سادسًا: القسمة الثلاثية (ابن سينا)
ومبادئ هذه القسمة الثلاثية للحكمة العملية، المدنية والمنزلية والخلقية، مُستفادة من جهة الشريعة وليس من أرسطو، والنظرية أيضًا وهي الفلسفة الأولى، والفلسفة الإلهية جزء منها، وهي معرفة الربوبية ومبادئ العلوم النظرية، مُستفادة أيضًا من أرباب الملَّة الإلهية على سبيل التنبيه، وتحصل بالكمال بالقوة العقلية على سبيل الحُجة، ومن استكمل الحكمتَين النظرية والعملية، فقد أوتي خيرًا كثيرًا، الملَّة تُنبه، والعقل يُبرهن، ولفظ المدني هنا من الفارابي يعادل السياسة، يأتي قبل الاقتصاد، وتأتي الأخلاق في النهاية، وفي النظرية تأتي الرياضة في الوسط، بديلًا عن المنطق في البداية، وعادةً لا يُركز على تدبير المنزل؛ أي الاقتصاد، ويُكتفى بالأخلاق والسياسة كعلومٍ عملية، وقد لا تذكر الإلهيات خوفًا من التشبيه في علم الكلام، وإثباتًا للتنزيه في الحكمة، ويُكتفى بالطبيعية والرياضية والمنطقية، ويتمُّ التمييز حينئذٍ بين المنطق والرياضة، ولماذا قسمة العلوم إلى نظريةٍ عن الحق، وعملية عن الخير فقط، دون علم ثالث، يتناول الجمال طبقًا للقيم الثلاث: الحق والخير والجمال؟ وتلك مهمة المعاصرين خلفاء ابن سينا.
وتقوم هذه القسمة الثلاثية على نظريةٍ في المنفَعة، فالمنفعة المطلقة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يكون الموصل منه إلى معنًى أجل منه، وقسم مساوٍ له، وقسم دونه. وإفاضة الأعلى إلى الأدنى، يسمى إفاضة وإفادة وعناية ورياسة، وتدلُّ كل هذه الألفاظ عليها، المنفعة المخصوصة قريبة من الخدمة، أما الإفادة فإنها تحصل من الأشراف في الأخس، منفعة الأعلى إفادة اليقين بمبادئ العلوم الجزئية، والتحقُّق من ماهية الأمور المشتركة، والغرض الأقصى من الرياضة معرفة تدبير الباري أي الخلق، ومعرفة الملائكة ومراتبها، ومعرفة نظام ترتيب الأفلاك. كذلك يعتمد علم الهيئة على الحساب والهندسة، والسؤال إذن: لماذا تكون للموسيقى نوافع غير ضرورية للإلهيات؟ ألا تؤدِّي الموسيقى إلى الله؟ وماذا عن موسيقى القرآن ونغم الشعر وسماع الصوفية وألحان سليمان ومزامير داود وترانيم الكنائس والمعابد؟ ولماذا لا تكون للأخلاق والسياسة نوافع ضرورية للإلهيات؟ ألا يوجد لاهوت أخلاقي ولاهوت سياسي؟ ألا يتجلَّى الله في الفعل الخلقي وفي الوضع السياسي؟ ولماذا وضَع ابن سينا في الإلهيات المقالة العاشرة للسياسات والخلقيات؟
وتُطابق القسمة الثلاثية في علوم الحكمة قسمة ثلاثية أخرى في علم أصول الدين، فالمنطق أو الرياضة في علوم الحكمة، يُعادل نظرية العلم في أصول الدين، والطبيعيات في علوم الحكمة، تُعادل نظرية الوجود في علم أصول الدين، والصفات هي الأمور العامة في نظرية الوجود، والإلهيات في علوم الحكمة، تُعادل الإلهيات والنبوات في علم أصول الدين، وهي أبعاد الوعي الثلاثة: الوعي بالذات، والوعي بالعالم، والوعي بالمطلق، وفي علوم الحكمة يبدو التوحيد أكثر من العدل، والسمعيات قليلة باستثناء النبوة والمعاد، أما الإيمان والعمل والإمامة، فمن العلم المدني أو السياسة، خاصة عند إخوان الصفا والفارابي، يُثبت ابن سينا كل الصفات، مثل الوجود والواحد، عقلًا دون نص، فالذات في علم الكلام تُصبح واجب الوجود في علوم الحكمة، انتقالًا من الثيولوجيا إلى الأنطولوجيا.
والحقيقة أنَّ مكان الرياضيات بعد الطبيعيات وقبل الإلهيات، فهي طبقًا لقسمة ابن سينا، الكليات بعد الكثرة، ومع الكثرة، وقبل الكثرة، الأولى الطبيعيات، والثانية الرياضيات، والثالثة الإلهيات؛ فالرياضيات متصلة بالطبيعيات، وهي غير طبيعية، صور عقلية خالصة تُؤدِّي إلى الإلهيات، الصور المفارقة السابقة على الطبيعيات، وهذا أقرب إلى أرسطو في قسمة الفلسفة النظرية، ووضع الرياضة بين الطبيعة وما بعد الطبيعة. وضع الرياضيات بين الطبيعيات والإلهيات، تجعل مشكلتها الكليات، في حين أن وضعها قبل المنطق تكون مشكلتها البراهين، ويضع ابن سينا في الرياضيات الهندسة قبل الحساب، والموسيقى قبل الفلك، عكس الترتيب الشائع، الحساب، والهندسة، والفلك، والموسيقى، وتغيب بعض الأجزاء في المنطق، الأولى في المدخل، والثاني في المقولات، والسابع في السفسطة، والثامن في الخطابة، والإلهيات تَنقسِم إلى مقالين دون تصورين في عناوين فرعية، وتغيب علوم الحكمة العملية من الشفاء، الأخلاق وتدبير المنزل والسياسة، وقد اكتفى ابن سينا بما أورده في ما بعد الطبيعة، واعدًا تأليف جزء في الفلسفة العملية فيما بعد.
والعلم الطبيعي علم إلهي مقلوب إلى أسفل، ليس الهدف منه دراسة الطبيعة، بل إيجاد البراهين على وجود الله؛ فالطبيعيات مقدمة والإلهيات نتيجة، غاية الكون والفساد ليست دراسة التغير والحركة في الطبيعة، بل اكتشاف العناية الإلهية ولطيف الصنع الإلهي في ربط الأرضيات بالسماويات، واستيفاء الأنواع بعد فساد الأشخاص بالحركتَين السماويتَين؛ إحداهما شرقية والأخرى غربية، وكل ذلك بتقدير العزيز الحكيم.
والعلمُ الإلهي يُسمى علم التوحيد، مصطلح علم الكلام، وتظهر مصطلحات هذا العلم مثل الذات والصفات، مما يدلُّ على أنَّ العلم الإلهي في علوم الحكمة، هو تطوير لعلم التوحيد في علم الكلام، والتحوُّل من علم اللاهوت إلى علم الوجود، من «الثيولوجيا» إلى «الأنطولوجيا»، وهو لفظٌ موروث مثل العلم الإلهي، وليس وافدًا مثل الفلسفة الأولى أو ما بعد الطبيعة. الإلهيات أو العلم الإلهي لفظ موروث، يُعبر عن المعنى الوافد، وهو ما بعد الطبيعة طبقًا لمنطق التضمن الكاذب، والوجود المطلق وهو لفظ من الوافد، للدلالة على المعنى الموروث طبقًا لمنطق التشكُّل الكاذب، فيما بعد الطبيعة عند اليونان علم إلهي، والعلم الإلهي عند المسلمين يَدرُس الموجود المطلق، الوجود الأول، العلة الأولى.
- (١)
النظر في معرفة المعاني العامة لجميع الموجودات؛ مثل الهوية والغيرية والوحدة والكثرة، والوفاق والاختلاف والتضاد، والقوة والفعل، والعلة والمعلول، وهي المبادئ العامة في علم أصول الدين، قبل الدخول في مبحث الجوهر والأعراض في نظرية الوجود، ولا شأن لها بمَوضوعات ما بعد الطبيعة عند أرسطو.
- (٢)
النظر في الأصول والمبادئ لعلم الطبيعة ولعِلم الرياضة، ولعلم المنطق ومُناقضة الآراء الفاسدة فيها؛ ومن ثَمَّ يكون الغرض هو تأسيس العلوم الأخرى، وفحص مبادئ الأولى، والسؤال هو: أي علم يبحث في المبادئ الأولى، التي يقوم عليها العلم الإلهي، إذا كانت من ضمن أغراض البحث عن المبادئ الأولى لعلوم المنطق والرياضة والطبيعة؟ وماذا عن تأسيس العلوم الإنسانية أو بتعبير الفارابي العلم المدني؟
- (٣)
النظر في إثبات الحق الأول وتوحيده، والدلالة على تفرُّده وربوبيته ونفي الشرك عنه، وأنه واجب الوجود بذاته، وغيره مُمكن الوجود، والنظر في صفاته، وما هو الموهوم من كل صفة، ومعاني الألفاظ المستعملة في وصفه مثل الواحد والموجود والعالم والقادِر ومعانيها على التفرُّد، دون أن يَقضي ذلك على الوحدة نظرًا لاشتراك الأسماء، هي مسألة الذات والصفات بين الوحدة والكثرة، التنزيه والتشبيه، المعتزلة والأشاعرة، ووصف الذات من عمل الوهم، والألفاظ مُشتركة، تعني معاني عديدة والذات واحدة، وهو نقدٌ مُبطَّن لعلم الكلام.
- (٤)
النظر في إثبات الجواهر الأولى الروحانية، مبدعاته ومخلوقاته، مرتبتها ودلالتها، ورتبة الملائكة، وإثبات الجواهر الروحانية الثابتة، وهي الملائكة الموكلة بالسموات وحملة العرش ومدبرات الطبيعة، ومتعهدات ما يتولد عنها في عالم الكون والفساد، ووصف الملائكة بالكروبين من بقايا الفكر الديني القديم.
- (٥) النظر في تسخير الجواهر الجسمانية السماوية والأرضية لتلك الجواهر الرُّوحانية، فبعضها عاملٌ محرِّك، والبعض الآخر أمر مرويٌّ عن الله، دلالة ارتباط الأرض بالسموات، والسموات بالملائكة العاملة والملائكة العاملة المبلِّغة، وارتباط الكل بالأمر، وبيان أن الكل المبتدع لا تفاوت فيه وفي فطور، وأن مجراه الحقيقي على مُقتضى الخير، المحض خالٍ من الشر، ومنه تنبع الحكمة والمصلحة، هناك مراتب في الكون من الله إلى الملائكة الرئيسية إلى الملائكة المرءوسة، تشخيصًا لقوى الطبيعة في صورٍ فنية، وظائف الملائكة المرءوسة ربط الأرض بالسماء.١٣
- (١) في النبوة كيفية نزول الوحي، والجواهر الرُّوحانية التي تؤدِّي الوحي، حتى يَصير مُبصرًا أو مسموعًا بعد روحانيته، وصدور المعجزات، آيات الوحي، وهي مُخالفة لقوانين الطبيعة، وإخباره بالغيب وإلهام الأتقياء وكراماتهم، والروح الأمين من طبقة الجواهر الرُّوحانية، والروح القدس من طبقة الكروبين، والسؤال هو: هل هناك وحي مُبصر أم أنَّ الوحي مسموع، وأن الوحي المبصر — رؤية محمد لجبريل — ليسَت لسائر الناس؟ والمعجزات بمعنى خرق قوانين الطبيعة، ليست لمحمَّد، بل له إعجاز القرآن، التحدِّي الأدبي والتشريعي، والوحي قاصرٌ على الأنبياء، وإلهام الأتقياء وكراماتهم إنما هي قدراتٌ بشرية خالصة، وطبقات الملائكة تشخيص لوظائفهم نظرًا للتوسط بين الله والعالم في التبليغ والأمر.١٤
- (٢) والمعاد يتضمَّن النظر في بعث الأبدان وبقاء الأرواح بعد الموت، وما ينالها من ثوابٍ وعقاب روحيَّين؛ فالروح النقية هي النفس المطمئنة الصحيحة الاعتقاد للحق، العاملة بالخير الذي يُوجبه الشرع والعقل، الفائزة بالسعادة والغبطة، واللذة الفائقة أرفع مما صرَّح به الشرع، وهو الثواب والعقاب البدنيَّين، ولم يخالفه العقل، إلا أن الله أوعد على لسان الرسول الجمع بين الاثنتين، الروحانية والبدنية؛ إذ إنَّ العقل وحده هو الطريق إلى معرفة السعادة الرُّوحانية، والوحي هو الطريق إلى معرفة السعادة البدنية. كذلك لا يعرف السعادة الروحانية إلا العقل بالنظر والقياس والبرهان، في حين أخبرت النبوة أيضًا بالعقل، ووجبت بالدليل، وهي مُتمِّمة للعقل، فإن كل ما لا يُثبت العقل وجوبه بالدليل يكون جائزًا. يأخذ ابن سينا موقفًا معرفيًّا ثنائيًّا، معرفة المعاد البدني بالوحي والمعاد الروحي بالعقل. ولما عُرف صدق النبوة بالبرهان يُصبح المعاد البدني يقينيًّا، ولكن لا يوجد دليل عقلي مباشر عليه، وما لا تدلُّ عليه النبوة ويدلُّ عليه العقل وحده يكون جوازًا؛ ومن ثَمَّ فالمعاد البدني يقين بيقين النبوة، والمعاد الروحي جواز بجواز العقل، وهو عكس نظرية العلم عند المتكلِّمين؛ أنَّ الدليل النقلي وحده دون الدليل العقلي يكون ظنيًّا، وأن الدليل العقلي وحده يقين، ولا يحتاج إلى دليلٍ نقلي.١٥ لا يَرفض ابن سينا على عكس ما هو شائع، حشر الأجساد ومُعبرًا عنه في صيغةٍ شرطية «لو»؛ لأنَّ دليله النقل وليس العقل، ولا يقول صراحةً بأنَّ المعاد الروحاني للخاصة والمعاد البدني للعامة، قد يكون ذلك نتيجة طبيعية لاعتماد الخاصة على العقل، والعامة على الشرع، كما يقول ابن رشد.
ويُمكن تجاوُز قسمة القدماء لعلوم الحكمة؛ نظرًا لصعوبة التمييز بين العلم الإلهي والعلم الإنساني، بين العلم الإلهي والعلم الطبيعي، بين العلم النظري والعلم العمَلي، في القسمة الثنائية وصعوبة التمييز في القسمة الثلاثية بين المنطق والطبيعيات والإلهيات، أو بين الرياضة والطبيعيات والنفسانيات والناموسيات، لخروجها كلها مِن أو توجُّهًا نحو الشعور الفردي والجماعي، بل إنَّ القسمة الخماسية عند الفارابي، وهو أفضل ما أبدَع القدماء تعطي العلم النظري، اللسان والتعاليم والمنطق، والطبيعيات مع الإلهيات، الأولوية للعِلم النظري على العلم العملي، العلم المدني وعلم الفقه وعلم الكلام. أما التقسيمات المتأخِّرة خارج علوم الحكمة، فإنها إحصاء للعلوم وتصنيف لإبداعات الحضارة، من أجل التدوين الثاني في عصر الشروح والملخَّصات، بعد أن كان التدوين الأول في عصر السنَّة.

ويُمكن تقسيم هذه القسمة الثلاثية الجديدة في عدة فروع:
(١) الوعي الفردي
- (أ)
دراسة الحواس والقُدرات المعرفية وكل وسائل الإدراك والوعي بالذات، ما يُشبه علم النفس بكل أنواعه الإدراكية والمعرفية، بما في ذلك العقل والحدس.
- (ب) تحوُّل الإدراك الحسي إلى نشاطٍ عقلي، عالم الاستدلال والأدلة والبراهين، وإيجاد الأنساق المعرفية، وبناء تصوُّرات العالم.١٧
- (جـ)
دراسة الانفعالات والأهواء والعواطف، وكل الجانب الوجداني في الإنسان، حتى يُمكن التخفيف عن حدتها والسيطرة عليها، وتوجيهها إيجابيًّا كعامل مساعد في المعرفة وفي السلوك؛ وذلك مثل الغيرة والحسد والنفور والاشمئزاز.
- (د)
علم السلوك وقواعد العمل، وهو ما يُعادل علم الأخلاق القديم، مُقومات السلوك الطبيعي الفطري، وتفاعله مع السلوك الاجتماعي، وجدل المثال والواقع في السلوك.
- (هـ)
دراسة البدن وحاجاته من غذاءٍ وكساءٍ وإيواءٍ وصحة، وهو ما يُعادل علم الطب عند القدماء، وتكوين الأبدان والأعضاء كوسيلة، والتعامل مع الآخرين للتحرك في العالم.
- (و)
دراسة الوجود الإنساني الذي تجتمع فيه القوى النظرية والعملية، وتتوحَّد حياته ويُصبح وجودًا له متطلباته الحياتية وأبعاده الإنسانية، مثل حالات الضيق أو التعاطف، التشاؤم أم التفاؤل، العزلة أم المشاركة، النقلية أو الخلق، النقل أو الإبداع، الخوف من الموت أو الثقة بالحياة.
- (ز) دراسة عالم الذاتية، وهو التحقُّق الأقصى للإنسان، وظهوره باعتباره أنا مُتفرِّد، وإمكانياتها في الفهم والإدراك والخلق والإبداع، والطاقة والحركة والنشاط، والتمدُّد والتغير والانطلاق، وحشد الإمكانيات، وبداية تحقيق المشروع، أو حمله الأمانة وأداء الرسالة.١٨
(٢) المحيط الإنساني
- (أ)
العلاقة بين الذوات عندما يكون الإنسان في علاقةٍ مع إنسان آخر، المحبة، الصداقة، الاحترام، العلم، وهي المواقف الطبيعية؛ لأن الكرامة والعداوة والاحتقار … إلخ علاقاتٌ طارئة.
- (ب)
العلاقات بين الذوات في مجموعاتٍ صغيرة، مثل الأسرة أو مجموعة الأصدقاء الصغيرة، أو مجموعة الدراسة أو الخلية الاجتماعية.
- (جـ)
العلاقات بين الطبقات الاجتماعية، عندما يُصبح الإنسان في طبقةٍ، تتحدَّد علاقاته بالطبقات الأخرى، والطبقة مفهومٌ واسع، لا يعني فقط التمايز الاقتصادي، بل يعني أيضًا التمايُز المهني والثقافي.
- (د)
العلاقات مع الوطن ككل، مع المواطن والجماعة، والنظام السياسي والنظام الاقتصادي، والنظام الاجتماعي، الأعراف والعادات والتقاليد والقيم، والثقافات الشعبية والفنون.
- (هـ)
العلاقات مع الأمة كلها خارج حدود الأوطان، الأمة العربية أو الإسلامية، مجموع أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وهي الدوائر الكبرى التي يتحرَّك فيها الإنسان في محيطه الإنساني الأوسع.
- (و)
العلاقات مع البشرية جمعاء، بصرف النظر عن درجات الالتقاء، الإنسانية من حيث هي كذلك، مع اختلاف درجات القُرب أو البُعد الجغرافي أو التاريخي؛ فأوروبا قريبة تاريخيًّا وأمريكا بعيدة تاريخيًّا، وإن كانتا في وجداننا المعاصر هما الحاضران المسيطران، أكثر من دوائر الانتماء الأولى.
- (ز)
حركة الأمة في التاريخ، أدوارها ومراحلها مسارها ودورها؛ فالمحيط الإنساني ليس ثابتًا بل هو متحرك، وهو تراكمٌ تاريخي ليس فقط كتراث، بل أيضًا كوعيٍ تاريخي، يسبب أحيانًا الرغبة في العودة إليه، أو الانفصال عنه، وحتى لا تضع الأمة نفسها خارج مسارها، وتدور في مسارٍ آخر.
(٣) العالم الطبيعي
- (أ)
النبات، وهو أول عنصر في المحيط الطبيعي، يعيش عليه الإنسان والحيوان، وهو الذي يُحيل الأرض الجرداء، بنزول الماء إلى أرضٍ خضراء، وهو أساس الزراعة والتنمية الزراعية، وهو الذي يحدد الفقر والغنى، الجوع والشبع.
- (ب)
الحيوان، وهو أيضًا أحد مصادر الغذاء للإنسان، وتتجاوز منافعه الغذاءَ إلى الكساء والإيواء، وخصوبة الأرض والطاقة، وهو عالمٌ مُتوسِّطٌ بين الإنسان والنبات، واستُعمل كثيرًا في التراث القديم، كعالم مصغَّر للعالم الإنساني في الأخلاق والسياسة.
- (جـ)
المعادن، وهو عالم الصناعة، وكل ما في باطن الأرض من ثرواتٍ طبيعية معدنية، مثل الحديد والنحاس والفوسفات والمنجنيز، والذهب والفضة والنفط، وهو مصدر الثروة الوطنية مع الثروة الزراعية على التبادل.
- (د)
علم الأنواء لمعرفة ما يدور حول الأرض، من مظاهر جوية من مطرٍ وسحاب وبرقٍ ورعد، وحرارة وبرودة ورياح، من أجل تسخيرها في توليد الطاقة.
- (هـ)
علم الفلك، وكل ما يتعلَّق بالأفلاك من أجل معرفة ظواهر الأرض المتعلِّقة بالأفلاك، من نهارٍ وليلٍ وضوء وظلمة، وحرارة وبرودة، ومد وجذر، ومعرفة التوقيت والمواعيد والفصول، والاهتداء بها في السير.
- (و)
الطبيعة الشِّعرية التي يُدركها الإنسان، من أجل اكتشاف دلالتها الجمالية والخلقية، حتى يتطهَّر الإنسان بالطبيعة، ويعود إلى الفطرة.
وعلى هذا النحو يَخلُف المحدثون القدماءَ كما خلف القدماءُ الأولين.
