الفصل الثاني

النظرة المسيحية للمرأة

«من أجل قساوة قلوبكم، أُذِن لكم أن تطلِّقوا نساءكم، ولكن من البدء لم يكن كذلك …»

المسيح: (متى ١٩: ٨)

«أقول لغير المتزوجين وللأرامل: إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا …»

رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس (٧: ٨-٩)

أولًا: السيد المسيح

الحق أن موقف السيد المسيح من المرأة كان أنضج كثيرًا من موقف أتباعه من الحواريين والرسل، بل من موقف الكنائس المسيحية كلها بعد ذلك، ولقرونٍ طويلة. ففي هذا الوقت المبكر من المسيحية — عصر المسيح — تطالعنا الأناجيل بمجموعةٍ كبيرة من المواقف الجديدة التي لا يشعر فيها القارئ بأية نظرة دونية للمرأة،١ فهناك شخصيات نسائية رئيسية تعامل معها السيد المسيح وامتدحها، وكشف عن مواقف إنسانية جديدة:
– فقد كان يعالج النساء كالرجال بلا تفرقة، فها هو «يايرس» Jairus يخر عند قدميه قائلًا: ابنتي الصغيرة على آخر نسَمة، ليتك تأتي لتضع يدك عليها لتُشفى … وأمسك «يسوع» بيد الصبية وقال لها: طليثا قومي (أي: يا صبية أقول لك قومي) فقامت الصبية ومشت. (مرقس، الإصحاح الخامس: ٢٢–٣٣، وكذلك ٤٠–٤٣).

– وكما يعالج الصبية الصغيرة يعالج المرأة العجوز: «ولما جاء يسوع إلى بيت بطرس، رأى حماته مطروحة ومحمومة، فلمس يدها فتركتها الحمى» (متى ٨: ١٤).

– ومن المواقف الإنسانية الجديدة التي خالف بها المسيح التراث الثقافي الموروث في عصره أنه يعالج المرأة التي ظلت تنزف اثنتي عشرة سنة، وكانت في نظر اليهود نجسة لا يجوز أن يلمسها أحد، تمامًا كالمرأة الحائض التي لا يجوز مصافحتها، لكن المسيح لم يمانع أن تأتي إليه وتسير من ورائه «وتمَس ثوبه»، فللوقت جفَّ ينبوع دمها.٢
– وهو يمتدح سلوك «الأرملة الفقيرة التي ألقت فَلسَين (في الخزانة) فدعا تلاميذه وقال لهم: الحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع … فمن عَوَزها ألقت كل ما عندها.٣

– وهو لا يفرق بين المرأة اليهودية والسامرية، بل إنه يتخطى النواهي والمحرمات التقليدية الموروثة عن الديانة اليهودية عندما مكث طويلًا إلى جانب «المرأة السامرية»، وطلب منها أن يشرب «قال لها يسوع أعطني لأشرب، وعجبَتْ من قوله، وقالت له: كيف تطلب مني أن تشرب وأنت يهودي وأنا سامرية، واليهود لا يعاملون السامريين» (يوحنا ٤: ٨–١٨).

«عند ذلك جاء تلاميذه وكانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة» (يوحنا ٤: ٢٧).

– وحدث أن كان السيد المسيح يخطب في جمعٍ من الناس، وفيما هو يتكلم رفعت امرأة صوتها من بين الجمع وقالت له: «طوبى للبطن الذي حملك، وللثديين اللذين رضَعْتهما» (لوقا ١١: ٢٧)، فلم يعتبر صوتها عورة، ولم يُلزمها بالصمت على نحو ما سيفعل القديس بولس فيما بعد، لكنه أجاب: «بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه» (لوقا ١١: ٢٨).

وعندما ذهب يسوع إلى «بيت عنيا» Bethany وهي قرية قريبة من أورشليم ليوقظ لعازر (الذي كان قد تُوُفِّيَ منذ أربعة أيام)، كان كثيرٌ من اليهود قد جاءوا إلى «مرثا» «ومريم» ليعزوهما عن أخيهما (يوحنا ١١: ١٧–٢٧)، وها هنا نرى المسيح يناقش مع «مرثا» أولًا، وهي التي استقبلته على مشارف القرية، ثم مع شقيقتها «مريم» بعد ذلك، موضوعات كثيرة رفيعة المستوى تتعلق بالإيمان، والبعث، والقيامة، والحياة، والموت … إلخ إلخ.٤

– وهناك المرأة التي ظلت تشكو من ضعفٍ في عمودها الفقري ثماني عشرة سنة، ولا تستطيع أن تنصب قامتها، فوضع يده عليها وهو يقول: «يا امرأة إنك محلولة من ضعفك … ففي الحال استقامت» (لوقا ١٣: ١١–١٣).

وعلى حين أن اليهود كانوا يتحرجون من مصافحة النساء لنجاستهن — ولا سيما الحائض منهن — فقد سمح لهن المسيح بالاقتراب منه، بل لقد ترك امرأةً خاطئة تبلل قدميه بدموعها وتمسحهما بشعر رأسها، وتقبلهما، وتدهُنهما بالطِّيب، بل إنه اعتبرها أكثر إيمانًا من الفريسي الذي أدخله بيته: «وسأله واحدٌ من الفريسيين أن يأكل معه في بيته، فدخل بيت الفريسي، واتكأ، وإذا امرأة في المدينة كانت خاطئة … إلخ» (لوقا ٧: ٣٦–٤٠)، بل إنه يتقبلها، ويغفر لها خطاياها نظرًا لإيمانها؛ ولهذا قال لها: «مغفورٌ لك خطاياك … إيمانك قد خلصك، اذهبي بسلام» (لوقا ٧: ٣١–٥٠).

– وفضلًا عن ذلك كله فقد ظهر المسيح أول ما ظهر، بعد موته، لمريم المَجدَلية التي كان «قد أخرج منها سبعة شياطين» (مرقس ١٦: ٩) (إنجيل يوحنا ٢٠: ١–١٧).

ونود أن نختم هذا القسم بموقف السيد المسيح مع المرأة الزانية التي جاء بها اليهود من الكتبة والفريسيين، في الهيكل، وقالوا له: «أوصانا موسى أن مثل هذه تُرْجَم، فماذا تقول أنت …؟ قال لهم: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر … فخرجوا واحدًا واحدًا وبقي يسوع وحده والمرأة، فقال لها: ولا أنا أُدينك، اذهبي ولا تخطئي …»٥

وأغلب الظن أنه كان يوافق على اختلاط الجنسين واجتماعهما معًا، سواء في اللقاءات الدينية أو الاجتماعية، فهو يحضر احتفالات العرس حيث كانت أمه موجودة، ولا شك أيضًا في وجود نساء أخريات.

•••

هذه المواقف الإنسانية الرائعة كان يمكن أن تشكل ثورةً ثقافية واجتماعية هائلة، وترفع مكان المرأة عاليًا، أو على الأقل يمكن أن تنتشلها من الحضيض الذي كانت تعاني منه. ولقد ذهب البعض بالفعل إلى القول بأن «المرأة ارتفع وضعها، وعلت منزلتها بفضل الديانة المسيحية وتأثيرها في العقلية التوتونية Teutonic»،٦ لكن يبدو لي أن فحص وقائع التاريخ تكشف لنا أنه لم تكن هناك أية دلائل على هذه الثورة في القرون الثلاثة الأولى من العهد المسيحي، إن وضع المرأة بين المسيحيين، كان منحطًّا بل يمكن لنا أن نقول: إن الأفكار عن النساء قد تدنت عما كانت عليه من قبل،٧ وربما كان ذلك أمرًا ملفتًا للنظر: فقد أسرعت الكثير من النساء إلى الانضمام إلى الدين الجديد الذي شعرت فيه بشيءٍ من الإنصاف، بل ربما قلنا «رد الاعتبار»، أو إعطائهن قيمةً وكرامةً واحترامًا لم يكن لهن عهد به من قبل، ومع ذلك كله فإن الخلفية الثقافية والبيئة الاجتماعية التي ظهرت فيها المسيحية هي التي طغت، وسيطرت، ووأدت الأفكار الجديدة التي أتت بها الديانة الوليدة، وهكذا توارت هذه الأفكار — رغم أنها دينية — لتعاود الكراهية الاجتماعية المتأصلة للمرأة الظهور من جديدٍ متلبسةً هذه الديانة الجديدة، ومضيفةً قداسةً دينية على الآراء الرجعية الموجودة من قبل، وربما عاد ذلك — في جانبٍ منه على الأقل — «إلى أنك لا تجد في الأناجيل نظرية مشروحة بوضوحٍ عن وضع المرأة ومكانتها …»،٨ لن تجد سوى عبارات مقتضبة، ومواقف عملية قام بها السيد المسيح، وذلك يختلف تمام الاختلاف عن وضع المرأة في الكتابات التي كتبها القديس بولس: فها هنا نجد آراء وشروحًا تتعلق بالزواج وسلوك المرأة، وهي آراء تعبر عن أفقٍ بالغ الضيق.٩

من الملفت للنظر حقًّا أن تظل النظرة الدونية للمرأة التي سادت التراث اليهودي والروماني كما هي، وتبقى الشريعة الرومانية هي مصدر القوانين في العصور المسيحية الأولى، وفي شطرٍ كبير من العصور الوسطى، وفضلًا عن ذلك، فإن هذه النظرة الدونية إلى المرأة قد اصطبغت بصِبغةٍ دينية مستمدة من الخطيئة الأولى، واعتبار المرأة مصدر الغواية، وبوابة الشر، إلى آخر ما سوف نعرض له بعد قليل.

وأخيرًا إليك هذا المثال:

لا شك أن السيد المسيح دعا إلى قدسية الرابطة الزوجية بحيث يصبح الاثنان (الزوج والزوجة) جسدًا واحدًا «والذي جمعه الله لا يفرقه إنسان» (متى ١٩: ٤)، وعندما جاءه الفريسيون سائلين: «هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لأي سبب؟» (متى ١٩: ٣)، أجاب: من أجل قساوة قلوبكم أُذن لكم أن تطلِّقوا نساءكم» (متى ١٩: ٨)، وفي هذه الكلمات الرقيقة دعوة صريحة وواضحة لمعاملة الزوجة بغير قسوة، أعني: بحبٍّ واحترام وتقدير. وهنا أيضًا يقف السيد المسيح إلى جانب المرأة ويحميها من الطلاق، وتعسف الرجل معها، وقسوته في معاملتها، بل إنه يلزم الرجل بالإبقاء على زوجته، حتى ولو كانت عاقرًا، في عصرٍ كان الطلاق فيه بالغ السهولة بالنسبة للرجل. وقد سبق أن رأينا كيف كان الزوج الروماني يطرد زوجته من منزله لمجرد أنه رآها تسير في الشارع بلا خمار، أو لأنها تبادلت الحديث في الطريق العام مع جاريةٍ أُعتِقت حديثًا، فارتكبت بذلك جريمة لا تُغتفر، أو لأنها جرُؤت على الذَّهاب إلى المباريات العامة دون إذن منه.١٠ دع عنك أن تعاقر الخمر أو حتى أن تهبط إلى القبو الذي يقوم بتخزين خمره فيه.
ولهذا يذهب بعض الباحثين إلى أن السيد المسيح بموقفه من الرابطة الزوجية وتشديده على أهميتها قد أمن بذلك مستقبل الزوجات، إذ لم تعد الرابطة هشة يمكن أن تنقطع في أي وقت، وفي أية لحظة، بسبب تسلط الرجل واستعلائه. ويرى بعض الباحثين أن هذا الموقف بالذات كان السبب الذي جعل النساء يدخلن أفواجًا في دين المسيح — منذ أن بدأت دعوته — وينجذبن إلى رسالته، بل ويتحملن صنوف العذاب والألم، ثم الاستشهاد كالرجال سواء بسواء، في سبيل الذود عن الديانة الوليدة.١١

لكن هل ظهرت هذه النظرة الجديدة عند الفيلسوف المسيحي أم طغت عليه العادات والتقاليد، فقام بتنظير تراث عصره؟! دعنا قبل أن نتحدث عن الفيلسوف المسيحي نعرض أولًا لرجلٍ وضع حجر الأساس في النظرية المسيحية التي نظَّرها الفلاسفة بعد ذلك — أعني: القديس بولس.

ثانيًا: القديس بولس

في استطاعتنا أن نقول: إن ما نجده طوال العصور الوسطى، بل في الثقافة الغربية بصفةٍ عامة من تركيزٍ على الذكر، وحطٍّ من شأن الأنثى، يضرب بجذورٍ بعيدة في الثقافة اليونانية التي كانت تُكنُّ كراهيةً عميقة للنساء، ثم واصلت مسيرتها في الثقافة الرومانية مرتدية زيًّا دينيًّا بعد ذلك في العهدين القديم والجديد.

ولقد كان القديس بولس أو «رسول الأمم» من «طَرَسوس» بآسيا الصغرى مواطنًا يهوديًّا من أهل مدينةٍ غير دينية من «كِيلِيكِيَّة» Cilicia (أعمال الرسل ٢١: ٣٩). وذلك يفسر لنا إلمامه التام باللغة اليونانية، وقد اكتسب المواطنة الرومانية بحق المولد، ولم يعد ثمة شك في أنه تلقى تعليمه بالمنزل قبل أن يسافر إلى أورشليم ليجلس بين يدي الحاخام جماليل Gamaliel. ومعنى ذلك أنه كان يحمل معه التراث اليهودي واليوناني معًا عندما ذهب إلى أورشليم.١٢ كما كان حبرًا من أحبار اليهود، تربى في مدارسهم، وتشبع بمبادئهم وعاداتهم، وحفظ طقوسهم وشعائرهم حتى قبل أن يصبح تلميذًا للفريسي اليهودي الحكيم «جماليل» Gamaliel الذي واظب على دروسه في أورشليم (القدس) طيلة خمسة عشر عامًا. وفي هذه الفترة وقع في غرام ابنة أستاذه الجميلة، وأراد الزواج منها، لكنها رفضته. ومن الباحثين من يعتقد أننا أمام خيطٍ واضح يفسر كراهيته للمرأة،١٣ فقد تكون هذه الخبرة السيئة التي مر بها في هذه الفترة قد ترسبت في أعماقه، وجعلته حريصًا أشد الحرص على أن يذكِّر النساء بصفةٍ مستمرة بأوضاعهن الدنيا بالنسبة للرجال؛ إذ المعروف تاريخيًّا أنه عندما رُفض كليةً للزواج استشاط غضبًا، حتى إنه كتب ضد «الختان» باعتباره شعيرة دينية من الشعائر اليهودية،١٤ كما كتب ضد يوم السبت — يوم الراحة عند اليهود — وضد الناموس أو الشريعة اليهودية. وذلك يعني أن تجرِبة الحب التي مر بها مع ابنة «جماليل» كانت مؤلمة غاية الألم بالنسبة له، وربما كانت الشرارة الأولى التي ظلت جذوتها تعمل في أعماقه حتى أخرجته من اليهودية تمامًا، وألقت به في أحضان المسيحية التي ظل يحاربها بشدةٍ إلى أن وقع له الانقلاب الرُّوحي العنيف وهو في طريقه إلى دمَشق، فأصبح المدافع الأول عنها!
ويرى بعض الباحثين أيضًا أنه ربما عادت كراهيته للمرأة إلى شخصية النساء في موطنه الأصلي «طَرَسوس» وتأثيرهن عليه، فقد كانت العادات والتقاليد في هذه المدينة تحتِّم على المرأة أن تغطي جسدها تمامًا بحيث لا يكون في استطاعة الرجل رؤية أي جزءٍ من جسدها، لا من الوجه ولا من بقية الجسم، على أن يكون هناك ثقب في الرداء، لا ترى منه أثناء سيرها سوى الطريق. واستمرت هذه العادات الاجتماعية في عصر القديس «يوحنا فم الذهب» (٣٤٥–٤٠٧م)، الذي كثيرًا ما كان يتحدث عن هذه العادة «الهامة»، ويعتبرها «بقايا» عفة وطهارة لم يعد لها أثر؛ ذلك لأن الدنس أو التلوث يندفع — في رأيه — مسرعًا إلى النساء عبر الأذن مثلما يندفع من خلال العين، وهكذا تصل الإباحية والفساد إلى معظم النساء؛ ولهذا نراه يقول: «إن النساء يسرن في الشارع بوجوهٍ مغطاة، لكن بأرواحٍ مكشوفة، بل قل إنها في الواقع أرواحٌ مفتوحة على مصراعيها …»١٥ هذا التراث الاجتماعي — اليوناني اليهودي — هو الذي شكل أفكار القديس بولس عن النساء، وهي أفكار كان لها أثرٌ قوي في تشكيل فكر الكنيسة المسيحية الأولى، ثم في العصور الوسطى بعد ذلك، عن المرأة.١٦ والواقع أن هذه الأفكار تحولت لتصبح القاعدة الأساسية للشكل الإكليروسي لعداء المرأة، بل كثيرًا ما نهل منها الفلاسفة من آباء الكنيسة وفقهائها ولاهُوتِيُّو القرون الوسطى.

ويمكن أن نُجمل أفكار القديس بولس عن المرأة، وهي التي كان لها هذا التأثير الهائل، في ثلاثة أفكار رئيسية على النحو التالي:

(١) الرجل هو الوسيط بين الله والمرأة

هذه هي الفكرة الأولى من الأفكار الرئيسية التي تشكل رأي بولس عن المرأة، وهناك نصوص كثيرة ذكرها القديس بولس تدعم هذه الفكرة، أشهرها ذلك النص الذي ورد في رسالته إلى «أهل كورنثوس»، حيث نجده في هذه الرسالة يحث النساء على تغطية رءوسهن في التجمعات المسيحية؛ لأن هذا الغطاء هو رمز لخضوعهن للرجل «فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده، أما المرأة فهي مجد الرجل … لهذا ينبغي أن يكون لها سلطان على رأسها.»١٧
وعلى هذا النحو يسعى القديس بولس جاهدًا للبحث عن مبرراتٍ لاهوتية للعادات الاجتماعية القائمة بالفعل، وهو ما سيفعله الفلاسفة واللاهوتيون بعد ذلك في محاولةٍ لإضفاء صفة «القداسة» الدينية على هذه العادات الاجتماعية. ومن ذلك ما يقوله هنا عن غطاء الرأس: «فللرجل أن يسير حاسر الرأس، أما المرأة فلا يحق لها أن تفعل ذلك»، ويربطها بالدين عندما يتساءل في استنكار: «وهل يليق بالمرأة أن تصلي إلى الله وهي غير مغطاة …؟» (كورنثوس الأولى ١١: ١٣).١٨
ومن ناحيةٍ أخرى فإن على الرجل أن يعلِّم المرأة — كما يقول القديس بولس — لا العكس. والبيت — كما سيقول الإمام الغزالي أيضًا — هو المكان المناسب لتتعلم الزوجة من زوجها مبادئ الدين، يقول بولس: «لتصمت نساؤكم في الكنائس، ألا إنه ليس مأذونًا لهن أن يتكلمن، بل يخضعن كما يقول الناموس أيضًا، لكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئًا فليسألن رجالهن بالبيت …»١٩ ولا بد أن نلاحظ أن بولس هنا يعبر عن الفكرة اليهودية التي كانت تقول: «إن صوت المرأة عورة»، وهو ما لم يقله المسيح قط! فضلًا عن ذلك فإن القديس بولس يردد — من ناحيةٍ أخرى — ما كان يقوله اليونانيون من أن تاج المرأة هو الصمت، وفضيلتها الخضوع للرجل، لكنه الآن يقدم لنا مبررات دينية لهذه الظاهرة: منها أن الله خلق آدم أولًا، وتلك مِيزة تجعل الرجل يتفوق على المرأة.٢٠ ومنها أن الحية أغوت حواء وليس آدم،٢١ يقول: «لتتعلمِ المرأة بِسكوتٍ في كل خضوع، ولكن لست آذَنُ أن تعلِّم ولا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكون؛ لأن آدم جُبل أولًا ثم حواء، وآدم لم يُغْوَ ولكن المرأة أُغويَتْ فحصلَتْ في التعدِّي.»٢٢

(٢) المرأة موجود ثانٍ خُلق من أجل الرجل

يذهب القديس بولس إلى أن الوضع الثانوي — بل المتدني — للمرأة ينسجم تمامًا مع النظام العام للكون، وهو في ذلك يشبه أرسطو فيما ذكره عن الهَيراركية (أو الترتيب التصاعدي) القائمة في الأشياء والموجودات التي يزخر بها الكون، ومن ثَم فقد أقام المعلم الأول دونية المرأة على أساسٍ ميتافيزيقي، وهكذا يفعل القديس بولس، يقول: «أما المرأة فهي مجد الرجل؛ لأن الرجل ليس من المرأة، بل المرأة من الرجل …»٢٣
والواقع أن القديس بولس كان يلخِّص الوضع الاجتماعي، بل والاقتصادي للمرأة في عصره. وربما لم يكن ذلك جديدًا، لكن الجديد، والخطير معًا، أنه يُضفي عليه صِبغةً دينية، فضلًا عن أنه يبتعد عن المواقف الإنسانية الجديدة التي جاء بها السيد المسيح، وهي مواقف كان يمكن أن تتطور، وأن تؤثر، ومن ثَم تغيِّر — ولو قليلًا — من وضع المرأة المتدهور، إلا أن العادات والتقاليد (فضلًا عن مصلحة الرجل بالطبع) كانت للأسف أقوى تأثيرًا وأشد فاعلية، حتى إن القديس بولس نظر إلى هذا الوضع «اللاإنساني» للمرأة على أنه «أمرٌ طبيعي» وظاهرة واقعية٢٤ أرادها الله وصدَّق عليها البشر، كما قال المؤرخ اليوناني زينوفون قديمًا.٢٥ ومن هنا نراه يشدد على ضرورة الحجاب، فهو يأمر النساء أن يأتين للصلاة ودور العبادة محجبات؛ لأن شعرهن يُعَد من أكبر المغرِيات، وكان يخشى أن يفتتن به الناس والملائكة أنفسهم أثناء الصلاة.٢٦
وإلى جانب ذلك فقد اهتم القديس بولس اهتمامًا كبيرًا بمسألة «النظام» في المجتمع المسيحي بصفةٍ خاصة. وكان مما له أهمية كبرى عنده ألا تأخذ النساء مكان السيادة في التجمعات المسيحية، وألا يتحدثن إلى الجمهور وهن حاسرات الرأس، أو أن يسِرن في الشارع بغير خمار؛ لأن ذلك سيكون — في رأيه — فضيحة للدين الجديد الذي يواجَه بالفعل بتهم اللاأخلاقية، والتخنث. ومن هنا نراه يشدد بإصرار على أهمية السلوك الجنسي القويم، ومن سماته الرئيسية: خضوع الزوجات لأزواجهن٢٧ «أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما يليق بالعيشة في الرب.»٢٨ ويكرر الوصية نفسها إلى أهل أفسس: «أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب؛ لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح هو رأس الكنيسة.»٢٩
وفضلًا عن ذلك فإننا نرى القديس بولس يستخلص من القصة الرمزية التي وردت في سِفر التكوين عن خلق حواء من ضلع آدم دليلًا على أن المرأة موجود ثانٍ، خُلق من أجل الرجل، وهي فكرة سوف يتولاها، فيما بعد، بالشرح والتفصيل: اللاهوتيون والفلاسفة الآباء، وشارحو الكتاب المقدس — مهملين في الوقت ذاته، المحاولات التي قام بها بولس نفسه للتخفيف من حدة أفكاره وقسوتها. من ذلك ما يسوقه من تأملاتٍ مسيحية لإحداث شيء من التوازن، كقوله مثلًا: غير أن الرجل ليس من دون المرأة، ولا المرأة من دون الرجل في الرب؛ لأنه كما أن المرأة هي من الرجل، هكذا الرجل أيضًا هو بالمرأة، ولكن جميع الأشياء هي من الله.٣٠

(٣) المرأة أصل الخطيئة

كان للفكرة التي تقول إن المرأة أصل الخطيئة أثرٌ بالغ في تشكيل النظرية المسيحية عن المرأة في القرون المسيحية الأولى — والتي تسمى عادةً بعصر الآباء — ثم في العصور الوسطى بعد ذلك، ولقد بدأت هذه الفكرة من كلمات القديس بولس الذي كان يردد الفكرة اليهودية التي تقول إن المرأة هي أصل الغواية، وإنها هي التي انحرفت بآدم، وأخرجته من الجنة عندما أطاعت الحية فأكلت من الشجرة المحرمة. ولم يكن ذلك الخطأ مرتبطًا بحواء فقط، بل امتد إلى بناتها أيضًا واستمر معهن، فأصبحت المرأة دائمًا مصدر غواية للرجل، وهي بما ترتديه من ملابس، وما تتزين به من حُلِي، وما تضعه من أصباغٍ على وجهها … إلخ، تلقي بشباكها لإيقاعه في حبائلها! ولهذا نراه ينصح النساء بعدم التزين، ولا سيما بالحلي أو الملابس الثمينة، يقول: «النساء يزيِّنَّ ذواتهن بلباس الحشمة مع ورعٍ وتعقل، لا بضفائر، أو ذهب، أو لآلئ كثيرة الثمن، بل كما يليق بنساءٍ متعهدات بتقوى الله، وبالأعمال الصالحة.»٣١

فمنذ غواية حواء صار جنس النساء مصدر كل إثم؛ ولذا فخلاص المرأة أن تعلو على طبيعتها الأنثوية، وأن ترفض متعة الجسد، وأن تقبل المسيح زوجًا لها بدلًا من أن تخضع لواحدٍ من البشر!

ولكي يتم ذلك، وكجزء من التخطيط العام للنقاء والبعد عن أدوات الجسد، يدعو القديس بولس الرجال للابتعاد عن النساء بقدر المستطاع: «فيحسن للرجل ألا يمَس امرأة» (كورنثوس الأولى ٧: ١)، كما يدعو الابن «الصريح في الإيمان» تيموثاوس إلى الابتعاد عن الغرائز والشهوات فيقول له: «أما الشهوات الشبابية فاهرُب منها، واتَّبع البِر، والإيمان، والمحبة، والسلام مع الذين يدعون الرب من قلبٍ نقي …»،٣٢ ولا شك أن في ثنايا كلمات بولس دعوة إلى التبتل والرهبنة، والبعد عن ممارسة الجنس، فذلك أفضل؛ لأن «غير المتزوج يهتم في ما للرب، وهدفه كيف يرضى الرب، أما المتزوج فيهتم في ما للعالم، وهدفه كيف يرضي امرأته …» (كورنثوس الأولى ٧: ٣٣). ومن هنا فإننا نراه أحيانًا يصرِّح بهذه الفكرة بوضوحٍ فيقول: «إن بين الزوجة والعذراء فرقًا، فغير المتزوجة تهتم في ما للرب لتكون مقدسةً جسدًا ورُوحًا، أما المتزوجة فهي تهتم في ما للعالم وهدفها كيف ترضي رجلها» (كورنثوس الأولى ٧: ٣٤).

غير أن القديس بولس — بالطبع — لا يدعو المسيحيين إلى الإضراب عن الزواج، فالزواج مرغوبٌ فيه لكن العزوبة أفضل لمن استطاع: «من تزوج فحسنًا يفعل، ومن لا يتزوج يفعل أحسن» (كورنثوس الأولى ٧: ٣٨). «أقول لغير المتزوجين وللأرامل: إنه حسنٌ لهم إذا لبثوا كما أنا، ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا، لأن التزوج أصلح من التحرق …» (كورنثوس الأولى ٧: ٨-٩)، وباختصار: إن تزوجت لم تخطئ، وإن تزوجت العذراء لم تخطئ. ولكن مثل هؤلاء يكون لهم ضيق في الجسد. وبسبب الزنا ليكن لكل واحدٍ امرأته. ليكن لكل امرأةٍ رجلها (٧: ٢)، ثم يقول: «ليس للمرأة تسلط على جسدها، بل للرجل» (٧: ١–٤)، وهكذا جعلها لا تستطيع التسلط على جسدها، بل جعل التسلط على هذا الجسد من حق الرجل وحده.

•••

تلك كانت الأفكار الرئيسية التي جاء بها القديس بولس، ومن الواضح أنها تتسق مع التراث اليهودي-الروماني أكثر مما تتفق مع مواقف السيد المسيح الإنسانية بالنسبة للمرأة التي كانت تتحدث في حضوره، وعلى مسمعٍ من الجميع — بطريقةٍ طبيعية جدًّا — دون أن يقول: «فلتصمت نساؤكم»، أو أن يعتبر صوتها عورة، ولم ينظر إليها قط على أنها موجودٌ أدنى من الرجل، كما أنه لم يرفض الاختلاط بين الجنسين، وقد حضر هو نفسه عرس «قانا الجليل» المختلِط الذي كان يحضره عددٌ كبير من الرجال ومن النساء، وكان من بينهن أمه السيدة مريم.٣٣

وكانت الجموع تتبعه من المدن رجالًا ونساءً «ولما خرج يسوع أبصر جمعًا كثيرًا فتحنن عليهم وشفى مرضاهم»، دون أن يفرق بين ذكرٍ وأنثى فهو يعالج المرأة كما يعالج الرجل سواء بسواء! بل كثيرًا ما كان يمد يده نحو تلاميذه ويقول: «ها أمي وإخوتي؛ لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي» (متَّى ١٢: ٤٩).

وباختصارٍ لقد كان السيد المسيح — كما سبق أن رأينا — يعامل النساء بلطف، ويتحدث إليهن بمودة، ولم ينظر أبدًا إلى المرأة تلك النظرة التي تنم عن كراهيةٍ أو بغض، خلافًا للعرف السائد يومئذٍ، حتى إن تلاميذه «كانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة» (يوحنا ٤: ٢٧)؛ لأن ذلك شيءٌ جديد لم يعهدوه من قبل. وكانت المرأة تبشر برسالته حتى آمن به في تلك المدينة كثيرون بسبب كلام المرأة التي كانت تشهد له (يوحنا ٤: ٣٩)، ومن ثم استبشرت النساء خيرًا من تلك الديانة الوليدة التي جاءت لتخرجهن من حضيض العيش إلى مستوى الحياة الإنسانية الكريمة، وأسرعن إلى الإيمان بالمسيحية والدخول في رحابها أملًا في الخلاص من قيود الوثنية، وسجن اليهودية، فماذا كانت النتيجة؟ طغيان العادات والتقاليد القديمة، وسيادة تامة للتراث اليهودي الروماني، الذي عمَّده آباء الكنيسة وفلاسفتها ليصبح هو بنصه التراث المسيحي. وقد بدأ هذا الانقلاب الغريب على يد القديس بولس الذي وضع حجر الأساس في النظرية المسيحية عن المرأة التي ظلت سائدة طوال العصور الوسطى بما تحمله من كراهيةٍ ودونية. لكن كيف يمكن أن نفسر موقف «رسول الأمم»؟

يذهب «تشارلز سيلتمان» Charles Seltman إلى أن هناك سببين:
  • الأول: أن بولس كان من «طَرَسوس»، وأنه نشأ في أسرةٍ يهودية محافظة تعتز بالتراث اليهودي، وتحافظ على طقوس هذه الديانة، ومن ثَم فقد كان إصراره على صمت النساء في الكنيسة، وتغطية جسدهن — جزءًا لا يتجزأ من الخلفية الثقافية التي تربى فيها، وأثرًا من آثار التراث اليهودي الروماني، بل واليوناني أيضًا.
  • الثاني: أن رسائل القديس بولس التي تحدث فيها بكثرةٍ عن النساء، وكشف فيها عن مواقف متشددة للغاية، كانت كلها — تقريبًا — موجهة إلى أهل كورنثوس، ولقد كانت مدينة «كورنثة» Corinth مدينة يونانية تقع على خليج كورنثة، أسسها الدوريون في القرن التاسع، وسرعان ما أصبحت ميناءً هامًّا، ومقرًّا لإلهة الحب والجمال والجنس «أفروديت» Aphrodite التي وُلدت من زَبَد البحر، وخرجت على شواطئ هذه المدينة حيث أقيم معبدها، ويبدو أن الميناء الذي يفد إليه المسافرون والبحارة كان يغص بالعاهرات والغواني اللائي كن يشكلن جانبًا من ديانة الإلهة أفروديت. ولقد صدم هذا النوع من السلوك الديني مشاعر القديس بولس، وتصوره عن المرأة الفاضلة، ومن هنا فقد راح يؤكد في رسائله إلى أهل كورنثوس نظرة اليهود المحافظة تجاه المرأة الفاضلة.٣٤
ويمكن أن نسوق ملاحظتين على هذا التفسير:
  • الملاحظة الأولى: أن هذا التفسير يؤكد ما سبق أن ذكرناه أكثر من مرةٍ بصدد طغيان التراث اليهودي الروماني، وسيطرته على فكر القديس بولس، لكنه لا يفسر لنا — وهذا هو المهم — لِمَ ابتعد فكر القديس بولس عن المواقف الإنسانية الجديدة التي أتى بها المسيح، مع أن المفروض أنه «رسول المسيح إلى الأمم» وليس رسول اليهودية إليها؟ كيف تجاهل تمامًا الأفكار الجديدة، وعمَد إلى طمسها حتى قيل إن هناك مسيحية خاصة باسمه هي «مسيحية بولس» التي تختلف في كثيرٍ من جوانبها عن «مسيحية المسيح»؟
  • الملاحظة الثانية: أن هناك من الباحثين من يجعل لغرامه الأول بابنة أستاذه الحاخام جماليل دورًا بارزًا في كراهيته لكل النساء، ولا سيما أن هذا الحب كان في فترةٍ مبكرة من عمره، فجاء رفض الفتاة للزواج منه صدمة عنيفة جعلته ينفر من الزواج عمومًا، ويفضل «الرهبنة» والعزوبة، ويدعو المسيحيين إليها، وفي ذلك مثال آخر للمبدأ الشهير في علم النفس — الذي سبق أن ذكرناه — والذي يقول: «إن الكراهية الشديدة لا بد أن تكون ناتجة في الأصل عن حبٍّ شديد لم يُشبَع، أو رغبة عنيفة لم تتحقق وتم إحباطها.»
١  Charles Seltman: “Women in Antiquity” London, Thames and Hudson, 1956, p. 184.
٢  إنجيل مرقس، الإصحاح الخامس: ٢٥؛ وانظر كذلك إنجيل متى، الإصحاح التاسع: ٢٠–٢٣.
٣  إنجيل مرقس، الإصحاح الثاني عشر: ٤٣-٤٤.
٤  James Donaldson: “Woman: Her Position …”, p. 148.
٥  إنجيل يوحنا، الإصحاح الثامن: ٣–١١.
٦  الجنس التوتوني يشمل: الألمان، والدنماركيين، وجيرانهم، بل الإنجليز أيضًا … إلخ.
٧  J. Donaldson: “Woman: her Position …”, p. 148.
٨  J. Donaldson: Ibid., p. 149.
٩  Ibid., p. 150.
١٠  راجع فيما سبق: الخلفية المدنية الرومانية، لا سيما المواطنة الرومانية الحرة.
١١  يقول العقاد عن السيد المسيح إنه:
كان عظيم الأثر في نفوس النساء، يتبعْنَه حيث سار، ويُصغِين إليه في محبةٍ ووقار … ص١٢٧.
١٢  كان اسمه في الأصل شاءول، وقد غيَّره إلى بولس عندما اعتنق المسيحية. وعلى الرغم من أنه لم ير المسيح قط، فقد تعصب له بشدة، وأدخل عناصر جديدة، وأفكارًا كثيرة، وتأويلاتٍ شتى لأقواله، حتى لتجد من الباحثين من يفرق بين «مسيحية المسيح»، و«مسيحية بولس» انظر مثلًا:
James Donaldson: op. cit. p. 153.
١٣  بناء على المبدأ الشهير في علم النفس الذي يقول: «إن الكراهية الشديدة لا بد أن تكون ناتجة في الأصل عن حبٍّ شديد لم يُشبَع، أو رغبة عنيفة لم تتحقق وتم إحباطها.» سوف نجد لهذا المبدأ أمثلة كثيرة طوال هذا الكتاب.
١٤  عادة الختان التي هي إحدى الشعائر الدينية عند اليهود، وتنسبها التوراة إلى إبراهيم (تكوين، الإصحاح السابع عشر: ١–١٣) هي في الواقع عادة فِرعَونية كانت تُمارَس في مصر القديمة منذ زمنٍ بعيد، وقد نقلها اليهود عن المصريين القدماء أثناء وجودهم في مصر، ثم أصبحت بعد ذلك شعيرة مقدسة في بعض الديانات.
١٥  Quoted by J. Donaldson: “Woman: Her Position …”, p. 150.
١٦  Ibid.
١٧  رسالة القديس بولس الأولى إلى أهل كورنثوس، الإصحاح الحادي عشر: ٧–١٠.
١٨  Dictionary of Ideas, Vol. 4, p. 524, Charles Scribner’s Sons, N.Y. 1944.
١٩  الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، الإصحاح الرابع عشر: (٣٤–٣٦). وقارن فيما سبق ما قالته الديانة اليهودية من أنه يجوز للمرأة أن تتعلم لا أن تعلِّم. وأيضًا المدخل العام الذي صدَّرنا به هذه السلسلة في الكتاب الأول منها بعنوان «أفلاطون … والمرأة»، مكتبة مدبولي بالقاهرة.
٢٠  أدار الأديب الساخر «برنارد شو» حوارًا طريفًا بين آدم وحواء حول موضوع هذه المِيزة التي تتردد كثيرًا، جاء فيه:
آدم: أنا أفضل منك؛ لأن الله خلقني أولًا!
حواء: كلا، أنا أفضل منك؛ لأن الله خلقك في البداية لتكون في شرف استقبالي.
٢١  من المهم أن نتذكر أن الإسلام لا يحمِّل المرأة وحدها عبء هذه الخطيئة (أي الأكل من الشجرة المحرمة) بل يجعل المسئولية مشتركة بينها وبين زوجها وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ (البقرة: ٣٥-٣٦).
٢٢  رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس، الإصحاح الثاني: ١١–١٤.
٢٣  الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، الإصحاح الحادي عشر: ٧–١٠.
٢٤  قارن أيضًا قول القديس بولس: «أوليست الطبيعة نفسها تعلِّمكم إن كان الرجل يرخي شعره فهو عيب له؟» (رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس، الإصحاح الحادي عشر: ١١–١٤).
٢٥  Quoted by Anderson in His “Xenophon”, p. 17.
٢٦  راجع عادة الحجاب التي كانت منتشرة في المجتمع اليوناني «أفلاطون … والمرأة» كما ظهرت أيضًا عند العرب في الجاهلية، وكذلك ما ذهب إليه الفقهاء المسلمون من أن شعر المرأة عورة، وكذلك صوتها. سوف نرى بعد قليلٍ أن القديس «جيروم» كان يدعو المرأة إلى قص شعرها كله امتثالًا لقول القديس بولس: «المرأة إن كانت لا تتغطى فليُقَص شعرُها، وإن كان قبيحًا بالمرأة أن تُقَص أو تُحلق فلتتعظ» (كورنثوس الأولى، الإصحاح الحادي عشر: ٦).
٢٧  Dictionary of the History of Ideas, Vol. 4, p. 523.
٢٨  رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي ٣: ١٨.
٢٩  الرسالة الأولى إلى أهل أفسس، الإصحاح الخامس: ٢٢–٢٤.
٣٠  رسالة القديس بولس إلى أهل كورنثوس، الإصحاح الحادي عشر: ١١-١٢.
٣١  رسالة القديس بولس الأولى إلى تيموثاوس، الإصحاح الثاني: ٩-١٠.
٣٢  رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، الإصحاح الأول: ٢٣-٢٤.
٣٣  وفي اليوم الثالث كان عرس في «قانا الجليل» وكانت أم يسوع هناك، ودعي أيضًا يسوع وتلاميذه إلى العرس، ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له: ليس لهم خمر … إلخ. (إنجيل يوحنا، الإصحاح الثاني: ١–٤).
٣٤  Charles Seltman: “Women in Antiquity” London and New York: Thames and Hudson, 1956, p. 184.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥