مُهمَّة لرجل واحد!

نظر «خالد» إلى ساعة يده … وإلى الساعة الكهربائية المثبتة على حائط غرفته … فوجدهما متطابقتَين … الساعة التاسعة وخمس وأربعون دقيقة … وبعد ربع ساعة بالضبط سوف يُغادر المقر الرئيسي للشياطين اﻟ «١٣»، ويقود سيارته إلى المدينة، ثم يركب الطائرة عائدًا إلى «بيروت».

كان «خالد» يعيش وحده في المقر السري للشياطين اﻟ «١٣» منذ شهر حسب تعليمات رقم «صفر»، بينما كان بقية الشياطين في «بيروت». وقد حضر «خالد» للتدريب على أيدي أخصائيين في المقر السري، وقد تدرَّب جيدًا … ليس على إطلاق النار … أو المصارعة … أو أي مهمَّة عنيفة من المهام التي يقوم بها الشياطين اﻟ «١٣» … ولكن كان يتدرَّب على إصلاح الآلات الكاتبة.

وعندما تلقَّى «خالد» التعليمات منذ شهر كاد ينفجر من الغيظ والضحك معًا … فما معنى أن يتدرَّب أحد الشياطين على إصلاح الآلات الكاتبة … إنها مهمَّة رجل عادي وليست مهمَّة أحد المغامرين المرموقين … ولكن تعليمات رقم «صفر» كانت واضحةً جدًّا … يُسافر «خالد» فورًا إلى المقر السري للتدريب على إصلاح الآلات الكاتبة … ويعود بعد شهر.

وحضر «خالد» إلى المقر السري الكبير … حيث يُدار كل شيء بالكهرباء، وحيث يوجد أخصائيون في جميع فروع المعرفة … وتدرَّب تدريبًا دقيقًا متواصلًا على إصلاح أعقد الآلات الكاتبة العادية والإلكترونية … وأصبح فعلًا على درجة عالية من الكفاءة والمهارة في إصلاح أي نوع من أنواع الآلات الكاتبة … وكان ما يُهمُّه حقًّا هو معرفة السبب وراء هذا التدريب … هل سيترك عمله الأصلي كعضو في الشياطين ويفتح محلًّا لإصلاح الآلات الكاتبة؟! غير معقول! … لا بد أن هناك مهمَّةً محدَّدة، ولا بد أنه اختير بالذات لسبب هام … فهناك من الشياطين من هو أقدر منه على إصلاح الآلات الكاتبة ﮐ «هدى» مثلًا …

ولكن لم يكن هناك من يستطيع مناقشة تعليمات رقم «صفر». وأعاد النظر إلى الساعة الكهربائية، وعقرب الثواني يقفز سريعًا بين العلامات … حتى توقَّف عقرب الدقائق على رقم ١٢ وعقرب الساعات على رقم ١٠. وقفز «خالد» من مكانه وركب سيارته وانطلق مسرعًا … وبعد ساعتَين كان يستقل الطائرة إلى «بيروت». وعندما نزل من الطائرة في مطار «بيروت» الدولي وجد في انتظاره «زبيدة» و«عثمان»، وتبادلا السلام والتحية في شوق ومحبَّة، ثم انطلقوا بالسيارة إلى مقر الشياطين رقم «٢»، وهو المقر المجهَّز كمعرض … جزء منه يبيع الآلات الإلكترونية، والجزء الثاني لبيع السيارات.

وعندما وصل «خالد» إلى المقر لاحظ على الفور وجود لافتة جديدة على قسم بيع الآلات الإلكترونية … وكان على اللافتة جملة: «أخصائيون في إصلاح الآلات الكاتبة والحاسبة العادية والإلكترونية.»

وأدرك «خالد» على الفور نوع المهمَّة التي تنتظره … سيكون مسئولًا عن إصلاح الآلات التي ترد إلى قسم الإصلاح، ولكن لأي غرض؟

ولم تمضِ نصف ساعة حتى كان رقم «صفر» يُرسل لهم تقريرًا بالمهمَّة التي درب «خالد» من أجلها على إصلاح الآلات الكاتبة والإلكترونية.

وجلس «خالد» وسط المغامرين يستمع إلى التقرير الذي كانت «إلهام» تقرؤه:

من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س». هناك شركة كبيرة تعمل في الكيماويات والمعادن اسمها شركة «ك وراء البحار» … ونحن نعتقد أن هذه الشركة تقوم بنشاط سري مريب، بالإضافة إلى نشاطها العلني في بيع المواد الكيماوية والبتروكيماوية … وهو نشاط واسع يُغطِّي أكثر الدول العربية وبعض الدول الأفريقية. وقد قام رجالنا بالتعاون مع رجال الشرطة في لبنان بتتبُّع نشاط الشركة … وقد حصلنا على نماذج من مراسلاتها إلى مختلِف الدول، ولم نجد فيها شيئًا مريبًا … ولكن منذ شهرَين حصلنا على خطاب مرسل إلى دولة أفريقية … ومن المدهش أننا وجدنا في هذا الخطاب ورقةً بيضاء غير مكتوبة. وأدركنا على الفور أنها رسالة سرية … وقد استخدمنا مختلِف الوسائل لإظهار المكتوب في الورقة دون جدوى، فأعدنا إرسالها … وقد علمنا أن هذه الرسالة البيضاء تُكتب على آلة كاتبة من نوع خاص … ونحن نُريد أن نعرف نوع هذه الآلة وكيف تعمل حتى نستطيع حل لغز الرسالة البيضاء.

وتوقَّفت «إلهام» لحظات … وأدرك «خالد» نوع المهمَّة التي سيُكلَّف بها. وعادت «إلهام» تقرأ:

وقد استطعنا إلحاق أحد رجالنا بالشركة في عمل ساعٍ بين المكاتب، وعرفنا منه أن الآلة الكاتبة المذكورة موضوعة في غرفة رئيس مجلس إدارة الشركة … وأنه لا أحد يقترب منها إلَّا الكاتب الذي يعمل عليها؛ فهي موضوعة في خزانة مغلقة بمفتاح لا يحمله سوى رئيس مجلس الإدارة.

وقد فكَّرنا في اقتحام الشركة وفتح الخزانة ومعرفة سر الآلة التي تكتب الأوراق البيضاء … ولكن أي تصرُّف من جانبنا قد يُثير انتباه من في الشركة إلى أننا نتتبَّع نشاطها؛ لهذا فكَّرنا في خطة بديلة … سيقوم رجلنا في الشركة بمحاولةٍ لتعطيل الآلة الكاتبة بحيث تحتاج إلى إصلاح … ولن يكون في «بيروت» من يستطيع إصلاحها سوى «خالد».

وهزَّ «خالد» رأسه … ونظر إليه الشياطين جميعًا وهم يبتسمون … وقال «أحمد» معلِّقًا: إنها مهمة لرجل واحد.

خالد: ولكن كيف سيتمكَّن عميلنا في الشركة من كسر الآلة الكاتبة؟

أحمد: لا أدري … ولا بد أن رقم «صفر» قد وضع خطةً محكمة … ففي أثناء اشتغال الكاتب عليها قد يقوم عميلنا بحركة بهلوانية يقع على أثرها فوق الآلة … أو شيء من هذا القبيل … على كل حال هذه ليست مهمَّتنا … إنها مهمة رقم «صفر» وما علينا إلَّا الانتظار.

في اليوم التالي … قرأ الشياطين في أهم صحف لبنان إعلانًا ضخمًا عن القسم الإلكتروني في مقرِّهم … وكان الإعلان عن استعداد القسم لإصلاح أدقِّ الآلات الكاتبة والحاسبة العادية والإلكترونية … وأدرك الشياطين أن رقم «صفر» يُمهِّد للعملية القادمة.

ومع نهاية اليوم وصلت تعليمات جديدة تقول: «على «خالد» أن يضع مكياجًا متقنًا لرجل في الخامسة والثلاثين أو الأربعين من عمره، وعليه أن يتمرَّن على التصرُّف بما يُناسب رجلًا في هذه «السن».»

ووقف «خالد» حائرًا بينما انهمكت «إلهام» و«زبيدة» في تجهيز الثياب اللازمة والأصباغ … وقالت «زبيدة»: لقد قرَّرت أن يكون لك شارب جميل مثل شارب «عمر الشريف» في فيلم «لورانس العرب».

قال «أحمد»: هذا جميل … قد تُصبح نجمًا مشهورًا تنافس «عمر الشريف» و«بلموندو».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤