الفصل السادس والعشرون

وهنا أيضًا سلكت مسلك الصوفية ونقلت الأصل بتصرف راعيت معه أساليبهم، وقد حق علي إذن إثبات ترجمة حرفية — إليكها:

أيها الحب. قلبي يشتاق ليلًا ونهارًا إلى الاجتماع بك، إلى ذلك الاجتماع الذي كالموت لا يبقي ولا يذر.

فاعصف عليَّ زعزعًا؛ وخذ كل ما بيدي؛ واسطُ على نومي واسلب أحلامي؛ واسلبني دنياي.

ويوم تجتاحني، وتتجرد روحي (من العلاقات) لنكن واحدًا في الجمال يا لشوقي (أعانيه) عبثًا. وأين أمل الاتحاد هذا إن لم يكن فيك يا الله.

يا حبُّ كم يشتاقك القلبُ
واصِلْ فؤادًا هائمًا يصبو
كن زعزعًا واعصف على كبدي
واسلب حياتي حبذا السلبُ
كن لصَّ نومي واسترق غلسًا
أحلام قلبي ييقظِ القلبُ

•••

واحرمني الدنيا وزينتها
فيك العذابُ لمهجتي عذب

•••

وإذا غدت نفسي مجردةً
وعن الشعور أميطتِ الحجبُ
فاسمح بوصلٍ فيك يعدمني
ومتى فنائي فيك يا حبُّ

•••

يا ربِّ كم أشتاقه عبثًا
بل أنت من أشتاقُ يا ربُّ

وقد رأيت أن أتبع هذا الغزل (الهندي) بغزل (فارسي) مما عربت من شعر الحافظ، كما سبقت الإشارة:

أأطيع التقوى وأعصي الخُمارا
أنا منذ الآزال بين السكارى
بعد طهري في نبعة الحب كبَّر
تُ على الكون أربعًا فتوارى

أي إنه بعد ما اغتسل في ماء الحب الطاهر — كأنه ميت يغسل — قال: «الله أكبر» أربع مرات وتوارى كما يُوارى الميت في القبر؛ أي: قطع كل علاقة مع هذا العالم فبات كأنه مات عنه. ولعل في هذا التفسير عونًا على إدراك البيتين اللذين دون الأخير من تعريب شعر طاغور. وتتمة العزل الحافظيِّ:

مَن حبيبي ومن سجاياه خمري
أسكروني واستطلعوا الأسرارا
ذرة النمل ذروة الطور فاشرب
يا نديمي واسترحم الغفَّارا
بي أفدي وجهًا كطاقة زهر
جلَّ فيها من أبدع الأزهارا
كل عين إلا النراجس مما
تحت هذي السماء تقذي مرارا
«حافظ» عاشق وملك سليما
ن لديه أن ترشفيه العقارا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤