب، والجلالة في الصدور، والمهابة في العيون، والتقدُّم في الصناعة، والسبق عند المُحاوَرة. شقيق أبيه، وشبيه جَدِّه، حَذْو النعل بالنعل، والقُذَّة بالقُذَّة، لم يتأخر عنهما إلا فيما لا يجوز أن يتقدمهما فيه، ولم يقصر عن شأوهما إلا بقدر ما قَصَّرا من سِنخِهما. وهم وإن قَصَّروا عن مدى آبائهم وعن غايات أوائلهم فلم يُقصِّروا عن جِلَّة الرؤساء وأهل السوابق من الكبراء، ولست ترى تالِيهم إلا سابقًا، ولا مُصليَهم إلا للغاية مجاوزًا، ليس فيهم سِكِّيتٌ ولا مبهور ولا مُنقطِع. قد نقحت أعراقهم من الإقراف والهجنة، ومن الشَّوب ولؤم العجلة.

ومتى عايَنتَ أبا الفرج وكماله، ورَأيتَ ديباجته وجماله، عَلِمتَ أنه لم يكن في ضرائبهم وقديم نَجلِهم خارجي النسب، ولا مَجهول المركب، ولا بَهيمٌ مُصمَت ولا كثير الأوضاح مُقرب، بل لا ترى إلا كلَّ أَغرَّ مُحجَّل، وكل ضخم المخرج هيكل. إنِّي لست أُخبر عن الموتى، ولا أستشهد بالغيب، ولا أستدل بالمُختلَف فيه، ولا الغامض الذي تَعظُم المؤنة في تَعرُّفه، والشاهد لقولي يلوح في وجوههم، والبرهان على دعواي في شمائلهم، والأخبار مُستفيضة، والشهود مُتعاونة. وأنت حين ترى عتق تلك الديباجة، ورونق ذلك المنظر، عَلِمتَ أن التالد هو قياد هذا الطارف. أما أنا فلم أرَ لأبي الفرج — أدام الله كرامته — ذامًّا ولا شانيًا ولا عائبًا ولا هاجيًا. بل لم أجد مادحًا قط إلا ومن سمع سابَقَ إلى تلك المعاني، ولا رأيتُ واصفًا له قط إلا وكلُّ من حضر يهش له ويرتاح لقوله. قال الطرماح:

هَلِ المَجْدُ إلَّا السُّؤْدَدُ الْعَوْدُ والنَّدَى
ورَبُّ الجَدَى والصِّدْقُ عِنْدَ المُوَاطِنِ

ولكن هل المجد إلا كرَم الأَرُومة والحسب، وبُعد الهمة وكثرة الأدب، والثبات على العهد إذا زلَّت الأقدام، وتوكيد العَقد إذا انحلَّت مَعاقِد الكرم، وإلَّا التواضع عند حُدوثِ النعمة، واحتمال كَلِّ العِترة، والعَقد في الكتابة، والإشراف على الصناعة. والكتاب: وهو القطب الذي عليه مدار عِلم ما في العالم وآداب الملوك وتخليص الألفاظ والغوص على المعاني السديدة والتخلُّص إلى إظهار ما في الضمائر بأسهل القول، والتمييز بين الحُجة والشُّبهة، وبين المُفرد والمُشترك، وبين المقصور والمبسوط، وبين ما يحتمل التأويل مما لا يحتمله، وبين السليم والمُعتَل. فبارك الله لهم فيما أعطاهم، ورزقهم الشكر على ما خوَّلهم، وجعل ذلك موصولًا بالسلامة وبما خط لهم من السعادة، إنه سميعٌ قريبٌ فعَّالٌ لما يريد.

وكتب في ذم الزمان:

حفظك الله حفظ من وفَّقه للقناعة، واستعمله بالطاعة. كتبتُ إليك وحالي حالُ من كَثُفَت غُمومه، وأشكلَت عليه أُموره، واشتبه عليه حالُ دهره، ومَخرجُ أمره، وقَلَّ عنده من يثق بوفائه، أو يَحمَد مَغبَّةَ إِخائه، لِاستحالةِ زماننا، وفسادِ أيامنا، ودولةِ أَنذالِنا. وقديمًا كان من قدَّم الحياء على نفسه، وحكَّم الصدق في قوله، وآثَر الحق في أموره، ونبذ المُشتبهات عليه من شئونه، تمَّت له السلامة، وفاز بوفور حظ العافية، وحَمِد مغبَّةَ مكروهِ العاقبة. فنظرنا إذ حالَ عندنا حُكمه، وتَحوَّلَت دَولَته، فوجدنا الحياء متَّصِلًا بالحرمان، والصدق آفة على المآل. والقصد في الطلب بِتركِ استعمال القِحة وإخلاق العِرض من طريق التوكل دليلًا على سخافة الرأي؛ إذ صارت الحَظوة الباسقة والنعمة السابغة في لؤم المشيمة، وسناء الرزق من جهة مُحاشاة الرضا وملابسة مَعرَّة العار. ثم نظرنا في تعقب المُتعقِّب لقولنا والكاسر لحُجتنا فأقمنا له عَلمًا واضحًا وشاهدًا قائمًا ومنارًا بيِّنًا؛ إذ وجدنا من فيه الفُسولة الواضحة والمَثالب الفاضحة، والكذب المُبرِّح، والخُلف المُصرِّح، والجهالة المُفرِطة، والركاكة المُستخفَّة، وضعف اليقين والاستثبات، وسرعة الغضب والجراءة؛ قد استكمل سروره، واعتَدلَت أموره، وفاز بالسهم الأغلب والحظ الأوفر والقَدْر الأرفع والجواز الطائع والأمر النافذ. إن زل قيل: حكم، وإن أخطأ قيل: أصاب، وإن هَذَى في كلامه وهو يقظان قيل: رؤيا صادقةٌ من نَسمةٍ مُباركة. فهذه حُجتنا — والله — على من زعم أن الجهل يَخفِض وأن النوك يُردي وأن الكذب يَضُر وأن الخُلف يُزري.

ثُمَّ نَظرْنا في الوفاء والأمانة والنُّبل والبلاغة وحُسن المذهب وكمال المروءة وسَعَة الصدر وقِلة الغضب وكرم الطبيعة، والفائق في سَعَة علمه والحاكم على نفسه والغالب لهواه، فوجدنا فلان بن فلان، ثم وَجَدْنا الزمان لم يُنصِفه من حَقه ولا قام له بوظائفِ فَرضه، ووَجَدْنا فضائله القائمة له قاعدةً به. فهذا دليل أن الطَّلاح أَجدَى من الصلاح، وأن الفضل قد مضى زمانه وعفَت آثاره وصارت الدائرة عليه كما كانت الدائرة على ضده. ووجدنا العقل يشقى به قرينه، كما أن الجهل والحُمق يحظى به خدينه. ووجدنا الشعر ناطقًا على الزمان ومُعربًا على الأيام حيث يقول:

تَحَامَقْ مَعَ الحَمْقَى إذَا مَا لَقِيتَهُمْ
ولَاقِيهِمُ بِالجَهْلِ فِعْلَ أَخِي الجَهْلِ
وخَلِّطْ إذَا لَاقَيْتَ يَوْمًا مُخَلِّطًا
يُخَلِّطُ فِي قَوْلٍ صَحِيحٍ وفِي هَزْلِ
فإنِّي رَأَيْتُ المَرْءَ يَشْقَى بِعَقْلِهِ
كَمَا كَانَ قَبْلَ اليَوْمِ يَسْعَدُ بِالعَقْلِ

فبَقِيتُ — أبقاك الله — مثل من أصبح على أَوْفاز، ومن النُّقلة على جَهاز، لا يَسُوغ له نعمة، ولا تَطعَم عينه غَمْضة، في أَهَاوِيلَ يُباكِره مَكروهُها ويُراوِحه عَقائبها. فلو أن الدعاء أُجيب والتضرُّع سُمع، لكانت الهزَّة العظمى والرَّجْفة الكبرى. فليت — أَيْ أخي — ما أستبطئه من النفخة ومن فجأة الصيحة قُضي فحان، وأُذن به فكان. فوالله ما عُذِّبَت أُمةٌ برَجفةٍ ولا ريحٍ ولا سَخطة، عَذاب عيني برؤية المُغايَظة المُدمِنة والأخبار المُهلِكة، كأن الزمان يُوكل بِعذابي أو ينصب بأيامي. فما عيش من لا يُسَر بأخٍ شفيق ولا يصطبح في أول نهاره إلا برؤية من يكرهه ويغمه بطلعته! فقد طالت الغُمة وواظَبَت الكربة وادْلَهمَّت الظُّلمة، وخَمدَ السراج وتباطأ الانفراج.

وكتب إلى محمد بن عبد الملك الزيات:

لا والله ما عالَج الناسُ داءً قط أَدوَى من الغيظ، ولا رأيتُ شيئًا هو أَنفذُ من شماتة الأعداء، ولا أعلم بابًا أجمع لخصال المكروه من الذل، ولكن المظلوم ما دام يجد من يرجوه، والمُبتلَى ما دام يجد من يَرثي له، فهو على سببِ دركٍ وإن تطاولت به الأيام، فكم من كربةٍ فادحةٍ وضيقةٍ مُصمَتةٍ قد فتَحتَ أَقفالَها وفَكَكتَ أغلالها. ومهما قَصَّرتُ فيه فلم أُقصِّر في المعرفة بفضلك، وفي حسن النية بيني وبينك، لا مُشتَّت الهوى، ولا مُقسَّم الأمل، على تقصيرٍ قد احتَملتَه وتفريطٍ قد اغتَفرتَه. ولعل ذلك أن يكون من ذنوب الإدلال، وجرائم الإغفال. ومهما كان من ذلك فلن أجمع بين الإساءة والإنكار. وإن كُنتُ كما تصف من التقصير، وكما تعرف من التفريط، فإني من شاكري أهل هذا الزمان وحَسَني الحال ومُتوسِّطي المذهب. وأنا أحمد الله على أن كانت مَرتبتُك في المُنعمِين فوق مرتبتي في الشاكرِين. وقد كانت عليَّ بك نعمةٌ أذاقَتْني طعم العز وعوَّدَتني روح الكفاية …

أعاذك الله من سُوء الغضب، وعصمك من سَرَف الهوى، وصَرَف ما أعارك من القوة إلى حب الإنصاف، ورجَّح في قلبك إيثار الأناة، فقد خِفتُ — أيَّدك الله — أن أكون عندك من المنسوبِين إلى نزق السفهاء، ومُجانَبة سُبل الحُكماء. وبعد هذا قال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت:

وإنَّ امْرَأً أَمْسَى وأَصْبَحَ سَالِمًا
مِنَ النَّاسِ إلَّا مَا جَنَى لَسَعِيدُ

وقال الآخر:

ومَنْ دَعَا النَّاسَ إلَى ذَمِّهِ
ذَمُّوهُ بِالحَقِّ وبِالبَاطِلِ

فإن كنتُ اجترأتُ عليك — أصلحك الله — فلم أجترئ إلا لأن دوام تغافُلك عني شبيهٌ بالإهمال الذي يُورِث الإغفال، والعفو المتتابع يُؤمِّن من المكافأة. ولذلك قال عيينة بن حصن بن حذيفة لعثمان: «عمر كان خيرًا لي منك، رهَّبَني فأتْقاني وأعطاني فأغناني.» فإن كنت لا تهب عقابي — أيدك الله — لخدمة سَلفَت لي عندك فهبه لأياديك عندي، فإن النعمة تشفع في النقمة، وإلا تفعل ذلك لذلك فعُد إلى حسن العادة، وإلا فافعل ذلك لحُسنِ الأُحدوثة، وإلا فأتِ ما أنت أَهلُه من العفو دون ما أنا أهلُه من استحقاق العقوبة. فسبحان من جعلك تعفو عن المُعتمد وتتجافى عن عقاب المُصِرِّ، حتى إذا صِرت إلى من هفْوَته ذكْرٌ وذَنبُه نسيانٌ، ومن لا يعرف الشكر إلا لك والإنعام إلا منك، هِجت عليه بالعقوبة! واعلم — أيَّدَك الله — أن شَين غضبك عليَّ كزَين صفحك عني، وأن موت ذكري مع انقطاع سببي منك كحياة ذكري مع اتصال سببي بك. واعلم أن لك فطنةَ عليمٍ وغفلةَ كريمٍ. والسلام.

وكتب إلى أحمد بن أبي دواد:

ليس عندي — أعزَّك الله — سبب ولا أقدر على شفيع، إلا ما طبعك الله عليه من الكرم والرحمة والتأميل الذي لا يكون إلا من نتاجِ حُسنِ الظن وإثبات الفضل بحال المأمول. وأرجو أن أكون من العُتقاء الشاكرِين، فتكون خيرَ مُعتبٍ وأكون أفضلَ شاكر. ولعل الله أن يجعل هذا الأمر سببًا لهذا الإنعام، وهذا الإنعام سببًا للانقطاع إليكم والكون تحت أجنحتكم، فيكون لا أعظمَ بركةً ولا أنمى بقيةً من ذنبٍ أصبحت فيه، وبمثلك — جُعلتُ فِداك — عاد الذنب وسيلة والسيئة حسنة، ومثلك من انقلب به الشرُّ خيرًا، والغرمُ غنمًا. من عاقب فقد أخذ حظه، وإنما الأجر في الآخرة وطيب الذكر في الدنيا على قَدْر الاحتمال وتَجرُّع المرار، وأرجو ألَّا أَضِيع وأَهلِك فيما بين عقلك وكرمك، وما أكثر من يعفو عمن صَغُر ذنبه، وعَظُم حقه، وإنما الفضل والثناء العفو عن عظيم الجُرم ضعيف الحُرمة. وإن كان العفو العظيم مُستطرفًا من غيركم فهو تلادٌ فيكم، حتى ربما دعا ذلك كثيرًا من الناس إلى مخالفةِ أمركم، فلا أنتم عن ذلك تنكلون، ولا عن سالف إحسانكم تندمون. وما مثلكم إلا كمثل عيسى بن مريم حين كان لا يمرُّ بملأ من بني إسرائيل إلا أسمعوه شرًّا وأسمعهم خيرًا، فقال له شمعون الصفا: ما رأيت كاليوم، كلما أسمعوك شرًّا أسمعتهم خيرًا! فقال: كل امرئٍ يُنفِق مما عنده. وليس في أوعيتكم إلا الخير، ولا في أوعيتكم إلا الرحمة، وكلُّ إناءٍ بالذي فيه يَنضَح.

وكتب إلى إبراهيم بن المدبر:

«قال عبد الله بن جعفر الوكيل: كنت عند إبراهيم بن المدبر فرأيت بين يدَيه رُقعةً يُردِّد النظر إليها، فقلت له: ما شأن هذه الرقعة؟ كأنه استعجم عليك شيءٌ فيها. فقال: هذه رقعة أبي عثمان الجاحظ وكلامه يعجبني، وأنا أُردِّده على نفسي لشدة إعجابي. فقلت: هل يجوز أن أقرأها؟ قال: نعم. وألقاها إليَّ، فإذا فيها:

ما ضاء لي نهارٌ ولا دجا ليلٌ مذ فارقتُك إلا وجدتُ الشوق إليك قد حزَّ في كبدي، والأسف عليك قد أسقط في يدي، والنزاع نحوك قد خان جَلَدِي، فأنا بين حشًا خافقة، ودمعةٍ مُهراقة، ونفسٍ قد ذَبلَت بما تُجاهد، وجوانح قد بَلِيت بما تُكابد، وذَكرتُ — وأنا على فراش الارتماض، ممنوع من لذة الاغتماض — قول بشار:

إذَا هَتَفَ القُمْرِيُّ نَازَعَنِي الهَوَى
بِشَوْقٍ فَلَمْ أَمْلِكْ دُمُوعِي مِنَ الوَجْدِ
أبَى اللهُ إلَّا أنْ يُفَرِّقَ بَيْنَنَا
وكُنَّا كَمَاءِ المُزْنِ شيبَ مَعَ الشَّهْدِ
لَقَدْ كَانَ مَا بَيْنِي زَمَانًا وبَيْنَهَا
كَمَا كَانَ بَيْنَ المِسْكِ والعَنْبَرِ الوَرْدِي

فانتظم وصف ما كُنَّا نتعاشر عليه ونجري في مودتنا إليه في شِعره هذا. وذكرتُ أيضًا ما رماني به الدهر من فُرقة أعزَّائي من إخواني الذين أنت أَعزُّهم، ويَمتحِنني بمن ناءى من أحبائي وخُلصائي الذين كنتُ أُحبهم وأُخلصهم، ويُجرِّعنيه من مرارةِ نأيِهم وبُعد لقائِهم، وسألت الله أن يقرن آيات سروري بالقرب منك، ولين عيشي بسرعة أوبتك. وقلتُ أبياتًا تقصر عن صِفةِ وَجدِي وكُنهِ ما يتضمنه قلبي، وهي:

بِخَدِّيَ مِنْ قَطْرِ الدُّمُوعِ نُدُوبُ
وبِالقَلْبِ مِنِّي مُذْ نَأَيْتَ وَجِيبُ
ولِي نَفَسٌ حَتَّى الدُّجَى يَصْدَعُ الحَشَا
ورَجْعُ حَنِينٍ لِلفُؤَادِ مُذِيبُ
ولِي شَاهِدٌ مِنْ ضُرِّ نَفْسِي وسُقْمِهَا
يُخَبِّرُ عَنِّي أنَّنِي لَكَئِيبُ
كَأَنِّيَ لَمْ أُفْجَعْ بِفُرْقَةِ صَاحِبٍ
ولَا غَابَ عَنْ عَيْنِي سِوَاكَ حَبِيبُ

فقلت لابن المدبر: هذه رُقعةُ عاشقٍ لا رقعةُ خادم، ورُقعةُ غائبٍ لا رُقعةُ حاضرٍ. فضحك وقال: نحن ننبسط مع أبي عثمان إلى ما هو أدق من هذا وألطف، فأما الغَيبة فإننا نجتمع في كلِّ ثلاثةِ أيام، وتأخَّر ذلك لشُغلٍ عَرضَ لي فخاطبني مخاطبةَ الغائب، وأقام انقطاعَ العادةِ مقام الغيبة.»

وكتب معاتبًا:

زيَّنك الله بالتقوى، وكَفَاك ما أَهمَّك من الآخرة والأولى. من عاقَب — أبقاك الله تعالى — على الصغيرة عقوبة الكبيرة وعلى الهَفوة عقوبة الإصرار، فقد تناهى في الظلم. ومن لم يُفرِّق بين الأسافل والأعالي، والأداني والأقاصي، فقد قَصَّر. والله لقد كُنتُ أكره سَرَف الرضا مخافة أن يُؤدِّي إلى سَرَف الهوى، فما ظنُّك بسَرفِ الغيظ وغَلَبة الغضب من طيَّاشٍ عَجولٍ فَحَّاش، ومعه من الخُرْق بقَدْرِ قِسطه من التهاب المرَّة الحمراء؟ وأنت رُوحٌ كما أنت جِسم، وكذلك جنسك ونوعك، إلا أن التأثر في الرِّقاق أسرع، وضده في الغِلاظ الجفاة أكمل، ولذلك اشتد جَزَعي عليك من سلطان الغيظ وغَلَبته. فإذا أَردتَ أن تعرف مقدار الذنب إليك من مقدار عقابك عليه فانظر في علته وفي سبب إخراجه من معدنه الذي منه نجم وعشه الذي منه درج، وإلى جهةِ صاحبه في التسرع والثبات، وإلى حِلمه عند التعريض، وفطنته عند التوبة. فكلُّ ذنبٍ كان سببه ضِيقَ صدرٍ من جهة الفيض في المقادير، أو من طريق الأنفة وغلبة طباع الحمية، من جهة الجَفْوة أو من جهةِ استحقاقِه فيما زين له عمله أنه مُقصرٌ به في حقه، مُؤخرٌ عن رتبته، أو كان مُبلغًا عنه مكذوبًا عليه، أو كان ذلك جائزًا فيه غير ممتنع منه. فإذا كانت ذنوبه من هذا الشكل فليس يقف عليها كريم، ولا ينظر فيها حليم. ولَستُ أُسمِّيه بكثرة معروفه كريمًا حتى يكون عقله غامرًا لعِلمه، وعِلمه غالبًا على طباعه، كما لا أُسمِّيه بكف العقاب حليمًا حتى يكون عارفًا بمقدار ما أخذ وترك. ومتى وجدت الذنب بعد ذلك لا سبب له إلى البغض المحض والنفار الغالب، فلو لم تَرضَ لصاحبه بعقابٍ دون قَعرِ جهنَّم لَعَذرك كثيرٌ من العقلاء، ولصوَّب رأيك عالَم من الأشراف. والأَناة أقرب من الحمد وأبعد من الذم، وأنأى من خوف العَجَلة. وقد قال الأَوَّل: «عليك بالأناة؛ فإنك على إيقاع ما تَتوقَّعه أقدر منك على ردِّ ما قد أوقعته.» وليس يُصارِع الغضب أيام شبابه شيءٌ إلا صَرعَه، ولا يُنازعه قبل انتهائه (منازع) إلا قَهرَه، وإنما يُحتال له قبل هَيجِه، فمتى تمكن واستفحل وأذكى ناره واشتعل، ثم لاقى من صاحبه قُدرةً، ومن أعوانه سمعًا وطاعةً، فلو استَبطَنتَه بالتوراة وأَوجَرته بالإنجيل ولَددتَه بالزبور وأَفرغتَ على رأسه القرآن إفراغًا وأتَيتَه بآدم شفيعًا، لما قَصَّر دون أَقصَى قوته. ولن يُسكِّن غضب العبد إلا ذِكرُ غَضَب الرب.

فلا تَقِف — حفظك الله — بعد مُضيِّك في عتابي التماسًا للعفو عني، ولا تقصر عن إفراطِك من طريق الرحمة بي، ولكن قِف وَقفة من يَتهمُ الغَضَب على عقله، والشيطان على دينه، ويعلم أن للكرم أعداء، ويُمسِك إمساك من لا يُبرئ نفسه من الهوى، ولا يُبرئ الهوى من الخطأ. ولا تُنكر لنفسك أن تَزِل، ولعقلك أن يهفو، فقد زلَّ آدم عليه السلام وقد خَلقَه بيده. ولستُ أسألك إلا ريثما تَسكُن نفسك، ويَرتَد إليك ذهنك، وتَرى الحِلم وما يَجلِب من السلام وطيبِ الأُحدوثة، والله يعلم وكفى به عليمًا.

لقد أَردتُ أن أفديك بنفسي في مُكاتباتي، وكُنتُ عند نفسي في عِداد المَوْتى وفي حَيِّز الهَلْكى، فرأيتُ أن من الخيانة لك ومن اللؤم في معاملتك أن أَفدِيك بنفسٍ مَيِّتة، وأن أُرِيَك أني قد جَعلتُ لك أَنفَس ذُخر، والذُّخر معدوم. وأنا أقول كما قال أخو ثقيف: «مَودَّة الأخ التالد وإن أَخلَق خَيرٌ من مَودَّة الأخِ الطارفِ وإن ظَهرَت مُساعَدته ورَاقَت جِدتُه.» سلَّمك الله وسلَّم عليك، وكان لك ومنك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤