تقديم
تْشُوهُرَهْ لَرْضَا كَا شِشَا
تخلو المكتبة العربية من شيء ذي بال عن تاريخ التُّبُو ولغتهم، فلا نعثر إلا على القليل جدًّا من الإشارات التي تتحدث عنهم، ولا يكاد الأمر يتغير إلا مع حلول القرن الثامن عشر عندما شهدت الصحراء الكبرى رحَّالة أوروبيين قادوا عدة حمَلات استكشافية عبرت ليبيا باتجاه مجاهل أفريقيا، وكانوا أثناء ذلك يمرُّون بقبائل التُّبُو فيصفون بلداتهم ولغتهم وأنماط إنتاجهم وأصناف طعامهم، إلى آخر ما يتعرفون عليه من مظاهر اجتماعية واقتصادية كانت سائدة آنذاك.
إن هذا الكتاب يساهم في إعادة ترتيب فصول وأولويات تاريخ الصحراء الكبرى الثقافي، من خلال التعريف بالتُّبُو ودراسة لغتهم واستقصاء تاريخهم المجهول وعرض بعض الأنماط الفولكلورية التي تختزل كِيانهم الاجتماعي، كما يهدف إلى تجريد هذه الموضوعات من طابع الحداثة الذي يغلب عليها في الآراء والانطباعات السائدة الآن، وذلك بإعادة اقتراح إحداثياتها التأسيسية وموضَعتها من جديد ضمن سياقاتها التاريخية وتراتيبها الكرونولوجية، وهو الأمر الذي تنطبق ضرورته على تاريخ الأقوام المجاورة أيضًا.
لقد تم إعداد مشروع هذه الدراسة مطلعَ ٢٠١٠م، وأرسلتُ خلاصته البحثية للنشر سنة ٢٠١١م، فنُشر مطلعَ ٢٠١٢م، في «مَجلة عَجمان للدراسات والبحوث» (المجلد الحادي عشر، العدد الثاني) بعنوان: «لسان التُّبُو (تدگا) الحلقة الوسطى بين الأفروآسيوية والنيلية الصحراوية - دراسة تأثيلية»، وهو بحث يقتصر على الجانب اللُّغوي كما يشي عنوانه، فكان أن عملتُ على استكماله وسد فراغاته في ما يتصل بالتكوين الاجتماعي من خلال الاستقصاء المباشر ومقارنة نتائجه بمشاهدات الرحَّالة.
قمت بتقسيم هذا الكتاب إلى ثلاثة فصول؛ يعرِّف الأول منها بالتُّبُو في محيطهم الجغرافي والدِّيموغرافي والإثْني، ويقرأ أصولهم مما توفَّر من إشارات نادرة تركها المؤرخون القدامى.
ويتناول الفصل الثاني تكوينهم الاجتماعي وتقسيمهم الطبقي وأعرافهم وتقاليدهم وطقوسهم وممارساتهم الاجتماعية وفنونهم الفولكلورية ومهاراتهم في استخدام عناصر البيئة الصحراوية وصنع الأدوات والمستعمَلات اليومية.
أما الفصل الثالث والأخير فيتناول لغة التُّبُو وإشكاليتَي تدوينها وتصنيفها، وبحث فرضيات نشأتها الأولى، مذيَّلًا بمَسردٍ لُغوي مقارَن، وبعض تعابيرهم الشفوية.
كما يجد القارئ في نهاية هذا الكتاب ملحقًا بمختارات مما كتبه الرحَّالة الذين مروا بالتُّبُو ودوَّنوا عنهم ما شاهدوه عِيانًا أو لاحظوه استنتاجًا، وذلك من خلال نماذج تختزل مثيلاتها من كتابات القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
كان أساس المادة المُعجمية التي اعتمدتُ عليها في المَسرد المقارَن جلساتٍ متصلةً عقدتُها مع المجموعة التُّباوية في حلقة اللسانيات الأفروآسيوية التي تم تأسيسها سنة ٢٠٠٩م في إطار عمل المرصد الثقافي الاجتماعي، وهم: جمعة اللاي ميدي (قبيلة أهِدَّهْ)، رمضان اللاكي بازن يَلْوَرْ (قبيلة أَرْنَا)، عبد السلام عبد الله اللهي (قبيلة هُكْتِيَا)، عبد الله لبن محمد (قبيلة مَاضَنَا)، علي حسن كواكوا (قبيلة أَضُبَيَّا)، محمد كلِّكوري رمضان (قبيلة مَاضَنَا)، وقد كان لجهدهم المميز أثر كبير في تثبيت صيغ التلفظ وما يشوبها من سمات قبَلية ومحلية.
ويقتضي الاعتراف بالفضل العلمي أن أشير إلى التدقيق الفِيلولوجي الذي قام به د. علي فهمي خشيم أثناء استظهار مفردات التدَگا ونظائرها الفصحى، وما بذله د. ضو ربيع من جهود يسرت إنجاز هذه الدراسة على الوجه الذي يراها به القارئ الآن. فلهما جزيل الشكر والتقدير.