الفصل الأول

(في دار صغيرة مؤلفة من: «مندرة» في الطبقة السفلى، ومن سُلم يُصعد منه إلى قاعة صغيرة، وثلاث حجرات، والمنزل مطلٌّ على مسجد «أبي الليف» بحيِّ «السيدة زينب».)

(الست «هدى» وجارتها «زينب» في إحدى الحجرات.)

الست هدى :
كيفَ يا أخت أنتِ؟ …
زينب :
… … … نحن بَرغْدٍ
كلُّنا ما بقيتِ أنت بَرغْدِ
الست هدى :
أنتِ يا «زينبُ» الوفيَّة بالعَهْد
زينب :
ولِمْ لا أَفِي وخَيْرُكِ عِندِي؟
نحن من أربعينَ عامًا على
خيْر جِوارٍ بين اثنتين وَوُدِّ
الست هدى :
لا، بل العهدُ لا يزيدُ على العشـ
ـرين! … … … …
زينب :
… خَلِّي حِسابَه، لا تَعُدِّي
الست هدى :
اسمعي، اسمَعي يا صِديقي
لكِ هذا الدبُّوس … …
زينب :
… … لِي أنَا؟ …
الست هدى :
… … … بَعْدِي
أنا أعطَيْتُ كلَّ صاحبةٍ شيئًا
وأنصفت في الوصيَّة جُهدي
ما يقولُ الجيرانُ «زينبُ» عني؟
زينب :
اتْرُكِيهم، لا تَحفلي بالردِّ
الست هدى :
يقولون في أمري الكثيرَ وشغلُهم
حديثُ زواجي أو حديثُ طلاقي
يقولون إني قد تزوجتُ تسعةً
وإنِّي واريتُ الترابَ رِفاقي
وما أنا «عِزْريلٌ» وليسَ بمالِهم
تزوجْتُ، لكن كان ذَاكِ بمَالِي
وتلكِ فَدَاديني الثلاثونَ كلَّما
تولَّى رجال جئْنَنِي بِرجَالِ
فما أكثرَ عُشَّاقي
وما أكثر خُطَّابي!
ولولا المالُ ما جاءُوا
أذلاءَ إلى بابي
لستُ ما عشتُ ناسِيه
لستُ أسْلُو حَيَاتِيَهْ
أول البختِ «مصطفى»
«مصطفى» كان سَارِيَهْ
حينَ يمشي تظنُّه
نخلةَ «المَرْج» ماشِيَهْ
رحمةُ الله عليهِ
لم يكن يطلبُ مالِي
تلكِ «أبْعَادِيَّتي»
وَهْيَ جنونٌ للرِّجالِ
لم تكن تخطر في العا
م له يومًا بِبَالِ
لم يكن يَعنيهِ من ذَا
كِ سوى قبضِ الإجارهْ
جعل الله تعالى
جنةَ الخُلد قَرارَهْ
ماتَ فكدتُ أموت حزنًا
وكان عمري عشرينَ عاما
ثم تزوجتُ بعد خَمسٍ
من ذا يَرى فعلتي حَراما؟!
زينب :
أجل، تعيشِينَ وتَدْفنِينا
حتى تصيبي مِنهُمُ البنِينا
الست هدى :
وزوجيَ الثانِي «عَلِي»
ولم يَكنْ يصلُحُ لِي
يَا لَيْتَني لم أقْبَلِ!
ذاك لِمَالِي اختارَنِي
واخترْتهُ لمِالهِ
ما كان إلا مُفِلسًا
وقَعْتُ في حِبَالهِ
يرحمه الله، وكان ذَا بَخَرْ
وكان إنْ يقعدْ وإنْ يَقُمْ نَخَرْ
وإن مشَى تخرجُ أصواتٌ أُخَرْ
يرحمه الله لقد عشَنا معا
من السنينَ الصاخباتِ أربعَا
ثم مضى لربِّه لا رجَعَا
رحمةُ الله عليه
جُنَّ بالنسل جُنونا
ثم لمَّا مَات مَا
خلَّف لي إلا دُيُونَا
وماتَ لم تبكِه عُيونِي
وكان عُمْرِي عشرينَ عَامَا
ثم تزوجتُ سِواهُ
مَن ذا يرى فعلتي حَراما؟!
زينب :
أجل، تعيشِينَ وتَدْفنِينا
حتى تصيبي مِنهُمُ البَنِينا
الست هدى :
ولستُ أنسى زوجيَ الرابعا
لا نافِعًا كان ولا شافِعا
قالوا أديبٌ لم يروْا مثلَه
ولقَّبوه الكاتبَ البارعا
قد زينوه لي، فاخترتُه
ما اخترتُ إلا عاطِلًا ضائعا
رائحٌ أكثَرَ الزما
ن على الصُّحْفِ مُغْتَدِي
يكتب اليومَ في «اللِّوا»
وغدًا في «المُؤيَّدِ»
ليلَه أو نهارَه
فارغَ الجيبِ واليدِ
ويعجبُني عند المُباهاةِ قوله
بنيتُ فلانًا أو هدمتُ فلانَا
وقد يُصبحُ المبْنيُّ أوضعَ منزلًا
وقد يصبح المهدومُ أرفَعَ شانَا
رحمةُ الله عليه
كان لا يحْقِر مالا
كان إن أفلَس لا
يسألُنِي إلا رِيالا
ثم تزوجتُ بيوزباشي «قمرْ»
نهى كما شاء هَوَاه وأمَرْ
لقد وددْتُ أنه زوجُ العُمُرْ
لا عفَا الله عنه، لا غفرَ اللهُ
له، لا ارتقى لرتبةِ «صاغِ»
لا عفَا الله عنه، قد كان لصًّا
لم يُردْني لكن أراد «مَصَاغي»
وطالما زيَّنَ لي أنني
أبيعُ أو أرهَنُ أطياني
من أجل «يوزباشي»؟ لقد ضَلَّ، لَا
لا أشتري جيشًا بفدَّانِ
لحاهُ الله كان مُنَى فؤادي
وفاكِهتي ورَيْحانِي ورَاحِي
وكنتُ أحبُّه ويحبُّ طيني
ويحلمُ بالقلادة والوِشَاح
وكان مُقامِرًا شِرِّيبَ خَمرٍ
يجيءُ البيتَ في ضوءِ الصباح
يكادُ إذا تورَّطَ في قِمارٍ
يُقامِر بالنُّجوم وبالسِّلاح
عشنا ثلاثًا ثم افترقْنا
وكان عُمرِي عشرين عامَا
طلَّقني فالتمستُ زوجًا
من ذا يرى فِعْلتي حرامَا؟!
زينب :
أجل، تعيشِينَ وتَدْفنِينا
حتى تصيبي مِنهُمُ البنِينا
الست هدى :
وعشتُ عامين دون زوج
ثم تزوجتُ بالموظفْ
لم أنسَهُ مُنذ ماتَ يومًا
ما كان أبْهَى! ما كان أظْرفْ!
كان خفيفًا وكان حُلْوًا
ومن نسيمِ الربيعِ ألطفْ!
ما كنت أدري إذ تولَّى
أجَيبُه أم قفاهُ أنظفْ!
يرحمه الله مات ما وجدوا
في جيبه غيرَ قِطعتي ذهَبِ!
وسُبحةٍ من خزانتي سُرقت
كانت على الرفِّ من وفاةِ أبي
وسَّعتُ في دفْنه ومأتمِه
ولم أُضَيِّقْ عليه في رَجبِ
رحمةُ الله عليه
كان «جَخَّاخًا» كبيرَا
كل يوم يدَعُ البيـ
ـتَ رئيسًا أو وزيرا
ثم لا يرجعُ لِي إلا
كما كان صغيرا
رحمةُ الله عليه
كان مشغولًا بِطِيني
كلَّ يوم بزبُونٍ
أو بسمسارٍ يَجيِني
وفدادِينيَ عندِي
هي في الحفظِ كَدِيني
ما كان في وجْنَتِي يُقبِّلُني
بل همُّه في يدي يقبِّلهَا
وعينُه في خَوَاتِيمي أبدًا
يُحدِّثُ النفس كيفَ ينْشِلُهَا!
ثم اقترنتُ بفقيهٍ
عالمٍ في البلدِ
لا في الشيوِخ القُدَمَا
ولا الشيوخ الجُدُدِ
كهلٌ أخُو خمسينَ لـ
ـكن في نَشَاطِ الأمْرَدِ
زينب :
عرفْتُهُ، ذاك الفقيـ
ـهُ «الشيخُ عبدُ الصمدِ»
قد كانَ في «الخُطِّ» وجيـ
ـهًا ومُقبَّلَ اليَدِ
وكل من مَرَّ به
خاطبَه بسَيِّدِي!
الست هدى :
يرحمه الله لقد أدَّبني
حتى عرفتُ كيف تخضَعُ النِّسَا!
زينب :
أنتِ؟ … … …
الست هدى :
… أجلْ! أدَّبَني
بيدهِ ورجلهِ وبالعَصا
زينب :
كيفَ؟ مَتَى؟
الست هدى :
رأى غُبارًا عَالقًا بجَبْهَتي
ولم أكنْ أعلمُ من أيْنَ أتَى؟
فقالَ: هذا التربُ من نافذةٍ
مَنْ كنتِ منها تنظُرين يا تُرَى؟
وهاجَ حتى خِفتُ أن يقتُلَنِي
وشمَّر الذيلَ وجرَّد العَصَا
وجاءَ بالنَّجَّار من ساعَتِه
سدَّ الشبَابيكَ وسَمَّر الكُوَى
فقلتُ: يَهْوانِي وتلك غَيْرَةٌ
يا حبَّذَا الزوجُ الغيورُ حبَّذَا!
وقبْلَه لم أرَ من غارَ ولا
من ظَنَّ في قلبي لغيرِهِ هَوَى
يرحمه الله لقد مات على
سَحْرِي ونْحرِي بعدَما صلَّى الضُّحى
مات ولم يرقُدْ له جَنْبٌ ولا
بدَتْ عليهِ عِلةٌ ولا اشْتَكَى
رحمة الله عليه لم يكنْ
فمُه يذكرُ «أبعَادِيَّتي»
وإذا ما جاءَني أو جئتُه
لم يُقلِّب عينَه في «صِيغتِي»
لكنه مُنذُ كنَّا
ما حلَّ عقدةَ كيسِه
يفضِّل الأكلَ مِنْ غيـ
ـرِ مالهِ وفُلوسِه
كأنَّ الأزهرَ المعمورَ بيتي
هناك «جرايةٌ» وهُنَا «جِرَايهْ»!
خلَّفَ الشيخُ من الأو
لادِ ما يملأ حارهْ!
قُسِّمتْ ثروتُه فيـ
ـهِمْ فَنَالَ الطِّفْل بَارهْ!
عشت مع الشيخ نصفَ عا
مٍ وكان عمري عشرين عامَا
ومات فاختارني سِوَاهُ
من ذا يَرى فَعْلَتي حَرامَا؟!
زينب :
أجل تعيشِينَ وتَدْفنِينا
حتى تصيبي مِنهُمُ البنِينا
الست هدى :
أتذكرين بعدَه
من جاءَ بَيْتي يَخْطُبُ؟!
زينب :
مَنْ ذَاك مَنْ؟ … …
الست هدى :
… … أنتِ التي
جِئْتِ بِهِ يا زيْنَبُ!
زينب :
«مهدي» المقاول الثَّرِي
الممتَلِي مِنَ الذَّهبْ
الست هدى :
قد ذَهَبَ اللهُ بهِ
أجل، إلى النارِ ذهبْ
لم ينسَ أن يذكرَ «أبْعَادِيَّتي»
ما للغبيِّ، ولطيني ما لَهُ؟!
ولم يكن عند الطعام يَسْتَحِي
يأكل مالِي ويعدُّ مَالَهُ!
يرحمه الله وإن
لم أر لَونَ قِرشهْ
عشتُ اثنتيْن معهُ
لم أنتفعْ بفَرْشِهْ
لو لم يَمتْ لمتُّ منْ
جَخَّته وفَشِّهْ
كأنَّمَا تسرَّبتْ
عمارةٌ في كِرْشِهْ
يَدبُّ كالحلُّوفِ في
خُرُوجِهِ من قَشِّهْ
وما استرحْتُ ليلةً
من طَحْنهِ ودَشِّهْ
ومن تِلالِ جِيرِهِ
وَمن جِبَالِ «دبْشِهْ»
ظللْت عامَيْن في بلاءٍ
وكان عُمري عشرين عامَا
ومات «مهْدِي» فاعتضْتُ عنْه
من ذا يرى فَعْلتي حَرامَا؟!
زينب :
أجل تعيشِينَ وتَدْفنِينا
حتى تصيبي مِنهُمُ البنِينا
الست هدى :
ثم اقترنْتُ بمُحامٍ عَاطِلٍ
شِرِّيب خمْرٍ يحتسِيها في الضُّحى
قَلَّتْ دعَاويِه وقلَّ مَالُهُ
وأصبَح المَكْتبُ منه قَدْ خلا!
عبد المنعم المحامي (زوج الست هدى، وهو سكران، يصعد السلم) :
هدى، ضلالٌ، أين أنتِ يا هُدَى؟
أين العَجُوزُ؟ أين جدَّتي هُدى؟
الست هدى :
وَا نكَدا «زينب» وا داهِيَتَا
لقد أتى لا أدْري من أيْن أتى!
يشْتمُ في السُّلم … …
زينب :
… … … خلِّيهِ دعي
لا تفْرضيِه غير سكْرَان هذَى!
الست هدى :
رأيتُه، … … … …
… وكيف؟ … … …
زينب :
… … منْ تَحْتُ وقدْ
كان من السقْف أطلَّ وانحنى
وكانت الحارةُ منَّا امتلأتْ
فأرسل القَيءَ علينَا ورمى!
الست هدى :
القيءُ؟ ماذا قلتِ؟ … …
زينب :
… … قلت ما رأتْ
عيني وما مرَّ على رَأسي وَمَا
عبد المنعم (وهو بالسلم) :
هدَى، عجوزَ النَّحْس، أنت قردةٌ
خطوطُكِ الوحلُ وكُحْلُكِ العَمَى
الست هدى :
سمعتِ يَا زيْنب؟ …
زينب :
… … خلِّيَه، دعي
لا تفْرِضيِه غيْر سكْران هذَى
ومرةً جاءَ «أبا الليف» ضُحًى
أذَّن في الناس يُصلُّون العِشَا
فضيحةٌ في الخُطِّ …
الست هدى :
… … وَا فضيحَتا!
زينب :
ما شهدُوا في «الحَنفيِّ» مثْلها
عبد المنعم (وهو بالسلم) :
هدَى تعَالَيْ يا عتيقةُ اظْهَرِي
عندي لك النَّعْلُ وهذه العَصَا
الست هدى :
سمعتِ يَا زيْنب؟ …
زينب :
… … خلِّيَه، دعي
لا تَفْرِضيِه غيْر سكْران هذَى
الست هدى :
دعيهِ يهذي ما يشَا
غدًا تَرَيْن زينبُ
ففي غدٍ لي وَله
شأنٌ، غدًا يُؤدَّبُ
زينب :
ما الذي عزمتِ يا
حبيبتي أن تصنعي؟
الست هدى :
أقذف في القسمِ به
وأشتكي وأدَّعي
إن رجال القسْم، والنَّا
ئبَ وَالقاضي معي!

(لزوجها)

لَتنْدمنَّ يا لُكعْ
يَا مَنْ يَقُومُ ويَقعْ
عبد المنعم (وهو بالسلم) :
ماذا سَمِعتُ؟ صوتها؟
أأنتِ بومتي هنَا؟
الآنَ جُمَّيزَةَ «الخُطِّ»
أُريكِ مَن أنا؟
زينب :
هُدَى، حبيبتي اسمعي
تعالَيِ اهْرُبي مَعي!
الست هدى :
أنَا؟ … … …
زينب :
… اسمعي، دَعيهِ، …
الست هدى :
… … … … لا
زينب :
دَعيه يا هُدى، دَعِي
لا تُغضِبيهِ إنه
مُمْتلئٌ، ليس يَعي!
عبد المنعم (وهو بالسلم) :
هدَى! هدَى! أين هدى؟
أين العَجُوزُ الباليهْ؟
أين مضيْتِ بومَتي؟
أين ذهبْتِ خُفَّتي؟
خدَّاكِ ضِفْدعتَانِ قد أسنَّتا
وأذْناكِ عقْرَبَانِ من قِنا
وحاجبَاكِ وَالخطوطُ فيهمَا
كدودتين اكتظتا من الدِّما
وبينَ عينَيكِ نِفارٌ وجفَا
عَيْنٌ هناك خاصمتْ عينًا هُنا!
الست هدى :
دَعيني أُقطِّعْ عليه الحذَاءَ
وأَجْزِ الوَقاحَ على ذنبهِ
دعينيَ أضْرِبْهُ حتى يُفيقَ
فلا بدَّ زينبُ من ضرْبِه!
زينب :
قد جاءَ، هَيَّا نتقي
جنونَه وهَوَسَهْ
ففي يمينِه العصَا
وفي الشمال المِكنَسهْ
الست هدى :
سكرانُ يضربْ
إذن لنهربْ
هلمَّ زينبْ
هذه حجرةُ نومي
أسرعي زينبُ فيهَا
نحنُ يا زينبُ لا نكـ
ـبحُ سكرانَ سَفيهَا

(تدخلان الحجرة وتستتران وراء الباب.)

عبد المنعم (وهو داخل يترنح) :
هدَى ذاتُ الفدادين
هدَى … … …
الست هدى :
… فكَّر في طيني
عبد المنعم :
من ليَ بالزبرجدِ؟
من ليَ بالزُّمُرُّدِ؟
يا ليتَ ذاكَ في يدي!
الست هدى :
سمعتِ؟ عبد المنعمِ
قد هام في خواتمي

(يجتاز «عبد المنعم» القاعة إلى حجرة نومه.)

الست هدى :
زينبُ انظري
ما الذي صنَعْ
زينب :
جاء حجرة
ثَمَّ فاضطجع
فلندعْهُ في النو
مِ فلْندعْ
الآن أستودعك الله هُدى
محفُوظةً
الست هدى :
… لا تُهمليني زينبُ!

(تخرج زينب.)

(تسمع ضجة بالسلم …)

الست هدى :
ما الصوتُ؟ ما أسمعُ؟ من يا تُرى؟
ما هذه الضَّجَّة في السُّلَّم؟
هذا خُطُوطي وكُحْلي
وتلك صبغةُ شعري
لم أنس حُمرةَ خدِّي
لم أنسَ زينةَ صدْري
وهذا الثوبُ ما أبهى!
وهذا الخُفُّ ما أحسنْ!
ومِنديلي على رأسي
ما أحْلى! وما أزْيَنْ!
وهذه خَواتمي
بها يدي مُرَصَّعَهْ
وهذه قلائدي
في لَبَّتي مُلَمَّعهْ
اقترب الصوت وتلك أرجلٌ
تدِبُّ عند البابِ، مَنْ؟
أصوات :
هل ندخُلُ؟
الست هدى :
ادخُلْنَ! أهلًا وسهـ
ـلًا ومَرحبًا بالحبائب

(تدخل أربع فتيات من بنات الجيران: «خديجة» و«أسماء» و«بهية» و«إقبال».)

خديجة :
صباح الخير يا عمهْ
الست هدى :
صُبِّحْتُنَّ بالخيرِ
«خديجةُ» ابنتي هُنا؟
هذا هو التفضُّلُ!
خديجة :
إنْ أنا بالعمَّةِ لم
أسَلْ، فعمَّن أسأل؟
الست هدى :
أنتِ ابنتي ستأخُذيـ
ـنَ خاتَمِي الزُّمرُّدا!
خديجة :
اليوم يا عمةُ؟ …
الست هدى :
… … … لا!
خديجة :
متى إذن متى؟! …
الست هدى :
… … … … غدَا!
من بعدِ موتي …
خديجة :
… … لا تمو
تي أنَا عمتي الفِدا!
الست هدى (لأسماء) :
وأنتِ يا أسماءُ إذا مِتُّ غدا
أخذْتِ هذا الخاتم الزبرجدا
أسماء :
لا كان يا عمةُ عشتِ الأبدَا!
إقبال :
أسماء يا عمةُ مخطوبةٌ …
الست هدى :
… … … لِمَنْ؟
إقبال :
لشيخٍ عمدةٍ في الصعيدْ!
الست هدى :
حذارِ يا أسماءُ أنْ تَفْعَلي!
أسماء :
أنَا؟ أبي يَخْتَارُ لِي منْ يُرِيدْ!
الست هدى :
قُولِي لهُ: العُمدَةُ جَرَّبْتُهُ
أسماء :
أقولُ؟ مَنْ يَسْمَعُ أوْ مَنْ يَعِي؟
إن أبي صعبٌ ولا أجتَرِي
الست هدى :
إذَنْ دَعِيني أنَا أفعل، دعِي!

(لبهية)

وأنت يا ابنَتي؟
بهية :
خُطبْتُ من زَمَنْ
الست هدى :
مِنْ زَمَنٍ؟ تبا
رَكَ الله، لِمَنْ؟
بهية :
لضابطٍ في الجيش!
الست هدى :
ضابطٌ؟ … … …
بهية :
… … … … أجلْ!
الست هدى :
أحْسَنْتِ، أحْسَنْتِ
تَخيَّرْتِ الرجلْ!
بهية :
ما اخترت يا عَمَّتي ولكنْ
أبي وأمِّي تخيَّرَا لي!
بناتُ مصر يُخْطبن لَكِنْ
لا يتنَاقَشْنَ في الرجالِ!
نُبَاعُ يا عَمَّتي ونُشْرى
ما نحن إلا عروض مالِ!
الست هدى (لأسماء) :
وكيف أختُك «بنبا»؟
أسماء :
تُقَبِّلُ اليدَ … …
الست هدى (لأسماء) :
… … … عشْتِ
أسماء :
مخطوبةٌ هيَ أيضًا!
الست هدى :
ماذا تقولين بنتي؟
مَنِ الكبيَرةُ؟ «بَنْبَا»
أم الكبيرَةُ أنْتِ؟
عمرُك بالتَّخْمِين
أسماء :
لستُ خالتي مُخَمِّنَهْ
في رجب الَّذي مضى
أتْمَمْتُ عشْرين سَنَهْ
الست هدى :
عشرون أنت يا ابْنَتي
إذنْ فما عُمْري أنَا؟
أسماء :
ستُّون يا خَالَهْ؟
الست هدى :
… … … … صه
لم أرَ مِنْكِ أرْعَنَا
أسماء :
خمسون يا سيِّدتي؟
الست هدى :
كذبْتِ كذْبًا بَيِّنَا
أسماء :
إذن ففي العشرينَ يَا
خالةُ أنْتِ وأنَا!
الست هدى :
هذا الحديثُ عَبَثٌ
خُذِي بنَا في غيْرهِ!
كل امرئ داخلُها!
برزْقهِ وعمرهِ
خديجة :
اسكُتي أسماءُ خلِّى السـ
ـنَّ ما هذا الفضُولْ؟
هي يَا خالةُ حَمْقَى
ليْس تدْري مَا تقُولْ!
أنت يا خالةُ في وجْـ
ـهك قد خُطَّ القَبُولْ!
لا مشيبٌ لا اصفرارٌ
لا غضونٌ لا ذُبُولْ!
الست هدى :
سمعت أسماءُ؟ علِّميهَا
ما الْقَوْلُ؟ … …
خديجة :
… … بل أنْت عَلِّمينَا!
الست هدى :
صُنَّ جمالَ الوُجُوه صوْنًا
فالسنُّ بالوجِه لا السِّنينَا!

(يُسمع صوت خارج الحجرة.)

ما ذاك عند الباب؟
صوتُ رجلِ؟
القادم :
سيدتي … … …
الست هدى :
… … … ادخُلِ
«ألمازُ» ادخُلِ!
«ألْمَازُ» أغَا! … …
الأغا :
… … … سيِّدتي!
الست هدى :
يا مرحبًا يا مرحبَا!
الأغا :
أرسلتْني حرمُ الباشَا
الست هدى :
أعِدْ … … …
الأغا :
أرسلَتْني حرمُ الباشَا إليكِ
الست هدى :
هذا أغا الباشَا اقتربْ
ماذا وراءَ القادِم؟
الأغا :
أحملُ يا سيِّدتي
تحيةَ الهَوانِم!
الست هدى :
بالله «ألْمَازُ» إلا
جلستَ بالقُرْب مِنِّي
تُحِبُّ بُنِّي فَجَرِّب
بُنَّ السَّراي وَبُنِّي

(تُناولْه قهوةً.)

ما للهوانم «ألما
زُ» ليس يسألنَ عَنى؟
الأغا :
نسيِت يا سيِّدتي
أمسِ، أمَا كُنَّ هُنَا؟
الست هدى :
ومن أنا حتى تزو
رني الشمُوسُ مَنْ أنَا؟!
الأغا :
واليوم يا سيِّدتي
أرسلْنَنِي بالمرْكَبَهْ
الست هدى :
جئتَ إذنْ في طَلَبي؟
الأغا :
أجلْ، وتحتُ الْعَربَهْ
الست هدى :
أيَّتُهُنَّ يا أغَا؟
الأغا :
«فيكْتُوريا» المقُفلهْ!
ذاتُ الرَّفَارفِ الخِفَا
فِ والسُّتُور المسْدلهْ!
ركوبةُ الهانمِ في الـ
أعْيَاد والمواسم؟
إلى السرايات مِن الـ
إنشَا إلى الهيَاتم!
الست هدى (للفتيات) :
الجَوانْتي هُنَاك «أسماءُ» انْظُريِه
انْظُري يا «خديجةُ» الْفَرجيَّهْ

(وهي تلبس):

انظُري «إقبالُ» ما
أجمل هذي الفرجيَّا!
انظُري شاليَ «أسما»
كيف حلَّى كتفيَّا!
ثم انظُرا هُنَاك يا
بنتيَّ فوق الكنَبَهْ
مِرْوحةً من النعَام
بيدٍ مُذَهَّبَهْ
وخلِّيَا هناك لي مروحة
عاجًا وأخرى كلُّها من الصَّدفْ
خديجة (همسًا) :
أسماءُ! … … …
أسماء :
… … … أختي! …
خديجة :
… … … … أبيتٌ
أم معملٌ من مراوِح؟!
أسماء :
ما تصنعين خالتي
بهذه المراوح؟!
الست هدى :
أنا — ابْنتي — مولعةٌ
بهَا وبالرَّوَائح!
ذكَّرتِني «أسماءُ» لا تنسَي الـ
ـوردَ على الرَّفِّ ولا اليَاسَمِين
أسماء :
خالةُ ماذَا؟ … …
الست هدى :
… كلُّ شيءٍ عندِي
أسماء :
أأنتِ سمعانُ أَمِ الماوَرْدِي؟
الست هدى :
«أسما» تعالَيِ انظري
كيف ترَيْن رِجْلِيَا؟
هذا الحذاءُ هل تُرى
يليق للفِكتُورِيَا؟!
أسماء :
خالة لا تُبدِّلي
هذا الحذاءُ «مملَكَهْ»!
الست هدى :
الله يا بُنَيَّتي
يطرَحُ فيكِ البَرَكهْ!

(للأغا)

«ألمازُ» هيا ننطلق
طال وقوفُ العربَهْ
لا أحدٌ في الخُطِّ إلَّا
استوقَفَتْه العَربَهْ
فحارة قائمةٌ
وحارةٌ مُنقَلبَهْ
الأغا :
سيدتي لا تخافي
مركبتي لا تحِزُّ
الست هدى :
«ألمازُ» أنتَ ظريفٌ
ومركباتك عِزُّ

(للفتيات):

قد آن أن أجيبَ دعوةَ الأغا
هيَّا ابنتَيَّ هيَّا ألْبسَانِي

(الفتيات يشتغلن بلباسها.)

الست هدى (لخديجة وأسماء) :
أنتِ ابنَتي وهذِه فتَاتِي
بناتُ جارَاتِي وصاحِبَاتِي
إذَا حُرِمْتُ النسل هنَّ بنَاتِي
وكل ما فوقَ صَدْري
وفي يدي من «مصَاغ»
وكل شَيء ببيتي
لَكُنَّ بعْد دماغِي
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤