الفصل الرابع

القديس أوغسطين (٣٥٤–٤٣٠م)

St. Augustine

«آه! لو أني ارتضيتُ أن أكون خصيًّا حبًّا في ملكوت السماء لكنتُ الآن أوفر سعادة!»

القديس أوغسطين: الاعترافات

(١) حياته

كان القديس أوغسطين أعظم آباء الكنيسة الكاثوليكية ومن أهم فلاسفتها. وُلد في طاجست Thagaste التي تُعرف اليوم ﺑ «سوق الأخرس» في شرق الجزائر في ١٣ نوفمبر عام ٣٥٤م، وتُوُفِّيَ في هبون المعروفة اليوم باسم بونة في غربي تونس في ١٤ أغسطس عام ٤٣٠م، وكان أبوه وثنيًّا بينما كانت أمه مونيكا Monica مسيحية، وكان شمال إفريقيا آنذاك ولاية رومانية يحكمها قنصلٌ روماني يقيم في قَرطاجة. درس في طاجست النحو وبعض العلوم الأخرى، وكان قد تعلم اللاتينية في غير عسرٍ وهو جالس على ركبتي أمه، لكنه كره اليونانية التي حاولوا أن يعلموه إياها في المدرسة؛ لأنه كان هناك يساق سوقًا عنيفًا ويتوعدونه بالوعيد القاسي، والعقاب الأليم فبقيت معرفته باليونانية يسيرة إلى ختام حياته. ورغم أن ما ناله من ضرباتٍ على يد معلمه في المدرسة قد فشل في حمله على تعلم اللغة اليونانية، فقد شفاه من المرح الضار، على حد تعبيره، ولهذا فهو يعتبر هذه الطريقة وسيلة لا بد منها في التربية!

وهو يروي في كتابه الاعترافات كيف اقترف الإثم حتى في المراحل المبكرة من حياته؛ فقد سرق بعض ثمار الكُمَّثرَى من حديقةٍ مجاورة وهو صبي صغير، وكان عند أبويه في الدار من الكُمَّثرَى ما يفضل الثمار التي سرقها، كما أنه لم يكان جائعًا. كذلك كثيرًا ما اقترف إثم الكذب، فضلًا عما سنرويه بعد قليل من عَلاقاته النسائية في مرحلة المراهقة وما بعدها، ذلك كله جعله يعتقد أن الخطيئة هي أهم شواغل الإنسان!

وفي سن السادسة عشرة سافر إلى قَرطاجة Carthage لإنهاء دراسته في القانون، وهناك قرأ كتاب شيشرون وعنوانه Hortensius (وهو مفقودٌ الآن) فدفعه هذا الكتاب إلى الاهتمام العميق بالفلسفة ثم قرأ الديانة المانوية Manicheism واعتنقها ثم سافر إلى إيطاليا؛ روما أولًا ومن هناك إلى مدينة ميلان حيث وقع تحت تأثير الأفلاطونية الجديدة، والتي وجدها مذهبًا ميتافيزيقيًّا يقول بالكلمة Logos، لكنه لم يجد عندهم مذهب التجسيد، ولا خلاص الإنسان، ثم استمع إلى مواعظ القديس أمبروز وعانى من صراعٍ باطني عنيف نتيجة لإلحاح أمه التي كانت تتوق لدخوله المسيحية، وهي الأزمة الحاسمة في حياته الرُّوحية التي نعتها أوغسطين بأنها كانت شبيهة بعاصفةٍ تلاها مطرٌ غزير، لقد شعر بأن نفسه ممزقة بين إرادة الخير وإرادة الشر، بين مطالب الرُّوح ومطالب الجسد. ويصف حاله هذه فيقول: «كنت أنا من يريد ومن لا يريد، وهذا العذاب الذي انتزعني من ذاتي، هذا التمزق بين الإرادة والقدرة، لم يكن ناجمًا عن طبيعةٍ أجنبية عني، بل كان ناتجًا عن الألم المتولد من طبيعتي التي كانت فريسة للخطيئة.»١
وقص عليه أحد مواطنيه الأفارقة حياة رهبان الصحراء في مصر، خصوصًا حياة القديس أنطون الذي كان ممن تخلوا عن الدنيا، وتفرغوا لعبادة الله في الخلوات فأثرت هذه الحكايات في نفسه أعمق تأثير، ومع ذلك ظل يقاوم، وعزَّ عليه أن يفارق شهواته ولذاته فراح يشكو إلى الله: إلى متى يا إلهي ستظل غاضبًا عليَّ؟ هل سيتأجل الأمر دائمًا إلى الغد؟ لماذا لا أنهي على الفور حياة العار التي أعيشها؟٢ وكان ذلك في خلوته في حديقةٍ متصلة بمسكنه الذي كان يقيم فيه مع صديقه ألوسي Alysie٣ في كَسِكياكم Cassiciacum. وبينما كان يناجي نفسه سمع صوت فتاة صادرًا من البيت المجاور يغني قائلًا: Tolle Lege، أي خذ واقرأ، وراح الصوت يكرر هذا الأمر مرارًا، فاندفع إلى داخل المنزل وتناول الكتاب المقدس. وكانت رسائل القديس بولس قد تركها منذ قليلٍ وفتحها اتفاقًا،٤ وقرأ: «لا بالبطر والسُّكْر، لا بالمضاجع والقهر، لا بالخصام والحسد، بل البسوا الرب يسوع المسيح، ولا تصنعوا تدابير للجسد لأجل الشهوات.»٥ فإذا الأهواء تسكن، وإذا قلبه يفيض نورًا واطمئنانًا فوضع نفسه بين يدي الله بغير حفظٍ ولا رجعة. يقول في الاعترافات: اكتفيت بهذا القدر إذ لم يعد بي حاجة إلى المزيد منه، وما إن انتهيت من قراءة هذه الأسطر حتى أشرق في قلبي شعاع الطمأنينة الذي بدد ما كان يلفني من ظلمات الأوهام، عندئذٍ طويت الكتاب ورحت أقص على ألوسي ما قد جرى، والسكينة تخيم على وجهي، فأخذ الكتاب وطالعه ثم زاد: «من كان ضعيفًا بالإيمان مُدوا إليه يدًا.٦ واعتبر الكلام موجهًا إليه وهنأني على ما عزمت أن أقوم به وهو أهل لذلك لأن سيرته أفضل بكثيرٍ من سيرتي.»٧ وصلى صلاة الشكر «أيها الرب عبدك أنا، وابن أمتك، لقد حطمت قيدي فإليك أذبح ذبائح الحمد» (مزمور ١١٦: ١٦، ١٧).
استمع أوغسطين فيما يروي عن نفسه في اعترافاته (الكتاب الثامن، الفصل الثاني عشر) لهذا القول فاتبعه، وتم نهائيًّا تحوله إلى حياته الرُّوحية وكان ذلك في سبتمبر ٣٨٦م فعزف عن الزواج، وعن كل شهوةٍ دنيوية، وكان في الثالثة والثلاثين من عمره. وإبان احتفالات عيد الفصح مارس-إبريل سنة ٣٨٧م تلقى أوغسطين التعميد على يد القديس أمبروز (٣٤٠–٣٩٧م) St. Ambrose أسقف ميلان، وكان في الرابعة والثلاثين من عمره «وفي الحال جئنا إلى أمي وأخبرناها بما جرى فاغتبطت كثيرًا،٨ ولما تهيأ للعودة إلى مسقط رأسه مرضت أمه مونيكا في ضاحيةٍ من ضواحي روما، وتُوُفِّيت وهي في السادسة والخمسين من عمرها، وقد أُعلنت قديسة فيما بعد، وصارت ذات مكانة عالية بين قديسات الكنيسة الكاثوليكية، فسار إلى روما وبقي فيها بضعة أشهر، وأخيرًا عاد إلى «طاجست» مسقط رأسه، فتبرع بجزءٍ من أملاكه للكنيسة، وبجزءٍ آخر للفقراء ولم يحتفظ لنفسه إلا ببيتٍ جعله مكانًا للعبادة ولجماعةٍ من المتعبدين من أنصاره، ووزَّع أوقاته بين العبادة وفلاحة الأرض وعاش عيشة الرهبنة ثلاث سنين، ثم انتشر صيته في الأنحاء المجاورة حتى إنه في سنة ٣٩١م أثناء رحلته إلى هيبو Hippo (غرب تونس) طلب الأهالي من أسقفهم أن يعين أوغسطين كاهنًا يرعاهم، فأجابهم الأسقف إلى طلبهم، وبعد خمس سنين تُوُفِّيَ الأسقف، فاقترع الشعب لأوغسطين فتولى نشر الإيمان والدفاع عن المسيحية باللسان والقلم خمسًا وثلاثين سنة، وظل يمارس هذه المهمة حتى وفاته سنة ٤٣٠م.

(٢) عَلاقته بالنساء

اشتُهر القديس أوغسطين بكثيرٍ من مغامراته النسائية واقترافه للآثام والخطايا، مما رواه عن نفسه في كتاب الاعترافات، ففي الكتاب الثاني (الفصل الأول) يروي أنه لما بلغ سن المراهقة، غلبته شهوات الجسد، وأنه غرِق في أتونها حتى الأذنين: «أحرقني العطش إلى الملذات الجهنمية، دفعتني وقاحتي إلى الاستمتاع بشتى أنواعها فتشوه جمالي، أصبحت قذارة أمام ناظريك.»٩ فقد ترك نفسه على هواها تفعل ما تريد: «كل ما كان يحلو لي آنذاك هو أن أعشق، أعشق لكني لم أقيد بما للصداقة من سبلٍ نيرة تجمع بين قلبين؛ لهذا لما بلغت أشدي تصاعدت من أتون شهوتي الجسدية أبخرة غمرت قلبي وضغطت عليه، فما عدت أقوى على التمييز بين الحب السَّنِي الطاهر، والدنس حالك السواد، اللذين اختلطا في نفسي فاختمرا واقتادا سِنيَّ الواهية في أثر المُغويات، وغمساني في لجة الرذائل.»١٠
ولقد كانت أمه كما سبق أن ذكرنا مسيحية شديدة الإيمان: «قد أوصتني أمي ألا أدنس عرض امرأة متزوجة وألا أرتكب الفحشاء … إلخ» وخُيل إليه أن هذه الأقوال لا تعدو أن تكون نصائح امرأة، ومن العار أن يعمل بها، فاندفع في الغواية اندفاعًا أعمى! «ولو أني أصغيت بانتباهٍ إلى قصف رعودك في الكتاب المقدس: «سيلقون ضنكًا في أجسادهم» وأيضًا «الأفضل لرجلٍ ألا يقترب من امرأة»، لِمَ سددت أذني عن ذلك الكلام؟! آه لو أني رضيت أن أكون خصيًّا حبًّا في ملكوت السماء الآن لكنت أوفر سعادة»١١ فأين كنت ولم بعُدتُ عن لذائذ دارك يا رباه؟! في عامي السادس عشر من عمر جسدي، حين استبدت بي الشهوة المجنونة التي تسترسل طليقة بسبب ميل الإنسان إلى الشر، وإن يكن الشر محرمًا بحكم شريعتك يا إلهي، أين كنت عندئذٍ حين أسلمت كل زمام نفسي لشهوة جسدي؟!» وكلما حاول أن يقاوم ويبتعد «تغلب عليَّ التيار وجرفني فتجاوزت نواميسك ولم أنجُ من تأديبك، وهل ينجو منه بشر؟ أنت ما ابتعدت عني قط أيها الرحيم في قسوتك، بل تداركت جميع ملذاتي المحرمة بسأمٍ مرير، ودفعتني إلى البحث عن طيباتٍ لا يعرف طالبها سأمًا.»١٢
وعندما انتقل من مسقط رأسه إلى العاصمة قَرطاجة «رأيت فوضى العشق تضرب بموجها حولي، ولم أكن قد أحببت بعد لكني وددت لو أحببت، وشعرت في أعماق نفسي بحاجةٍ إلى الحب، ومن أعماق نفسي كرهت أن أكون متأخرًا في هذا المضمار، وبحثت عما يمكن أن يتعلق به حبي، فأحببت، وكرهت حياة الدعة، وشعرت أن الطعم يكون أحلى مذاقًا لو استمتعت بالشخص الذي أحبه، وهكذا دنست صفاء الصداقة بقذارة العشق الجنسي، والشهوة البهيمية، واحتجب سناها بسُحبٍ من الفحش جهنمية، وأظلمت صفحاتها اللامعة بجحيم الشهوات.»١٣
وأخيرًا استقر على خليلةٍ واحدة، وهي امرأة غانية أحبها مخلصًا لها الحب أعوامًا طوالًا: «اتخذت لي زوجة ولم تكن شرعية، اتخذتها إشباعًا لشهوةٍ جامحة، ولم يكن لدي سواها، وحفظت جميع عهودي معها، ثم تحققت بنفسي الفرق بين الميثاق الزوجي العاقل المعقود في سبيل إعطاء الحياة، وبين ما يرتكز على إشباع اللذة الحيوانية إيلادًا للبنين، رغمًا عن والديهم، حتى إذا ما فتحوا أعينهم للنور فرضوا محبتهم على والديهم.»١٤
وعلى الرغم من أنه انقطع عن الاتصال الجنسي الطليق، واستقر على هذه الغانية، فقد وجد نفسه في عام ٣٨٢م، وهو لا يزال في الثامنة عشرة، أبًا لولدٍ ذكر كان يسميه «ابن خطيئتي» أحيانًا و«عطية الله» أحيانًا أخرى و«هبة الله» Adeodatus أحيانًا ثالثة، وقد أحبه أوغسطين كثيرًا، وانصرف إليه بعنايةٍ يربيه تربيةً دينية بعد أن تحول إلى الديانة المسيحية.
غير أن والدته حاولت أن تبعده في فترةٍ من فترات حياته عن هذه الغانية وألحت عليه أن يأخذ في التفكير الجاد في موضوع الزواج حتى تجنبه الوقوع في الإثم، وقد قام بالفعل بخطةٍ جادة فخطب فتاة رضيت بها أمه، وأصبح حتمًا عليه أن ينفصل عن غانيته، وهو في ذلك يقول: «إنه لما انتُزعت مني معشوقتي باعتبارها عائقًا يحول دون زواجي، تمزق قلبي، وجُرح، وأُدميَ؛ لأنه كان عالقًا بها، وعادت إلى أفريقيا (كان أوغسطين حينئذٍ في ميلان وكانت معشوقته معه) ناذرة لك يا رباه ألا تصادق رجلًا آخر، تاركة معي ابني الذي أنجبته منها. مع ذلك فقد كان لا بد للزواج ألا يتم قبل عامين بسبب صغر الفتاة، فاتصل خلال تلك الفترة بمعشوقةٍ أخرى، كانت أقل من معشوقته الأولى علانية، ولم يعترف بها اعترافه بالأولى، فجعل ضميره يؤنبه تأنيبًا أخذ يزداد مع الأيام، وراح يدعو الله «وهبني الطهر والعفاف، لكن أمهلني في ذلك حينًا» … وأخيرًا قبل أن ينقضي العامان ويحين موعد زواجه، ظفرت فيه النزعة الدينية بنصرٍ كامل، ووهب بقية حياته لعَزَبةٍ لا تعرف النساء.١٥

(٣) أوغسطين … والمرأة

في عام ٣٨٦م ترك أوغسطين المرأة التي عاشرها معاشرة الأزواج أكثر من عشر سنوات وسماها معشوقته، أنجب منها ابنًّا هو ديو داتوس Deodatus أي عطية الله كما ذكرنا، وقد هجرها بعد ولادته بثلاث سنوات وكان موقفها منه أنبل من موقفه منها كما يقول بعض الباحثين.١٦ وتحول إلى المسيحية، فغير بذلك مسار حياته من الانغماس في الشهوات الحسية والإشباع الجنسي إلى الأنشطة الرُّوحية وتحقيق المثل العليا الدينية بما فيها من زهدٍ واحتقار للجانب المادي، وبذلك أعاد إلى الأذهان مواقف أفلاطون السلبية تجاه الجسد.١٧
والواقع أن نظرية القديس أوغسطين عن طبيعة الإنسان من الناحية الفلسفية كانت أفلاطونية خالصة: فالإنسان عنده رُوح مسجونة في البدن، أما من الناحية اللاهوتية فقد نقَّح هذه النظرية لتتلاءم مع نصوص الكتاب المقدس عن الخلق، فهو في كتابٍ عنوانه «في التثليث» أتمه عام ٤١٥م يشرح تصوره لتعبير صورة الله Imago Dei على ضوء ما جاء في سِفر التكوين: «فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكرًا وأنثى خلقهم» (التكوين ١: ٢٧)، فلما كان الله غير مادي فإن صورته أيضًا غير مادية وهي الرُّوح ولما كان الله ثالوثًا (الأب – الابن – الرُّوح) فإن صورته البشرية ثلاثية من خلال قوًى رُوحية ثلاثية في الإنسان هي: الذاكرة، والعقل، والإرادة. ويتكاثر البشر على صورة الله بمقدار ما تتجه هذه القوى الرُّوحية إليه.

لكن إذا كانت الطبيعة الإنسانية التي خلقها الله على صورته واحدة عند الرجل والمرأة، فمن أين جاء التمييز بينهما؟ ولِمَ كانت المرأة أدنى من الرجل؟ ولم تكون هناك أوامر خاصة بالمرأة دون الرجل؟ فالقديس بولس، مثلًا، يذهب إلى أن على المرأة أن تغطي رأسها، أما الرجل فلا ينبغي عليه أن يفعل ذلك لأنه مجد الله، أما المرأة فهي مجد الرجل، يقول القديس أوغسطين:

«ما الذي يمكن أن نقوله في ذلك؟ إذا كانت المرأة كشخصٍ قد أكملت الثالوث فلِمَ يقال إن الرجل هو صورة الله، وهي ليست كذلك؟ ولِمَ لا تكون المرأة هي أيضًا صورة الله؟ إن هذه التفرقة هي السبب في أن بولس الرسول أمرها بتغطية رأسها في الوقت الذي منع فيه الرجل أن يفعل ذلك لأنه صورة الله.»

علينا أن نتدبر كلمات بولس الرسول التي يقول فيها إن الرجل هو صورة الله وليست المرأة، فهي في الواقع لا تتعارض مع ما يقوله الكتاب المقدس من أن الله خلق الإنسان على صورته، «على صورة الله خلقه ذكرًا وأنثى خلقهم»، إنه يقول إن الطبيعة البشرية نفسها هي التي اكتملت في الجنسين، وهي التي خلقت على صورة الله، وهو هنا لا يستثني المرأة فهي تدرَك على أنها صورة الله، فبأي معنًى إذن نفهم قول الرسول: إن الرجل هو صورة الله، وبالتالي فهو ممنوعٌ من تغطية رأسه أما المرأة فعليها أن تفعل ذلك؟ إن الحل في رأيي يكمن فيما سبق أن ذكرته في أثناء مناقشتي لطبيعة الرُّوح البشرية، وهو أن المرأة مع زوجها هما معًا صورة الله وأنهما جوهر واحد يشكل الصورة، أما عندما يصف الكتاب المقدس امرأة بأنها المساعد والمعين للرجل فإنه في هذه الحالة يحدد الوظائف التي تخصها وحدها، ومن ثم فهي هنا ليست على صورة الله، في حين أن الرجل بذاته هو صورة الله سواء أكان بمفرده أم مع المرأة.١٨

وإذا أردنا عبارة أصرح وأوضح نشرح بها فكرة القديس أوغسطين لقلنا إن المرأة إذا ما نُظر إليها على أنها إنسان، أعني على أنها رُوحٌ فهي صورة الله، أما عندما ننظر إليها من حيث وظيفتها، أعني على أنها جسدٌ، لوجدناها تنتمي في هذه الحالة إلى الأمور الدنيوية الزمنية العابرة التي هي أشياء دنيا، وهي هنا تكون موجودًا أدنى، ولا تكون على صورة الله!

وكلما اهتمت المرأة بالأمور الجسدية والدنيوية الزائلة، وهي كثيرًا ما تفعل، فإنها تكون بحاجةٍ إلى كابح، وبعبارةٍ أخرى، لا بد أن تكون هناك سيطرة على رأسها، وهو ما يمثله الحجاب الذي يعني أن هذا الرأس لا بد أن يُضبط!

أما ما كان يعنيه القديس بولس بالتفرقة بين الذكر والأنثى فإنه يريد أن يرمز إلى حقيقةٍ أشد خفاء يمكن أن تُفهم مما قاله في مكانٍ آخر من أن امرأةً هي في الواقع أرملة وحيدة بلا أولاد وأنه ينبغي عليها أن تثق في الرب وحده وأن تواصل الصلوات ليلًا ونهارًا.

ولكن التي هي بالحقيقة أرملة ووحيدة، فقد ألقت رجاءها أمام الله، وهي تواظب على الطلبات والصلوات ليلًا ونهارًا، وأما المتنعمة فقد أتت وهي حية،١٩ وهي دعوة للمرأة لترك الجسد، والاتجاه إلى الله لتكون على صورته حقًّا، وجديرة بذلك فعلًا!
وإذا كان القديس بولس يقول إنه لا يأذن للمرأة بأن تتسلط على الرجل، بل تكون في سكوت؛ فالسبب أن آدم جُبل أولًا، ثم حواء، هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى أن آدم لم يُغْوَ لكن المرأة أُغويت فحَصَلَت في التعَدِّي، ولكنها ستَخلُص بولادة الأولاد إذا ثبتت في الإيمان، والمحبة، والقداسة، والتعقل.٢٠
ومعنى ذلك أن القديس أوغسطين تبنى فكرة أفلاطون عن كراهية الجسد، واعتبار الإنسان رُوحًا مسجونة فيه، وهو بمقدار ما يقترب من الأمور الرُّوحية تظهر إنسانيته أكثر، غير أن المرأة، فيما يبدو، يغلب عليها جانب الجسد، وهي لهذا تظل لقفة به بعيدة عن أن تكون رُوحًا، ومن ثم أن تكون صورة الله؛ ولهذا فإننا في الواقع نلتمس العذر لباحثةٍ مثل ماري ديلي عندما تقول إن القديس أوغسطين يعتقد أن المرأة لم تُخلق على صورة الله،٢١ وأنه ينظر إليها نظرةً دونية، إذ كيف يمكن أن تكون المرأة صورة الله إذا ما اتحدت مع زوجها في هويةٍ واحدة،٢٢ في الوقت الذي يظل فيه الرجل صورة الله متحدًا أو منفردًا؟ ولماذا ينظر إلى المرأة من منظورين: منظور الجسد فتكون أدنى، ومنظور الرُّوح فتكون أعلى، ولا ينظر إلى الرجل بهذين المنظورين أيضًا؟ أليس القول بأن الرجل خُلق أولًا فله الأولوية والاعتبار والتقدير فيه الكثير من السذاجة؟ أما مسألة الغواية فهي بالفعل محاولة للبحث عن كبش فداء، كما قالت ماري ديلي: «كانت النساء كبش فداء في التراث المسيحي، إنه كان يبحث عن آخر يكون موضوع اللوم والإدانة حتى يصبح أولئك الذين يصدرون الأحكام هم أنفسهم أطهارًا صالحين.»٢٣ ولهذا فقد راحوا يبحثون عن العاهرات والغواني ليُضرب بهن المثل على الغواية والشر والسلوك السيئ كما لو كن يمارسن الجنس مع أنفسهن لا مع الرجال، ثم يؤكد اللاهوتيون بعد ذلك أنهن ضرورة في المجتمع لا لنجد تُكَأة لإلقاء اللوم والإدانة، بل لإبعاد الصالحين عنهن، ومن هنا كانت المرأة السيئة هي المُلامة في المجتمع الذي تتفشى فيه الإباحية الجنسية. ويمكن أن نتبين ذلك من أقوال اللاهوتيين في موضوع البغاء، يقول القديس أوغسطين:
«أي شيء يمكن أن يكون أكثر خسة ودناءة، ويملأ الإنسان بالخزي والعار من موضوع البغايا، وبيوت الدعارة، وألوان الشر من هذا القبيل. ومع ذلك فلو أنك أزلت البغاء من أنشطة البشر، فسوف تجد أن الشهوة تدنس أشياء كثيرة، ولو أنك وضعت البغايا بين النساء فسوف تضفي الفحش والقذارة على أمورٍ كثيرة.»٢٤

وسوف يركز القديس توما الأكويني فيما بعد على هذه الفكرة ذاتها مع شيءٍ من الزخرفة — وهي الفكرة التي سمَّتها ماري ديلي «حِكمة الذكَر» — عندما يقول:

«البغاء في هذه الدنيا هو أشبه ما يكون بنجاسة البحر، أو بالوعات المجاري في القصور، غير أنك إن أزلت بالوعات المجاري لملأتها بالتلوث، وبالمثل لو أنك أزلت البغايا والعاهرات من الدنيا لملأت العالم باللواط.» ومن هنا فإن القديس أوغسطين يقول: «إن المدينة الأرضية قد استخدمت العاهرات، وجعلت منهن عملًا غير أخلاقي لكنه مشروعٌ أو قانوني.»٢٥ ولعل هذا ما كان يقصده مؤرخ الأخلاق عندما وصف العاهرات بأنهن أعظم حراس للفضيلة»!

(٤) الزواج

ولكي يهرب المرء من الغواني والعاهرات عليه بالالتجاء إلى الزواج يحميه ويصونه، والقديس أوغسطين يؤيد هذه الرابطة المقدسة بين الرجل والمرأة، ويرى أن الكتاب المقدس نفسه ينظر إلى الزواج على أنه شيءٌ حسن ويوصي به، لكنه لا يسمح للمرأة التي تركها زوجها بأن تتزوج مرةً أخرى ما دام الزوج لا يزال على قيد الحياة، كما أنه لا يسمح للرجل الذي تركته زوجته أن يتزوج ما لم تُتَوَفَّ الزوجة، ومن ثم فإن السيد المسيح أكد على أهمية الزواج، ورحب به في الإنجيل لا لأنه رفض الطلاق إلا لعلة الزنى فحسب، بل لأنه حضر الأفراح، مثل عرس قانا الجليل، عندما دُعي إليه فكان حضوره يعني مباركة الزواج!

ويقول القديس أوغسطين في بحثٍ خاص جعل عنوانه «الزواج وموضوعات أخرى»:٢٦ يبدو لي أن الزواج ليس أمرًا طيبًا من أجل إنجاب الأبناء فحسب، بل من أجل الصحة الطبيعية بين الرجل والمرأة، وإلا لما كان في استطاعتنا الحديث عن الزواج عند القدامى، ولا سيما إذا كانوا قد فقدوا أبناءهم ولم ينجبوا على الإطلاق. وفي الزواج الجيد رغم أنه يستمر قائمًا عدة سنوات، حتى إذا ما خمدت حماسة الشباب، وبردت عاطفته الملتهبة بين الرجل والمرأة، فسوف يبقى الود والترفق بين الزوج وزوجته.٢٧

ويواصل القديس أوغسطين عرضه لرأيه في الزواج فيقول:

«وللزواج ميزة أخرى هي أن الشهوة الجسدية رغم أنها سيئة فإنها تتحول في الزواج إلى شيءٍ مقبول عندما تُستخدم لإنجاب الأبناء، هكذا نجد أن المعاشرة الزوجية تستخرج شيئًا طيبًا من شرور الشهوة. وأخيرًا فإن كانت الرغبة الجسدية العنيفة تُكبت وتصبح أشد ضعفًا لأن نوعًا من الكرامة يسود عندما يتحد رجلٌ وامرأة في رابطة الزواج فسوف ينظران إلى نفسيهما على أنهما الأب والأم.»٢٨

غير أن القديس أوغسطين لا يفوته أن ينبهنا إلى أنه في جميع الأحوال تظل عفة الزهد أفضل من عفة الزواج، رغم أنهما معًا أمران طيبان، لكن عندما نقارن بين الناس — بين من هو أحسن وأفضل — فسوف يكون الناسك الزاهد!

(٥) الزهد

لم يكن القديس أوغسطين متطرفًا كبقية معاصريه في موضوع الزهد أو النُّسْك، صحيح أن البحوث التي كتبها عن الزواج والشهوة تجعل العذرية في خدمة الرب في المقام الأول، لكنه يرى مع ذلك أن الزواج وتربية الأطفال عملٌ أخلاقي جيد ومستحب شريطة أن يقيد النشاط الجنسي فلا يكون إلا لإنجاب الأجيال القادمة. وهو يوافق على القول بأن العملية الجنسية بين الزوج والزوجة مسموح بها حتى إذا لم تقتصر على إنجاب الذرية، رغم اعترافه أن هذا النشاط الجنسي ليس عملًا طيبًا، وربما كان خطيئة وإن كان أقل خطيئة من الزنى، وربما حدث ذلك فعلًا إذا ما أصر أحد الطرفين في الزواج دون موافقة الآخر على حصر وتضيق النشاط الجنسي لأغراض الحمل فحسب.

ولقد ناقش القديس أوغسطين بالتفصيل كيف كانت العملية الجنسية تتم قبل سقوط آدم بلا شهوة، أو رغبة جسدية عنيفة؛ ذلك لأن الأعضاء الجنسية كانت تعمل تحت سيطرة الإرادة دون أن تقاومها، وعلى نحو ما تتحرك أيدينا أو أرجلنا الآن. ثم جاءت الشهوة كعقوبةٍ من بين العقوبات التي نزلت على الإنسان لعصيانه الأمر الإلهي، وهكذا أصبحت أعضاؤه الجنسية تحركها الشهوة، والرغبات العنيفة لا الإرادة، في الوقت الذي تكون فيه جميع أعضاء الجسد تحت سيطرتنا ورهن إرادتنا. يقول أوغسطين: «عندما يكون على الإنسان أن يقوم بوظيفته الكبرى في إنجاب الأطفال، فإن الأعضاء المكلفة صراحةً بالقيام بهذا الغرض لا تطيع الإرادة مباشرة، بل لا بد من انتظار الشهوة كي تحرك هذه الأعضاء، كما لو كان لها حق مشروع عليها، بل إنها أحيانًا ترفض أن تعمل عندما يريدها العقل أن تعمل، في حين أنها كثيرًا ما تعمل ضد إرادته.»٢٩ والواقع أن القديس أوغسطين يلجأ هنا مرة أخرى إلى القديس بولس الذي يفرق تفرقةً واضحة في رسالته إلى أهل رومية بين فعل الإرادة وفاعليتها لأن هذين الجانبين لا يسيران معًا باستمرار، يقول:

«إننا نعلم أن الناموس رُوحي، أما أنا فجسدٌ مبيع تحت الخطيئة لأني لست أعرف ما أنا فاعله، إذ لست أفعل ما أريده، بل ما أبغضه فإياه أفعل، فإن كنت أفعل ما لست أريده، فإنني أصادق الناموس أنه حسن، فالآن لست بعدُ مَن أفعل ذلك بل الخطيئة الساكنة فيَّ، فإني أعلم أنه ليس ساكنًا في أي جسدٍ شيء صالح؛ لأن الإرادة حاضرة عندي، أما أن أفعل الحسنى فلست أجد لأني لست أفعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل» (الإصحاح السابع: ١٤–٢٠).

ويعرض القديس أوغسطين الفكرة نفسها في كتابه الشهير «مدينة الله» فيرى أن «شيشرون» وهو يناقش الأنماط المختلفة من الحكم، عقد مقارنة بين الدولة من ناحية، والطبيعة البشرية من ناحيةٍ أخرى، ذهب فيها إلى أن «أعضاء الجسد تحكم كما يحكم الأطفال؛ لأنها سهلة الانقياد، سريعة الطاعة، أما العناصر الجامحة من النفس فهي أشبه بالعبيد. وعلى الرغم من أن طبيعة النفس تعلو على طبيعة البدن، فإن النفس ذاتها تجد أنه يسهل عليها أن تحكم البدن من أن تحكم نفسها. والواقع أن الشهوة التي تفحصها الآن هي التي تخجل منها النفس، فلا هي تحكمها تمامًا حين تتعامل معها بحيث تأمرها فتطيع، فتتحرر تمامًا من سطوتها، ولا هي تحكم البدن بحيث إن الأعضاء التي تخجل منها تحركها الإرادة بدلًا من الشهوة.٣٠

ومعنى ذلك أن النفس تخجل من الأعضاء الجنسية حين تكون جامحة نافرة فلا تخضع لإمرتها، بحيث تحكمها الشهوة والرغبة العنيفة، بدلًا من الإرادة التي توجهها نحو الخير، أعني إنجاب الأطفال فحسب بغير استمتاع جنسي ولا اشتهاء، فتكون العملية الجنسية وظيفة فحسب نؤدي بها غرضًا معينًا هو استمرار الذرية، ولقد جاءت الشهوة كما سبق أن ذكرنا بسبب الخطيئة الأصلية التي وقع فيها آدم بعصيانه للأمر الإلهي، ومن هنا حاقت الشهوة بالإنسان عقابًا له أو كجزءٍ من العقاب، أما في الجنة فلا شك أن الزواج لن يشهد مثل هذا الصراع بين الإرادة والشهوة فلا مقاومة ولا تعارض بينهما (فقد جاء ذلك كعقوبة نتيجة للعصيان)، وبدلًا من ذلك سوف تلقى الإرادة الطاعة الكاملة من جميع الأعضاء بما في ذلك الأعضاء الجنسية، وهكذا نجد أن الأداة المخلوقة لمهمةٍ معينة سوف تبذر البذور في حقل التناسل على نحو ما تبذر اليد الآن البذور في الأرض.

ولن أصدم القارئ بما أقوله ولا سيما إذا لم يكن قد صدمه هجوم الرسول على رذائل النساء المرعبة، حيث يقول: «لأن إناثهم استبدلن الاستعمال الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة» (رسالته إلى أهل رومية، الإصحاح الأول: ٢٦)، أما أنا فعلى خلاف بولس لا أذكر، ولا أُدين الفواحش القذرة، وعلى ذلك فإنني في تفسيري وتوضيحي لعملية التناسل البشري سوف أحاول أن أتجنب الكلمات البذيئة الفاحشة قدر استطاعتي.»٣١

(٦) المساواة الرُّوحية، والخضوع الطبيعي

في استطاعتنا أن نقول إن عَلاقة التبعية بين الذكر والأنثى استمرت قائمة في التراث المسيحي بصفةٍ عامة مع تفسيراتٍ جديدة لنصوص الكتاب المقدس، ومع حلول القرن الرابع الميلادي كان القديس أوغسطين يقدم بعض التفسيرات الجديدة لقصة الخلق والسقوط في سِفر التكوين، فالخلق على صورة الله ذكرًا وأنثى فهناك إذن مساواة، لكن المرأة هي التي أغوت الرجل، وجعلته يسقط فهي أدنى منه، وبالتالي لا بد أن تكون خاضعة وتابعة له، والواقع أن هذا المركب الغريب عن المرأة في فلسفة القديس أوغسطين جاء نتيجة لتركيبه مجموعة من التصورات استمد بعضها من الكتاب المقدس، وبعضها من الفلسفة اليونانية، فالمثل العليا اليونانية عن العقل كانت تقنعه بضرورة المساواة التي وجدها في المسيحية، لكن فكرة الخطيئة والسقوط كانت تقنعه من ناحيةٍ أخرى بالأصول الدنيوية للمرأة، وبالتالي أن تكون موجودًا يحتاج إلى كبح جماحه!

وهو كثيرًا ما يروى في الاعترافات، في شيءٍ غير قليل من الاستحسان والتأييد، ما كان يدور من حوار بين والدته ونساء زائرات، يقول:

«لقد اتفق لي مرارًا أن شاهدت بعض النساء ممن لهن رجال طباعهم فظة، كن إذا اجتمعن بوالدتي يأخذن في الشكوى من معاملة أزواجهن، وكانت والدتي تجاوبهن عن طريق الجِد الممزوج بالهزل بقولها: إنكن تستأهلن أكثر من ذلك؛ لأن لسانكن هو الذي يجني عليكن، فما بالكن وهذه الشكوى؟ أما سمعتن عن عقد الزواج من الكاهن وما أوصاكن به بقوله لكل واحدةٍ منا: كوني خاضعة لزوجك في كل شيء ما عدا الخطيئة، ولا تراجعيه بكلامٍ مُر، وادعيه لك سيدًا … إلى غير ذلك من النصائح.»٣٢
لكن على الرغم من أن القديس أوغسطين عارض التأويل الخاص بالخلق المنفصل للمرأة الذي لا بد أن يقلل من جدية الغرض الإلهي في خلق الجنسين المختلفين كما لو أن وجود المرأة نفسه برز إلى السقوط، وعلى الرغم من أن تأويل أوغسطين الخاص لرمز الجنس في سِفر التكوين يفترض كما هو واضح الدفاع عن المرأة، رغم ذلك كله فإن تفسيراته لا تزال تضع المرأة في موقفٍ ملتبس الدلالة فيما يتعلق بالعقل.٣٣

صحيح أن أوغسطين يذهب إلى أن وجود الأنثى في حد ذاته لا يدل على فساد وإنما هو أمرٌ طبيعي، لكن العَلاقة بين الذكر والأنثى يمكن أن تكون رمزًا للخضوع والسيطرة داخل الطبيعة البشرية ذاتها، ومن ثم فقد راح يبحث بجدٍّ محاولًا العثور على مضمون خضوع المرأة، ولدور الرفيق المعين الذي خصها به الكتاب المقدس، وهو دور يخرج بها عن نطاق العقل، حين يجعلها مجرد تابع أو أقرب إلى العبد الذي ينبغي عليه أن يطيع سيده، لقد حاول القديس أوغسطين داخل مركب النصوص المقدسة مع تصورات الفلسفة اليونانية، أن يعثر على المساواة بين الجنسين مع احترام العقل، في الوقت الذي يعثر فيه أيضًا على تأويلٍ لنصوص سِفر التكوين التي تجعل المرأة خاضعة للرجل، وتلك كانت مشكلته الحقيقية.

ويبدو أن هذه المشكلة كانت نابعة أساسًا من حياة القديس أوغسطين نفسه، ومن خبرته بالنساء، فقد عرف منهن نوعين متناقضين: الغانية العشيقة التي لم تكن عنده سوى جسد فحسب، ثم أمه القديسة مونيكا Monica المسيحية التقية التي كثيرًا ما فاضت دموعها غزيرة في إلحاحها عليه لينضم إلى كنيسة المسيح، فالمرأة هي إذن هذا المخلوق المركب العجيب من شطرين واضحين: الجسد: وفيه تكمن كل رموز السقوط والخسة والدناءة … إلخ، والرُّوح: ذلك الجانب النقي الطاهر الذي هو صورة الله وهي لا تختلف فيه عن الرجل، فما تكونه المرأة كرُوح عاقل ينبغي أن يتميز عما ترمز إليه بجسدها أو باختلافها الجسدي عن الرجل، وهذا الاختلاف الجسدي هو صاحب الثقل والوزن الرمزي، وهو ما ينبغي علينا توضيحه دون الإضرار بمساواة المرأة بالرجل من حيث هي موجود عاقل.٣٤
ولقد حاول القديس أوغسطين في الاعترافات أن يحل المشكلة بقوله إن الله قد خلق الإنسان العاقل على صورته وجعله يسود على حيوانات البرية غير العاقلة، كما خلق قوتين للنفس داخل الإنسان تستطيع إحداهما السيطرة على الأخرى بفضل التروي، والثانية خاضعة وتابعة للأولى، ومن هنا كانت المرأة مساوية للرجل في قدرتها الذهنية أو جانبها الرُّوحي، لكنها كانت خاضعة له بسبب جسدها، فجسد الأنثى خاضع لجنس الذكر، بنفس الطريقة التي تخضع بها الشهوة للإرادة.٣٥ والمرأة مثل الرجل فيما يتعلق بجانبها الرُّوحي خاضعة لله وحده، وإن كان اختلافها الجسدي وخضوعها للرجل بسببه، أمرًا لا مندوحة عنه، وهو جزء من طبيعتها ويستحيل أن يفارقها، وهو من الناحية الرمزية يمثل عَلاقة التبعية الموجودة بين جانبي النفس، وذلك كله لا يعني أبدًا أن المرأة لا تملك الوظيفة التأملية العليا للعقل التي أصبحت الموجودات البشرية بفضلها على صورة الله، كما يقول سِفر التكوين، وإن كان الرجل بمفرده هو صورة الله كما سبق أن رأينا، لكن المرأة لا تكون كذلك إلا إذا اتحدت بالرجل، أعني أنها صورة الله فقط من خلال زوجها. والقديس أوغسطين يعود في الواقع إلى الاعتماد على بولس الرسول: «أريد أن تعلموا أن رأس كل رجلٍ هو المسيح، أما رأس المرأة فهو الرجل، ورأس المسيح هو الله … إلخ» (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، الإصحاح الحادي عشر: ٣–١٠).
والواقع أن القديس أوغسطين في هذه الفقرات والنصوص يحاول جاهدًا أن يضع حدًّا فاصلًا بين القضايا التي تدور حول طبيعة الأنثى ودور المرأة بوصفها جسدًا تابعًا خاضعًا للرجل، وبين القضية التي تقول إن المرأة مستبعدة من أن تتجدد في المسيح، فهو يوافق على القضية الأولى، في حين أنه يرفض الثانية، إنه يريد تعزيز وتأكيد ذلك العنصر الموجود في الطبيعة البشرية، والذي كان به الإنسان شبيهًا بالله، وأعني به العقل Reason، وهو جانب الرُّوح حيث لا جنس هناك، فليس ثمة رُوح مذكر ورُوح مؤنث، وإنما الرُّوح واحد في الإنسان، وإذا ما انحرفت المرأة بعض الوقت فإن ذلك لا يعني أنها غير قادرة على ما هو أعلى، أعني الصورة التأملية للعقل.

وعلى الرغم من أننا نحمد للقديس أوغسطين محاولاته في الارتفاع بالمرأة من الناحية الرُّوحية إلى صف الرجل، فإننا نعيب عليه أن يصفها وحدها بأنها تحمل جانبًا جسديًّا بارزًا، وكأن الرجل لا يحمل هذا الجانب الجسدي نفسه. ما أروع ما سيقوله الفلاسفة الوجوديون المعاصرون من أن الجنس يشير إلى حقيقةٍ هامة وهي أن الفرد البشري لا يمكن أن يكتمل بدون الآخر، وأن تركيب الجسم البشري يعبر عن هذه الحقيقة أوضح تعبير، فعلى الرغم من أن هذا الجسم يحتوي على أجهزة كاملة ومتعددة مثل: الجهاز العصبي، الجهاز الهضمي، الجهاز التنفسي … إلخ، فإن لديه نصف جهاز للتناسل، وهو على هذا النحو لا يكتمل بدون شخصٍ آخر من الجنس الآخر، ومن هنا اتخذ الجنس عند الوجوديين بعدًا إنسانيًّا بارزًا.

أما أوغسطين فهو رغم جهوده، فقد انتهى إلى الربط بين الذكورة والسمو أو التفوق «وبين الأنوثة والضعة أو الانحطاط!»، ومن هنا فقد كانت جينيفيف ليود على حقٍّ في قولها إنه رغم التزامه بالمساواة الرُّوحية فقد ترك الأنوثة على حافة الخطر عندما أدخلها في تعقيداتٍ حسية يحاربها العقل، كما أكد فساد الإرادة في تعاملها مع الحس، ومن ثم فقد دعم التداعيات القديمة التي تربط بين الأنثى وضعف العقل.٣٦
إن النفس العاقلة عند القديس أوغسطين قادرة على السيطرة على الأمور الخارجية لكنها يمكن من ناحيةٍ أخرى أن تنجذب إليها عن طريق الحب الجارف العنيف، وتلك هي نسخته الخاصة من السقوط التي تظل باستمرار مرتبطة بالمرأة، رغم أنها تُصوَّر الآن على أنها استخدامٌ سيئ للعقل،٣٧ وهو استخدام يؤدي إلى كثيرٍ من الثغرات التي يصفها أوغسطين بأنها نقص في الإرادة، وهي لا تحدث في عالم الواقع فقط، بل قد توجد أيضًا في عالم الأحلام، ويضرب بها مثلًا بالزنى في الخيال، إذ يقول في مناجاته:

«أنت تأمرني بكبح شهوات الجسد، أنا بنعمتك قد انقطعت عن تلك الملَكات الدنسة، وعرَفت أن العزوبة أفضل من الزواج.

ولكن في المنام تتحرك بي جدًّا، بحيث لا تحرك في عوامل الفكر واللذة فحسب بل تجرني بصَولتها إلى شيءٍ يصوَّر كأنه شيء من القبول أو الفعل.

هذه التخيلات الكاذبة تؤثر في نفسي وجسدي بحيث تقودني إلى تلك التصورات الوهمية في المنام، إلى ما لا تقدر أن تقودني إليه الحقائق في اليقظة.»٣٨
ألست أنا، أنا، في الحالتين: اليقظة والمنام؟ فما هذا الفرق بين زمانٍ وزمان؟ وأين عقلي الذي كان في حال اليقظة يقاتل تلك الوساوس؟٣٩
ولقد ظل استسلام الإرادة وضعفها يرتبط عنده رمزيًّا بالمرأة، وهذا جانب واحد من ارتباطٍ أوسع بين المرأة والعاطفة والانفعالات الطاغية مع شهوانية النفس، التي هي نتيجة مباشرة لفقدان إرادة السيطرة والتحكم عندها، وفقدان السيطرة هذا هو الذي يجعل شهوة الجسد في نظر القديس أوغسطين مزعجة إلى أقصى حد، فيرفض الجسد الخضوع للنفس، ومن جديدٍ نراه يفسر هذا النزاع أو القتال بين الشهوة والإرادة على أنه نتيجة لسقوط الإنسان في الخطيئة الأصلية، خطيئة العصيان التي بدونها كان عضو التناسل سوف يطيع الإرادة، كما تفعل الأعضاء الجسدية الأخرى بحيث يقوم بزراعة البذور في حقل التناسل، كما تبذر اليد البذور في حقل الأرض، والمرأة بوصفها موضوع شهوة الرجل ترتبط بهذا الخضوع المؤلم: خضوع النفس للبدن.٤٠
لقد حاول القديس أوغسطين أن يعارض الرمزية الجنسية القديمة ويضع مكانها المساواة الرُّوحية، إلا أنه في الواقع عاد وأكد الموقف السابق كما هو، فلا تزال المرأة ترتبط بالجسد، بالاضطرابات الحسية في معارضة العقل، وما زالت بالطبيعة تتبع الرجل، وله حق السيطرة العقلية عليها، بحكم خضوع الجسد للرُّوح الذي يفرضه النظام السليم للأشياء.٤١

المرأة … في السماء

بقيت مشكلة أخيرة أكد فيها أوغسطين المساواة التامة بين الرجل والمرأة وهي وجود الجنسين يوم القيامة، حيث يُطمس الجنس تمامًا وتزول الشهوة نهائيًّا، ولقد كانت هذه هي المشكلة التي شغلت القديس أوغسطين في شيخوخته وراح يبحثها بجدٍّ واهتمام بالغين، ولقد كانت الفكرة السائدة في الكنيسة آنذاك قولهم إن صورة المرأة سوف تنقلب رجلًا يوم القيامة، فلا قيامة للسيدات مستندين إلى أقوال القديس بولس: إننا ننتهي جميعًا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسانٍ كامل (رسالة بولس إلى أهل أفسس ٤: ١٣)، وكذلك قوله: «لأن الذين سبق أن عرَفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين إخوانٍ كثيرين.»٤٢ فقد استنتج البعض من هذه الأقوال أن كل من يُبعث حيًّا لا بد أن يكون مشابهًا صورة ابنه، فيكون مثل المسيح رجلًا، فالنساء على هيئة الرجال، ولا سيما أن الله قد خلق الرجل من طين، وخلق المرأة من جنب الرجل. وأنا أعتقد أن كل من يأخذ بهذا الرأي يتصور الأمر تصورًا حسيًّا، وينسى أنه في الحياة الآخرة لن تكون هناك شهوة جنسية، وهي مبعث الخجل؛ لأن الموجودات البشرية الأولى قبل الوقوع في الخطيئة «كان كلاهما عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان» (تكوين ٢: ٢٥).
وهكذا نجد أنه على حين أن جميع النقائص والعيوب سوف تُزال من جسديهما فإنهما سوف يُحفظان بطبيعتهما الأساسية؛ لأنه لن تكون هناك نقيصة في جنس المرأة في هذه الحالة بل ستكون جنسًا طبيعيًّا، كما أنه لن تكون هناك معاشرة جنسية يوم القيامة، ولا إنجاب للأطفال، وهكذا لن تكون الأعضاء الجنسية للأنثى مفيدة في شيء ولن تُستخدم كما كانت في الاستخدام السابق، بل سوف تصبح جزءًا من جمالٍ جديد، لن يثير شهوة الشاهد أو الناظر؛ لأنه لن تكون هناك أصلًا شهوة في هذه الحياة الآخرة بل سوف ترتفع التسابيح للرب وتمجيده بسبب حكمته ورحمته، لا فقط لأنه خلق من عدم، بل لأنه أيضًا خلَّص ما خلقه من الفساد.٤٣

ويحاول القديس أوغسطين تأويل قصة خلق المرأة كما جاءت في سِفر التكوين تأويلًا جديدًا، فالله عندما خلق المرأة في بداية النوع: «بأن أخذ ضلعًا من جنب الرجل وهو نائم فأوقع الربُّ الإلهُ سُباتًا على آدم فنام، فأخذ واحدةً من أضلاعه وملأ مكانها لحمًا، وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة» (تكوين ٢: ٢–٢٣).

لا بد أن الخالق كان يقصد بهذا الفعل الإشارة إلى نبوءة المسيح وكنيسته: «فنوم آدم يرمز بوضوحٍ إلى موت المسيح، وجنب المسيح اخترقته الحربة على الصليب، ولكن واحدًا من العسكر طعن جنبه بحربة، وللوقت خرج دماء وماء» (إنجيل يوحنا ١٩: ٣٤)، وتلك أسرار نعترف نحن أن الكنيسة تقوم عليها، والواقع أن هذا هو التعبير الدقيق الذي استخدمه الكتاب المقدس في خلق المرأة، فهو لم يقل إن الله صور أو شكل المرأة بل قال: وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة. ومن هنا نجد أن القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح (رسالة بولس إلى أهل أفسس ٤: ١٢). فالمرأة إذن هي مخلوق لله مثل الرجل، وخروجها من ضلع الرجل يؤكد فكرة الوحدة بينهما، والطريقة التي تم بها خلقهما إشارة إلى المسيح وكنيسته.٤٤
والقصة التي رواها إنجيل متى عن حوار الصدوقيين مع السيد المسيح حول القيامة والمرأة٤٥ تسير على النحو التالي:

في ذلك اليوم جاء إليه صدوقيون يقولون: ليس قيامة، فسألوه قائلين: «يا معلم قال موسى إن مات أحد وليس له أولاد يتزوج أخوه بامرأته ويقيم نسلًا لأخيه، فكان عندنا سبعة إخوة تزوج الأول ومات، وإذ لم يكن له نسل ترك امرأته لأخيه، وكذلك الثاني والثالث إلى السبعة، وآخر الكل ماتت المرأة أيضًا، ففي القيامة: لمنْ مِنَ السبعة تكون زوجة، فإنها كانت للجميع؟ فأجاب يسوع وقال لهم: تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله؛ لأنهم في القيامة لا يُزوَّجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء» (إنجيل متى ٢: ٢٢–٣٠).

وهكذا لم يكن جواب المسيح بأن المرأة التي تسألون عنها لن تبعث امرأة بل رجلًا، وإنما أنكر المسيح الزواج في الحياة الآخرة، لكنه لم ينكر وجود جنس الأنثى في تلك الحياة. لكنه على العكس أكد وجود الجنسين يوم القيامة وقال إنهم «لا يُزوَّجون» مشيرًا إلى النساء «ولا يتزوجون زوجات» مشيرًا إلى الرجال، أي إن المتزوجين زواجًا طبيعيًّا في هذه الحياة الدنيا سيكونون موجودين يوم القيامة، لكن لن يكون هناك زواج في السماء.٤٦

وأخيرًا ماذا نقول في رأي أوغسطين في المرأة التي أمدته بشعاعٍ من نور الرُّوح بالدور الذي لعبته أمه في حياته، كما أمدته بمتعة الجسد في شكل خليلاته؟ نقول إن أوغسطين تأثر بقوةٍ بفكرة الخطيئة الأولى، وهي عقيدة لم يبتدعها؛ ذلك لأن بولس وترتوليان وأمبروز وغيرهم قد علموها للناس، لكن الخطايا التي ارتكبها من ناحية والصوت الذي هداه من ناحيةٍ أخرى، قد غرسا فيه اعتقادًا مقبضًا بأن إرادة الإنسان تنزع منذ مولده إلى عمل الشر، وأن لا شيء يستطيع ردها إلى الخير إلا فضل الله الذي يهبه للناس من غير مقابل.

ولم يكن في مقدور أوغسطين أن يفسر نزعة الإرادة البشرية إلى الشر بأكثر من أنها نتيجة لخطيئة حواء وحب آدم لها، ويقول أوغسطين إننا ونحن جميعًا أبناء آدم نشاركه في إثمه، بل إننا في الواقع أبناء هذا الإثم؛ لأن الخطيئة الأولى كانت نتيجة شهوته ولا تزال هذه الشهوة تدنس كل عمل من أعمال التناسل، وبفضل هذه الشهوة الجنسية كان الجنس البشري جميعًا من الخاسرين، وحلت اللعنة على الكثرة الغالبة من الآدميين. نعم إن بعضنا سوف ينجو، ولكن نجاة هؤلاء لن تكون إلا بنعمةٍ ينالونها بسبب ما قاساه ابن الله من آلام، بشفاعة الأم التي حملت فيه من غير دنس، لقد حل بنا الهلاك بفعل امرأة، وعادت إلينا النجاة بفضل امرأة!

١  قارن اعترافات القديس أوغسطينوس، نقلها إلى العربية: الخوري يوحنا الحلو، دار الشرق، بيروت، ص١٦٥.
٢  المرجع نفسه، ص١٦٥.
٣  ألوسي شاب ابن عائلة كريمة في طاجست، كان أصغر سنًّا من أوغسطين، تتلمذ على يديه في مسقط رأسه، ثم في قَرطاجة «وإذ رآني مَعِلًا صالحًا أحبني كثيرًا فبادلته الحب، لطيب عنصره ونبوغه في ممارسة الفضيلة رغم حداثة سنه» الاعترافات ص١٠٧. لكنه انزلق إلى الزنى والفجور والإباحية مع أستاذه أوغسطين.
٤  Herbert A. Deane: “The Political and Social Ideas of St. Augustine” Columbia University Press, 1963, p. 22.
٥  رسائل بولس إلى أهل رومية، الإصحاح الثالث عشر: ١٣-١٤.
٦  رسالة القديس بولس إلى أهل رومية، الإصحاح ١٣: ١٤.
٧  اعترافات القديس أوغسطينوس، نقلها إلى العربية: الخوري يوحنا الحلو، الطبعة الرابعة، دار الشرق، بيروت، ١٩٩١م، ص١٦٦.
٨  المرجع السابق، ص١٦٧.
٩  اعترافات القديس أوغسطينوس، ص٢٩.
١٠  المرجع نفسه.
١١  المرجع نفسه، ص٣٠.
١٢  المرجع نفسه.
١٣  اعترافات القديس أوغسطينوس، ص٥٧.
١٤  المرجع نفسه، ص٥٨.
١٥  راجع في ذلك كله: برتراند رسل، تاريخ الفلسفة الغربية، الكتاب الثاني «الفلسفة الكاثوليكية»، ترجمة د. زكي نجيب محمود، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ١٩٦٨م، ص٧٣.
١٦  د. عبد الرحمن بدوي: موسوعة الفلسفة، الجزء الأول، ص٢٤٨، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، ١٩٨٤م.
١٧  Philosophy of Woman: An Anthology of Classic and Current Concepts. Edited by Mary Briody, p. 260.
١٨  القديس أوغسطين: في التثليث، الكتاب الثاني عشر، وقد ترجمت ماري بريودي نصوصًا كثيرة من هذا الكتاب، ومن كتب القديس أوغسطين الأخرى، في كتابها «فلسفة المرأة» السالف الذكر، ص٢٥٦ وما بعدها.
١٩  رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس، الإصحاح الخامس: ٥، ٦.
٢٠  رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس، الإصحاح الثاني: ١٥.
٢١  Mary Daly: “Beyond God the Father: Towards a Philosophy of Woman’s Liberation” The Women’s Press, London, 1985, p. 3.
٢٢  لأن من التصق بزانية صار معها جسدًا واحدًا، إنه يقول: «يكون الاثنان جسدًا واحدًا، وأما من التصق بالرب فقد صار معه رُوحًا واحدة.» (رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس، إصحاح ٦: ١٦-١٧).
٢٣  Mary Daly: Ibid., p. 60.
٢٤  Quoted by Mary Daly: “Beyond God the Father” p. 61.
٢٥  Ibid.
٢٦  ترجمت ماري بريودي Mary Briody أجزاء كثيرة من هذا البحث في كتابها «فلسفة المرأة» ص٢٦٠ وما بعدها.
٢٧  المرجع نفسه.
٢٨  Augustin: “Treaties on Marriage and Other Subjects” Trans. by Mary Briody in Her “Philosophy of Women: An Anthology of Classical and Current Concepts” Hackett Publishing Company U.S.A. 1083, p. 261.
٢٩  القديس أوغسطين عن الزواج والشهوة De Nuptiis et Concupiscentia نقلًا عن الأفكار السياسية الاجتماعية للقديس أوغسطين، تأليف هربرت ديفين، ص٥٥.
٣٠  Augustine: “The City of God” Trans. by Henry Bettenson, Penguin Books, 1972, p. 586.
٣١  Ibid, p. 587.
٣٢  القديس أوغسطين: الاعترافات، ترجمة الخوري يوسف العلم، ص١٧٠.
٣٣  Genevieve Lloyd: “The Man of Reason: Male and Female in Western Philosophy” Methuen & Co. Ltd. 1984, p. 28.
٣٤  Ibid., p. 29.
٣٥  Ibid.
٣٦  Genevieve Lloyd: “The Man of Reason”, p. 31.
٣٧  Ibid.
٣٨  وهذا دليل على ضعف الرجل أيضًا. وأوغسطين نفسه هو صاحب العبارة الشهيرة: إذا كنت مخطئًا، فأنا موجود Si Fallo, Sum.
٣٩  القديس أوغسطين: الاعترافات، ترجمة الخوري يوسف العلم، ص١٩٠.
٤٠  Ibid., p. 33.
٤١  Augustine: “The City of God”, Trans. by Henry Bettenson, Penguin Books, 1979, p. 587.
٤٢  رسالة بولس إلى أهل رومية، الإصحاح الثاني: ٢٩.
٤٣  Augustine: “The City of God”, p. 1057.
٤٤  Ibid.
٤٥  الصدوقيون Sadducees طائفةٌ من اليهود كانت مزدهرة فيما بين القرنين الثاني قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، أنكرت خلود الرُّوح والبعث والقيامة ووجود الملائكة، ورفضت الاعتراف بغير الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس، وكانت لها مناقشات كثيرة مع السيد المسيح.
٤٦  Augustine: “The City of God”, p. 1058.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥