الفصل الثالث عشر

هذه القصيدة في «نظرة» بدرت من عين فتاة وردت الماء. ولدينا في الشعر العربي الشيء الكثير من تشبيه العين بالنرجس، وهدبها بالسهام، وحاجبها بالقوس ولحظها بالسيف، وسوادها بالليل، إلى آخر ما هنالك؛ وكله حسن وجميل؛ ولكن قلَّ من وصف لنا نظرة كهذه من نظراتها، وصفًا نخاله حقيقيًّا وهو إنما «يشبه لنا» وقد تصرفت في النظم تصرفًا يضطرني إلى إردافه بترجمة نثرية إنصافًا للشاعر:

مرَّت بإِبريقها رجراجة الرِّدفِ
ترنو وترمقني مكحولة الطرفِ

•••

يا نظرةً بدرت من طيِّ برقعها
أسمو إلى وصفها تسمو عن الوصف
هل أنتِ إلاَّ نسيم هبَّ ألطفه
على صحيفة ماءٍ شفَّ عن لطف
فحرَّك الساكن الساجي وخطَّ على
لألائه، ماحيًا، حرفًا على حرف

•••

هل أنتِ إلاَّ عصيفير الظلام أوى
ليلًا إلى حجرة مرفوعة السِّجفِ
كالسَّهم مرَّ مرورًا من نوافذها
ومن جناحَيه صفق الكفُّ بالكفِّ

•••

رجراجة الرَّدف فوق الخصر حاملة
إبريقَها أين عذبٌ لوعتي يطفي
لأنتِ كوكبةٌ خلف الرُّبى احتجبت
أنا المسافر بين البحر والجُرفِ

الترجمة النثرية

كنتِ ماشية على طريق النهر وإبريقك (الجرة وهي من النحاس) على خصرك. فلماذا (انثنيت بخفة ورشاقة)، وأدرت وجهك (نحوي)، ونظرت إلي من خلال برقعك المرفرف (الخافق في الهواء)؟

تلك النظرة المنيرة الخارجة من (أحشاء) الظلام، وقعتْ عليَّ كالنسمة التي تمرُّ (بصفحة) الماء المتماوج، وتذهب في سبيلها إلى الشاطئ وأشباحه.

(تلك النظرة) انتهت إليَّ فكانت كعصفور المساء الذي يخترق غرفة لا سراج فيها، داخلًا من نافذة خارجًا من أختها، و(يغيب عن العيان) مختفيًا في الظلام.

أنت (محجوبة) مخبوءَة كنجمة من وراء الجبال؛ وأنا عابرُ سبيل في الطريق. ولكن (بربِّك) لماذا توقَّفت لحظة من الزمان، ورنوت إلى وجهي، من خلال برقعك، بينما كنت ماشية على طريق النهر حاملة إبريقك على خصرك؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤