الفصل العاشر

أما هذه الأبيات فهي على ما ترى لا تكاد تكون غريبة عن مألوفنا. ولعل الجدير بلفت النظر إليه من أمرها ما يتجلى فيها من حكمة وعبرة. أما الحكمة التي يرمي إليها الشاعر، فهي توخي القناعة والرضى في طلب السعادة. والفكرة جلية غنية عن البيان. وأما العبرة فهي بأمر الغزال المعروف بغزال المسك الذي يقال: أن له سُرة تفرز غُددها مادة هي المسك بعينه. وقد روى لنا بعضهم أن غزال المسك هذا يحس ألمًا في سرته، فيلتمس نتوءًا من صخرة يحكها به فتنفجر الغدد ويخرج منها ذلك الإفراز. والمسك جليل القدر غالي القيمة عند الناس. ولكنه ليس للغزال إلا ألمًا وعذابًا. فالإنسان يتجول في البراري ويقاسي التعب والنصب في طلب ذرَّة من المسك يعثر بها على صخرة أثرًا بعد عين لغزال لا يعبأ بمسكه، بل يرقى الحُزون ويهبط الوهاد طلبًا لعشب يأكله:

يا غزال الوادي ربيب الظِلال
هائمًا تائهًا طريد الضلال
بدِّدِ المسك مستطيرًا شذاه
منك واطلب نجمَ الرُّبى والجبال

•••

جنَّني الليل والجنوبُ حدتْني
ليلةً لا كطولها في الليالي
فضللتُ السبيل أنشد مالي
لا أراه وفي يدي غير مالي

•••

تتراءَى آمال قلبي لعيني
راقصاتٍ مثل العذارى حيالي
وأمدُّ اليدين أقبض ريحًا
لا خيالًا ولا خيال الخيال

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤