الخاتمة

الرحلة الطويلة التي قطعناها في هذا الكتاب تؤكد ما سبق أن ذكرناه مرارًا، من أن العادات والتقاليد كثيرًا ما تطغى على الأفكار الدينية الجديدة وتطمسها تمامًا، بل وتحل محلها لتكتسب هي صفة القداسة الدينية، وهذا واضح فيما جاءت به المسيحية من أفكارٍ جديدة، إذ لا شك أن الأناجيل تضمنت نفحاتٍ من المحبة والإحسان والإخاء والمساواة — فيما تقول سيمون دي بوفوار — امتدت إلى المرأة، كما امتدت إلى المجذوم، والمساكين، والعبيد، ومع ذلك لم تسهم الأيديولوجيا المسيحية في تحرير المرأة، ولم تعمل على إنصافها أو إنقاذها من الوضع المتردي الذي كانت ترزح تحته، ولم تحاول قط أن ترفع عنها نِير العبودية الذي فرضه عليها الرجل الوثني أو اليهودي من قبل، على الرغم من أن النساء اندفعن للدخول في هذه الديانة الجديدة، بسبب النفحات السالفة الذكر، وصرن شهيدات جنبًا إلى جنب مع الرجال، ومع ذلك فإنهن لم يستطعن المساهمة، ولا المشاركة في شئون العبادة إلا بصفةٍ ثانوية، فلم تكن الكنيسة تصرح للشمامسة من النساء إلا بالأعمال البسيطة كرعاية مريض، أو مساعدة فقير. ولأن الزواج اعتُبر نظامًا يتطلب الإخلاص من الزوجين، فإن المرأة كان عليها — كما رأينا — أن تكون خاضعة خضوعًا تامًّا لزوجها.١
ولقد أكد القديس بولس هذا الخضوع الذي استمده من التراث اليهودي من ناحية ومن التراث اليوناني والروماني من ناحيةٍ أخرى، أكثر مما استمده من أفكار المسيح ومواقفه وأقواله. ثم سار اللاهوتيون وآباء الكنيسة على نفس الدرب وراحوا يتلمسون أسانيد من العهد القديم تارة، ومن مذاهب فلاسفة اليونان تارة أخرى، حيث وجدوا زادًا جيدًا لتدعيم أفكارهم، ثم لخصوا ذلك كله في مركَّبٍ يشمل مجموعة الخصائص الأساسية للمرأة أو نَموذجًا للأنثى هي صفات: «التقلب، وسيطرة الزواج، والأهواء، والسطحية، والضعف، والتهور، والثرثرة، والانفعال الطاغي، مع بطء الفهم وعدم استقرار الذهن ونقص في رجاحة العقل.»٢
وهكذا كانت العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية أقوى من الأفكار الجديدة، وهي عادات وتقاليد ترتد في نهاية تحليلها إلى موقف الرجل من المِلكية الخاصة — مادية كانت أو معنوية،٣ والتي يحرص الأب أن يرثها أبناء من صلبه. ثم جاء الفيلسوف المسيحي ليقنن هذا الوضع المتدني للمرأة أو يضفي عليه مَسحة دينية. وما الذي فعله القديس بولس عندما قال: «يا أيها النساء اخضعن لرجالكن، كما للرب»٤ سوى أنه عمَّد الوضع الاجتماعي المتردي للنساء في مجتمعه وجعله فريضة يأمر بها الدين.٥ فليس المطلوب سوى إضفاء صبغة دينية على ما هو قائم بالفعل، وما أسهل العثور على هذه الأصباغ، ولا سيما إذا كانت هناك خطيئة أولى، وغواية، وجسد، وشهوات، وتجارِب جنسية مريرة مع عشاقٍ وغوانٍ، أو إذا كانت هناك تجرِبة حب أو إحباط هنا أو هناك. والنتيجة أن يقول ترتوليان: «أيتها المرأة أنت الباب المفضي إلى الشيطان»، وكأنها تمارس الخطيئة أو تستمتع بالجنس بمفردها، وما أسهل أن يقال: إنها هي التي تغوي الرجل وتستدرجه إلى بوابة الرذيلة، تمامًا مثلما فعلت حواء حين أغوت آدم، والسؤال المهم هو: إذا كانت حواء قد أغوت آدم وأوقعته في الخطيئة، كما تواصل غواية أبنائه من بعده إلى الآن، ألا يدل ذلك على ضعفه وسذاجته وسهولة انقياده؟ وأين ذهبت قوة الرجل وصلابته، ورجاحة عقله واتزانه، وقدرته على الحكم، والتمييز بين الخير والشر، وهي صفات لا تُنسب عادة إلى المرأة، ألا يمكن أن نجد في هذا التفسير مبررًا لخضوع المرأة لسيطرة الشهوة والانفعال، وهذا المبرر هو ضعفها، لكننا لا نجد مثل هذا المبرر للرجل الذي يصفه بالقدرة على السيطرة على شهواته والتحكم في انفعالاته؟ ألا يعني خضوعه السهل، وانقياده المسلسل للغواية أنه يخضع بدوره لسيطرة شهواته وأهوائه وانفعالاته كالمرأة سواء بسواء؟ وإذا قلنا، من ناحيةٍ أخرى، إن آدم — أو الرجل الأول — كان قبل الغواية موجودًا بريئًا وصالحًا، ثم كانت حواء ذلك المخلوق الشرير رسول الشيطان وسفير الرذيلة الذي أخرجه من حالة البراءة الأولى، فهل يمكن أن ننسى أن ذلك المخلوق الشرير خُلق من ضلعٍ من أضلاعه؟ أي أنها جزء لا يتجزأ من هذا الموجود الخيِّر الصالح، أو «هي عظم من عظامي، ولحم من لحمي، هذه تُدعى امرأة؛ لأنها من امرئٍ أُخذت» (تكوين ٢: ٢٣)، كما قال آدم عندما عرضها عليه الرب الإله بعد أن بناها من ضلعه؟ بل ألم يُشتق اسم المرأة نفسه من هذا الخلق لأنها من امرئٍ أُخذت؟
والغريب، حقًّا، أنهم كثيرًا ما وقعوا بلا وعي في دورٍ فاسد Vicious Circle! فهم يعتبرون دونية المرأة ونقصها … إلخ واقعة قائمة تشهد عليها التجرِبة، ويؤكدها نموذج الأنثى كما هو موجود في المجتمع البشري، مما يدل على أن هذه الدونية طبيعية غريزية ثابتة لا تتغير، لا هي مكتسبة ولا من صنع البشر، وبذلك يذهبون إلى تأكيد صحة القصة التي رواها سِفر التكوين، غير أن هذه القصة نفسها تساعد من ناحيةٍ أخرى، على تفسير الواقعة القائمة والتجرِبة المألوفة، والفكرة الشائعة عن النساء من حيث إنهن موجودات بشرية ناقصة وأدنى من الرجال — فالتجرِبة تؤكد القصة، والقصة تفسر التجرِبة وتدعمها — وهو دور بالغ الفساد.٦

ومن العادات والتقاليد التي تحرص في النهاية على صيانة الملكية الخاصة صاغ الفلاسفة والمفكرون واللاهوتيون ما أطلقوا عليه اسم الأنثى الخالدة أو النموذج الأزلي للأنثى، وهو نموذج يجمع في مركَّبٍ واحد الأفكار العادية للمرأة، والتي تجعلها في مرتبةٍ دنيا من مراتب الحياة الإنسانية، وطبقًا لهذا النموذج لا تستطيع المرأة أن تنجز شيئًا ذا بال خارج مجال الأسرة، ومن ثم، فإذا حاولت أن تحقق ذاتها من خلال الإبداع الفني، أو النشاط العقلي، أو المشاركة في الحياة العامة سواء أكانت سياسية أم اجتماعية، أم اقتصادية … إلخ، فسوف يكون سقوطها مدوِّيًا وفشلها ذريعًا؛ لأن مصيرها — الذي هو قدرها ولا محيص عنه — قد ارتبط بالتناسل وشئون المنزل!

والواقع أنه ليس ثمة ما يمكن أن نسميه بنموذج الأنثى، وإن صح وكان هناك مثل هذا النموذج الأنثوي فمن الطبيعي أن يكون نتيجة للأبحاث التي يقوم بها علم الأنثروبولوجيا، الذي تقول واحدة من أشهر علمائه: إن كثرةً كثيرة من السمات، إن لم يكن جميع السمات، التي ننسبها عادة إلى الشخصية البشرية، ونسميها أنثوية أو ذكورية، لا ترتبط بالجنس أدنى ارتباط، بقدر ما ترتبط بالعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، مثلها مثل غطاء الرأس الذي يفرضه المجتمع على الجنس في حقبةٍ معينة من تطوره.٧
وفضلًا عن ذلك فإن البحوث الحديثة في علم النفس التجريبي تتجه لدحض الفكرة القائلة بأن مجموعة الصفات التي تُنسب عادة إلى نموذج الأنثى الخالدة هي صفات طبيعية أو فطرية خاصة بالنساء جميعًا،٨ بل إن صفات الأنثى الخالدة هي صفات الشخصية المستقلة التي لا بد أن تكون فريدة Unique وتعمل على تطوير نفسها وتنمية ملكاتها.٩ الغريب أن العبء البيولوجي المرتبط بالتناسل والأمومة وتربية الأطفال، والقيود التي فرضتها العادات والتقاليد والأوضاع الثقافية المختلفة، قد عطلت المرأة، وأخرت إنجاز وضعها الإنساني الكامل، ثم كانت المكافأة التي قدمها لها المجتمع البشري نظير تلك القيود المفروضة عليها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والأخلاقية هي: السجن في قلاعٍ حصينة.١٠
وما حدث في المجتمع المسيحي في العصور الوسطى هو نفسه ما يحدث في المجتمع الإسلامي الآن، فعلى الرغم من أن الإسلام العظيم أشاد برجاحة عقل المرأة وقدرتها، بل ومهارتها في إدارة دفة الحكم وشئون الدولة، فقد توارى ذلك كله تحت وطأة التقاليد القديمة والأعراف البالية ليظهر نموذج الأنثى الخالدة. استمع إلى القرآن الكريم وهو يروي قصة بِلقيس ملكة سبأ، لتجد أنه يصورها على أنها امرأةٌ حكيمة، تتسم برجاحة العقل واتزان الحكم، فهي لا تنفرد باتخاذ القرارات، كما يفعل الحاكم الشرقي عادةً، بل عندما تكون على وشك اتخاذ قرار خطير أو بحث مشكلة هامة تمس شأنًا من شئون المملكة، أو يتوقف عليها مصير الدولة — تدعو علية القيوم في مجتمعها للتشاور معهم، ولبحث الموضوع وتبادل الرأي، وتضع بذلك مبدأ سياسيًّا مهمًّا هو أنه لا يجوز للحاكم أن يتخذ قرارًا خطيرًا إلا بعد روية، وتدبر، وإمعان، ومشاورات مكثفة مع المختصين. فعندما أُلقيَ إليها كتاب سليمان، جمعت المستشارين، وكبار رجالات الدولة، لتعرض عليهم الكتاب، قالت: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (سورة النمل: آية ٣٢)، فماذا كان موقف الرجال الأفاضل الذين يرجحونها عقلًا؟ الاندفاع، والتهور، وسرعة الانفعال، والتلويح، في الحال، باستخدام القوة: قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ(سورة النمل: آية ٣٣)، أما المرأة بِلقيس فكانت أرجح منهم عقلًا، وأبعد نظرًا، وأكثر روية، وأشد فراسة؛ ولهذا أشارت عليهم بالتريث في استخدام القوة، فالمسألة ليست بهذه البساطة لأن الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (سورة النمل: آية ٣٤)، وهكذا راحت المرأة التي تدير شئون المملكة بعقلٍ وحكمة، تبحث عن وسيلةٍ أخرى لمواجهة الموقف العصيب الذي تتعرض له الدولة، وكانت هذه الوسيلة هي الالتجاء إلى الهدايا أولًا: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (سورة النمل: آية ٣٥).١١
هذا ما يقوله القرآن الكريم في آياتٍ بينات لا تحتاج إلى شرح، ولا تحتمل التأويل، فإذا جاء بعد ذلك كله من يقول: إن جنس الإناث رقيق حساس عاطفي، سريع التأثر، ينقاد لعوامل الشعور أكثر مما يسترشد بنور العقل؛ ولهذا فهو جنس أقل استعدادًا للرئاسة من جنس الرجال؛ لأن الرئاسة تستوحي العقل لا الشعور،١٢ فإنه في الواقع يردد نموذج الأنثى الخالدة الذي تَشكَّل على مر العصور بفضل عادات وتقاليد وأعراف كانت في معظمها جاهلية، أو أنه يردد، ربما دون أن يدري، أفكار فلاسفة اليونان الوثنيين، وهو في الحالتين لا عَلاقة له بالإسلام، تمامًا كما فعل اللاهوت المسيحي في العصر الوسيط، عندما تشرب مذهب أرسطو وتمثله، وتزود منه بأدواتٍ جديدة، ومبررات نظرية لتحديد مكانة المرأة في الكون!

لكن ماذا تقول — هكذا يرد أصحاب نموذج الأنثى الذين يحرصون على إضفاء القداسة الدينية على هذا النموذج — في أمر الآيات القرآنية الصريحة الواضحة أيضًا التي تجعل من المرأة موجودًا أدنى تابعًا للرجل؟ ماذا تقول في آيات مثل: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (سورة البقرة: آية ٢٢٨)، والرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ (سورة النساء: آية ٣٤)؟

نقول إن هذه الآيات تتحدث عن عَلاقة الرجل بالمرأة (أو بدقةٍ أكثر الزوج بزوجته) داخل الأسرة، وهو وضع مختلف أتم الاختلاف عن الحديث عن الرجل والمرأة بصفةٍ عامة، أو عَلاقتهما داخل المجتمع أو الدولة، فالآية الأولى، مثلًا، سبقتها آيات تتحدث عن المطلقات، ومتى يحل لهن الزواج (آية ٢٢٧)، وتبعتها آيات أخرى تتحدث عن الطلاق أيضًا (آية ٢٢٩)، وقل الشيء نفسه في الآية الثانية التي تتحدث هي ذاتها عن الزوجة الناشز، وما ينبغي أن يَحيق بها من عقاب، أو ضرورة تحكيم الأهل للإصلاح بين الزوج وزوجته في حالة الخوف من الفراق.

ولتوضيح هذه الفكرة نقول: ليس للمرأة (أو الرجل) وضعٌ ثابتٌ ودائمٌ في جميع مناحي الحياة؛ ذلك لأن هذا الوضع يختلف باختلاف المجالات المتنوعة، ومن ثم فإن علينا أن نحذر الخلط، وهو كثيرًا ما يحدث في مجال الأخلاق ومجال السياسة، بين الرجل والمرأة كعضوين في الأسرة التي هي مفهوم أخلاقي أساسًا، وبين المرأة والرجل كمواطنين في الدولة التي هي مفهوم سياسي. وإذا كانت الأسرة مفهومًا أخلاقيًّا، فإنها تحتاج بالضرورة إلى فردٍ واحد يكون مسئولًا مسئولية أخلاقية عنها هو الأب عادة، فهو المسئول عن الأسرة التي أوجدها فيها، كما أنه مسئول عن الأطفال الذين وهبهم الحياة، وهي كما قلنا مسئولية أخلاقية بالدرجة الأولى، بغض النظر عما يستتبع ذلك من مسئوليةٍ قانونية أو جنائية، ومن هنا جاءت الدرجة التي للزوج على زوجته، كما جاءت القِوامة التي تستلزمها قيادة الأسرة، وليس في هذا التصور أي حطٍّ من قدر المرأة، وإنما هو توزيع لأولوية المسئولية. فإذا تساءلنا: لماذا تكون المسئولية الأولى للرجل؟ لكانت الإجابة: لأن الرجل هو الذي يُقدِم على الزواج عادة، ويختار الزوجة، وينشئ لنفسه أسرةً جديدة منفصلة عن أسرته الأولى، فالأقرب إلى الصواب أن يكون هو المسئول الأول أخلاقيًّا عن أسرته الجديدة.

أما المجال الثاني فهو مختلف تمام الاختلاف، ونعني به مجال الحياة العامة، وهو مجال المساواة التامة بين الرجل والمرأة: في الحقوق السياسية، والواجبات الاجتماعية، وفرص التعليم والعمل، والمشاركة في حياة الجماعة بشتى السبل، فلا تقل واجبات المُدرِّسة، أو الطبيبة، أو المهندسة، أو عضوة المجلس النيابي … إلخ، أو حقوقها، عن واجبات المدرس أو الطبيب أو المهندس … إلخ، أو حقوقه. فنحن هنا أمام مواطنٍ سواء أكان ذكرًا أم أنثى، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات.

غير أننا كثيرًا ما نخلط — وتلك سمة المجتمع المتخلف عمومًا — بين مجالي الأخلاق والسياسة خلطًا معيبًا، يوقعنا في كثيرٍ من الأخطاء التي لا نتبين بوضوحٍ مصدرها، مِن رجل الشارع الذي يظن أنه أعلى منزلة من المرأة؛ لأن له القِوامة في المنزل، فلا بد أن تكون له القِوامة في المجتمع أيضًا، إلى الحاكم الذي يعتقد أنه أب لجميع المواطنين فينقل بذلك الفكرة الأخلاقية من الأسرة عن الأب واجب الاحترام إلى ميدان السياسة الذي يجيز للمواطنين نقده وعزله عن منصة الحكم. وقد تخلط المرأة أيضًا بين المجالين عندما تنقل المفهوم السياسي للمواطنة إلى الأسرة فتطالب الزوج بالمساواة التامة، وبالديمقراطية … إلخ،١٣ أو أن تقول لزوجها أنا مهندسة، أو مدرسة، أو طبيبة، أو حتى وزيرة … إلخ؛ لأن المرأة في الأسرة زوجة فقط.١٤

هذه أمثلة قليلة، وغيرها كثير، لحالاتٍ تطغى فيها العادات والتقاليد التي ترسخت مع مرور الأيام لتثبِّت في أذهان الناس دونية المرأة وقصورها ونقص ملكاتها … إلخ، ثم يأتي رجال الدين واللاهوتيون، ومن لفَّ لَفَّهم، ليُضفوا عليها مَسحةً دينية، ولتصبح جزءًا لا يتجزأ من التراث الديني، بل قد يرتفعون بها لتبلغ حد القداسة، ويوصَف من ينكرها بأنه كافرٌ مارق، مع أن الدين منها بريء!

١  Simone de Beauvoir: “The Second Sex”, p. 129.
٢  Dictionary of the History of Ideas, Vol. 4, p. 525.
٣  المِلكية المادية هي الأموال والعقارات … إلخ، والملكية المعنوية هي امتيازات طبقة أو جماعة … إلخ، كما كانت الحال عند اليونان والرومان قديمًا، وطبقة البراهمة في الهند أو اللوردات في إنجلترا … إلخ، مما يورثه الأب لأبنائه، ويحرص ألا ترثه دماء «غريبة».
٤  رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس ٥: ٢٢.
٥  من أعجب العجب أن الإمام الخميني الذي كان يقود ثورةً رُوحية عارمة، وكان المسلمون ينتظرون منه تقديم صورة نقية ناصعة للإسلام، بعد أن حملوه على رءوسهم من باريس إلى طهران، تكون هي صورة الإسلام في القرن الحادي والعشرين، نراه ينقل آراء رجل الشارع وأفكاره إلى القمة فيركز في أحاديثه على الحجاب والنقاب، وغيرها من أمورٍ فرضتها العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، ولا عَلاقة لها بالإسلام؛ إذ تظل المرأة مسلمةً محجبةً كانت أو منتقبةً أو سافرة.
٦  Dictionary of the History of Ideas, Vol. 4, p. 523.
٧  M. Mead: “Sex and Temperament in Three Primitive Societies” Penguin Books, p. 279.
٨  Dictionary of the History of Ideas, Vol. 4, p. 573.
٩  Simone de Beauvoir: “The Second Sex”, p. 49.
١٠  Dictionary of the History of Ideas, Vol. 4, p. 573.
١١  قارن ما سبق أن ذكرناه في كتابنا: «أرسطو والمرأة»، مكتبة مدبولي بالقاهرة، ص١١٤.
١٢  قارن: د. محمد يوسف موسى: نظام الحكم في الإسلام، دار الكتاب العربي، ص٥٤. وهذه هي الفكرة التي ترددها للأسف جميع الكتب التي تتحدث عن نظام الحكم في الإسلام.
١٣  من الأفكار البالغة السذاجة الحديثُ عن ديمقراطية الأسرة، فهو خلطٌ واضح بين الأخلاق والسياسة!
١٤  إمام عبد الفتاح إمام: «مسيرة الديمقراطية – رؤية فلسفية»، دراسة في مجلة عالم الفكر، المجلد الثاني والعشرون، العدد الثاني، عام ١٩٩٣م، تصدر عن وزارة الإعلام، دولة الكويت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥