الفصل الخامس والعشرون

أما هذا الشعر فلا تسأل المعرب عن معناه ومغزاه، أنه لا يُفسَّر. وقد أخبرني أحد الأساتذة الذين في معهد شاعرنا العلمي أنه ليس من جميع الأوروبيين الذين قرءوه في الترجمة الإنكليزية — والأصل بنغالي كما تعلم — مَن فهمه وأحاط بحقيقة المراد منه؛ وذلك أنه خيال لا حقيقة. وقد رأيته في الأصل البنغالي فإذا هو في صدر الكتاب وأولى القصائد بالتقدم وبإزائه رسم خيالي يمثل شبحًا في غلالة من دخان البخور. وكنت قد عرَّبته فقرأت لمحدثي ومن حضر الأبيات العربية وترجمتها لهم بالإنكليزية — وهي أداة التفاهم بيننا — صدرًا صدرًا وعجزًا عجزًا فطربوا كل الطرب وهنئوني، ونموا الخبر إلى الأستاذ الإلهي أي صاحبنا طاغور فاستعادنيها وتلطف بكلام أدخل السعادة على نفسي:

(١)

حُلَّني أطْلِقْ سُراحًا
لأسيرٍ في يَدَيكا
ردَّ لي قلبي تَجِدْهُ
طار مرتدًّا إِليكا١

(٢)

لا يُقَبِّلْ فوك ثغري
أسكرتني خمر فيكا
ضاق عن قلبيَ صدري
مِن بَخُورٍ يحتويكا
افتح البابَ لفجرٍ
نورُه يكمل فيكا
أنا من ضمٍّ ولثمٍ
ضعتُ: أنى التقيكا
منك عوِّذْني فإني
لا أرى فيك شريكا

•••

أنا مسلوبٌ فهبني
ما أنا واسلبْ وشيكا

هوامش

(١) لم أر لي بدًّا من فصل البيتين الأولين عن سائر القصيدة تفاديًا من الجمع بين رويين متنافرين. ورجائي إلى أرباب الفن أن لا يحسبوها قصيدة واحدة.
ثم إنني تصرَّفت في تعريب هذا الشعر تصرفًا راعيت فيه مذاهب الصوفية وطرائقهم في التعبير. وكنت قد نقلت أشياء من غزليات «الحافظ» الشاعر الفارسي الخالد، وإذ لم يسبق لي نشرها فقد خلته حسنًا بي أن أعرض شيئًا منها في هذا المقام غير متصد لها بشرح، بل مكتفيًا بالقول: إنها من نمط البعض من شعر «الفارض» وكثير من رباعيات «عمر الخيام» وغيرهما من شعراء الصوفية:
ألا يا أيها الساقي
أدر كأسًا وناولها
فإن العشق أن يعقد
عرى الآمال يُشكلْها
وسجادتنا بالخمـ
ـر طبق الأمر شكَّلها
وسالكنا عن الأقدا
ر سائله يئوِّلها
دع اللذات في دار الـ
ـحبيبة لا تؤملها
وجاوب حادي الترحا
ل حيَّ العيس حمَّلها
سفينتنا إلى اللجَّا
ت في ديجورة كِلها
وقل للرائح الغادي
على الشاطي تمثَّلها
عواطر جعد طرَّتها
نسيم الروضة انقلها
فإن تُرهب قلوب النا
س فلتجرَحْ وتقتلها
أحافظ إن أردت القر
ب لا تبعد وتهملها
متى ما تلق من تهوى
دع الدنيا وأمهلها

•••

قلبي حجابك دون حلو وصاله
والعين مرآة لشخص جماله
في حضرة الثقلين أرفع هامتي
لا غلَّ في عنقي سوى أفضاله

•••

اليوم يومي بعد «مجنون» أنا
والعصر في دولاته ورجاله
إن كنت من طَرَب وعشق مثريًا
فالفضل كل الفضل بعض نواله
حسن الرياض بلونه وعبيره
أثرٌ لعين تكرَّم بوصاله
لا تحقروا فقري «فحافظ» قلبه
كنز الغرام فيا لوفرة ماله

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤