مسرحية أجاممنون

(عن النص اللاتيني واليوناني)
تأليف: سنيكا الروماني وأيسخولوس الإغريقي

الجزء الأول: مأساة أجاممنون لأيسخولوس

ملخص المسرحية

عندما هربت هيلينا Helena مع باريس Paris إلى طروادة، أراد زوجها مينيلاوس Menelaus وأخوه أجاممنون، ولدا أتريوس Atreus، والملِكان المتوَّجان في أرجوس Argos، أن ينتقما منه لإغضابه زوس، حارس حقوق إكرام الضيوف. فظهرت علامةٌ أمام قصرهما، فسَّرَها لهما العرَّاف كالخاس Calchas، بقوله: هذان النسران هما الملِكان أنفُسُهما، والأرنب الحبلى التي يقبضان عليها بمخالبهما هي المدينة التي تضم ابن برياموس Priamus وهيلين وثروتها. غير أن أرتيميس Artemis (إلهة الصيد التي تحب المخلوقات الوحشية ساكنة الحقول)، غضبت على أجاممنون لغروره الزائد. وعندما اجتمع كل جيشهما في أوليس Aulis للإبحار بسُفنهما الألف، أثارَت أرتيميس الرياح المضادة، فتحطَّمت السفن وفَقَد البحَّارةُ روحَهم المعنوية. تَحدَّث العرَّاف إلى أجاممنون بعباراتٍ غامضة، قائلًا: «إذا رغبتَ في مصالَحة تلك الربَّة لكي تنقذ الأسطول، وجَبَ عليك أن تضحِّي بابنتك إيفيجينيا Iphigenia.» ففعل أجاممنون ما أشار به العرَّاف، وبذا أبحر الإغريق بسُفنهم، وحاصَروا مدينةَ طروادة مدة تسع سنين، ولكنهم لم يستولوا عليها؛ إذ قُدِّر لها ألَّا تسقط إلا في السنة العاشرة.
عندما غادَر أجاممنون أرجوس، ترك خلفَه في الوطن ملكته كلوتايمنسترا Clytaemnestra، ابنة ليدا Leda، وأخت هيلينا (رغم أن والد هيلينا هو تونداريوس Tyndareus). وإذ تُركت وحيدةً وذبحت ابنتها، أصغت إلى معسولِ ألفاظِ عاشِقٍ آخَر هو أيجيسثوس Aegisthus بن ثويستيس Thyestes، الذي اضطجع مع زوجة أخيه أتريوس، فانتقم أتريوس من ثويستيس بأن قتل أبناءَه الآخَرين، وقدَّم لحمَهم طعامًا لأبيهم في وليمة. فلما علم ثويستيس بحقيقةِ ما أكل، لعن ذُريةَ أخيه.
لما أقبل العام العاشر للحرب، تآمرت الملكةُ كلوتايمنسترا مع أيجيسثوس على حياة زوجها، فأمرت بالمراقَبة المستمرة فوق سقف قصرها في أرجوس؛ لأن عدة إشارات نارية متعاقِبة، ستُوقَد لإرسال الأنباء من طروادة عندما تسقط على يد أجاممنون. ومضت شهورٌ مُضنِية والحارس يراقب مجيءَ تلك الإشارات. وأخيرًا أضاءت الإشارات ليلًا، فاحتفلَت الملكة بتلك البشرى، فأشعلت نيرانَ المذابح في كافة أنحاء المدينة. غير أن كوروس الشيوخ لم يعتمد تلك الأنباء، ولم تتبدَّد شكوكهم إلا عندما جاء رسولٌ يعلن قدومَ أجاممنون، الذي نجت سفينتُه وحدها من العاصفة التي هبَّت في الليلة السابقة. وإذ رحَّبت الملكة بزوجها أجاممنون، طلب منها أن تُحسِن استقبال أسيرته كاسَّاندرا Cassandra، ابنة برياموس. وبناءً على طلب زوجته، وافَقَ على أن يسير إلى قصره فوق أقمشةٍ غالية الثمن. وحاوَلت كاساندرا باعتبارها عرَّافةً أن تقنع الشيوخ بالخطر المحدق بسيدهم. ورغم أنها كانت تعلم ما ينتظرها من حتف، هي نفسها، دخلت القصر. فيُسمَع صراخ موت أجاممنون، وتُعرَض الجثتان. تبتهج كلوتايمنسترا بفِعْلتها، وتتحدَّى الشيوخ. يدخل أيجيسثوس ليعلن مقتل أجاممنون جزاءَ جريمةِ والده أتريوس. وعندما وصل الأمر إلى تبادُل الضربات بين الشيوخ وبين أيجيسثوس وحَرَسه، أوقَفَتهم كلوتايمنسترا، ولكن بعد أن أعلنوا تحذيرَهم بأن أوريستيس Orestes سيعود للانتقام لمقتل والده.

أشخاص المسرحية

  • حارس Phulax (Watchman).
  • كوروس من شيوخ أرجوس Choros (Chorus).
  • كلوتايمنسترا (زوجة أجاممنون) Clyaemnestra.
  • رسول Kerux (herald).
  • أجاممنون (ملك أرجوس) Agamemnon.
  • كاساندرا (ابنة برياموس وأَمَة أجاممنون) Cassandra.
  • أيجيسثوس (ابن ثوستيس وابن عم أجاممنون) Aegisthus.
  • خدم وحشم وجنود.
  • المنظر: أرجوس.
  • الزمن: عصر الأبطال.
  • التاريخ: سنة ٤٥٨ق.م. بمدينة ديونيسيا Dionysia.

***

(فوق سقف قصر أجاممنون في أرجوس.)

الحارس : طالما صحتُ إلى الآلهة أن تخلِّصني من عملي الشاق هذا طوالَ مُراقَبتي في هذه السنة الطويلة؛ إذ أرقد فوق سطح قصر أبناء أتريوس Atreidae، متكئًا على ذراعي المَثْنية، كأنني كلب صيد. فتعلَّمتُ معرفة مجموعات نجوم الليل، نعم، تلك القوى المسيطرة المتألقة والبارزة في قبة السماء، جالبة الشتاء والصيف للبشر (مجموعات النجوم Asteras، في أي وقتٍ تخبو وفي أي وقتٍ تشرق).
وهكذا، لا أزال إلى الآن أترقَّب ظهورَ لهب إشارة النار المتألقة الآتية بالأخبار من طروادة وأنباء الاستيلاء عليها. فهكذا تحكم عليَّ ملِكتي، المرأة في القلب الدموي، والرجل في قوة الهدف. وكلما أُعِدُّ فراشي هنا، قلِقًا ومبلَّلًا بالندى، ولا تراودني الأحلام — إذ بدلًا من النوم يقف الخوف إلى جانبي دوامًا، حتى لا أستطيع أن أقفل جفوني مستسلمًا للكَرَى — وكلما أنوي أن أغنِّي أو أنشد بيتًا من الشعر (وبذا أصنع ترياقًا من الأغاني أدرأُ به النعاس)، عندئذٍ تبدأ دموعي بالانهمار، وأنا أنعى حظي في بيتنا هذا؛ حيث لا أُومَر بشيءٍ مبهج كما كان يحدث في الأيام الماضية. ومع ذلك، فعسى أن يأتي الليلةَ الخلاصُ السعيد من عملي الشاق! لعل النار تُومِض بأنبائها المفرِحة خلال دَيْجورِ الظلام!

(تومض إشاراتُ النار فجأةً.)

مرحبًا، أيها اللهب الذي تُبدِي في الليل ضوءًا كأنه ضوءُ النهار، يا بشير كثير من الرقصات الجماعية في أرجوس، شكرًا على هذا الحادث المفرِح!
انتبِه يا هذا! انتبِه يا هذا!

هكذا أصيح عاليًا بالإشارة لملِكة أجاممنون، كي تنهض من فراشها وتُسرِع بإطلاق صيحة الفرح في أَبْهاء قصرها مُرَحِّبةً بكِ، أيتها النار. فلو كانت مدينة إيليوم Ilium قد أُخِذت حقًّا، كما تعلن هذه الإشارةُ النارية دونما خطأ، وأُبدِي فرحتي، من جهتي بالرقص؛ لأنني أعتبر حظَّ سيدي السعيد حظي أنا أيضًا، لقد أدخلتِ السعادةَ١ الجمَّة على قلبي، أيتها الإشارةُ النارية.

عسى أن يعود سيدُ البيت إلى وطنه. وعسى أن أُمسِك في يدي، يدَه المرحَّب بها. أما عن بقية الأمور فأُمسِكُ لساني. إن ثورًا ضخمًا يقف فوق لساني،٢ ومع ذلك فالبيت نفسه عساه يتكلَّم؛ فبوسعه أن يروي قصة واضحة. وأما من ناحيتي، فلديَّ، باختياري، كلامٌ لمن يعلمون. أمَّا لمن لا يعلمون، فقد فَقَدتُ ذاكرتي.

(ينزل من سُلَّم داخلي. ويوقد الخدَمُ النارَ في المذابح الموضوعة أمام القصر. يدخل كوروس من شيوخ أرجوس.)

الكوروس : هذه الآن هي السنة العاشرة، منذ أن رحل خصم برياموس العتيد، الملِك مينيلاوس، ومعه الملِك أجاممنون، ابنا أتريوس القويان، متَّحِدَين بشرف العرش والصولجان، وبنعمة زوس، من هذا البلد بأسلحةٍ تتألَّف من ألف سفينة يقودها الأرجوسيون Argives؛ قوة محارِبة تدافع عن قضيتهما.
دوَّت صيحةُ القتال عالية، تلك التي أطلقاها في حَمْأة غضبهما، كما تصرخ النسور حزينةً في عزلتها، على أفراخها، فتندفع بقوةِ أجنحتها وتحلِّق عاليًا فوق أعشاشها؛ لأنها أضاعت مجهودَها عَبثًا في حراسة عشِّ أفراخها.

غير أن واحدًا من القوى العليا — ربما كان هو أبولو Apollo أو بان Pan أو زوس — سمع صيحةَ النحيب الحادة التي أطلقَتها تلك الطيور الصاخبة المقيمة مؤقتًا في مملكته، وأخيرًا أرسل الانتقام ضد المعتدين، ولو أنه جاء متأخرًا، وهكذا أرسل زوس، الذي قوَّته فوق الجميع، زوس سيد المضيف والضيف؛ أرسل ولَدَيْ أتريوس ضد الإسكندر، حتى يوقع من أجل امرأة متعددة الأزواج،٣ معارك عديدة، عنيفة وشاقة (عندما تُغرَس الركبةُ في الثَّرَى، ويرتعد الرمح في الهجوم)، على الدانيين Danaans وعلى الطرواديين سواء بسواء.

تقف القضية الآن حيث تقف، وتنتقل إلى حيِّز الإنجاز في نهايتها المقررة. ليس بالتقدمات المحروقة في السر، وليس بالسكائب السرية، ولا بالدموع، يُهدِّئ الإنسانُ غضبَ الضحايا غير المحترقة،٤ العنيد.

أما نحن، العاجزين عن تقديم أية مَعُونة بسبب أبداننا المُسِنَّة، نحن الذين طُرِحنا بعيدًا عن ذلك المجهود العسكري، منذ زمن طويل؛ فبقينا هنا في الوطن، نعتمد على عكَّازاتنا بقوةٍ كقوة الطفل؛ لأن قوة الشباب الوثَّابة داخل الصدر، أشبه بقوة العُمر، وربما كان إله الحرب غير موجود في مكانه. كذلك الشيخوخة وقد ذبلت أوراقُها، تسير في طريقها على أقدامٍ ثلاثة، وتجول بحالٍ ليست أفضل من حال جولان الطفل، حلمًا يُرى بالنهار.

ماذا حدث يا ابنة تونداريوس، أيتها الملِكة كلوتايمنسترا؟ أية أخبار لديكِ؟ بأية مخابرات، بل وبأية أنباءٍ اقتنعتِ حتى بعثتِ رُسلَكِ يقدِّمون الأضاحي؟ فمذابحُ جميع الآلهة التي تعبدها مدينتنا، الآلهة العليا، آلهة العالم السفلي وآلهة السماء والسوق، تشتعل بنيران القرابين. ترتفع اللهب عاليةً كالسماء، تارةً هنا وطورًا هناك، مستسلِمة لإغراء اللُّبان المقدَّس الطري والعديم المكر، وكذلك زيت التضحية المجلوب من حجرات القصر الداخلية. أخبِرينا عن كل هذا، فربما استطعتِ وكان بمقدوركِ أن تُظهِري. اشفِ نفوسنا الحائرة التي تتكهَّن الآن، تارةً بالشر، ثم بالأمل، فتتألَّق بنور الضحايا الرقيق، وتطرد همومَ الحزن الرابضة، التي تنهش قلبي.

لي القوة على إعلان نبوءة النصر المرسَلة للملِكَين، وهما في طريقهما — إذ لا يزال عمري،٥ الموهوب من لدن الآلهة، ينفث فيَّ اليقين، قوة الأغاني — كيف قاد هذان الملِكان المتوَّجان الآخيين Achaeans، رؤساء شباب هيلاس المتحدين. فسار ذلك الشباب بالرمح المنتقم والأسلحة ضد الأرض التيوكرية Teucrian، بالعلامة المشجِّعة التي ظهرت لملوك السفن؛ فقد حلَّقَ طائران ملكيَّان، أحدهما أسودُ الذيل، والآخَر أبيضُه، بجانب القصر مباشَرةً، فوق يد الرمح،٦ في موضع ظاهر، يلتهمان أرنبًا حُبْلى بصغارٍ لم تُولَد بعد، تحاوِل الهروب بآخِر مجهود.٧

أنشِدوا أغنية الويلات، أغنية الويلات، ولكن عسى أن يَسُود الخير!

ثم إن عرَّاف الجيش الطيب، لما رأى أن ابنَي أتريوس المحاربَين، قد انزعجا كلاهما، عرف أن مفترسَي الأرنب هما قائدا الحملة، وبذا فسَّر العلامة هكذا، فقال: «في الوقت المناسب، سيستولي المهاجمان هنا على مدينة برياموس، غير أن القَدَر سيستهلك جميعَ مخزون الشعب من الماشية، أمام أسوارها الشاهقة. ومع ذلك، فعسى ألَّا ينزل غضبُ حسدٍ من السماء على الجيش المتحصن، وهو القوة العاتية المتكتلة ضد طروادة، ويضرب قبل أن يبلغ هدفه! لأن أرتيميس المقدسة، غاضبة، بدافع شفقتها على كلاب سيدها المجنَّحة، أن تفترس مثل تلك المخلوقة الجبانة، هي وصغارها قبل أن تَلِدها. لقد استاءت من وليمة النسرَين.»

أنشدوا أغنية الويلات، أغنية الويلات، ولكن عسى أن يَسُود الخير!

رغم أنكِ، أيتها الجميلة، تعطفين على الأشبال الغضَّة، صغار الأسود المتوحشة، وتهتمين بالصغار الرضيعة لكل مخلوق وحشي يجول في الحقل، اضمني أن تأتي النتيجة مطابِقةً لهذه العلامات المتنبِّئة بالخير، ولكنها مَشُوبة بالشر. وإني لَأتوسَّلُ إلى بايان Paean،٨ الشافي، كيلا تثير العواصف المضادة التي تعوق أسطولَ الدانيين لمدة طويلة، وتمنعه الإبحارَ بحجةِ ضرورةِ تقديمِ ضحيةٍ أخرى، لا تعرف قانونًا، وغير مناسِبة للوليمة، ومسبِّبة النزاع في الأسرة، وتذيب توقير الزوجة لزوجها، إذ يَكمُن غضبٌ فظيع، لا يُمكِن إيقافه، إنه حارس غادِر للبيت، لا يُنسى قط، غضب يُنزل الانتقام من أجل طفلة.

ذكَرَ كالخاس مثل أقوال المصير هذه المقتبَسة من علامات التنبؤ التي كانت تظهر أثناء السير، مع كثيرٍ من طلائع الخير، ذكَرَها للبيت الملكي، وبهذه المناسبة.

أنشدوا أغنية الويلات، أغنية الويلات، ولكن عسى أن يَسُود الخير!

زوس، مهما كان، إذا سرَّه أن أتوسَّل إليه بهذا الاسم، فأنا أدعوه به، وإذ أزنُ جميع الأشياء في الميزان، أستطيع التخمين، بأنه ما من أحدٍ غير «زوس»، إذا أردتُ، في الحقيقة عينها، أن أطرح هذا العبءَ غير النافع عن قلبي. ذلك٩ الذي كان قويًّا في غابر الزمان، ومنتفخًا بالوقاحة عند كل شغب، ولن يُسمَّى كما كان يُسمَّى، وذلك١٠ الذي ظهر بعده، التقى مع مَن أسقطه، وذهب ومضى. ولكن الذي يفكر في قلبه من قبْلُ، ويعطي لقب النصر في صيحة الفوز ﻟ «زوس»، ينال الحكمة كلها. زوس الذي يقود البشر إلى طريق المعرفة، زوس الذي قرَّر كأمرٍ ثابت أن «الحكمة تأتي بالآلام». ولكن كما أن التعب المذكِّر بالألم يأتي إلى العقل في النوم، وكذلك تأتي الحكمة إلى البشر في أحقادهم. وأعتقد أن مع العسر تأتي نعمة القوى الإلهية، المتوجة فوق مقاعدها المرهوبة.

لذا، فإن قائد سُفن الآخيين، الذي هو أكبر الاثنين، لا يعتبر أيَّ عرَّافٍ مخطئًا، وينحني أمام تقلُّبات الحظ المضادة، عندما كان أهل آخايا Achaea، وهم عند الساحل المواجه ﻟ «خالكيس»، في المنطقة التي يرتفع فيها مد أوليس، وينخفض جزرها، في أشدِّ محنةٍ بسبب الرياح المضادة ونقص المئونة، والنسمات التي تهبُّ من سترومون Strymon، فيجلب لهم الخمول المحزن والجوع، وهبوط الروح المعنوية، في ثغرٍ بالغِ القسوة، يدفع الرجال على الارتباك، ولا يُبقي على سفينة أو حبل بمضاعفة مدة بقائهم، بدأ يذوي بضياع زهرة أرجوس، وعندما أكَّدَ العرَّاف أن أرتيميس هي السبب، أعلن للرؤساء علاجًا آخَر، أشدَّ إيلامًا من العاصفة المريرة، حتى ضرب ابنا أتريوس الأرضَ بعكَّازَيهما، ولم يستطيعا حبْسَ دموعهما.

عند ذلك تكلَّم الملك الأكبر وقال: «ما أشقَّ قضائي، ولا أستطيع له رفضًا! وما أشق أن يُقضى بأن يتحتم عليَّ أن أذبح ابنتي، مجدَ بيتي، وألوِّث يدَ الأب، بجانب المذبح، بتيارِ دمِ عذراء. فأي هذين الطريقَين لا يقترن بالسوء؟ كيف يتسنى لي أن أهرب من أسطولي وأخذل حُلفائي في القتال؟ إنهم لذلك يطلبون بإلحاحٍ ضحيةً لتهدئة الرياح — دم عذراء — وهذا من حقهم. عسى أن يكون كلُّ شيء لخير نفع.»

غير أنه عندما حمل نيرَ الضرورة، بانحرافِ روحٍ عديمةِ التقوى والقداسة والبركة، أخذ غرَضُه يميل نحو تنفيذ هذه الفعلة البَشِعة. يتشجَّع البشر بالوهم الحقير، المشير بالسوء، وأول أساس للنوائب؛ لذا شرع يقسِّي قلبه ليضحِّي بابنته كي يستطيع الانتصارَ في حربٍ شُنَّت للانتقام من أجل امرأة، وذبيحة لسفر الأسطول!

لم يُبدِ القادةُ شفقةً إزاء توسُّلاتها أو صراخها، وهي تقول: «أبتاه!» ولم يهتموا بحياةِ عذراويتها. وبعد الصلاة، أمر أبوها رُسلَه بالقبض عليها ملفوفةً بأثوابها، فارتمت إلى الأمام، كما أمرهم بأن يرفعوها بقلوبٍ قوية فوق المذبح، كما لو كانت جَدْيًا، وأن يضعوا كمامةً قويةً على فمِها الجميل كي تمنع النطق بصرخةٍ صارت لعنةً على بيته.

بعد ذلك، بينما تُسقِط ثوبَها الزعفراني على الأرض، ألقَتْ على كلٍّ من المضحِّين بها نظرةً من عينيها متضرِّعة من أجل الرحمة، وبدَت كما لو كانت في صورةٍ تَتُوق إلى التكلُّم، فكثيرًا ما كانت تغنِّي حيث يجتمع الرجال في ضيافةِ والدها وكَرَمه، واعتادت بصوتها العذراوي أن تبجِّل صلاةَ والدها المحبوب، وهو يطلب البركةَ عند السكيبة الثالثة.١١

لم أشاهد ما حدث بعد ذلك، ولا أستطيع روايته؛ فقد أُنجِز ما أمر به فن كالخاس. وأمالَت العدالةُ ميزانَها حتى تأتي الحكمة نظير ثمنٍ من الآلام. غير أن ما بقي لتعرفه عندما يحدث، فاتركه حتى ذلك الوقت؛ إنه حَدَثٌ يصحبه الحزنُ على عجل. ومن الجلي أنه سيأتي عند مطلع الفجر. ومع ذلك (تدخل كلوتايمنسترا) ففيما يختص بما سيأتي بعد ذلك، فعسى أن تكون نتيجته سعيدة تمامًا، كما هي رغبة حارسنا الوحيد هنا، المُدافِع عن الأرض الآبية Apian، الواقف أقرب ما يكون من سيدنا.

أتيتُ يا كلوتايمنسترا، طاعةً لسلطانكِ الملكي، إذ يليق بي أن أقدِّم فروضَ الولاء لقرينة الأمير الملكي عندما يكون عرشُ سيدها خاليًا. والآن سواء أكانت الأخبار التي سمعتها سارةً أو سيئة، فقدَّمتِ الذبائحَ بآمالٍ تبشِّر بالفرح، فأنا أَتُوق إلى سماعها، ومع ذلك فإن لزمتِ الصمت، فلن أشتكي.
كلوتايمنسترا : أما عن بشير الفرح، فكما يقول المَثَل: عسى أن يُولَد «الصباح» من أمه «الليل»! ستسمع أنباءً مبهمة تَفُوق كلَّ آمالك، فقد استولى الأرجوسيون على مدينة برياموس!
الكوروس : ماذا تقولين يا هذه؟ لقد فاتَني معنى ألفاظكِ، فتبدو لا يصدِّقها العقل.
كلوتايمنسترا : قلتُ إن طروادة في أيدي الآخيين. فهل معنى كلامي واضح؟
الكوروس : يتسلَّل الفرح فوق بدني، فيعطي إنذارًا بتحدِّي دموعي.
كلوتايمنسترا : نعم، إذ من القلب الوفيِّ أن تناقشك عينك.
الكوروس : وما الدليل إذن؟ هل لديكِ برهانٌ على هذا؟
كلوتايمنسترا : الحقيقة أن لديَّ البرهان، إلا إذا كان إلهٌ ما قد خدعني.
الكوروس : هل اهتممتِ برؤيا الأحلام المُغرِية؟
كلوتايمنسترا : لن أهتم بخيالات المخ النائم.
الكوروس : ولكن أيُمكِن أن تكون إشاعةٌ سارة قد أثارَت آمالَكِ؟
كلوتايمنسترا : حقيقة، إنك لَتَعبثُ بفَهْمي كما لو كان فَهْمَ طفل.
الكوروس : ولكن في أي وقتٍ دُمِّرت المدينة؟
كلوتايمنسترا : أقول في الليلة التي ولَدَت تلك الشمس.
الكوروس : وأيُّ رسولٍ استطاع الوصول إلى هنا بمثل هذه السرعة؟
كلوتايمنسترا : أسرع هيفايستوس Hephaestus بإرسال لهبه الساطع من إيدا Ida، فتبعت الإشارةَ النارية إشارةٌ نارية أخرى، إلى أن بلغَتنا برسولٍ من اللهب. انتقل اللهب من إيدا إلى الصخرة الهيرمية Hermaean١٢ في لمنوس Lemnos، وتبعث اللهبَ القوي فوق الجزيرة، ثم لهب ثالث من قمة آثوس Athos المقدسة لزوس، وطار اللهب عاليًا حتى خيَّم فوق أرض الوطن الأصلية، متنقِّلًا بفرحه قُدُمًا إلى الأمام بقوته … فأضاء مشعلَ خشب الصنوبر بنوره الذهبي كما لو كان شمسًا١٣ ثانية، حاملًا الرسالة إلى أبراج المراقَبة في ماكيستوس Macistus. وإذ لم يتأخَّر، ولم يغلبه النعاس في عدم اكتراث، فلم يهمل دورَه كرسول. جاء نور الإشارة النارية من بعيدٍ فوق مجرى يوريبوس Euripus، فأعطى الإشارة إلى الحرَّاس الواقفين فوق ميسابيون Messapion، فردوا عليه بدورهم بإشعال النار في كومٍ من الهشيم الذابل، وأضاءوا اللهب مرسلين الإشارة بسرعة. فاستجمع اللهب قوتَه عندئذٍ ولم يخْبُ بحالٍ ما، بل كقمر ساطع قفز فوق سهل أسوبوس Asopus إلى قمة كيثايرون Cithaeron الصخرية، مثيرًا رسالةً أخرى من النار. ولم يحتقر الحرسُ هناك الضوء المرسَل من بعيد، وإنما أشعلوا لهبًا أعلى مما أُمِروا به. فانطلق النور عبر مياه جورجويوس Gorgopus، وبلغ جبل أيجيبلانكتوس Aegiplanctus، وحثَّ قاعدةَ النار على عدم التلكُّؤ. فأشعل حرَسُها عاليًا لهبًا عظيمًا، بقوةٍ لا تخبو، مُسرِعين بإرساله قُدُمًا حتى اجتاز الرأسَ الممتد إلى داخل البحر والمُطِل على الخليج السارونيكي Saronic، منطلقًا حتى بلغ مركز المراقَبة القريب من مدينتنا فوق قمة أراخنايوس Arachnaeus، وقفز فوق سقف بيت أبناء أتريوس هذا، فهبطت تلك النار من اللهب الإيداوي. هكذا كان حاملو المشاعل، الذين رتَّبتُهم بالتتابُع، واحدًا إلى آخَر، مكملين الطريق، وظافر هو الذي جرى أولًا وأخيرًا.١٤ هذا هو الدليل الأكيد والعلامة المُقنِعة، اللذان أعطيكهما، رسالة سيدي إليَّ من طروادة.
الكوروس : سيدتي، سأسرع بتقديم صلاة الشكر للسماء، ولكني أَتُوق إلى سماع التفاصيل، كي أُرضي إعجابي بقصتكِ، إذن فتفضَّلي بروايتها من جديد.
كلوتايمنسترا : طروادة اليومَ في أيدي الآخيين. وأعتقد أن صخَبًا من الأصوات يُدَوِّي في داخل المدينة، ولا تخْفُتُ جلبتُه. اسكب الخلَّ والزيت في قارورة واحدة، تَقُلْ إنهما كعدوَّين، يظلان في نزاع، وهكذا تُحيِّي أصواتُ المهزومين والظافرين الأُذنَ بوضوح، بقدر اختلاف حظَّيهما … تنتحب أولئك المرتميات فوق جثثِ أزواجهن وإخوتهن، والأطفال المنكفِئون على جثثِ آبائهم المسِنِّين، الذين أعطوهم الحياة. يبكي كل هؤلاء بشفاهٍ لم تَعُدْ حرةً، موتَ أعزائهم، بينما هؤلاء تجعلهم ليلةٌ من الجهد المضني، بعد المعارك، جياعًا؛ فيفطرون من صيامهم بما تَجُود به المدينة، غير متَّبِعين أيَّ نظام، بل كما يصادف كل رجل نصيبه وحظه. وهم الآن معسكرون في البيوت الطروادية المستولَى عليها، وقد خلصوا من صقيع السماء العارية ونداها، فينامون كأناسٍ سعداء، طول الليل دون القيام بأي دورٍ للحراسة.
والآن إذا ابتعدَ الظافرون عن اقتراف أي إثم حيال آلهة المدينة — آلهة المدينة المهزومة — وحيال محاربيهم، فلن يُؤسروا هم بدورهم، بيْدَ أنني أرجو فقط ألَّا يستبدَّ بالجنود دافعٌ جنوني إذا سيطر عليهم الجشع، فيَعْتدوا على ما لا يجب أن يَعْتدوا عليه! إذ لكي تُتاح لهم العودة بسلامٍ إلى وطنهم، يجب عليهم أن يقطعوا في عودتهم الطولَ الآخَر من طريقهم المزدوج. ولكن حتى إذا لم يُسِئ جيشُنا إلى الآلهة، ووصل إلى الوطن، فإن آلامَ الموتى المريرة لا تزال متيقِّظة، فعسى ألَّا يصيبهم سوءُ حظٍّ جديد. هذه هي أقوالي النسائية. ومع ذلك، فعسى أن يَسُود الخير، ويعلو الحق واضحًا، وإذ اخترتُ هذا، فقد وقع اختياري على المتعة بكثيرٍ من النِّعَم.
الكوروس : سيدتي، إنكِ لَتتكلَّمين بمنطق الرجل الحازم، أمَّا من ناحيتي، وقد أصغيتُ إلى بَراهينكِ الأكيدة، فسأتأهَّب للقيام بصلاة الشكر الواجبة للسماء؛ لأننا قد أحرزنا نجاحًا جازانا تمامًا على ما بذلنا من جهد.
مرحى أيها الملك زوس، وأنت أيها الليل الرحيم، الذي وهبتَنا مجدًا عظيمًا صار مِلْكًا لنا، أنت يا مَن ألقيتَ شَرَكك المخرَّم على أسوار طروادة الشاهقة، حتى لا يستطيع الإفلاتَ من تلك الشبكة المطوِّقة، عجوزٌ ولا صبي، ولا من المصير قاهِر الجميع. إن الذي أبجِّله هو زوس العظيم، سيد المضيف والضيف، ذلك الذي فعل هذا، وظل مدةً طويلة مُحْنِيًا قوسَه ضد الإسكندر، حتى لا تنزل صاعقتُه بعيدًا عن الهدف، ولا تطير وراء النجوم، فتُقذَف دون جدوى.

إنهم يسمُّونها «ضربة زوس»، إنها يده التي يُمكِن اقتفاء أثرها هناك. فكما يقرِّر يفعل. وقد قال شخصٌ ما، إن الآلهة لا تتنازل بالاهتمام بالبشر الذين يَدوسون نعمةَ المقدسات المحصنة تحت أقدامهم. بيْدَ أن الإنسان لم يتعلَّم الخوفَ من الرب!

الآن حَصْحَصَ الحق، بأن الدمارَ عقوبةُ جريمةِ الاستهتار، عندما يزهو الإنسان بروح الصَّلَف متجاوِزًا حدَّه. وذلك لأن قصورَهم تَفِيض بالخيرات الكثيرة، التي تَطغى على أعظم خيرٍ يفعلونه. وَلْيكن هناك جزء من الثروة لا يسبِّب محنة، حتى ينال مَن لديه قسطٌ وافر من العقل السليم، ما يَكْفيه من الخيرات. فليس الغني حصنًا للرجل المتمادي في مَلَذَّاته، فيطرد مذبح الحق القوي من أمام ناظِرَيه.

كلَّا، بل يَسُوقه قُدُمًا، ذلك الإغراء المضلِّل وليد «الدمار» المدبر، وعندئذٍ لا ينفع فيه أيُّ علاج. ليس شرُّه مستورًا، بل يضيء ساطعًا بشعاعٍ يجلب اللعنة. إنه شبيه بالمعدن الرديء يُختبر بالمحك، فإذا ما فُحص أبدى سَوادَ معدنه (لأنه كطفلٍ يطارد عصفورًا مجنحًا)، ويَصِمُ شعبَه بوصمةٍ لا تُمحَى ولا تزول. يَصُمُّ جميعُ الآلهة آذانَهم عن سماع صلاته، ومَن يتبع مثل هذه الأفعال تَسْحقه الآلهة في ضلاله.

هكذا كان باريس، الذي جاء إلى بيت أبناء أتريوس، وجلب العارَ على مائدة مضيفه الكريمة، بأن سرق زوجةً متزوجة.

أمَّا هي فتركَت لقومها قعقعةَ التروس والرماح وأسلحة الأساطيل، وجلبَت الدمار على إيليوم، بدلًا من أن تأتي لها ببائنة. فمرَّت من الأبواب بأقدامٍ سريعة، وتجاسَرَت على فِعلة لا يُتجرَّأ عليها. بعد ذلك انتحب عاليًا عرَّافو البيت صائحين: «وا حسرتاه! وا حسرتاه على البيت، البيت، وعلى أمرائه! وا حسرتاه على فراش الزوج، وعلى طابع شكلها العزيز! انظروا، ها هو يجلس بعيدًا في ألم حزنه المُمِضِّ، صامتًا مطعونًا في شرفه، ولكنه لا يعضُّ بنانَ الندم. وفي شوقه إلى تلك التي أسرعَت إلى ما وراء البحر، يبدو أن شبحًا ما سيكون سيدَ البيت. وإن رشاقة التماثيل الجميلة الصورة لَبغيضةٌ إلى نفسه، فقد انصرف كل جمال من أمام شَرَهِ عينَيه.

تأتي إليه الأحلام بخيالاتٍ محزنة لا تجلب له سوى الفرح العديم الفائدة؛ إذ مهما رأى الإنسان من مَسرَّةٍ في الخيالات، فسرعان ما تفلت من أمام بصره في ممرَّات النوم، وتصبح غيرَ ذاتِ نفع.» هكذا الأحزان عند الوطيس وفي البيت. نعم، وأحزان أخرى تَفُوق هذه، وبقدرٍ عظيمٍ في كل بيتٍ من بيوت جميع مَن رحلوا معه من بلاد هيلاس، يُرى الحزن الذي يَفُوق طاقةَ الاحتمال. نعم، كثيرةٌ هي الأشياء التي تنفذ في القلب، إذ يعرف كل فرد ممَّن أرسلهم، غير أنه عادَتْ إلى بيتِ كل واحدٍ منهم جرَّة رماد، وليس الرجال الأحياء.

يقايض آريس Ares على أجسام البشر بالذهب، فيحمل ميزانَه في ميدان المنافَسة بالرماح، ويرسل إلى مَن يحبونهم رمادًا ثقيلًا، من إيليوم، آتيًا من حرقه الجثث، رمادًا يبكونه بالدموع الغزيرة، وبدلًا١٥ من الرجال، يرسل إليهم قدورًا مليئة بالرماد. وهكذا ينتحبون معدِّدين تارةً مَناقِبَ ذلك الرجل بقولهم: «ما أبرعَه في القتال!» وطورًا مَناقِبَ آخَر قائلين: «سقط نبيلًا في المذبحة.» بينما يتمتم بعضهم في سرِّه «من أجل زوجة رجلٍ آخَر»، ويتسلَّل الحزن المليء بالامتعاض خلسةً ضد ولَدَي أتريوس، بطلَي ذلك النضال. غير أن أولئك الذين في زهرة شبابهم يُدفَنون في أرض إيليوم حول أسوار المدينة بعيدًا عن وطنهم، وقد غطَّت أرضُ العدو قاهِريها.

يا لخطر صوت الشعب المفعم بالغضب! فله نفس وظيفةِ لعنةِ الحتف العام. أنتظرُ في خوفٍ وقلقٍ لأسمع شيئًا يلفُّه الظلام، فلن تنسى السماءُ رجالَ الدم. وفي النهاية تُرسل أشباحُ الانتقام السود مَن ازدهر بطريقٍ غير مستقيم، إلى عالم النسيان، وتُفنى ثروته في عكسِ ما جُمِعت من أجله. وما إن يذهب وسطَ مَن صاروا لا شيء، حتى لا يجد بعد ذلك أية مساعدة. فالمجدُ المفرط محوطٌ بالأخطار؛ إذ إن القمة الشاهقة هي التي تصيبها صاعقةُ السماء، وإني لَأختارُ الرخاء غير المَشُوب بالحسد. عسى ألَّا أكون من مدمِّري المدن، وألَّا أقع في الأَسْر، وأقضي حياتي تحت سلطةِ رجلٍ آخَر!
أحد الشيوخ : ما أسرع ما ذاع في جميع أنحاء المدينة خبر سار، انتقل إليها بالإشارة النارية. ولكن مَن يدري ما إذا كان ذلك الخبر حقيقيًّا أم خداعًا من الآلهة؟
شيخ ثانٍ : مَن ذلك المتَّصِف بصفات الأطفال، أو المجرَّد من العقل، الذي يثير قلبَه بأخبارٍ فجائية لمجردِ إشارةٍ نارية، وعندئذٍ يتولَّاه القنوط إذا ما ظهر عكسُ ما سمع؟
شيخ ثالث : إنه لَأشبهُ بطبيعة المرأة التوَّاقة أن نصغي إلى الأخبار السارَّة قبل أن تنجلي الحقيقة.
شيخ رابع : لِعقلِ المرأة في التصديق، حدودٌ تنفتح أمام الاعتداء السريع على الحقوق، غير أن الإشاعةَ التي تُذِيعها المرأة سريعةُ الزوال.
قائد الكوروس : سرعان ما سنعرف ما إذا كانت تلك الأضواء الملتهبة، وتلك الإشارات النارية، حقيقةً أو هي أضغاثُ أحلام. فقد خدع المجيء المبهج لهذه الأضواء حواسنا. انظروا! ها أنا ذا أرى رسولًا قائدًا من عند الشاطئ البعيد، تظلله أغصان الزيتون. يؤكد لي الغبارُ المتعطش، شقيق الوحل،١٦ أنه لن يأمرنا بالمزيد من الفرح، أو على عكس ذلك، بالحزن، ليس بالمظاهر الصامتة ولا بإرسال لهب في غابة جبل، وإنما بالألفاظ الصريحة الواضحة؛ عسى أن يمنع الربُّ كلَّ طالع مضاد للفرح! وَلْيَكُن هناك مزيدٌ من الخير للخير الذي لاح من قبلُ!
شيخ آخر : إن كان هناك مَن يصلي بنِيَّةٍ أخرى نحو الدولة، فَلْيَجْنِ ثمارَ غرضه الضال.

(يدخل رسول.)

الرسول : مرحبًا بكِ، يا أرض أرجوس، يا أرض آبائي، أتيتُ إليكِ في هذا اليوم السعيد من العام العاشر. كَم من أملٍ أوعز إليَّ به تحطيم سفينتي، غير أن واحدًا منها قد تمَّ، إذ ما تجاسرتُ قط على أن أحلم بأن أموت في أرض أرجوس هذه، وأنال فروضَ الدفن الغالية عندي أكثر من كل شيء. والآن، فَلْتنزل البركات على هذه الأرض، والبركات على ضوء الشمس، وَلْيتبارك زوس الحاكم في الأعالي وأسمى سيد بوثي Pythe لهذه الأرض، ولعله لا يرسل علينا مزيدًا من سهامه. لقد أظهرتَ ما يكفي من عدائك على ضفاف سكاماندر Scamander، أما الآن، أيها السيد أبولو، فاتَّخِذْ حالًا أخرى، وكُن حافظنا وشافينا. كما أنني أُحَيِّي كافةَ الآلهة المجتمعين هنا، وكذلك حامي هيرميس Hermes رسولي المحبوب، وأكثر الرسل جميعًا احترامًا وتبجيلًا، والأبطال١٧ الذين ساعدونا في طريقنا، وأرجو أن يتفضَّلوا بإرجاع بقية الجيش التي أفلتَت من الرمح. مرحبًا بكِ يا أبهاء ملوكنا، وسقوفنا المحبوبة، وأنتِ أيتها المقاعد الجليلة القدر، وأنتم أيها الآلهة المواجهون للشمس.١٨ وإذا كنتم في أي يومٍ من الأيام الماضية قد رحَّبتم بملِككم، فقدِّموا له الآن ما يناسبه من الترحيب بعد غيبةِ تلك السنين الطويلة؛ لأن حمل النور في الظلام وعاد إلى كل المجتمعين هنا بالسواء؛ ملِكنا أجاممنون. قدِّموا له الترحيب الطيب، كما هو لائق وحق؛ لأنه استأصل طروادة من جذورها بمعول زوس المنتقم، الذي مزَّق به أرضها. لقد هُدمت مذابح ومحاريب آلهتها، وبُدِّدت تمامًا بذرةُ كلِّ أرضها. وَضع نيرًا فظيعًا على عنق طروادة، وقد عاد إلى وطنه الآن ملِكُنا، أكبر أبناء أتريوس، الرجل ذو الحظ السعيد الجدير بالشرف أكثر من جميع الرجال الأحياء؛ إذ لا يستطيع باريس ولا المدينة شريكته أن يفخرا؛ لأن العمل كان أعظم الآلام. وإذ ارتدى حلةَ النهب والسرقة أيضًا، فقدْ فَقَدَ سرقته، وجلب الدمار الشامل على بيت والده، وعلى جميع المكان الموجود به. لقد دفع أبناء أتريوس الصاعَ صاعَين، عقابًا لهم على آثامهم.
الكوروس : فَلْيَأْتِك الفرح يا رسول الجيش الآخي.
الرسول : ابتهج. ما عُدْتُ أرفض أن أموت، إذا سرَّ موتي الآلهة.
الكوروس : أكان الشوق إلى أرض آبائك هذه هو الذي أتعبك؟
الرسول : نعم، ولذا تمتلئ عيناي بدموع الفرح.
الكوروس : إذن فقد كان مرضًا سارًّا ذلك الذي مرضتَ به.
الرسول : وكيف ذلك؟ فَسِّرْه لي، وأنا أفهم ما تقول.
الكوروس : أصابتك الرغبة إلى مَن يبادلونك الحُب.
الرسول : أتقصد أن أرضنا كانت تَتُوق إلى الجيش المشتاق؟
الكوروس : اشتاقت بدرجةٍ عظيمة، حتى إنني كثيرًا ما تأوَّهتُ من روح دائمة التفكير المظلم.
الرسول : ومن أين أتى ظلامُ الكآبة إلى روحك؟
الكوروس : منذ أن وجدتُ الصمتَ ترياقًا للأذى.
الرسول : وكيف ذلك؟ هل كنتَ خائفًا من أي إنسانٍ في غياب ملوكنا؟
الكوروس : كنتُ في خوفٍ عظيم، حتى إنني الآن، كما قلتَ، أجِدُ لذَّةً بالغة في الموت.
الرسول : نعم، خيرٌ كل ما تم بخير. ومع ذلك، فبوسع المرء أن يقول عما حدث في تلك السنين الطويلة، إن جزءًا منها كان سارًّا، وجزءًا محزنًا. ولكن مَن ذا الذي يخلو من الآلام في جميع أيامه، سوى مَن كان إلهًا؟ فإذا كان عليَّ أن أذكر مشقاتنا ومراكزنا الحقيرة، والمساحات الضئيلة والمراسي الضيقة، وماذا كان لدينا ولا نشكو منه … وفضلًا عن هذه، كان على الشاطئ ما هو أمرُّ وأدهى؛ إذ تحتَّم علينا أن نرقد بجانب أسوار العدو، وتحت وابل الأمطار المنهمرة من السماء، وندى المراعي المتقاطر فوقنا، فأحدث الدمار المستمر بملابسنا، وملأ شعورنا بالديدان. أو إذا كان للمرء أن يتحدَّث عن برد الشتاء الذي يَفُوق كلَّ احتمال عندما كان ثلج جبل إيدا يقتل الطيور، أو عن القيظ عندما يروح البحر في سُباتٍ عميق فوق فراشه العديم الأمواج وقتَ الظهيرة. ولكن ماذا نجني من وراء نَعْينا كل هذا؟ لقد انقضَت متاعبنا، انقضَت للموتى حتى إنهم ما عادوا يهتمون حتى بالعودة إلى الحياة ثانيةً. وما حاجةُ الأحياء بإحصاء عدد القتلى، وما فائدة التذمُّر من تكشيرات القَدَر؟ وإني لَأعتبر من المناسب أن متاعبنا قد ودَّعتنا وداعًا طويلًا. فمن ناحيتنا، نحن بقية جيش أرجوس، نعتبر المكسب ميزة، ولا ترجح الخسارة كفَّة الميزان. وإنه لَيليق بنا، ونحن نُسرِع في عُرْض البر والبحر، أن نفخر بهذا في ضوء السماء: «أن محاربي أرجوس قد استولَوا على طروادة أخيرًا، وعلَّقوا هذه الغنائم في محاريب من الأيام الخوالي.» فمَن يسمع قصةَ هذه الأفعال يجب عليه أن يثني على المدينة وعلى قادة جيشها. وأمَّا فضلُ زوس، الذي ساعد في إنجازها، فينال جزاءه المناسب من الشكر. ها أنا ذا قد رويتُ قصتي.
الكوروس : لقد برهن كلامك على خطئي. لستُ أنكر هذا، إذ صار للشيوخ شباب أن يتعلموا بحق، ولكن أكثر مَن تسرُّهم هذه الأنباء، هم أهل بيت كلوتايمنسترا، كما أنها تفرحني في الوقت ذاته.

(تدخل كلوتايمنسترا.)

كلوتايمنسترا : أطلقتُ صيحة النصر في فرحي قبل ذلك عندما جاء أول رسول من اللهب بالليل، يُنبِئ بالاستيلاء على إيليوم، وبسقوطها. ثم لامَني البعض، وقالوا: «هل اقتنعتِ بنيران الإشارة حتى تعتقدي بأن طروادة قد نُهِبت الآن؟ حقًّا، إنه لَيليق بالمرأة أن تزهو في قلبها.» بمثل هذه التعبيرات جعلوني أبدو كأنما قد شرد عقلي. ورغم هذا، ظللتُ أقدِّم الذبائح، وأطلَق القومُ صيحةَ الثناء المبهج، كما هي عادة النساء، في شتى أرجاء المدينة، بينما هدأت في معابد الآلهة، تلك اللهب العَطِرة المغذَّاة بالبهار.
إذن، فما حاجتك الآن أن تعيد على مسامعي تلك القصة بالتفصيل؟ سأسمع القصةَ كاملةً من الملك نفسه، وذلك لكي أُسرِع على خير وجه، لأستقبلَ سيدي المُمجَّد عند عودته — فأيُّ فرحٍ أحلى في عينَي المرأة من أن تفتح الأبوابَ على مصاريعها في الوقت الذي نجَّى الإله فيه زوجَها ليعود من الحرب؟ — هذه رسالتي لسيدي: دَعْه يأتي بغاية السرعة إلى رغبة مملكته المولعة به، ليجد زوجتَه في بيته وفيَّةً له كما تركها، كأنها كلبُ حراسةٍ في بيته، مخلِصة له، عَدُوَّة لكلِّ مَن يريدون به سوءًا. نعم، لم تتغير في أيِّ شيء، لم تَفضَّ خاتمَ الوفاء في كل هذه المدة الطويلة. لستُ أعرف من مَسرَّة رجل آخَر، أو صوت الفضيحة أكثر مما يعرف البرنز الميت.

(تخرج.)

الرسول : إن مثل هذا الفخر المليء حتى آخِره بالصدق، لَيناسبُ كلامَ الزوجة النبيلة.
الكوروس : هكذا تكلَّمتْ لتعليمك، بيْدَ أن كلامها هذا يغرُّ أولئك الذين بوسعهم أن يفسروا تفسيرًا صحيحًا. ولكن أخبرني أيها الرسول؛ أريد أن أعرف عن مينيلاوس، سيد بلدنا العزيز، هل وصل سالمًا إلى الوطن، وهل عاد معك!
الرسول : يستحيل أن أنقل أخبارًا كاذبة، وأضفي عليها مَسْحةَ البهجة، كي أسرَّ مَن أحبهم لمدة طويلة.
الكوروس : عسى أن يكون بمقدورك أن تقول أخبارًا حقيقية وسارة! ليس إخفاء الحقيقة بالأمر الهيِّن إذا ما انفصل الصدق عن الخير.
الرسول : اكتُسِح ذلك الأميرُ من أمام بصر الجيش الآخي؛ هو نفسه، وسفينته أيضًا. لست أنقل أخبارًا غير حقيقية.
الكوروس : هل اختفى من إيليوم أمام بصر الجميع، أم هل اختطفته عاصفةٌ عامة، من وسط الأسطول؟
الرسول : لقد أصبتَ الهدفَ كالقوَّاس الماهر، ورويتَ بهذا قصةً طويلة في إيجاز.
الكوروس : هل أخبر عنه صوت المسافرين الآخَرين عمومًا على أنه حي أو ميت؟
الرسول : لا أحد يعرف شيئًا فيخبرنا عن هذا بوضوح، ما خلا الشمس وحدها، التي توجِد الحياةَ على الأرض.
الكوروس : إذن، فكيف تقول إن غضب السماء قد أثار عاصفةً على الجيش البحري، ثم انقضَتْ تلك العاصفة؟
الرسول : لا يليق أن نشوِّه يومًا ذا طالع سعد برواية المَكارِه — فالتكريم الواجب للآلهة يبعدها.١٩ فعندما يروي رسولٌ عابسُ الأسارير، لشعبٍ أنباءَ كوارث هزيمة جيشه الماحقة — إنه جرح عام أصاب الدولة، بينما خُصصت للموت ضحايا عديدة، من بيوتٍ كثيرة بواسطة السوط ذي المقبضَين الذي يحبه آريس، ذلك الدمار المزدوج التسليح، والزوج الدموي — وعندما أقول إنه مفعم بويلات من مثل هذا النوع، فمن اللائق أن ينشد أنشودة انتصار الإرينويس (الأرواح المنتقمة). أما إذا أتى المرء بأخبار الخلاص المفرِحة، لمدينة تبتهج بسعادتها، فكيف يتسنى لي أن أخلط الجميلَ بالقبيح عند ذِكْر نبأ العاصفة التي هبَّت على الآخيين، وقد أثارها غضب السماء؟ فقد أقسمت النار والبحر، وكانا في ذلك الوقت ألدَّ الأعداء، يمينَ التحالُف، وبرهَنَا على ذلك بتدمير أسلحة الأرجوسيين التعساء. خرج المكروه ليلًا من اللجة القاسية، فاصطدمت السفن واحدة بأخرى إبَّان الزوابع القادمة من تراقيا، وارتطمت بعنفٍ بواسطة الإعصار الثائر واندفاع المطر المِدْرار؛ فاكتُسِحت بعيدًا عن الأنظار، جرَفَها الإعصار المُدَوِّم للراعي الشرير.٢٠ وما إن انبثق ضوء الشمس الساطع حتى رأينا بحر إيجة مزهرًا بجثث الرجال الآخيين وحطام السفن. أما نحن وسفينتنا، ولم يتصدَّع هيكلها، فقد حفظتها قوةٌ إلهية وليست بشرية، خلسة أو بالوساطة، فوضعت يدَها على دفَّتها، وشاء «الحظ المنقذ» Tuchē Swtēr أن يجلس على ظهر سفينتنا حتى لا تدخلها الموجة العاتية عند المرسى، ولا ترتطم بشاطئ صخري. وبعد أن أفلَتْنا من الموت في اليَمِّ، وقلَّما قدَّرنا حظَّنا، استغرقنا نفكر بقلقٍ في سوء حظنا الأخير، وفي أسطولنا المنكوب الذي حطَّمته الأعاصير أيما تحطيم. ولو كان هناك الآن أي فردٍ منهم ينعم بأنفاس الحياة، فإنما يتحدَّث عنا كمفقودين — ولِمَ لا يتحدَّثون هكذا؟ — بينما نتخيَّلهم نحن في حالٍ مماثلة. ولكن عسى أن ينجلي كل شيءٍ على خير وجه! أما عن مينيلاوس حقًّا، فأول ما نتوقَّعه قبل كل شيء، هو أن يعود! وعلى الأقل، إذا وجده شعاعٌ ما من أشعة الشمس، حيًّا وبصحةٍ جيدة، بتدبير زوس الذي لم يصمِّم بعدُ على إهلاك قومنا؛ فهناك أملٌ ما في أنه سيعود إلى وطنه ثانيةً. وإذ سمعتَ كل هذا، فتأكَّدْ من أنك سمعتَ الحقيقة.

(يخرج.)

الكوروس : مَن ذا الذي استطاع أن يطلق اسمًا صحيحًا تمامًا — فهل كانت قوةٌ ما غيرُ مرئية هي التي أرشدت لسانه إلى التنبؤ الصواب بالمصير؟ — ذلك الذي أطلق على عروس الرمح ومصدر النزاع اسمَ هيلينا؟ إذ هي، كما يدل اسمها تمامًا، قد برهَنَت على أنها جحيم للسفن، وجحيم للرجال، وجحيم للمدينة، عندما خرجَت من مخدعها الجميل ذي الريَاش الثمينة، وركبَت البحرَ أمام هبوب زفيروس Zephyrus وليد الأرض، وتبعها جيشٌ عرمرم من القنَّاصين المحارِبين، يقتفي بالسفن أثرَ ضالته التي أرسَت سفينتَها على ضفاف سيمويس Siomïs ذات الأشجار المُورِقة، في نضالٍ ينتهي بالدم.
أنجز «الغضب» هدفَه في إيليوم، فأتى إليها بزواجٍ سُمِّي بحق «حِدادًا»،٢١ وجازى فيما بعدُ عن إهانةٍ لحقت بكرم الضيافة إلى زوس، شريك الوطيس، وعاقَب أولئك الذين احتفلوا بإنشاد الأغاني، بصوتٍ مرتفع، تكريمًا للعروس. وكذلك أقارب العريس الذين أنشدوا ترنيمة الزواج في ذلك اليوم. أمَّا مدينة برياموس، فقد تعلَّمت في شيخوختها نغمةً مُغايِرة، وأظنها تنتحب الآن بأنشودة عالية الصوت، وإن الشخص الكثير الأحزان والعويل لَيَصِف باريس ﺑ «المتزوج بالشرِّ»؛ ولذلك فإنها حملَت عِبءَ حياةٍ مثقلة بالدمار، حياة البكاء الكثير بسبب مقتل أبنائها الفظيع.

هكذا ربَّى رجل في بيته شبلَ أسد، حُرِمَ من لبن أمه وهو لا يزال محتاجًا إلى ثَدْيها. كان من أول حياته رقيقًا، لطيفًا مع الأطفال، ومتعةً للكبار. وكثيرًا ما كانوا يحملونه في أيديهم كالطفل الرضيع، وعينه البرَّاقة متجهة نحو يده، ذليلًا بدافع ضغط حاجة بطنه.

حتى إذا ما كبر وترعرع في كامل نموه، بمرور الزمن، أبدى طبيعتَه التي ورثها عن أبوَيه. ودون أن يؤمر، جازى عن تربيته، بإعداد وليمة من قتل القطعان المدمر، حتى تلوَّث البيت بالدم، ولم يستطع الساكنون فيه أن يسيطروا على آلامهم، وكانت المذبحة عظيمةً وهائلة طولًا وعرضًا. فقد رُبِّيَ كاهن الخراب في ذلك البيت بأمر الله.

أعتقد أن روح الهدوء، غير المعكَّر الصفو، جاءت أولًا إلى إيليوم، زينةَ ثروةٍ جميلة، تُلقِي لِحَاظًا رقيقة من عينها، زهرة الحب التي تلدغ القلب. ثم انحرفَت عن طريقها، فجعلت زواجَها ينتهي بالعطف. فأسرعَت إلى أبناء برياموس في حراسة زوس، حامي الجيش والضيف، تنفث الخرابَ بإقامتها وصحبتها، كانت شيطانًا اقترن زواجُها بالدموع.

صِيغ قولٌ مبجل، منذ القِدَم، وذاع بين البشر: عندما يصل رَغَد العيش إلى أَوْج نموه، ينجب ذُريةً ويموت وهو ليس عديم الولد، وتخرج من حظه السعيد مِحَنٌ لا ينطفئ لها أوارٌ تصيب نسْلَه.

ولكني أتمسَّك بآرائي وأفكِّر على خلاف ما يفكِّر به غيري. إن فِعلة الظلم هي التي تنجب في المستقبل ظلمًا أكثر، يشبه نسْلَها، ولكن إذا ما استقام بيتٌ كان حظُّ أبنائه مباركًا دائمًا.

بيْدَ أن الصَّلَف Hubris القديم خليقٌ بأن يَلِد أناسًا أشرارًا، إن عاجلًا أو آجلًا، وفي ساعة الميلاد المقدرة، يُولد صَلَف صغير، وتلك الروح الصغيرة غير الممكن قهرها وغير المقدَّسة، والاستهتار، وهذه لعنات سوداء تصيب الأسرة، أشبه بوالِدَيها.

أمَّا الاستقامة Dicta فتضيء في المساكن المظلمة بالدخان، وتُعلِي قَدْرَ مَن كان فاضلًا. تهرب الاستقامة من القصور المرصَّعة بالذهب، حيث أيدي الرجال ملوَّثة، وتُشِيح عنها بعينها، متخذةً طريقها إلى البيوت الطاهرة؛ لأنها لا تعبد قوة الثروة الموصومة بالزيف من جرَّاء مدح الرجال، وتقود جميع الأشياء نحو هدفها الصحيح.

(يدخل أجاممنون وكاساندرا في عَرَبة، مع كثيرٍ من الحاشية.)

مرحبًا بك يا مليكي، يا فاتح طروادة، وسليل أتريوس! كيف أرحِّب بك؟ كيف أقدِّم لك فروضَ الولاء، لا متخطيًا ولا مقصرًا عن القَدْر الواجب من التبجيل؟ إذ يفضِّل كثير من البشر المظهَرَ على الحقيقة، وبذا يَحِيدون عن الحق. فكل فرد على استعدادٍ للتنهُّد، مُبدِيًا الأنينَ على التعساء، رغم عدم وصول لدغة الحزن الحقيقي إلى القلب، وينضمُّون إلى فرح الآخَرين بعطفٍ ظاهر وهم يُرغِمون وجوهَهم على الابتسام. غير أن الراعي المدرِك لقطيعه لا تخدعه عيونُ أولئك الرجال، الذين بينما يدَّعُون إخلاصَ قلوبهم، يتملَّقونه بمحبةٍ مَشُوبة بالماء.٢٢
عندما نظَّمتَ في الماضي الجيوشَ في قضية هيلينا، صوَّرْتُك في عيني (ولا أُخفِي هذا عنك) بأبشع الملامح. وخُيِّل إليَّ أنك لم تُحسِن قياد دفَّة عقلك بالسعي إلى بعث الشجاعة في الأموات عن طريق تضحياتك.

أمَّا الآن، فمن أعماق قلبي، وبغير افتقارٍ إلى محبة … فإن كدح مَن فازوا بالنجاح بهجة لهم. وبمرور الزمن، ستعلم على وجه التحقيق مَن مِن شعبك كان أمينًا، ومَن مِنهم كان غيرَ لائق لحراسة الدولة.
أجاممنون : أُحيِّي أرجوس أولًا، كما هو حقٌّ وواجب، والآلهةَ الساكنين فيها الذين ساعَدوني في عودتي بالسلامة، وفي إنزال العدالة بمدينة برياموس؛ إذ دون الإصغاء إلى أية توسُّلات بكلام الفم،٢٣ ودون اختلاف الآراء، وضعوا أزلامَهم في طاس الدم، مقرِّرين دمارَ إيليوم بالقتل، ولكن الأمل وحده اقترب من طاس الخلاص الذي لم يَمْلأه أحد. ما برح الدخان حتى هذه الساعة يُعلِن عن سقوط المدينة، ولا زالت تياراتُ الدمار حية، وبينما يلفظ الرمادُ أنفاسَه الأخيرة، ينفث دمًا غزيرًا من الثروة. وإزاء هذا النجاح، يتحتَّم علينا أن نقدِّم للآلهة ما يليق بهم في شكرٍ واعترافٍ بالفضل، عالمين أننا قد طوَّقنا المدينة بنطاق من الانتقام، وفي قضية امرأة، دمَّرها حيوانٌ أرجوسي مفترس، هو نَسْل الحصان،٢٤ عبارة عن جماعة مسلَّحة بالتروس، ثبت في وقت اختفاء البلياديس Pleiades، خيَّمَ الأسد المفترس فوق أسوارها العالية، ونهل كفايته من الدم الملكي.
أتقدَّم بهذه المقدمة المطولة للآلهة، أما فيما يختص بعواطفك — التي سمعتُها ولا تزال عالقة بذاكرتي — فأوافق عليها، وستجد مني حاميًا، فقليل من الناس فُطِروا على الإعجاب، دون حسد، بما ناله صديق من حظٍّ طيب. أمَّا سمُّ الحقد فيستقر على القلب، ويضاعف عبءَ المصاب بهذا المرض؛ إذ تثقله مصائبه الخاصة، ويتذمَّر لرؤية رخاء غيره. ومن المعرفة — لأنني مُلِمٌّ تمامَ الإلمام بمرآة المرافقة — يمكنني أن أصِفَ المدَّعين بالوفاء الجم لي بأنهم ظلُّ شبح.٢٥ ﻓ «أوديسيوس» Odysseus وحده، الذي أبحَرَ ضد رغبته، اختُبِر ذات مرة، فأثبت أنه زميلٌ وفيٌّ وغيور. أقرِّر هذا عنه، سواء أكان على قيد الحياة أم في عداد الأموات.

أما عن الباقي، فيما يختص بالدولة والعبادة العامة، فسنُعَيِّن مجالس عامة، ونتناقش في اجتماعٍ كامل. فبما أن كل شيءٍ يسير على ما يرام، يجب أن نأخذ المشورة حتى يدوم هكذا مدة طويلة، أما فيما يحتاج إلى علاجٍ شافٍ، فسنحاول درْءَ شر المرض باستخدام الكي أو المشرط.

والآن! سأحضر إلى أبهاء قصري، وإلى وطيس أسرتي، وأقدِّم التحية أولًا للآلهة، فقد أوصلوني إلى هناك، ثم أعادوني ثانيةً إلى وطني. عسى ذلك الظفر الذي رافَقني أن يظل معي إلى النهاية!

(ينزل من عربته، تدخل كلوتايمنسترا تَتْبعها خادماتٌ يحملن طنافس أرجوانية.)

كلوتايمنسترا : يا أعضاء مجلس أرجوس، أيها الشيوخ الحاضرون هنا، لن أخجل من الاعتراف في حضرتكم بشَغَفي بزوجي؛ إذ يموت الحياء في الإنسان مع طول الوقت.
يمكنني أن أحكي لكم، دون أن أتعلَّمَ من غيري، ما لقيتُه في حياتي الشاقة طوال غياب سيدي هذا وراء أسوار إيليوم. فأولًا، وقبل كل شيء، إنه شرٌّ مليء بالفزع للزوجة أن تمكثَ في بيتها مُهمَلة، ومنفصِلة عن زوجها، تسمع باستمرارٍ شائعاتٍ خبيثةً متعددةَ النواحي، ويأتيها رسولٌ وراء آخر، يحمل إليها أخبارًا بالمِحَن، كل محنة أفظع من سابقتها، ويصيح بها أمام أفراد الأسرة. أما عن الجروح، فقد أصاب منها سيدي هذا الشيء الكثير، كما ظلت الشائعاتُ تتوالى على بيتي، حتى إنه ما من شبكةٍ أكثر منه ثقوبًا. أو إذا كان قد مات، كما قالت التقارير الكثيرة، فلا بد أنه، والحق يقال، ذو ثلاثة أجسام — إنه جيرون Geryon ثانٍ٢٦ — ويفخر بأنه حمل فوقه ثلاثة أغطية من الثَّرَى [الغطاء المناسب منها هو العلوي، أما السفلي فلن أتحدث عنه] ميتة لكل شكلٍ من الأشكال المتعددة. وكم من مرة، بمثل هذه القصص الخبيثة حلَّ غيري حبلَ المشنقة المعلَّق عاليًا، عن رقبتي، بعد أن التفَّ حولها بإحكام. والحقيقة أنه بسبب هذا لا يقف ولدنا أوريستيس Orestes هنا بجانبي، كما كان ينبغي له؛ ذلك الذي ينحصر فيه حبي وحبك. كلَّا، لا تظنَّنَّ هذا أمرًا غريبًا؛ لأنه في حماية وعناية حليفنا الوَفِي ستروفيوس الفوكي Strophius of Phocis، الذي حذَّرني بالأخطار مرتين؛ الخطر المحدق بك تحت أسوار إيليوم، وخطر احتمال قيام الشعب بتمرُّد، فيغير المجلس، كما جُبِل الناس على أن يَطئوا بأقدامهم مَن سقط. حقًّا، ليس هذا العذر وليدَ الخداع.

أمَّا عن نفسي، فقد جفَّ تمامًا ينبوعُ دموعي المتدفق، ولم يَبْقَ فيه قطرة؛ فتقرَّحَت عيناي من كثرة البكاء أثناء سهر الليالي الطوال، أنتظر إشارات النار المُعدَّةَ لأجلك، غير أنها بقيت محتجبة منذ ذلك الوقت. وكثيرًا ما أيقَظَني طنينُ البعوض الخافت، من أحلامٍ رأيت فيها مَكارِهَ تصيبك، تربو عددًا على ما يستطيع وقت النوم.

أمَّا الآن، وقد لاقَيت كل هذا، تخلَّصَ قلبي من قلقه، وإني لَأرحِّب بسيدي هنا بصفته الكلبَ حارسَ القطيع، وحبلَ الصاري المنقِذ للسفينة، والعمودَ الراسخ الأساس، الحامِلَ للسقف السامق، والابنَ الوحيد الذي يرجوه أبوه، والأرضَ التي يراها مَن في البحر بعد فقدان كل أمل في النجاة، والفجرَ الذي هو أجملُ ما ينظر إليه الناس بعد العاصفة، والينبوعَ المتدفِّق الذي يُطفِئ ظمأَ المسافر؛ فما أحلى أن يتخلَّص المرء من كل متاعبه وقتَ الحاجة. هكذا بحقٍّ هو الترحيب الذي أعتبره جديرًا به. ولكن، عسى أن يبتعد «الحسد» نائيًا؛٢٧ إذ كثيرةٌ هي المَكارِهُ التي تحمَّلناها من قبلُ.

والآن أرجوك يا سيدي العزيز أن تنزل من عَرَبتك هذه، ولكن لا تضع قدمَك هذه على الأرض العادية، يا مليكي، تلك التي داسَت إيليوم. (إلى خادماتها) لماذا هذا التلكُّؤ، أيتها النسوة، يا مَن كلَّفتُكنَّ بفَرْش طريقه بالطنافس؟ أسرِعْن! افرشْنَ طريقه بالأرجوان، حتى تُدخِلُه العدالةُ بيتًا لم يأمل قطُّ في أن يراه. وأمَّا ما بقي فستأمر به يَقَظتي الساهرة، كما يليق به — وعسى أن يسر الإله — كما رُتِّب تمامًا.
أجاممنون : أي بنت ليدا، يا حارِسةَ بيتي، إن قولَكِ لَيتفق تمامًا مع طول غيبتي؛ إذ قد نمَّقتِه بالطول المناسب. بيْدَ أن الثناء اللائق يجب بحق أن يَصدر من شِفاهٍ أخرى. وأما فيما يختص بما بقي، فلا تُدَلِّليني على طريقة النساء، ولا تتذللي إليَّ هكذا بالثناء العريض كما لو كنتُ أحدَ البرابرة،٢٨ ولا تُنزِلي الحسد إلى طريقي عندما تفرشينه بالطنافس؛ فالآلهة هم الأَوْلى بالإكرام هكذا، أمَّا أن يطأ الإنسانُ الستائرَ الموشَّاة، فأعتقد أنه مَدْعاة للرعب، وليس هذا بغير سبب. آمركِ بألَّا تبجِّليني كإله، بل كإنسان؛ فالطنافس والستائر ذات الوشي الجميل، والمخالفة تمامًا لصوت «الإشاعة»، هي أعظم هدية للسماء، إذا كان لنا أن نفكِّر بغير حماقة. لا نجرؤ على أن نعتبر أمرًا سعيدًا، إلا إذا انتهت حياته في رخاء، وإذا تصرَّفت في كل شيءٍ كما أتصرَّف الآن، فأنا واثقٌ تمامَ الثقة من أن تنتهي حياتي على هذا النحو.
كلوتايمنسترا : كلَّا، لا تقُلْ هذا القول؛ لئلا تُحبِطَ مَسْعاي.
أجاممنون : مَسْعاكِ! كوني على يقينٍ من أنني لن أُضعِف مَسْعايَ، أنا نفسي.
كلوتايمنسترا : لا بد أنك نذرتَ إلى السماء، أثناء خوفك، أن تفعل هكذا.
أجاممنون : قررتُ أن يكون هذا كلامي الأخير، إذا كان للمرء أن يتكلم، وأنا مقدِّرٌ عاقبةَ كلامي كلَّ التقدير.
كلوتايمنسترا : ماذا تظن أن يفعل برياموس لو أحرز النصرَ الذي أحرزتَه؟
أجاممنون : كان يضع قدَمَه فوق الطنافس الموشَّاة، أعتقد هذا حقيقة.
كلوتايمنسترا : إذن فلا تَخَفْ من الشرور التي قد تصيب البشر.
أجاممنون : ومع ذلك، فإن صوتَ الشعب قوةٌ عاتية.
كلوتايمنسترا : هذا حقيقي، ولكن مَن لا يُحسَد فهو غيرُ قابلٍ للحسد.
أجاممنون : لا شكَّ في أنه ليس من واجبات المرأة أن تُولَع بالمبارَيات.
كلوتايمنسترا : نعم، ولكن يليق بالظافر السعيد أن يُخضِع النصرَ نفسَه.
أجاممنون : ماذا؟! أهذا نوع النصر في القتال، الذي تُقَدِّرينه هذا التقدير؟
كلوتايمنسترا : يجب أن تخضع! ومع ذلك، فينبغي لك أن ترضى عن طِيب خاطر، بأن تترك هذا النصرَ معي.
أجاممنون : حسنًا، طالما أنكِ تصرِّين على أن تفعلي ما اعتزمتِ عليه، فأسرِعي باستدعاء مَن يحلَّ نعالي التي تقوم كالعبيد بخدمةِ مَوْطِئ قدمي! عسى وأنا أدوس فوق هذه الثياب الأرجوانية ألَّا أُضرَب من بعيدٍ بلِحَاظِ أيةِ عينٍ سماوية غَيُورة، إنه لَمِن العار، أي عارٍ لقدمي، أن تتلف أمتعةَ البيت بتبذير الثروة والأنسجة الثمينة القيِّمة.
يكفي هذا من أجل ذلك. استقبلي هذه الفتاة الغريبة برِفْق في البيت. ينظر الرب من بعيدٍ بعينِ العطف على السيد الرقيق، فلا أحدَ يحمل نيرَ العبودية من تلقاء نفسه، ولكنها أروعُ زهرةٍ في ذلك الكنز الثمين، قد تبعت رَكْبي، هدية جيشي.

وبما أنه يتحتَّم عليَّ أن أطيعك في هذا، فسأدوس على ممرٍّ من الأرجوان وأنا أدخل إلى أبهاء قصري.
كلوتايمنسترا : لدينا البحر (ومَن ذا الذي يمكنه أن ينزحه حتى يجف؟) ينتج صبغةً من الأرجوان الكثير الثمين كالفضة، والطازج دائمًا، فنصبغ به ثيابنا، وبفضل السماء يوجد منه في بيتنا مخزونٌ مناسب، فلا يعرف فقرًا. كان بوسعي أن أكرِّس ثيابًا كثيرة لكي تُوطَأ تحت الأقدام لو طُلِب مني ذلك في مقعد الوحي، عندما كنتُ أدبِّر أمرَ افتداء حياتك. فطالما الجذر حي، فإنه يُخرِج الأوراق ثانيةً في البيت، وينشر ظلَّه الممدود أمام نَجْم الشعري Dogstar اللافح، وبما أنك قد أتيتَ الآن إلى بيتك ووطيسك، فقد برهنتَ على أن الدفء قد أتى في وقت الشتاء. نعم، وعندما يصنع زوس خمرًا من العنب المُرِّ،٢٩ ستكون في البيت عندئذٍ برودةٌ عندما يخطو سيده الشرعي خلال أبهائه. (بينما يدخل أجاممنون القصر) أي زوس، أي زوس، يا مَن تحقِّق صلاتي! لتَكُن عنايتك بما تقصد أن تحقِّقه!

(تخرج.)

الكوروس : لماذا يخلق هذا الرعب باستمرار عند أبواب نفسي المتنبِّئة؟ لماذا تنشد أغنيتي نغماتِ التنبؤ دون أن تُؤمَر أو تُحَث؟ لماذا لا تستقر روح الاطمئنان على عَرش صدري، وتطرد الخوف كأنه حلم متعذِّر التفسير؟ بيْدَ أن الزمن قد جمع رمال الشاطئ فوق حبال السفن التي أُلقِيت عليه عندما رحل الجيش المحمول بالسفن إلى إيليوم.٣٠
لقد تأكَّدتُ من عودتهم إلى الوطن، بعينَي رأسي، ولا حاجةَ إلى شاهدٍ آخَر. ومع ذلك فلا تزال نفسي تدندن في داخلي بعديد «الروح المنتقمة» غير الموسيقي، ولا تستطيع تمامًا أن تظفر بالاطمئنان المعتاد إلى الأمل. لا يقلق صدري بغير سبب عندما يخفق قلبي داخل صدري المتنبئ خفقاتٍ ثائرةً تتنبأ بتنفيذ نبوءة الشر، ولكني أرجو ألَّا يتحقَّق ما أتوقَّعه، وأن يَثبت خطؤه.

الواقع أن الصحة لا تستقر راضيةً داخل حدودها المعينة؛ إذ يضغط المرض عليها من قريب، فصار جارَها بحائطٍ مشترك.٣١ وهكذا الحظ البشري، إذا استمر في مسيره في طريقٍ مستقيم، اصطدم فجأةً بحاجز خفيٍّ من حواجز المصائب. ومع ذلك، فإذا ألقى الحذر من على ظهر السفينة، برمية حسنة التقدير، جزءًا من الثروة المجموعة، فلن يغرق ذلك البيت المشحون بالمِحَن، ولا يبتلع الهيكل.٣٢ حقيقة، إن هديةً سَخِية وعظيمة من زوس، ومن الحظوظ التي تنهال سنويًّا، تثبت غائلة المجاعة.

غير أن دم الإنسان، إذا ما سُفِك وأُرِيق على الأرض بالقتل، في تيارٍ قاتم، فمَن ذا الذي يستطيع أن يسترجعه بتعويذةٍ سحرية؟ فحتى ذلك٣٣ الذي يملك براعة الإنهاض من بين الموتى، ألم يُنْهِ زوس حياتَه تحذيرًا لغيره؟ وإذا لم يأتِ قضاءٌ تأمر به الآلهة فيمنع قضاءً آخَر من التغلُّب، سيطَر قلبي على لساني، وأدلى بما يحس به من نبوءات،٣٤ ولكن الواقع أنه يتمتم في الظلام فقط، عاجزًا ومكتوفَ الأيدي عن فعل أي شيءٍ في الوقت المناسب عندما تتأرجح ثورة النفس.

(تدخل كلوتايمنسترا.)

كلوتايمنسترا : ادخلي، أنتِ أيضًا يا كاساندرا،٣٥ إذ عطَفَ عليك زوس، فعيَّنك شريكةً في الماء المقدَّس لبيتٍ تستطيعين أن تعيشي فيه مع كثيرٍ من الإمَاء الأُخْريات، عند مذبح الإله الحارس لثروة هذا البيت. انزلي من العَرَبة، ولا يَركبَنَّ الصَّلَف رأسَكِ، فحتى ابن ألكميني Alcmenc،٣٦ كما يقول الناس، احتمل في قديم الزمان، أن يُباع ويَذوق خبزَ العبودية، فإذا نزل مثل هذا الحظ كُرْهًا، على شخصٍ ما، فلديه سببٌ طيب للشكر على كون سادته من ذوي الثراء القديم؛ لأن الذين جَنَوْا محصولًا وفيرًا من الممتلكات فوق ما كانوا يأملون، قُسَاةٌ على عبدهم في كل شيء، وتبلغ بهم القسوة أن يَتَعدُّوا الحدودَ اللائقة. ولقد نلتِ منا معامَلة، تبعًا لما تضمنه العادات.
الكوروس : إنكِ أنتِ التي كانت تتحدَّث إليها، وتحدَّثتْ في وضوح. وبما أنكِ تحت رحمة المصير، فخليقٌ بكِ أن تطيعي، إذا كان لكِ ميلٌ إلى الطاعة، ولكن مثلكِ لا يطيع.
كلوتايمنسترا : حسنًا، إذا لم يكن كلامها غريبًا ولا مستهجنًا، مثل كلام طائر الخطاف، وجَبَ عليَّ أن أتكلَّم في حدود عقليتها، وأجبِرها على الطاعة.
الكوروس : اذهبي معها. فقد تركَتْ لكِ أن تختاري خيرَ ما هو متروك لكِ. افعلي ما تأمركِ به، واتركي مقعدَكِ في العَرَبة.
كلوتايمنسترا : ليس لديَّ متَّسعٌ من الوقت — لاحظوا هذا — لأتلكَّأ في الخارج هنا مع هذه المرأة؛ لأن الضحايا واقفة الآن عند المذبح الرئيسي في انتظار الذبح، وهذا سرور لم نتوقَّع إطلاقًا أن نحصل عليه. أما أنتِ، فإذا كان لكِ أن تقومي بأي دورٍ هناك، فلا تُبطِئي. ولكن إذا عَجزتِ عن الفَهْم، ولم تفهمي معنى كلامي، فبدلًا من الكلام، عبِّري بإشارةٍ من يدكِ البربرية.
الكوروس : يَلُوح أن هذه الغريبة في حاجةٍ إلى مُترجِم، على أن يكون مُترجِمًا واضحَ الألفاظ. فهي تبدو كحيوانٍ وحشيٍّ صِيدَ حديثًا.
كلوتايمنسترا : كلَّا، بل هي مجنونة وتصغي إلى حالتها الوحشية؛ لأنها قَدِمت إلى هنا من مدينةٍ استُولي عليها حديثًا، ولا تعرف كيف تتحمَّل مِحْنتها، حتى تنطق بالدم. كلَّا! لن أضيِّع وقتًا في التحدث إليها عبثًا، فأُهان هكذا.

(تخرج.)

الكوروس : وبما أنني أشفق عليها، فلن أغضب. أرجوكِ أيتها البائسة أن تتركي العَرَبة، اخضعي للحاجة، وخذي عليكِ هذه النكتة الطريفة.
كاساندرا : يا ويلتي، ويلتي، ويلتي! وا أبولو! وا أبولو!
الكوروس : بحق اسم لوكسياس Loxias، لماذا هذا الصراخ «بالويلات»؟ ما من إلهٍ يهتم بمَن يعولون.
كاساندرا : يا ويلتي، ويلتي، ويلتي! وا أبولو، وا أبولو!
الكوروس : ها هي تصيح مرةً ثانية بألفاظ طالع النحس، تنادي الإلهَ الذي يبدو أنه لا يكون حاضرًا في وقت العويل.
كاساندرا : أي أبولو، أي أبولو! يا إله الطرق،٣٧ ويا مهلكي! لأنك أهلكتَني — وأهلكتَني تمامًا — هذه المرة الثانية.٣٨
الكوروس : يُخَيَّل إليَّ أنها تكاد تتنبَّأ بما يختص بمِحْنتها. لا تزال روح التنبؤ مقيمة، حتى في روح الشخص المستعبَد.
كاساندرا : أي أبولو، أي أبولو! يا إله الطرق، ويا مهلكي! أي طريقٍ هذا الذي أحضرتَني إليه! إلى أيِّ بيتٍ جئتَ بي!
الكوروس : إلى بيتِ أبناءِ أتريوس. فإن كنتِ لا تعلمين هذا، فسأخبركِ به. ولن تقولي لي إنه كذب.
كاساندرا : كلَّا، كلَّا، بل إلى بيتٍ تمقته السماء، بيتٍ يعرف مقتلَ كثيرٍ من الأقارب، إنه مذبح (سلخانة) للبشر، وأسقفُه تَسبحُ في الدم.
الكوروس : يُخَيَّل إليَّ أن هذه الغريبة حادةُ حاسةِ الشَّمِّ كأنها كلبُ صيد، إنها في طريقٍ يكشف عن الدم.
كاساندرا : نعم، هنا الدليل الذي أثق به! انظروا إلى أولئك الأطفال الذين يبكون ذبحهم، ولحمهم المَطْهو الذي أكله أبوهم!
الكوروس : لقد بلغَت شهرتُكِ في قراءة المستقبل، آذانَنا، ولكننا لا نطلب العرَّافين.
كاساندرا : أيها الإله، ما عساه يكون ذلك الذي تنوي هي فعله؟٣٩ ما هذه الكارثة الغريبة التي تنوي أن تفعلها هذه المرأة داخلَ البيت، ما هذه الفظاعة الوحشية التي فوق ما يطيقه الحب، والتي لا يجدي فيها أي علاج؟ ويقف العون بعيدًا عنها!٤٠
الكوروس : تَفُوق هذه التنبؤات فَهْمي، ولكنني أفهم تلك، فالمدينة كلها تدوي بها.
كاساندرا : واهًا لكِ يا امرأة الصيد، إذن فستُنَفِّذين هذه الفِعلة؟ زوجُكِ، وشريكُ فراشكِ، عندما رحَّبتِ به في الحمام، هل ستفعلينها؟ كيف لي أن أخبر بالنتيجة؟ نعم، سرعان ما ستتم. الآن ستمد هذه اليد، وتمد الأخرى بعدها!
الكوروس : لم أفهم بعدُ، إذ بعد هذه الألغاز، تولَّتني الحيرة في هذا الوحي الغامض.
كاساندرا : ها! ها! ما هذا الشبح؟ هل هي شَرَك الموت؟ كلَّا، إنها الشَّرَك الذي يقاسمه فراشه، المشترك في جريمة القتل. فَلْتُطلِق الجماعةُ القاتلة الخَطِرة، التي لا تشبع قطُّ ضد البشر، صيحةَ الفرح لهذه الضحية الملعونة!٤١
الكوروس : أيُّ روح انتقامٍ هذه التي تأمرينها بأن ترفع صوتها عاليًا فوق هذا البيت؟ لا يطربني قولُكِ هذا. تعود قطراتُ دمي الشاحب أدراجَها إلى قلبي في موجاتٍ كما لو كانت تتدفَّق من جرحٍ مميت، تنحسر بعيدًا، تهبط الروح إلى أسفل، ويأتي الموت مسرعًا.
كاساندرا : هيَّا، هيَّا، انظروا إلى هناك انظروا إلى هناك! أبعِدوا الثور عن رفيقته! لقد قبضَت عليه في الثوب وتنطحه بطريقةٍ ماكرة، بقرنها الأسود! يقع في حوض ماء! أخبركم بالمصير المسبَّب بالخداع في حمَّام قاتل.
الكوروس : لا أستطيع أن أفخر بأنني قاضٍ ماهرٌ في التنبؤات، غير أنني أعتقد أن هذه تُنذِر بِشَرٍّ ما. أية كلمة طيبة تأتي إلى البشر من التنبؤات؟ فبمصطلحات الشرِّ تجعل فنونُها اللفظيةُ البشرَ يعرفون الخوفَ المُنشَد في نغماتٍ تنبُّئِيَّة.
كاساندرا : وا أسفاه! وا أسفاه! يا لحزن مصيري المنحوس الطالع! إنني أبكي من أجل عذابي المتوِّج للكأس. إلى أي مصيرٍ أحضرتني إلى هنا، أنا التعيسة؟ لا لشيءٍ إلا لأموت، ولن أموت وحدي. ماذا غير هذا؟
الكوروس : إنكِ لَمضطربةُ النفس، وقد سيطر عليكِ إلهٌ ما، وتبكين قضاءَكِ بنغماتٍ وحشية كالعندليب البُنِّيَّة اللون، التي لا تكفُّ إطلاقًا عن العويل (وَيْلي!) وتتأوَّه من شدة محنتها قائلة: «إيتوس، إيتوس Itys.» وتقضي طيلةَ أيامها في الحزن.
كاساندرا : يا لمصير العندليب المغرِّدة! كسَتْها الآلهة في صورة مجنَّحة، ومنحتها حياةً حلوة خالية من الدموع،٤٢ بيْدَ أنه ينتظرني هلاكٌ بسيفٍ ذي حدَّين.
الكوروس : من أين تأتي آلام الحزن التنبُّئِيَّة هذه، العديمة الجدوى، التي تهاجمكِ؟ ولماذا تلحنين هذه الأهوال بصيحاتٍ حزينة ممزوجة بالأصوات الحادة النفاذة؟ من أين تعرفين حدودَ طريق تنبُّئِكِ هذا المُنبِئ بطالع الشُّؤْم؟
كاساندرا : يا للعروس، عروس باريس، المصحوبة بهلاك أقاربه! لهفي عليك يا سكاماندر، يا نهري الوطني! نشأتُ أنا الفتاة التعيسة على شاطِئَيك، في الأيام الخوالي، ورُبِّيتُ بعناية، أمَّا الآن فأعتقد أنني سرعان ما سأنشد نبوءاتي بجانب كوكوتوس Cocytus وضفاف أخيرون Acheron.
الكوروس : ما هذه الألفاظ التي تقولين، الألفاظ الواضحة كلَّ الوضوح؟ التي لو سمعها طفلٌ حديثُ الولادة لَفهمها. لقد أصابني ألمٌ قاتلٌ الآن من جرَّاء حظكِ القاسي، فإنك لَتصيحين عاليًا بشَكْواكِ المحزِنة التي ينفطر قلبي لسماعها.
كاساندرا : يا للمحنة، محنة مدينتي المدمَّرة تمامًا! وا أسفاه على الضحايا التي قدَّمها والدي، والمواشي الراعية الكثيرة التي ذُبِحت لإنقاذ قلاعها! ومع ذلك فهي لم تُجْدِ فتيلًا في إنقاذ المدينة من الألم الذي ألمَّ بها. أمَّا أنا، وروحي متوقدة لهيفة، فسرعان ما سيتحتَّم عليَّ أن أسقط على الأرض.
الكوروس : يرنُّ حديثكِ الحالي بنغمات الآلام السابقة. من المؤكَّد أن روحًا خبيثةً ما، تنقَضُّ عليكِ بهجمةٍ ثقيلة، فتدفعكِ إلى الإنشاد بويلاتكِ المحزِنةِ المَشُوبة بالموت، ولكني عاجز عن إدراك الغرض من كل هذا!
كاساندرا : انظروا، ما عادت تنبُّؤاتي الآن تَظهر خلسةً من وراء قناع، كما لو كانت عروسًا حديثةَ الزواج، ولكنها ستندفع عليَّ واضحةً كأنها ريحٌ جديدة تهبُّ ضد اتجاه الشمس، فتندفع ضد أشعتها في محنةٍ أشد عنفًا من محنتي، كأنها لجةٌ عاتية. ما عُدْتُ أخبركم بأية ألغاز. وهل لكم أن تشهدوا لي، وأنا أسير خلف الأحداث من كثب، فأشم أثرَ الجريمة التي حدثَت في الزمن الماضي. فمن هذا السقف لا تنفكُّ جماعةُ الترتيل تنشد بالإجماع أنشودةً غيرَ متناسقة الأنغام؛ لأنها لا تبشِّر بخير.
وانظروا، بما أن الإرينويس الساهرات قد شربْنَ من دم البشر لكي تقسو قلوبُهن ويَصِرْنَ أكثرَ جُرأة، فإنهن يسكُنَّ هذا البيت، حتى ليصير من الصعب طَرْدهن منه. وإذ يُقِمْنَ داخل أبهائه، فإنهن يُنشِدْنَ نشيدَهن عن الجريمة الأولى، وكل واحدة منهن تشمئز بدورها من تلويث فراش الأخ؛ ولذا فهن غاضباتٌ أشدَّ الغضب، ضد ذلك الذي لوَّثه.٤٣ هل أخطأتُ المرمى، أو أنني كبنَّاء ماهر، قد أصبتُ هدفي؟ أو هل أنا عرَّافة أتنبَّأ بالأكاذيب، وأثرثر من بابٍ إلى آخر؟

اشهدوا، وأقسموا يمينًا على أنني أعرف أعمالَ الإثم القديمة، في القصص، عن هذا البيت.
الكوروس : كيف يمكن لقَسَم، مهما أُقسِمَ بشرف، أن يُجْدِي نفعًا في العلاج؟ ولكن يدهشني أمركِ، فرغم نشأتكِ وراء البحر، تتكلَّمين بأشياءَ حقيقيةٍ عن مدينةٍ أجنبية، كما لو كنتِ موجودة بها.
كاساندرا : إنه العرَّاف أبولو، الذي عيَّنني لأقوم بهذه الوظيفة.
الكوروس : أيُمكِن، وهو إله، أن يُصاب بالرغبة؟
كاساندرا : خجلتُ قبل الآن، من أن أتكلَّم عن هذا.
الكوروس : نعم، ننمو كلنا في الرخاء نُمُوًّا طيبًا.
كاساندرا : ولكنه جاهَد ليحظى بي، معبِّرًا عن حبِّه الشديد لي.
الكوروس : وهل أتيتِ في الطريق القويم لطقوسِ رباطِ الزواج؟
كاساندرا : وَعَدْتُ لوكسياس بالقبول، ولكني خلفتُ وعدي.
الكوروس : وهل كنتِ عندئذٍ موهوبةً ذلك الفنَّ الذي أوحى إليكِ به هذا الإله؟
كاساندرا : تنبَّأتُ لقومي، في ذلك الوقت، عن جميع نوائبهم.
الكوروس : وكيف حدث إذن، أن نالكِ غضبُ لوكسياس؟
كاساندرا : منذ ذلك الخطأ، لم أستطِع أن أحثَّ أيَّ شخصٍ بشيءٍ ما.
الكوروس : ومع ذلك، فعلى الأقل، تبدو لنا التنبُّؤات التي تتكلَّمين بها حقيقة جدًّا.
كاساندرا : أواه، أواه! يا للألم المُمِض! عادَت نوباتُ التنبُّؤ الحقيقي المفزِعة تدور في رأسي، وتجعلني أشردُ من جرَّاء هجومها المُنبِئ بالشر. أتلاحظون أولئك الجالسين هناك — أمام البيت — تلك المخلوقات الصغيرة الشبيهة بأشباح الأحلام؟ إنها تبدو كالأطفال، قتَلَهم ذووهم، وتمتلئ أيديهم بلحمٍ من لحومهم هم أنفُسهم، إنهم واضحون تمامًا أمام بصري، يُمسِكون أحشاءَهم وأعضاءَهم الداخلية (وهذه عبْءٌ ثقيل!) التي ذاقها أبوهم. من أجل هذا أقول لكم إن الانتقام قد دبَّره أسدٌ نذل، يتمرَّغ في فراشه، ويقوم حارسًا في البيت (والويل لي!) ضد عودة سيدي إلى بيته. نعم، سيدي، إذ يجب عليَّ أن أحمل نيرَ العبودية. لا يعرف قائدُ الأسطول ومدمِّر إيليوم، إلا القليل عن الأفعال التي ستتم في نهايةٍ شريرة بواسطة تلك الكلبة المقيتة، التي لعق لسانها يده، والتي أصغَت بآذانها في غبطةٍ وسرور، مثلما فعلَت آتي Ate الخائنة. إن لها مثلَ هذه الجرأة؛ أن تقتل امرأةٌ رجلًا.
باسم أيِّ وحشٍ مقيت أسمِّيها كما تستحق؟ هل أسمِّيها «أمفيسباينا Amphisbaena»؟٤٤ أو سكولا Scylla، ساكنة الصخور، ورعب الملَّاحين، التي تقف سدًّا شريرًا، وتشنُّ الحرب ضد سيدها في غير ما هوادة؟ وكيف تأتَّى لهذه المرأة الجريئة كل الجرأة أن تَطلِق صيحةَ النصر، الشبيهة بصيحة النصر عندما تحوَّلت المعركة، وتظاهَرت بالفرح بسلامة عودته! ومع ذلك فالأمر سيَّان، سواء حظيتُ بالثقة أم لم أحظَ بها. وما أهمية ذلك؟ فلا بد مما ليس منه بد، سرعان ما ستقول عني، أنت نفسك أيها الحاضر هنا، وأنت تأسف لي، إنني عرَّافة صادقة كلَّ الصدق.
الكوروس : عرفتُ وليمة ثويستيس على لحم أولاده وأرتعد لها. إن الرعب لَيتملَّكني وأنا أسمع الحقيقة، فلا شيءَ مختلَق من الكذب وأُضفِي عليه ثوب الحقيقة، ولكن حار أمري ولستُ أفهم شيئًا من الباقي الذي سمعتُه.
كاساندرا : أقول إنك سترى أجاممنون ميتًا.
الكوروس : خفِّفي من حِدَّة ألفاظك، أيتها الفتاة التعيسة، واستعملي ألفاظًا مناسبة للرحمة.
كاساندرا : كلَّا، فليس بوسع أي إله شافٍ أن يسيطر على ما أُخبر به.
الكوروس : كلَّا، إن كان لا بد من حدوثه، ولكن عسى ألَّا يسمحَ الإله!
كاساندرا : إنك إنما ترجو، ولكن عملهم القتل.
الكوروس : أيُّ رجلٍ هذا الذي دبَّر هذه الشرور؟
كاساندرا : لا شكَّ في أنك لم تفهم معنى تنبُّؤاتي.
الكوروس : نعم، طالما أنا لا أفهم خطةَ مَن سيقوم بهذه الفِعلة.
كاساندرا : ومع ذلك، أعرف جيدًا كلامَ هيلاس.
الكوروس : وهكذا أيضًا تنبُّؤات الوحي البوثي Pythian، ورغم هذا فهي عسيرة الفَهْم.
كاساندرا : رحماك، رحماك! ما هذه النار! إنها تُقبِل عليَّ! ويحي! ويحي! يا أبولو اللوكي،٤٥ ويلي، ويلي! ستقتلني هذه اللبؤة ذات القدمَين، التي تضطجع مع ذئبٍ في غياب الأسد النبيل، فما أشقاني! إنها تدبِّر خطةَ القتل، وتُقسِم اليمينَ على أنها ستقتلني أنا أيضًا في حَمْأة غضبها، بينما هي تشحذ سيفَها ضد سيدها، لتنتقم منه بالقتل جزاءً على إحضاره إياي إلى هنا. إذن، فلماذا أحمل وسائلَ السخرية من نفسي، عصا الساحر هذه، وهذه التمائم التنبُّئِيَّة التي أضعها حول رقبتي؟

(تكسر عصاها وتقذف بها، كما تقذف بأدوات التنبُّؤ الأخرى على الأرض، وتدوسها تحت قدمها.)

لا أقَل من أن أُحطِّم هذه قبل أن أموت أنا نفسي. إلى الدمار، يا هذه! وإذ تسقطين هكذا، فأنا أنتقِم لنفسي منكِ. زيِّني بالهلاك شخصًا آخَر بدلًا مني. انظروا، ها هو أبولو نفسُه يجرِّدني من ثوب التنبُّؤ، ذلك الذي نظر إليَّ وسخر مني في احتقارٍ مرير، حتى في هذه الشجاعة، بواسطة الأصدقاء الذين تحوَّلوا إلى أعداء، وكلهم من رأيٍ واحد، بغير ما سبب، ووصفوني — كما لو كنتُ مشعوذةً شاردة — بأنني «شحَّاذة» و«حقيرة» و«جائعة»، فتحمَّلتُ كل هذا، والآن إذ أهلَكَني ذلك العرَّاف، وأنا كاهِنتُه، أحضرني إلى طريق الموت هذا. وبدلًا من مذبح والدي، ينتظرني وَضَمٌ، أُقتَل فوقَه بضربةِ الضحية الدموية الساخنة، ولكن رغم هذا فلن نموت دون أن تأخذ السماء بثأرِنا؛ إذ سيأتي شخصٌ آخَر، ينتقم لنا بدوره، إنه سليلُ هذه الأسرة، الذي سيأتي ليقتل أمَّه أخْذًا بثأر أبيه؛ إنه منفي شرير من بلده. سيأتي ليضع الحجرَ الأخير في هذا الصَّرْح؛ صَرْحِ مَظالمِ العشق في هذا البيت. فقد أقسم الآلهة يمينًا مغلَّظة، أن تعود به جثةُ والده المقتول الممدَّدة، إلى بلده. إذن، فلماذا أرفع عقيرتي بالبكاء الممزِّق؟ وبما أنني شاهَدتُ مدينةَ إيليوم وهي تَلْقى ما أصابها من مصير، بينما سيَلْقى فاتحُها، بحكم السماء، مثلَ هذه النهاية، فسأدخل وأقابل حَتْفي. سأجرؤ على أن أموت. أُحَيِّي هذا الباب، بصفته بابَ الموت. وأرجو، إذ أتلقى الضربةَ القاتلة، أن ينحسر دمُ حياتي، بدون نضال، وأن أغمض عينيَّ هاتَين في موتٍ سهل.
الكوروس : لهفي عليكِ، أيتها المرأة البالغة البؤس، والبالغة الحكمة! ما أطولَ كلمتكِ، ولكن إذا كنتِ حقًّا على يقينٍ من معرفة موتكِ، فكيف يمكنكِ أن تدخلي بشجاعةٍ وهدوءٍ إلى المذبح كما يدخل الثور المُقَدَّر له أن يكون ذبيحة؟
كاساندرا : لا مفرَّ، يا أصدقائي، لا لا، لا مفرَّ إطلاقًا بعد ذلك.٤٦
الكوروس : ومع ذلك، فإن للأخير ميزةً فيما يختصُّ بالزمن.
كاساندرا : حان اليوم المحدَّد، لن أفيد من النضال كثيرًا.
الكوروس : حسنًا، كوني مُطْمئنة من أنكِ تواجِهين الآلامَ بروحٍ باسلة.
كاساندرا : ما من شخصٍ سعيد، يُمدَح هكذا.
الكوروس : ومع ذلك، فمن المؤكَّد أن الموت بنُبل مِنْحة للبشر.
كاساندرا : أسفي عليكَ، يا أبتاه، وعلى أولادك النبلاء!

(تتراجع إلى الخلف مذعورة.)

الكوروس : ماذا يؤلمكِ؟ أي فزعٍ يجعلكِ تتراجعين إلى الخلف؟
كاساندرا : خسئًا، خسئًا!
الكوروس : لماذا تصيحين قائلةً «خسئًا»؟ إلا إذا كان هناك فزعٌ ما في روحكِ.
كاساندرا : تتصاعد من ذلك البيت أبخرةُ القتل، وتتقاطر منه الدماء.
الكوروس : ماذا تعنين؟ ليست هذه سوى رائحةِ الذبائح عند الوطيس.
كاساندرا : إنها أشبه بأبخرة المقابر.
الكوروس : ما من بخورٍ سوري جيد لذلك المنزل الذي تتكلَّمين عنه.
كاساندرا : كلَّا، بل سأدخل لأبكي، أيضًا في داخل القصر، على مصيري ومصير أجاممنون، كَفَى من الحياة! وا أسفاه يا أصدقائي! لستُ أحجم بفزعٍ عديم الفائدة، كما يحجم الطير عندما يتوجَّس خوفًا من شجيرة. هل تشهد لي بهذا، بعد أن أموت، عندما ستُقتَل امرأة أخرى، من أجلي، وسيُصرع رجل آخَر من أجل رجلٍ ذي حظ عاثر في زواجه. أطالِبك بهذه المنحةَ الآن، إذ حان أجَلي.
الكوروس : أرثي لكِ، أيتها المرأة المسكينة، من أجل موتكِ المُتَنَبَّأ به.
كاساندرا : ومع هذا، فلا أزال أَتُوق إلى الكلام مرةً أخرى، ولكن ليس عن نفسي. أتوسَّل إلى الشمس، في حضور آخِر أشعتها أن ينال أعدائي٤٧ على يد المنتقِمين لي عقوبةَ الدم جزاءَ قتْلِ عبدةٍ وهي فريسة سهلة. وا حسرتاه على حظ البشر! وعندما كانت في عزها، كان بوسع مجرد ظل أن يقلب كلَّ شيء رأسًا على عقب،٤٨ فإن كان ذا كوارث، فإن مرور إسفنجة مبتلَّة يمسح الرسم. وإني لَأعتبر هذا الأخيرَ أكثرَ استدرارًا للعطف من ذاك.

(تدخل القصر.)

الكوروس : جرت سُنَّة الجنس البشري كله ألَّا يقنع بالرخاء. فلا أحدَ من الأبهاء الملكية يرفع صوته محذِّرًا، وينطق بالعبارة: «لا تدخل بعد ذلك.» كذلك منح المبارِكون أميرَنا الاستيلاءَ على مدينة برياموس، وإذ كرَّمته السماء، عاد إلى وطنه. ومع ذلك، فإذا كان عليه أن يدفع غرامة الدم الذي أراقه آخَرون قبله، وبموته من أجل الموتى، يحقق التكفير عن موت آخَرين،٤٩ فأي رجلٍ من البشر، إذا ما سمع هذا، يمكنه أن يفخر بأنه مولودٌ بمصيرٍ عديمِ الأذى.

(تُسمع صرخةٌ من الداخل.)

أجاممنون : يا ويلتي! ضُرِبتُ عميقًا بضربة قاتلة!
الكوروس : الزموا الصمت! مَن هذا الذي يصرخ جريحًا بضربة قاتلة؟
أجاممنون : ومرةً أخرى، وا مصيبتاه! ضُرِبتُ ضربةً ثانية.
الكوروس : أعتقد أن الجريمة تمَّتْ إذا كان لي أن أحكم من صراخ الملك. ولكن هيَّا بنا نتشاور معًا عسى أن نُوفَّق إلى خطةٍ مأمونةِ العاقبة يمكننا اتخاذها.

(يتداول أعضاء الكوروس معًا، ويُدلِي كلٌّ منهم برأيه فيما يجب عليهم أن يتبعوه.)

(١) ها أنا ذا أخبركم برأيي: نادوا أهلَ المدينة ليُحضِروا نجدةً إلى هنا، إلى القصر.
(٢) في اعتقادي، أنه يجب علينا أن نقتحمَ القصر، ونتَّهِمَهما بالجريمةِ والسيفُ لا يزال يقطر دمًا في أيديهما.

(٣) وأنا أوصي بأن نقوم بمثل هذا العمل، ونجمع الأصوات لاتخاذِ خطةٍ ما. ليس هذا وقتَ التواني.

(٤) الأمر واضحٌ جلي، تدل فاتحة عملهما على أنهما يزمعان إقامةَ حكمِ الطغيان في المملكة.

(٥) نعم؛ لأننا نضيع الوقت بينما هما ينتفعان من ذلك الاسم الممجَّد «التواني»، فلا يسمحان لأيديهما بأن تغفو.

(٦) لستُ أعرف أية خطة أقترح، فإن من دور الفاعل أيضًا أن يقترح الخطة.

(٧) وأنا من هذا الرأي أيضًا، إذ لا أعرف طريقةً تُرجِع الميتَ إلى الحياة بمجرد الكلام.

(٨) ما هذا! ألكي نطيل حياتنا، هل لنا أن نخضع لحُكْم مُدنِّسي البيت هذين؟

(٩) كلا، لن نحتمله. فالموت خير منه؛ إذ إنه أخفُّ احتمالًا من الطغيان.

(١٠) وهل يصح لنا أن نتكهَّن بموت مليكنا من مجرد دليل صراخه؟

(١١) يجب أن نتحقَّق من الوقائع قبل أن نتمادى في حنقنا؛ فالحَدْس شيء يختلف تمامَ الاختلاف عن اليقين.

(١٢) إنني مؤيد من كل جانب بأن نتَّخذ ونوافق على هذه الخطة؛ أن نحصل أولًا على الدليل الأكيد عن حالة ابن أتريوس.

(تظهر جثتا أجاممنون وكاساندرا، والملِكةُ واقفة إلى جانبهما.)

كلوتايمنسترا : سبَقَ أن تكلمتُ قبل الآن بالشيء الكثير لخدمة غرضي، ولن أخجل الآن من أن أناقِضَ ما صدَرَ مني؛ إذ كيف يستطيع بغير ذلك مَن يدبر الكراهية ضد عدوٍّ مكروه يحمل شَبَه صديق، أن يستر شِباك الهلاك العالية التي لا يمكن تخطِّيها؟ هذه هي أزمة الضغينة التي طالما فكَّرتُ فيها منذ القِدَم، وها هي قد أتَت الآن، رغم تأخُّرها الطويل، وها أنا ذا أقف حيث ضربتُ الضربة، وقد حقَّقتُ غرضي. هكذا نفَّذتُ الفِعلة، ولن أنكرها. ألقيتُ حوله شبكةً مُحكمةَ الإقفال، كما لو كنتُ سأصيد سِرْبًا من السمك، ثروة قاتلة من الأثواب، حتى لا يُمكِنه الإفلاتُ منها، ولا دفع القضاء المحتوم. ضربتُه مرتَين، فارتَخَتْ أعضاؤه بصرختَين. وما إن سقط حتى ناولتُه الضربةَ الثالثة لكي أبارك صلاتي لزوس الجهنمي، مُخلِّص الأموات. وإذ سقط هكذا، لفظ حياتَه. وبينما هو يُخرِج دفعات سريعة من الدم، ضربني بقطرات قاتمة من السائل الدموي، بينما لم يقِلَّ فرحي عن فرحة الأرض المزروعة بمطر السماء المنعِش وقتَ مولدِ براعم الأزهار.
وبما أن الأمر على هذا النحو، فافرحوا معي، يا شيوخ أرجوس، إذا لذَّ لكم أن تفرحوا، أما أنا نفسي، فأجد مجدًا في هذه الفِعلة. وكان من المناسب أن أصبَّ السكائب فوق الجثة، وقد تمت هذه الفِعلة فيه جزاءً وِفَاقًا. نعم، وبأكثر من الجزاء الوِفَاق. لقد ملأ الكئوس في بيته بكثيرٍ من الشرور اللعينة، وقد أتى الآن ليشرب، هو نفسه، الكأسَ حتى الثُّمالة.
الكوروس : إنَّا لَنعجبُ من لسانكِ! ما أجرأَكِ على الكلام! إذ تَسَنَّى لكِ أن تنطقي بمثل هذا الزهو ضد زوجك.
كلوتايمنسترا : إنكم لَتنظرون إليَّ كما لو كنتُ امرأةً عديمةَ العقل، بيْدَ أن قلبي لن تَخُور عزيمته، وإني لَأقول لكم، أنتم يا مَن تعرفون ذلك حقَّ المعرفة — وسواء اعتزمتم على مدحي أو توجيه اللوم إليَّ، فالأمر سيَّان — ها هو ذا أجاممنون، زوجي، مقتولٌ بعملِ يدي اليمنى هذه، وهو عملٌ حقيقي. هكذا مركزُ هذه القضية.
الكوروس : أيتها المرأة، أيَّ عشبٍ سام غذَّتْه الأرضُ قد ذُقْتِ، وأيةَ جرعةٍ من البحر الجاري قد شربْتها، حتى اتخَذْتِ لنفسكِ هذه الثورةَ الجنونية وسخَطَ صوتِ الشعب؟ لقد ألقيتِ به، وقتلتِه؛ ولذا سيُلقى بكِ من البلاد، حمْلًا من البغضاء على شعبكِ.
كلوتايمنسترا : ستحكم عليَّ الآن بالنفي من البلاد، وبكراهية شعبي لي، وبأنه صوت الرأي العام، بينما أنت لا تتَّهم بشيءٍ هذا الراقدَ هنا، مع أنه لم يهتمَّ بمَن هلكَتْ أكثر من اهتمامه بهلاك حيوان — رغم أن الأغنام كانت وفيرة في قطعانه ذات الجزات — فقد ضحَّى بابنته، التي ولَدْتُها بأشقِّ تَعَب، وذلك إرضاءً لرياح تراقيا. أَمَا كان هو الأَوْلى بأن تَنْفيه من بلده جزاءَ فِعْلته المدنِّسة؟ كلَّا! فعندما تُصدِر حكمك عما فعل، ستكون قاضيًا قاسيًا. حسنًا، إنني أحذِّرك بهذا: هدِّدني كذا، واعلم بأنني على استعداد، مع تعادُل الظروف، للسماح لك بتنفيذ الحكم عليَّ، إذا دحرتَني بالقوة. أما إذا قَدَّر الإلهُ بحدوث عكس ذلك، فستعلم الحزمَ بعدَ فواتِ أوانِ تعلُّمِ الدرس.
الكوروس : إنكِ لَمتغطرسة الروح، وتتجلَّى الأنانية والاهتمام بالنفس في كلامكِ. ولقد أصابَت جريمةُ الدم عقلَكِ بلوثة، وعلى وجهكِ بقعةُ دمٍ واضحة كل الوضوح لكي يراها الناس. ستُكفِّرين عن فِعلتكِ، وأنتِ مجرَّدة من الشرف، وقد هجركِ أصدقاؤكِ، ضربةً بضربة.
كلوتايمنسترا : ستسمع هذا أيضًا، ويؤيده قَسَمي بحق: أُقْسِم بالعدالة التي أقمتُها من أجل ابنتي، وﺑ «آتي» Ate، وبالروح المنتقمة التي ضحَّيتُ لها بهذا الرجل، على أن الأمل لم يمهِّد لي أبهاء الخوف بعدُ، طالما تشتعل النار في وطيسي بواسطة أيجيسثوس المخْلِص لي بقلبه كما أخلَصَ لي في الأيام الماضية. هنا يرقد الرجل الذي أساء إليَّ، عاشِق كُلٍّ من خروسايس Chryseis في إيليوم، وتلك الراقدة هنا، أسيرته وعرَّافته ومَحْظيته، رفيقة فراشه العرَّافة الوَفِيَّة، كما أنها تعرف أَسِرَّة الملَّاحين أيضًا. لقد نال كلٌّ منهما حَتْفَه كما يستحق. إنه يرقد هكذا، بينما ترقد هي هنا، أشبه ببجعة أنشدَت آخِرَ أحزانها في الموت، معشوقته هذه، ولكنها أحضرت إلى فراشي مزيدًا من اللذة بالمتعة.
الكوروس : يا للأسف! عسى أن يأتي قضاؤها، خالٍ من الآلام الزائدة، ومن فراش الألم لمدة طويلة، عسى أن يأتي سريعًا ويجلب لنا النوم الأبدي غير المنتهي، إذ مات أعظم وأمجد حارِس لنا، الذي تحمَّلَ كثيرًا في قضية امرأة، وفَقَدَ حياتَه بيدِ امرأة.
أي هيلين العاشقة، يا مَن تسبَّبْتِ وحدكِ في هلاكِ هذه الأرواح الكثيرة، بل والأكثر من الكثيرة تحت أسوار طروادة. والآن قد زيَّنتِ نفسَكِ بتاجكِ الأخير، الذي ستبقى ذِكراه عالقةً بالأذهان لمدة طويلة، بسبب الدم الذي لا يمكن غسله. الحقيقة أنه في تلك الأيام، كانت تعيش في هذا البيت روحُ نضالٍ، هي نقمةٌ أخضعَتْ سيدها.
كلوتايمنسترا : لا تُتعِب نفسك بمثل هذه الأفكار، ولا تطلب لنفسك قضاءَ الموت. كما أنه لا يجب أن تصبَّ على هيلينا جامَ غضبك وتعتبرها قاتلةَ الرجال، كأنها وحدها هي التي أهلكَت الكثير من أرواح الدانيين وأحدثَت آلامًا مريرة لا يُجدِي فيها أي علاج.
الكوروس : أيها الشيطان النازل على هذا البيت، وعلى ولَدَي تانتالوس كلَيهما،٥٠ الذي سلَّطتَ حكمًا، بأيدي النساء، يتفق وطبائعهم، حكمًا مقيتًا إلى نفسي! ها هي جاثمة فوق جثته كغرابٍ بغيض تنشد أغنيةَ انتصارها في صوتٍ مزعج.
أي هيلين العاشقة، يا مَن تسبَّبْتِ وحدكِ في هلاك هذه الأرواح الكثيرة، بل والأكثر من الكثيرة تحت أسوار طروادة. والآن، قد زيَّنتِ نفسكِ بتاجكِ الأخير، ذلك الذي ستبقى ذِكْراه عالقةً بالأذهان لمدة طويلة، بسبب الدم الذي لا يمكن غسله. الحقيقة أنه في تلك الأيام، كانت تعيش في هذا البيت روحُ نضال، هي نقمةٌ أخضعَت سيدَها.
كلوتايمنسترا : ها أنت ذا الآن نُعدِّل بحق حكم شفتَيك، بأن ذكرت اسم ذلك الشيطانِ الثلاثيِّ الحلوق، شيطان هذه الأسرة؛ إذ تأتي منه حقيقةُ أن الدم المتراكم فوق الدم، قد رُبِّيَ في جوفهم. فقبل أن يندملَ الجرحُ القديم، يُراق دمٌ جديد.
الكوروس : الحق إنكِ تخبرين عن شيطانٍ عاتٍ مقيم في هذا البيت، وإنه لَغاضبٌ أشدَّ الغضب وأثقله (يا للأسف، الأسف!) إنها قصة شريرة عن قضاءٍ لعين لا ينطفئ له أوار، وعن مصيبة أي مصيبة حلَّت بإرادة زوس، مدبِّر كل شيء، وفاعل كل شيء! إذ ماذا يحلُّ بالبشر بغير مشيئة زوس؟ ماذا هنا يتم ولم تفعله السماء؟
وا حسرتاه، وا حسرتاه، يا مليكي، يا مليكي، كيف أَبْكيك؟ كيف أُعبِّر عما يشعر به قلبي من المحبة لك؟ كيف رقدتَ في نسيج العنكبوت هذا، ولفظتَ روحَك في موتٍ شرير! يا لهفي عليك، وأنت راقد على هذا الفراش الدَّنِس، وقد ضُرِبتَ بالموت غدرًا، بنصلٍ ذي حدَّين، هوَتْ به عليك يدُ زوجتك، أنت نفسك!
كلوتايمنسترا : أتؤكِّد الآن أن هذه الفِعلة فِعلتي؟ كلَّا، بل تَخيَّل الآن أنني لستُ زوجة أجاممنون. فإذ اتخذتُ شبه زوجة هذه الجثة؛ ذلك العجوز الشرير شيطان أتريوس، الذي جازاه ذلك المولم الفظيع، بذبح ضحية كاملة النمو، انتقامًا لأولئك الأطفال المذبوحين.
الكوروس : مَن هذا الذي يَشهد لكِ، بأنك بريئةٌ من جريمة القتل هذه؟ لا أحد! ومع ذلك فإن شيطان والده قد يكون المحرِّض لكِ. تجدُّ «فوضى» دمِ الأقارب السوداء إلى حيث يمكنها الانتقام لدمِ الأطفال الذين قُدِّمَ لحمهم طعامًا بدل لحم المواشي.
وا حسرتاه، وا حسرتاه، يا مليكي، يا مليكي، كيف أَبْكيك؟ كيف أُعبِّر عما يشعر به قلبي من المحبة لك؟ كيف رقدتَ في نسيج العنكبوت هذا، ولفظتَ روحَك في موت شرير! يا لهفي عليك، وأنت راقد على هذا الفراش الدَّنِس، وقد ضُرِبتَ بالموت غدرًا، بنصلٍ ذي حدَّين، هوتْ به عليك يدُ زوجتك، أنت نفسك!
كلوتايمنسترا : [كلَّا، لا أظنه قد لقِي ميتة غير شريفة]. أَلَم يجلب هو نفسه الخرابَ على بيته بالخيانة وقتذاك؟ ومع ذلك، فكما لقي — جزاءً وِفَاقًا على فِعلة تستحق ذلك — من أجل ما فعله بزهرتي الحلوة، تلك النَّبْتة التي خرجت منه؛ إيفيجينيا المَبْكِيِّ على شبابها أحرَّ بكاء، عسى ألَّا يشمخ بأنفه مزهُوًّا في أبهاء هاديس؛ إذ بالموت الذي ناله بالسيف، قد دفع ثمنَ ما بدأه من قبلُ.
الكوروس : وإذ تجرَّدتُ من أية بديهة حاضرة، فإنني أقف الآن حائرًا مبهوتًا، لا أدري إلى أين أتجه؛ لأن البيت يَترنَّح. أخاف ضربةَ عاصفةِ المطر الدموي، التي تهزُّ هذا البيت. لم تَعُد هذه العاصفة تتساقط قطرات. ومع ذلك يشحذ «الحتف» العدالة على حجر شحذ آخر من أجل فعل مصيبة أخرى.
أيتها الأرض، أيتها الأرض، ليتكِ أخذتِني إليكِ قبل أن أعيش لأرى مليكي هذا موضوعًا في ذلك القاع الحقير لحوضٍ فضيِّ الجوانب! مَن سيدفنه؟ ومَن سيَبْكيه؟ هل سيقسو قلبكِ فتفعلي هذا — أنتِ، يا مَن قتلتِ زوجكِ — أن تَبْكيه وتتوِّجي فِعلتَك الدَّنِسة بجميل غير مشكور، تُسدِينه إلى روحه تكفيرًا عن أفعالك الوحشية؟ ومَن سيَرثيه ويعدِّد مَناقِبَه عند قبر البطل، ويحزن بقلب مخلصٍ وَفِيٍّ؟
كلوتايمنسترا : ليس من شأنك أن تهتم بهذا الأمر. لقد سقط بأيدينا، وسقط ميتًا، وسندفنه نحن تحت الثَّرى، ولكنْ لن يكون هناك عويلٌ في هذا البيت، من أسرته. كلَّا! ستُقابِل إيفيجينيا ابنتُه أباها، كما ينبغي لها عند مخاضة الأحزان، السريعة التدفُّق، وستطوِّقه بذراعَيها وتُقبِّله.
الكوروس : يناسب التقريع بدوره التقريع، ومن الصعب تقرير نتيجة النضال؛ فقد غُنِمَ الغانم، ويدفع القاتل ثمنَ جريمته. ورغم هذا، فطالما زوس مقيم على عرشه، فمَن يعمل شيئًا يَلْقَ مِثلَه؛ لأن هذا أمر. مَن ذا الذي يستطيع أن يطرد من ذلك البيت نواةَ هذه اللعنة؟ رُبِطت هذه الأسرة بالكوارث رباطًا وثيقًا.
أيتها الأرض، أيتها الأرض، ليتكِ أخذتِني إليكِ قبل أن أعيش لأرى مليكي هذا، موضوعًا في ذلك القاع الحقير لحوضٍ فضيِّ الجوانب! مَن الذي سيدفنه؟ ومَن سيَبْكيه؟ هل سيقسو قلبكِ فتفعلي هذا — أنتِ، يا مَن قتلتِ زوجكِ — أن تَبْكيه وتتوِّجي فِعلتَكِ الدَّنِسة بجميل غير مشكور، تُسدِينه إلى روحه تكفيرًا عن أفعالكِ الوحشية؟ ومَن سيَرثيه ويعدِّد مَناقِبَه عند قبر البطل، ويحزن بقلبٍ مخلصٍ وَفِيٍّ؟
كلوتايمنسترا : لقد تكلَّمتَ بالصواب عن هذا التصريف الإلهي. ورغم هذا، فإنني راغبةٌ في عملِ ميثاقٍ بقَسَم مع شيطان بيت بلايسثينيس،٥١ أن أقنع بما تمَّ من أفعالٍ حتى الآن، وأن أتحمَّل عاقبة تلك الفِعلة، وأنه يترك هذا المسكن من الآن، ويُنزل كوارثه بقومٍ آخَرين، بقتل الأقارب. ويَكْفيني تمامًا جزءٌ يسير من الثروة، إذا تسنَّى لي أن أُخلِّص هذا القصر من بلوى القتل المتبادل.

(يدخل أيجيسثوس مع حرس مسلَّح.)

أيجيسثوس : مرحبًا بنور يوم الجزاء! لقد حانت أخيرًا هذه الساعة التي يمكنني أن أقول فيها إن الآلهة المنتقمة للبشر، تنظر من أعلى إلى جرائم الأرض الآن، وهذا يفرحني، أرى هذا الرجل راقدًا هنا في ثوبٍ نسجَته الأرواحُ المنتقمة، وقد سَدَّد الثمنَ كاملًا عن الأفعال المدبَّرة بمكر، التي اقترفَتها يدُ أبيه.
فلما نُوزِع أتريوس، ملِك هذا البلد، ووالد هذا الرجل، في عرشه، طرد ثويستيس من المدينة ومن الوطن، وكان ثويستيس هذا (وأنا أتكلَّم صريحًا) والدي، وأخاه. وعندما رجع ثويستيس التعيس متضرِّعًا إلى وطيس أخيه، حصل على الأمان لنفسه، ألا يُقتَل ويلوِّث أرضَ وطنه بدمه. غير أن أتريوس، ذلك الرجل الكافر، والد هذا الرجل المقتول، استقبله بترحيبٍ بالغ أكثر من العطف، بحجَّةِ أنه سيحتفل مبتهجًا بيومٍ يقيم فيه مأدبةً يقدِّم فيها اللحم. فقدَّم لوالدي وليمةً من لحم أولاده. قطَعَ أصابع الأيدي والأقدام … وجلس بعيدًا.٥٢ ولما كان والدي خاليَ الذهن تمامًا من حقيقة الأمر، أكل تلك الأجزاء التي لم يستطِع تمييزَها، والتي ثبت أنها صارت وَبالًا على نَسْله. وما إن اكتشف تلك الفِعلة الدَّنِسة، حتى أطلق صرخةً عظمى، وانسحب إلى الوراء وتقيَّأ لحم المقتولين، وأصدر لعنةً متعذرة الاحتمال على ذُرية بيلوبس، وركل المائدةَ بقدمه ليؤيِّد اللعنة، قائلًا: «هكذا فَلْيهلك جميعُ نسلِ بلايسثينيس!» لهذا السبب، ترى هذا الرجل قد سقط هنا. إنني أنا الذي دبَّرتُ هذا القتل، وبعدل؛ لأنه طردني مع والدي التعيس، أنا الولد الثالث، وكنتُ لا أزال يومئذٍ طفلًا ملفوفًا في الأقمطة. وإذ بلغتُ مبالغَ الرجال، أعادَتني العدالةُ ثانية. ورغم كوني منفيًّا، فقد وضعتُ يدي على عدوي، ودبَّرتُ كلَّ وسيلةٍ لهلاكه. وهكذا، حتى الموتُ نفسُه صار لذيذًا عندي طالما قد رأيتُه بين يدَي العدالة.
الكوروس : يا أيجيسثوس، إني لَأعتبر الإهانةَ وسط عوادي الدهر غير مُشرِّفة. تقول إنك دبَّرت مقتلَ هذا الرجل من تلقاء نفسك، وإنك وحدك المدبِّر لهذا القتل المحزِن. وإني لَأخبرُك، بأنه في ساعة العدالة — وكُنْ على يقين من هذا — لن تفلت، أنت نفسك، من لعناتِ الشعب، ومن الموت رَجْمًا بأيديهم.
أيجيسثوس : أتتكلَّم هكذا، أنت يا مَن تجلس عند المجاذيف السفلى، بينما يدير الجالسون عند السطح العلوي دفَّة السفينة،٥٣ وبما أنك عجوز، فستَعْلم مرارةَ التعلم في هذه السن، عندما يكون الدرس الملقَّن لك هو الحَزْم. فقيودُ الجوع وآلامه خيرُ أدوية الحكمة لتعليم، حتى الكهول أنفسهم. ألك عينان وتفتقر إلى الفَهْم؟ لا ترفس المناخسَ لئلا تظل ترفس حتى تصيبَ قلبَك.
الكوروس : يا لك من امرأة! تختفي داخل البيت وتنتظر عودةَ الرجال من الحرب، فبينما كنتَ تدنِّس فراشَ بطل، هل كنتَ تدبِّر جريمةَ القتل ضد رئيسٍ محارِب؟
أيجيسثوس : ستبرهن ألفاظُك هذه أيضًا على أنها مصدرُ دموع. إن لسان أورفيوس لَعلى نقيضِ لسانك تمامًا؛ فقد شفى جميعَ الأشياء بلسانه المبهج، أمَّا أنت، يا مَن أثَرْتَ غضبنا بنباحك الجنوني، فستكون وَبالًا على نفسك. ستضطر إلى الظهور بمظهرٍ أكثرَ استئناسًا إذا ما أُدِّبتَ بالقوة.
الكوروس : إنك لَتتكلَّم كما لو كنتَ حقًّا سيدي هنا في أرجوس، دبَّرتَ موتَ مليكنا، ولم تكن لك الجرأة على تنفيذ جريمة القتل هذه بيدَيك!
أيجيسثوس : سببُ هذا أن خداعه إلى الشَّرَك لَهُو صراحةً دورُ المرأة، وكان يشتبه فيَّ كعدوِّه منذ القِدَم. ومع ذلك، فسأحاول بذهبه أن أبسط نفوذي على الشعب، وكل مَن تمرَّد فسأُخضِعه بطوقٍ ثقيل في عنقه. والحقيقة أنه لن يكون مُهْرًا لجرِّ العربات٥٤ حسن التغذية! كلَّا! وإنما سيراه الجوع المقيت مع الظلام.
الكوروس : إذن، ولماذا لم تقتله أنت نفسك، في دناءة روحك، بل تركتَ تنفيذَ مقتله لامرأة هي جرثومة وآفةُ دولتِها وآلهةِ مملكتها؟ عسى أن يكون أوريستيس لا يزال يرى النور، فيُواتِيه الحظُّ بالمجيء إلى وطنه ويقتل هذين الشخصَين بانتصارٍ كامل!
أيجيسثوس : هذا حسن، طالما أنك مُصِرٌّ على أن تفعل وتتكلَّم هكذا، فسرعان ما ستتعلَّم درسًا. هيَّا إلى هنا! يا رجالي المسلَّحين الموثوق بهم، ها هو عملكم قريب.
الكوروس : هيَّا، يا رفاق، ليستعدَّ كلُّ واحد منكم بسيفه، وَلْيضع يدَه على نصابه.
أيجيسثوس : كذلك يدي موضوعةٌ على نصاب سيفي، ولن أتقهقر أمام الموت.
الكوروس : قُلْتُ «الموت لنفسك». إننا لَنرحِّبُ بهذا الفأل، نرحِّب باختبار الحظ.
كلوتايمنسترا : كلَّا، يا حبيبي، دَعْنا لا نفعل شرورًا بعد ذلك. فحتى هؤلاء كثيرون فلا يمكننا أن نحصدهم، إنهم حصادٌ حقير. لدينا ما يكفي من النوائب، فَلْنكُفَّ عن سفْكِ الدماء. أيها الشيوخ الأجِلَّاء، انصرفوا إلى بيوتكم، واخضعوا، في الوقت المناسب للمصير قبل أن يصيبكم الأذى. كان لا بد من فعل ما فعلناه. أمَّا إذا ظهرَت أية متاعب، فسنواجهها رغم أن يد القضاء نزلت علينا ثقيلة، فتركتنا مضروبين هكذا. هذه نصيحة امرأة، لو راق أيَّ فردٍ أن يعمل بها.
أيجيسثوس : ولكني لا أطيق أن يسلِّط هؤلاء الرجال ألسنتَهم بالكلام ضدي، ويَسْخرون مني هكذا، مُعَرِّضين حظَّهم إلى الاختبار! إنهم يرفضون قبولَ النصح الحكيم ويُهِينون سيدَهم!
الكوروس : ليس من عادة رجال أرجوس أن يجبنوا في مواجَهة رجلٍ نذلٍ خسيس.
أيجيسثوس : رويدكم! سأنتقِم منكم في الأيام المقبِلة.
الكوروس : لن يتم هذا إذا أرشد القضاء أوريستيس في العودة إلى وطنه.
أيجيسثوس : أعرف، من تلقاء نفسي، أن المنفيِّين يعلِّلون نفوسَهم بالآمال.
الكوروس : استمِرَّ في صَلَفك وتدنيسك للعدالة، طالما كان في مقدورك أن تفعل هذا.
أيجيسثوس : أعرف أنك سوف تُكَفِّر لي عن جنونك الوَقِح.
الكوروس : ثَرثِرْ بشجاعتك كما يفعل الديك بجانب دجاجته.
كلوتايمنسترا : لا تهتم بنباحهم عديمِ الجدوى. سأكون أنا وأنت سادةَ هذا البيت، ونحكم فيه بالطريقة الصحيحة.

(يخرج الجميع.)

الجزء الثاني: مأساة أجاممنون لسنيكا(عن النص اللاتيني)

ملخص المسرحية

لم يَنتهِ ثأرُ الدم بين أتريوس وثويستيس بالانتقام الفظيع الذي أنزله أتريوس بأخيه. ومع ذلك، فقد حكم القَدَرُ على ثويستيس بأن يعيش حتى تُنجِبَ له ابنته ولدًا، هو أيجيسثوس، الذي يتحتَّم عليه أن يقتل أتريوس، ويجلب الخرابَ والموت على أجاممنون، الأتريديس Atrides العظيم.
انتهت الحرب الطروادية، وأُعلِنَ اقترابُ مجيء الملِك الظافر، جالبًا معه أَسْراه وكنوزَه إلى وطنه أرجوس. غير أنه لم يحلم بنوع ذلك الوطن الذي سيعود إليه؛ إذ حقدت كلوتايمنسترا Clytemnestra على أجاممنون؛ لأنه ذبح ابنتَها إيفيجينيا ضحية، في أوليس، ليسترضي الرياح. وامتلأت كلوتايمنسترا غيرةً؛ لأنه أحضر معه كاساندرا منافسةً لها. كما نفرت منه أيضًا لغيابه الطويل عنها. بيْدَ أن أكثر نفورها كان بسبب زواجها الآثِم بأيجيسثوس، فتَحِيك خطةً لقتْلِ زوجها عند عودته، فتنال بذلك الانتقامَ والأمانَ من غضبه.

أشخاص المسرحية

  • أجاممنون Agamemnon: ملك أرجوس وقائد جميع الإغريق في الحرب ضد طروادة.
  • شبح ثويستيس Thyestes: عاد إلى الأرض ليحثَّ ابنه على الانتقام الذي وُلِد ليقوم به.
  • أيجيسثوس Aegisthus: ابن ثويستيس بزواجٍ محرَّم بابنته، وعاشق كلوتايمنسترا.
  • كلوتايمنسترا Clytemnestra: زوجة أجاممنون. تآمَرت مع أيجيسثوس على قتل زوجها أثناء غيابه في طروادة.
  • كوروس من سيدات أرجوس.
  • يوروباتيس Eurybates: رسول أجاممنون.
  • كاساندرا Cassandra: ابنة بريام، أسيرة أجاممنون.
  • إلكترا Electra: ابنة أجاممنون وكلوتايمنسترا.
  • ستروفيوس Strophius: ملك فوكيس.
  • أوريستيس Orestes: ابن أجاممنون (شخصية صامتة Persona muta).
  • بولاديس Pylades: ابن ستروفيوس (شخصية صامتة).
  • جماعة من الأسيرات الطرواديات.
  • المنظر: جزءٌ منه داخل قصر أجاممنون في أرجوس، أو موكيناي Mycenae، وجزءٌ آخَر خارج القصر، يومَ عودة الملك من طروادة بعد غيبةٍ طويلة قضاها هناك. يبدأ في فترة الظلام السابقة للفجر مباشَرةً.

***

شبح ثويستيس : تركتُ مناطقَ ديس Dis الجهنميِّ المظلمة، وأتيتُ مُرسلًا من حفرة تارتاروس العميقة، يخامرني الشكُّ في أي العالمين أمقتُ أكثر. يهرب ثويستيس من العالم السفلي ويفر من العلوي. انظروا، إن روحي ترتجف، وأعضائي تضطرب خوفًا، أرى بيت أبي. كلا، بل وأكثر منه بيت أخي. إنه المقر القديم لذُرية بيلوبس Pelops. اعتاد البيلاسجيون Pelasgians أن يتوِّجوا ملوكَهم هنا، تبوَّأ هذا العرشَ ملوكٌ تدير أيديهم المزهوَّةُ الصولجان، هنا قاعة مُشاوَراتهم، هنا يُولِمون.٥٥
كم أَتُوق إلى أن أدير ظهري. أليس من الأفضل أن أذهب، حتى إلى البرك المُظلِمة؟! أليس من الأفضل أن أنظر إلى حارس ستوكس Styx وهو يهز رقبتَه الثلاثية الجذوع، ذات العرف البني؟! حيث يوجد شخص٥٦ رُبِط جسمُه إلى عجلة سريعة الدوران، فيلفُّ حول نفسه، حيث يُسخر من العمل الشاق٥٧ إلى قمة التل، عندما تتدحرج الصخرة هابطةً إلى أسفل، حيث ينهش طائرٌ جَشِعٌ الكبدَ٥٨ الدائم التجدُّد، حيث الرجل العجوز،٥٩ الذي برَّح به الظمأ وسطَ المياه، يحاوِل الإمساكَ بالأمواج الهاربة، بشفتَين مخدوعتَين، وقد حُكِم عليه بأن يدفع الثمنَ غاليًا عن وليمة٦٠ الآلهة. ولكن، ما أصغر ذنبه بالنسبة إلى ذنبي! هيَّا نأخذ في الاعتبار كلَّ الذين يدينهم القاضي الكريتي٦١ ذو وعاء الأزلام الدائم الدوران، على أفعالهم المُنافِية للدِّين؛ كل هؤلاء سأهزمهم بجرائمي، أنا ثويستيس. غير أن أخي سيهزمني، إذ دُفِنتُ ممتلئًا بأولادي الثلاثة، آكِلًا لحمي نفسه.

لم يدنِّس الحظ Fortuna الأب٦٢ بهذا فقط، بل تجاسَر على جريمةٍ أعظمَ من التي اقتُرِفَت، فجعله يسعى إلى عناقِ ابنته المحرَّم. فتجرَّعتُ كأسَ أمرِه دون خوف وحتى الثُّمالة، بيْدَ أنها كانت فِعلةً لا يُقِرُّها الدِّين تلك التي فعلتُها. وعلى ذلك، فحتى يمتد سلطانُ الأب على كل ذُريته، أجبر القَدَر Fata٦٣ ابنتي على أن تَلِد لي ابنًا جديرًا بأن يسمِّيني أبًا. اختلطَت الطبيعة، والتبسَ عليَّ الأمر بين الأب والجد، فيا له من عملٍ وحشي! وبين الزوج والأب، وبين الأحفاد والأبناء، وبين الليل والنهار.

غير أن وعد النبوءة الغامضة تمَّ لي في النهاية، رغم مجيئه متأخرًا، وبعد مماتي، وقد أهلَكَتْني المصائب، حتى اقترب ملِك الملوك، وقائد القوَّاد أجاممنون، الذي تبعتْ رايتَه ألفُ سفينة مخرَتْ عُبابَ المياه الطروادية بأَشْرعتها، حتى سقطت طروادة بعد عشرة أدوار من فويبوس Phoebus، فاقترب ذلك الملك الآن، ليُسْلِم رقبتَه إلى قوة زوجته. الآن، الآن سيسبح هذا البيتُ في دمٍ غيرِ دمي،٦٤ أرى السيوفَ والفئوس والرماح، ورأسَ ملك يُفصَل بضربةِ فأسٍ ثقيلة، الجرائمُ قريبةٌ الآن، والقتلُ والدم، تُمَدُّ الولائم. لقد أتى فاعل مولدك يا أيجيسثوس.٦٥ لماذا تستمد النصيحة من نفسك، لماذا تُقَلِّب الأمر مرات ومرات، عما إذا كانت هذه الفِعلة ستكون لك؟ فكِّرْ في أمك، ستكون لك أيضًا.

ولكن، لماذا يمتدُّ ليلُ الصيف إلى مدى الشتاء؟ أو ماذا يُمسِك النجومَ الغاربة في السماء حتى الآن؟ هل نؤخر فويبوس؟

(يتأهَّب للانصراف.)

أعِدِ النهارَ إلى العالم الآن.

(يختفي الشبح.)

الكوروس : أيها الحظ، يا مَن تمنح عطية العرش السامية بيد ساخرة، وتُجلِس المتمادين في الفرح في حالةٍ خَطِرة تَكتنِفُها الشكوك. لم تحْظَ الصوالجة قطُّ بالسلام الهادئ، أو بامتلاك أكيد، بل يُثقِلها هَمٌّ فوق هَم، فيهبط بها، وتغيظ نفوسها العواصف المتجددة باستمرار. ما هكذا يثور البحرُ على رمال السواحل الليبية الخادعة، أو يرسل الموجةَ فوق الموجة، ما هكذا تَمُوج مياه يوكسيني Euxine من أدنى أعماقها قويةً على القطب الثلجي؛ حيث يتبع بوتيس Boötes عَرَبتَه المضيئة دون أن ينغمر في الأمواج الزرقاء،٦٦ كما يتقلَّب الحظ على أقدار الملوك المقلوبة. يَتُوق الملوك إلى أن يُخاف جانبهم، ويخافون من أن يُخاف ذلك الجانب، ولا يعطيهم الليل الرحيم ملجأً آمِنًا، ولا يريح الليلُ هازمُ الهموم صدورَهم.
أيُّ قصرٍ لم يحدث فيه جريمةٌ إثرَ جريمة٦٧ في تتابُعٍ سريع؟ أيُّ قصرٍ لم تكدِّر صفْوَه الأسلحةُ غير التَّقِية؟ فالقانونُ والخجل وروابطُ الزواج المقدَّسة، تهرب جميعًا من البلاطات. وتجدُّ بيلونا Bellona في مطارَدة اليد الملوَّثة بالدماء. وتلك الإيرينوس التي تضايق المزهو، متعقِّبة البيوت البالغة السمو، فُتنزِلها من عَلْيائها في أية ساعة.

فرغم عدم نشاط الأسلحة، وخمول الخيانة، تتداعى الممالكُ العظمى تحت ثقلها، ويسقط الحظ تحت عبْءِ نفسه. والأشرعة المنتفخة بالرياح المواتية، تخشى هبوطَ الأعاصير عليها بقوة، ويضرب أوستير Auster المطير القلعةَ الشامخة برأسها وسط الغيوم. والغابة التي تنشر الظلَّ الكثيف حولها، ترى أشجارَ البلوط العتيقة مُقتَلَعة، والتلال العالية هي التي تصيبها الصواعق، والأجسام الضخمة أكثر تعرُّضًا للمرض. وبينما ترعى القطعان العادية فوق المراعي الممتدة، يصيب الموتُ أعلى رأسٍ مرتفع.

مهما رفع الحظ عاليًا، فلن يرفع إلا ليخفض إلى الحضيض. تنعم المملكة المتواضِعة بحياةٍ أطول، إذن فَلْيسعد القانع بالحظ العادي، ويصل إلى الشاطئ في نسيم الأمان. وإذ يخشى أن يعهد بسفينته إلى البحر الواسع، يبقى قريبًا من البر بالمجاذيف غير الطَّمُوحة.
كلوتايمنسترا : لماذا تسعين إلى النصيحة الآمِنة أيتها الروح الخاملة؟ لماذا تتردَّدين؟ لقد أُغلِق الطريق الأفضل. فما إن تستطيعي المحافَظة على فراشكِ العفيف وصولجانكِ المترمل بإيمانِ زوجةٍ طاهر، حتى تضيع الطرقُ الطيبة، وفِعلُ الصواب والشرف والتقوى والإيمان، هباءً. وما إن ينصرف الاحتشام مرةً، حتى لا يعرف بعدها عودة. أَرْخِي الأعِنَّة، وانحنى إلى الأمام، وأثيري كلَّ ظلم قُدُمًا، فبالجريمة يظل الطريق إلى الجريمة مأمونًا. دبِّري الآن في قلبكِ، خداعات المرأة. ما تجاسَرت عليه أية زوجة خائنة جُرِّدت من صوابها، وما تجرَّأتْ عليه يدا زوجة الأب، أو ما تجاسَرت على فِعلة تلك الفتاة٦٨ المتأجِّجة القلب بالحب المحرَّم، التي هربت من المملكة الفازية (Phasica regna) Phasian في تلك السفينة التسالية؛ يجرؤ عليه السيف، وتتجاسر عليه العاطفة القوية، وإلا فاهربي من موكيناي مع شريككِ في جريمتكِ، متسلِّلةً في سفينة، ولكن لماذا تتكلَّمين بجبن على التسلُّل خلسة، وعن المنفي، وعن الفرار؟ فعلَت شقيقتُكِ٦٩ مثل هذه الأمور، أمَّا أنتِ فتناسبكِ جريمةٌ أعظم.
المربية : يا ملكةَ الإغريق وابنةَ ليدا الشهيرة، فيمَ تفكِّرين في صمت؟ وأية فكرة جنونية جمحَتْ في خيالكِ فتُدِيريها بروح قَلِقة؟ فرغم أنك لا تنطقين بكلمة واحدة، فإن وجهكِ لَيَشِي بجميع آلامكِ المبرحة. مهما كانت تلك الآلام، فامنحي نفسَكِ وقتًا وفُسْحة، فأي عقل لا يستطيع، فإن التمهُّل كثيرًا ما يعمل على شفائه.
كلوتايمنسترا : إن العاطفة الجامحة لَتعذِّبني بقوة لا تحتمل التأخير. تحرق اللُّهُب نخاعي وقلبي. فالخوف٧٠ الممزوج بالألم يوخز بالمنخس، وينبض صدري غيرةً،٧١ ويدفع الحب الوضيع نيره على عقلي ويأمرني بالتداعي. ووسط مثل هذه النيران التي تقلب روحي، لا يزال الخجل يناضل٧٢ وهو متعب حقًّا ومهزوم ومنهوك تمامًا. يَسُوقني طوفانٌ جارف، فكما تكون هنا ريح، يكون المدُّ هناك يتناول الأعماقَ بالتعذيب، فتقف الأمواج حَيْرى لا تدري لأي خصمٍ تستسلم. ولذلك تركتُ الدفَّةَ من يدي، سأذهب حيث يحملني الغضب والألم والأمل، فقد أسلمتُ سفينتي إلى رحمة الأمواج. فإذا ما عجز العقل، فمن الخير اتِّباع الحظ.
المربية : مَن يتَّبع الحظ فهو أعمى ومتهوِّر.
كلوتايمنسترا : وإذا كان الحظ في أسوأ أدواره، فلماذا تخافين الأخطار؟
المربية : جريمتُكِ آمِنة وخَفِيَّة، لو تركتِها هكذا.
كلوتايمنسترا : كلُّ جريمة للبيت الملكيِّ ظاهرةٌ أمام الأنظار.
المربية : أتندمين على جريمتكِ القديمة، وتدبِّرين الجديدة؟
كلوتايمنسترا : لا شك في أنه من الحماقة أن أقف وسط الطريق في الجريمة.
المربية : مَن يكدِّس الجريمةَ فوق الجريمة هكذا، يعمل على زيادةِ ضخامةِ ما يرهبه.٧٣
كلوتايمنسترا : غالبًا ما تحلُّ السكينُ والنصالُ محلَّ العقاقير.
المربية : لا يبدأ المرء بتجرِبة العقاقير المتهوِّرة.
كلوتايمنسترا : وسط الشرور، يجب الإمساك بالطُّرق المباشِرة.
المربية : ولكن فَلْيُرجعكِ رباطُ الزواج المقدس.
كلوتايمنسترا : هل أظل أفكِّر في الزواج بعد أن ترمَّلتُ عشرَ سنوات؟
المربية : يجب أن تتذكَّري أولادَكِ منه.
كلوتايمنسترا : أتذكَّر نيرانَ زواج ابنتي،٧٤ وزوج ابنتي، أخيل؛ لقد أبدى٧٥ للأم ثقةً خالصة.
المربية : خلَّصت أسطولنا الساكن من التأخر، وأيقظت البحر الخامل من سُباته العميق.
كلوتايمنسترا : يا للعار! ويا للألم! أنا ابنة تونداروس Tyndarus، ذات سلسلة النَّسب السماوي، أتحمَّل تضحيةً من أجل الأسطول الإغريقي! إنني لَأستعيد في ذاكرتي، ثانية، طقوسَ زواج ابنتي، التي جعلها جديرةً ببيت بيلوبس Pelops، عندما وقف الأب أمامَ المذابح والصلاة على شفته. فما أنسب هذا الأمر لطقوس الزواج! ارتجف كالخاس لفظاعةِ وحْيِه، ولتراجُعِ النيران. يا لك من بيتٍ يكدِّس الجريمةَ فوق الجريمة! اشترينا الرياحَ بالدم، والحربَ بالقتل! ولكن أخبريني، هل نشرَت ألفُ سفينة أشرعتَها معًا، بهذه الوسيلة؟ لم يكن إلهًا صديقًا ذلك الذي خلَّص الأسطول، كلَّا! ساقت أوليس السفنَ غير التَّقِية من الميناء، فإذا بدأ على هذا النحو، لم يشنَّ الحربَ بسعادةٍ أكثر. وإذ أُصِيب بحبِّ أسيرة، ولم يتأثَّر بالرجاء، احتفظ بابنة العجوز٧٦ كاهن أبولو السمونثي Smynthean Apollo، ثم ها هو الآن مجنونٌ بالعاطفة المتأجِّجة نحوَ فتاةٍ مقدسة.٧٧ لم يستطع أخيل، غير المتأثِّر بالتهديدات، أن يثنيه عن عَزْمه، ولا ذلك٧٨ الذي يرى وحده أسرارَ الكون (عَنِّي وعن عرَّافي الأكيد النبوءة، وعن الفتيات الإماء العديمات القِيمة)،٧٩ ولا الشعب المصاب بالطاعون، ولا كومات الحريق المشتعلة. يضعف وسط نضال الموت لبلاد الإغريق وهي تسقط، تلك التي لم يهزمها عدوٌّ قط، أمَّا الحب فلديه وقتٌ له، يبحث عن معشوقاتٍ جديدات، ولئلا يخلوَ فراشُه المترمِّل من معشوقةٍ بربرية، اشتهى الفتاةَ اللورنيسية Lyrnessian،٨٠ غنيمة أخيل، ولم يخجل من أن يأخذها، وينتزعها من حضن سيدها، هو عدو باريس! أما الآن، وقد جُرِح من جديد، فتَثُور عاطفتُه إلى الفتاة الفروجية Phrygian٨١ ذات الوحي، وبعد غزو طروادة، وبعد سقوط إيليوم، يعود إلى بيته زوج أسيرة، وزوج ابنة بريام! والآن، شدِّي عزمكِ يا روحي، فليس ما تتأهَّبين له بالنضال التافه. يجب إحباط الجريمة.٨٢ وإذ تتلكَّئين، فأي يومٍ تنتظرين؟ أحتى تُمسِك الزوجاتُ الفروجيات صولجان بيلوبس منا؟ هل تمنعكِ ابنتا بيتكِ العذراوان، وأوريستيس الذي هو صورة والده؟ إن الشرور التي تهدِّدهم، هي نفسها التي يجب أن تحثَّك على الإقدام. إن عاصفة من المصائب تخيِّم فوقَهم من كثب. لماذا تتردَّدين أيتها المرأة الحقيرة؟ ها هي قريبة هنا، زوجة أب مجنونة لأولادكِ. يمكن أن يتم هذا الأمر عن طريقِ جانبكِ إن لم يكن من طريقٍ آخَر، فَلْيُغيَّب السيف، اقتلي اثنَين، امزجي دمَه بدمكِ، وأهلِكي زوجكِ في موتك، ليس للموت ألمٌ إذا ما قاسَمَكِ إياه مَن تقصدين موتَه.
المربية : اكبحي جماحَ نفسكِ أيتها الملكة، وأوقِفي غضبكِ المتهوِّر، وفكِّري فيما تنوين الإقدام عليه، فإن قاهر آسيا الوحشية قريبٌ من هنا، ذلك المنتقِم لأوروبا، يجرُّ بيرجاما Pergama الأسيرة ظافرًا، وقد أخضع الفروجيين منذ مدة طويلة.
ها أنتِ ذا تحاولين الآن أن تقاتِليه بالخداع وبالتسلُّل، ذلك الذي لم يُؤذِه أخيل بسيفه الوحشي، رغم أنه سلَّح يدَه الوَقِحة في غضبه العابس، ولا أجاكس٨٣ ثائرًا يعتزم القتل، ولا هكتور، المتراس الوحيد ضد الأغارقة المحاربين، ولا سِهام باريس الأكيدة المرمى، ولا ممنون Memnon الأسمر البشرة، ولا كسانثوس Xanthus الذي يدحرج الجثث والأسلحة مختلطة معًا إلى أسفل، ولا سيمويس Simoïs الذي تجري أمواجُه الحمراء بالدماء، ولا كوكنوس Cycnus، الابن الثلجي٨٤ لرب المحيط، ولا ريسوس Rhesus المِقْدام مع جيشه التراقي، ولا الأمازونة Amazon بجَعْبتها الملوَّنة، تلك التي تُمسِك ببلطة القتال في يدها وبالترس الهلاليِّ! إنكِ تستعِدِّين لقتله وهو عائد إلى وطنه، ولتدنيس مَذابحكِ بقتلٍ محرَّم! فهل تترك بلادُ الإغريق الظافرة مثلَ هذه الفِعلة بغير انتقام؟ ضعي نُصبَ عينَيكِ الخيولَ والأسلحة، والبحر يعجُّ بالسفن، والأرض تفيض بتياراتٍ جارية من الدماء، وجميع مصائر بيت داردانوس Dardanus المهزوم والمستولى عليه، كل هذه تتكاتف ضد الأغارقة.٨٥ اضبطي عواطفَكِ الثائرة، وأعِدِّي بنفسك سُبلَ الطمأنينة والسلام لروحكِ.

(تخرج.)

(يدخل أيجيسثوس.)

أيجيسثوس (في مناجاة) : هذه حقًّا هي الساعة التي طالما كنتُ أرهبها في قلبي وفي روحي؛ ساعة مصيري. لماذا تخافين، يا روحي، أن تواجِهيها؟ لماذا تُلقِين بسلاحِك عند أول معركة؟ تأكَّدي من أن الآلهة العديمة الرحمة تُعِدُّ لكِ الهلاك والحتف المخوف. إذن، فوطِّدي حياتَك لمواجَهة كافة العقوبات، ورحِّبْ بكلٍّ من الحسام واللهب بصدرٍ جريء يا أيجسثوس، فليس الموت عقوبةً لمن وُلِد على هذا النحو.
(إلى كلوتايمنسترا) أَيَا شريكتي في خطري، يا ابنة ليدا، سيُجازيكِ عن الدم بالدم، ذلك المحارِب الجبان والسيد المِقْدام. ولكن لماذا تعلو الصُّفْرةُ وجنتَيكِ المرتجفتَين؟ ولماذا تبدو عينكِ معتمة ذابلة، في وجهكِ الفاتر الهمة؟
كلوتايمنسترا : إن حبي زوجي لَيهزمني، ويجعلني أُحجِم. فَلْنَعُد إلى حيث كان من الخير ألا نخرج البتة. وحتى الآن، هيَّا بنا نسعى ثانيةً إلى الطهارة والوفاء، فلن يَفُوت قطُّ أوانُ السير في طريق الاستقامة. ومَن يندم هكذا على ذنبه، فهو قريب جدًّا من البراءة.
أيجيسثوس : أين وُلِدتِ أيتها المجنونة؟ أتعتقدين أو تأملين في أن يكون أجاممنون لا يزال وَفِيًّا لإيمان زواجه؟ فرغم أنه لم يكن في قلبكِ شيءٌ يثير المخاوف العظمى، فإن حظه المتغطرس وغير المعتدل والمتضخم أكثر مما يجب، لَيَزيد في كبريائه. عندما كانت طروادة لا تزال تُقاوِم، كان فظًّا مع حلفائه، فماذا تظنين طروادة٨٦ قد أضافت إلى روحٍ شَرِسة بطبيعتها؟ كان ملِكَ موكيناي، وسيعود طاغيتَها، يُغرِي العزُّ الكبرياءَ إلى ما وراء حدودها. بأية عظمةٍ يأتي ذلك الجَمْع الصاخب من المعشوقات! بيْدَ أن هناك واحدة من بين هذا الجَمْع تسيطر على الملك، إنها كاهنةُ٨٧ الإلهِ كاشف المصائر.٨٨ أترضين وتحتملين شريكةً في فراش زوجك؟ لكنها سترفض، إن أعظم ويلات الزوجة أن تحكم المعشوقة علنًا كملِكة في بيت زوجها. لا يحتمل الشركةَ كلٌّ من العرش والفراش.
كلوتايمنسترا : لماذا تَسُوقني قُدُمًا يا أيجيسثوس، وتُلهِب غضبي بعد أن خمد؟ هَبْ أن الظافر أباح لنفسه بعضَ الحرية إزاءَ فتاةٍ أسيرة، فلا يجدر بالزوجة ولا بالمعشوقة أن تهتمَّ بذلك. هناك قانونٌ للعروش وقانونٌ للفراش الخاص. ماذا؟ أيسمح قلبي الشاعرُ بجريمته بأن أُصدِر حُكمًا قاسيًا على زوجي؟ فَلْيَصْفح بسعةٍ مَن كان في حاجةٍ إلى الصَّفْح.
أيجيسثوس : أتقولين هكذا؟ أتستطيعين المساوَمة على الصَّفْح المتبادل؟ وهل حقوقُ الملوك غير معروفة لكِ، أو هي غريبة؟ إنهم لنا قضاةٌ صارِمون، ولأنفُسهم مُحابُون. يعتبرون هذا أعظمَ روابطِ القرابة، وأي شيءٍ محظور على غيرهم، فهو مُباحٌ لهم وحدهم.
كلوتايمنسترا : عفا عن هيلين، وضمَّ إليها مينيلاوس، وتعود تلك التي صارت من أجلها أوروبا وآسيا أشبهَ بالخرائب.
أيجيسثوس : نعم، ولكن ما من امرأةٍ قد سرقت أتريديس بحب مختلس، أو أسرَت قلبَه وأقفلَته تمامًا في وجه زوجته.٨٩ يبحث سيدُكِ عن تهمةٍ يُدِينكِ بها، وينوي إيجادَ سببٍ للنزاع. هَبي أنكِ لم تفعلي أيةَ وضاعة، فماذا تُجدِي حياة الأمانة والبراءة؟ مَن يمقته السيدُ يُتَّهَم بذنبٍ لم يُسمَع عنه. وإذ تُطرَدين، فهل تعودين إلى إسبرطة، أو هل يفر يوروتاس Eurotas الخاص بكِ، إلى بيت أبيكِ؟ لا مَلاذَ لمن ينبذهم الملوك. إنكِ تهدِّئين مخاوفَكِ بأملٍ كاذب.
كلوتايمنسترا : لا يعرف ذنبي غيرَ صديقٍ وَفِيٍّ واحد.
أيجيسثوس : لا يَعْبر الوفاءُ قطُّ عَتبةَ ملِك.
كلوتايمنسترا : سأشتري الوفاءَ بالثروة، وسأربط هذا الوفاءَ بالرشوة.
أيجيسثوس : وفاء يُنال بالرشوة، يُتغلَّب عليه بالرشوة.
كلوتايمنسترا : تعود بقيةُ عفافي السابق إلى الحياة، فلِمَ تصيح ضدها؟ لماذا تقدِّم لي النصيحةَ الكاذبة بألفاظ الخداع؟ هل أهجر ملِكَ الملوك وأتزوَّجك؟ أتتزوَّج سيدةٌ ساميةُ المولد رجلًا منبوذًا؟
أيجيسثوس : ولماذا أبدو لكِ أقلَّ من ابن أتريوس، أنا ابن ثويستيس؟
كلوتايمسنترا : إذا لم يكن هذا كافيًا، فقُلْ حفيده أيضًا.
أيجيسثوس : كان فويبوس مصدرَ ولادتي، فلن أجد عارًا قطُّ في مولدي.
كلوتايمسنترا : أتدعو فويبوس مصدرَ ولادةٍ نشأت عن زِنًى محرَّم، ذلك الذي قاد خيولَه إلى الخلف، فأحدَثَ الليل فجأةً، وطردْتَه أنت٩٠ من السماء؟ لماذا تدنِّس الآلهة؟ أيها المدرَّب على سرقةِ فراشِ الزواج بالخداع، يا مَن لا نعرفك إلا باسم رجل الحب غير الشرعي، انصرِفْ في الحال، وأبعِدْ عارَ بيتنا من أمام بصري، فإن هذا البيت ينتظر ملِكَه وسيدَه.
أيجيسثوس : ليس المنفى جديدًا عليَّ، وقد تعوَّدتُ الويلات. فلو أمرتِ أيتها الملِكة، فلن أهرب فقط من الوطن أو من أرجوس، بل إنني على استعداد، تلبيةً لأمركِ، لأن أغمدَ السيفَ في قلبي، مثقلًا بالحزن.
كلوتايمسنترا (بصوتٍ منخفض) : ومع ذلك، فهل أسمح، أنا ابنةُ تونداريوس القاسية، بحدوث ذلك؟
(إلى أيجيسثوس) مَن يذنب مع غيره، فهو مدين للجريمة بالوفاء. تعالَ معي كي نضعَ خططَنا بنظام، ونحن في هذه الحال ذات الشئون القاتمة المهدَّدة.

(يخرجان.)

الكوروس : أنشِدْنَ أيتها الفتياتُ الذائعات الصيت، متغنيات بفويبوس! لك يا فويبوس يتوِّج حشدُ المحتفلين بالعيدِ الرءوسَ، لك تهز فتاةُ أرجوس غصنَ الغار، وتُرسِل خصلات شعرها العذراء بطريقةٍ عادية، وأنت يا مَن تشرب من مياه إيراسينوس Erasinus الباردة، ومَن تنهل من يوروتاس Eurotas، ومَن ترتوي من إسمينوس Ismenus الذي ينساب هادئًا بين شاطئَيه الناضِرَي الخضرة، وأنت أيضًا، ولو أنك غريبٌ في طيبة، تعالَ وانضمَّ إلى كوروسنا، الذي حذَّرته مانتو Manto ابنة تايريسياس Tiresias، قارئةُ الأقدار أن يعبد الآلهة بالطقوس المناسبة، ذرية لاتونا Latona. أرْخِ قوسَك، إذ عاد السلام، يا فويبوس، يا قاهر الجميع، وألْقِ عن كاهلك جَعْبتَك المليئة بالسِّهام السريعة، وَلْتُرسِل قيثارتُك أنغامَها عندما تضربها أصابعُك الطائرة. لن أجعلها تعزف ألحانًا عالية حادة الدرجة، بل أنغامًا بسيطة كالتي اعتدْتَ أن تلحن على أوتارٍ أخف، عندما تشرف الموزية Muse العالمة على رياضتك. ومن حقك أيضًا أن ترسل مثل تلك الأنغام التي أنشدتها عندما شاهَد الآلهة التيتان Titans وقد هزمهم الرعد، عندما وُضِعت الجبال فوق الجبال العالية فكوَّنت ممرًّا للعمالقة الفظاظ، عندما وقف بيليون Pelion فوق أوسا Ossa الموضوع تحته، واتزن أوليمبوس Olympus المكسو بالسُّحب فوق كلَيْهما.
كذلك أنتِ، كُوني قريبة، يا مَن كزوجة وأخت تشتركين في سلطان الصولجان، يا جونو Juno الملكية! نحن فرقتكِ المختارة، نعبدكِ في موكيناي. إنكِ الحامية الوحيدة لأرجوس، التي نناديكِ بالصلاة الحارة، أنتِ يا مَن تُمسِكين في يدكِ بالحرب والسِّلْم، تَقَبَّلي الآن أغصانَ الغار التي يقدِّمها أجاممنون، أيتها الربَّة الظافرة، تُرسِل إليكِ القيثارةُ ذات الصندوق الخشبي، العديدة الأوتار، أنغامَها المهيبة. لك تمسُّ الفتيات الماهرات الأوتارَ في أنغامٍ مهدِّئة، لك تهز الأمهات الإغريقيات٩١ مشعلَ النذور، وتسقط عند مَحارِيبك خليلة الثور البيضاء، التي لم تعرف المحراث، والتي لم يجرح النيرُ رقبتَها على الإطلاق.

وأنتِ يا ابنة المرعد العظيم بالاس Pallas الماجدة، التي كثيرًا ما هاجَمْتِ القلاعَ الداردانية Dardanian برمحكِ، لكِ تركع أمهات الكوروس المجتمعات، صغيرات وكبيرات، وعند مجيئك يفتح الكاهن أبوابَ المعبد على مصاريعها. إليكِ يتقدَّم الجمع المتوَّج بالأكاليل المضفورة، إليكِ يقدِّم الشيوخ الهَرِمون والمنهوكو القوى شَكاواهم المسموعة، ويشكرونكِ، ويصيبون سكائبَ الخمر بيدٍ مرتعشة.

وأنتِ أيضًا يا تريفيا Trivia،٩٢ نعبدك بقلوب الاهتمام وبصلواتٍ مألوفة. تأمرين مسقط رأسك ديلوس Delos بأن تقف ثابتة يا لوكينا Lucina،٩٣ كانت عندئذٍ جزيرة طافية Cyclada تتأرجح هنا وهناك حسب رغبة الرياح، فصارت الآن أرضًا ثابتة راسخة الجذر، تصدُّ الرياح، وتستعمل مرسى للسفن رغم أنها اعتادت فيما مضى أن تتبعها. وإذ انتصرتِ، أخذتِ تُحصِين عددَ الجثث التي بَكَتْها أمها٩٤ ابنة تانتالوس، التي تقف الآن على قمة سيبولوس Sipylus الشامخة، تمثالًا باكيًا، وإلى هذا اليوم يذرف الرخامُ العتيق دموعًا جديدة. يعبد كلٌّ من الفتاة والرجل الربَّين التوءمَين٩٥ في حماس.

وأنتَ، قبل جميع الآخرين، أيها الأب والحاكم، رب الرعد، يا مَن يرتجف القطبان البعيدان لمجرد إيماءتك، يا جوبيتر Juppiter، يا مصدر جنسنا، تقبَّلْ هدايانا بعطف، وبعناية الأب، فكِّرْ باهتمامٍ في ذُريتك الوَفِيَّة.

ولكن انظرْنَ، ها هو جندي يُسرِع بخُطًى واسعة، يُقبِل بسرعة إلى هنا، تبدو عليه أَمَارات الأنباء المُفرِحة وتتجلَّى بوضوح (إذ يحمل رمحُه إكليلًا من الغار فوق سِنِّه الحديدية)، ها هو يوروباتيس خادمُ الملِك الدائم الوفاء، قد جاء إلى هنا.

(يدخل يوروباتيس حاملًا رمحًا متوَّجًا بإكليلٍ من أغصان الغار.)

يوروباتيس : أيا محاريب ومذابح الآلهة السماوية، ويا آلهة أسرة آبائي، بعد أن تعبتُ من طول تَجْوالاتي، وقلَّما أصدِّقُ عينيَّ، أقدِّم احترامي بخضوع. (للشعب) قدِّموا نذورَكم الآن إلى الآلهة السامية، فإن فخر ومجد أرض أرجوس يعود إلى بيته أخيرًا، يرجع أجاممنون منتصرًا.

(تدخل كلوتايمنسترا في الوقت المناسب لتسمع آخِرَ ألفاظ الرسول.)

كلوتايمنسترا : إنها لَأنباءٌ مُباركة هذه التي طرقت آذاني، ولكن لماذا يتأخَّر زوجي الذي ظللتُ أنتظره مدة عشر سنواتٍ طوال؟ أهو في البحر أو في البر؟
يوروباتيس : وَطِئ شاطئَ وطنه الذي طالما اشتاق إليه، سليمًا مُعافًى، وأكثر مجدًا، وشهيرًا بالثناء.
كلوتايمنسترا : فَلْنرحِّب بهذا اليوم بطقوسٍ مقدسة، محظوظين أخيرًا، فرغم رحمة الآلهة فقد أبطأت في منح طلبنا. ولكن أخبِرني: هل شقيق زوجي على قيد الحياة؟ وأين شقيقتي؟٩٦ أخبِرني.
يوروباتيس : أرجو وأتوسَّل إلى الآلهة أن يكون خيرًا مما نأمل لهما؛ إذ يُحرِّم عليَّ حظُّ البحر المَحُوط بالشكوك، أن أتكلَّم عن ثقةٍ وتأكيد. فعندما التقى أسطولُنا المتناثر في بحرٍ مائج، قلَّما كانت أية سفينة تستطيع أن تُبصِر سفينةَ شقيقه. وحتى أتريديس نفسه، وهو سائر فوق المحيط المترامي الأطراف، خسر في البحر أكثر مما خسر في الحرب، وعاد كرجلٍ مدحورٍ رغم انتصاره، وليس معه سوى عددٍ قليل من السفن المحطَّمة من أسطوله القوي.
كلوتايمنسترا : أخبِرني، أية مصيبة ابتلَعَت سُفني، أو أي مكروهٍ حدث في البحر فشتَّتَ الرؤساء.
يوروباتيس : يا لها من قصةٍ مريرةِ الرواية، تلك التي تطلبينها، ها أنتِ ذا تأمرينني بأن أخلط الرسالةَ المنحوسة بالبُشرى السارَّة. يُحجِم عقلي المريضُ عن الكلام، ويرتجف عند التفكير في مثل تلك الكارثة.
كلوتايمنسترا : استمِر في روايتك، فمَن يمتنع عن معرفة مصائبه، فإنما يزيد في مخاوفه. والمتاعبُ التي يُرَى نِصْفُها، أكثر عذابًا.
يوروباتيس : عندما سقطت بيرجاموم Pergamum كلها تحت النار الدوريانية Dorica face، قسمت المغانم، وبسرعةٍ ولهفةٍ سعى الجميع إلى البحر. وعندئذٍ أراح المحارِبُ جنبَه من ثقل السيف المتعب، ووُضِعت التروس دونما اكتراثٍ بطول الكواثل العالية، وناسب المجذاف يدَي المحارِب. ومن فرط سرعتهم ولهفتهم، بدا كلُّ تلكُّؤ كما لو كان دَهرًا. ثم لما لمعت إشارةُ العودة فوق السفينة الملكية، ونبَّه صوتُ البوق العالي المجذِّفين الفَرِحين، قاد حيزوم سفينة الملك المُذَهَّب وحدَّد الممر، وفتح الطريق أمام ألف سفينة تتبعه.
تسلَّل في أول الرحلة نسيمٌ رقيق إلى أشرعتنا فساق سفنَنا قُدُمًا، وقلما تحرَّكت الأمواج الهادئة، وخرَّت تحت نسمة زفيروس العليلة، وانعكست على صفحة البحر صورةُ عظَمة الأسطول، وحَجَب التعبُ أسفله. ما أحلى النظر إلى شواطئ طروادة العارية الجرداء! وما ألذَّ مشاهَدة صحاري سيجيوم Sigeum! امتلأ الشبان سرعةً لثني المجاذيف بضرباتٍ متناسِقة معًا، وطفقوا يساعدون الرياح بالأيدي، ويحرِّكون أذرعهم الصلبة في حركاتٍ إيقاعية؛ فاضطربت المياه المشقوقة وأزَّت جوانبُ السفن وسط الأمواج، واندفع البحر الأزرق في رشاش قوي. وعندما جاءت نسمة جديدة وملأت الأشرعة المنتفخة، رقد المحاربون بجانب مجاذيفهم، وعَهِدوا بالسفينة إلى الريح، ومدُّوا أجسامَهم بطول المقاعد، إما ليُراقِبوا الأرض البعيدة الهاربة عندما تتقهقر السفن، أو ليستعيدوا ذكريات حروبهم. هدَّدَ هكتور Hector الباسل، وأُسلِمت العَرَبة٩٧ وجثتُه المفدية إلى كومة الحريق، وذُرَّ جوف الهرقياني Herceus Iovis بدمٍ ملكي.٩٨ وكذلك أخذت السمكة التورهينية Tyrrhenus Piscis٩٩ تلعب في الماء الرقراق جَيْئةً وذَهابًا، وتقفز فوق البحر المائج بظهرٍ مقوس، وتقوم بحركاتٍ رياضيةٍ حول السفينة، فتندفع تارةً في دوائر، وتسبح تارةً أخرى بجانب السفينة. تسير مَرِحة إلى الأمام أحيانًا، وتتبع السفينةَ أحيانًا أخرى، وسرعان ما مسَّ السِّرْبُ حيزومَ السفينة القاعدة، وشرع يسبح حول السفن الألف مراتٍ ومرات.

في تلك الأثناء كان الشاطئ كله قد اختفى، وغابت السهول عن الأبصار، وبدَتْ قِممُ جبل إيدا Ida باهتة. وبعد ذلك، كان ما تستطيع العين الحديدة أن تراه هو دُخَان إيليوم يَلُوح من بُعْد كبُقْعة دكناء ليس غير. وكان التيتان قد أراح أعناقَ خيوله المكدودة من النير، ثم خفضت النجوم أشعتها، وانحدر النهار إلى أسفل. وتألَّقت سحابةٌ دقيقة في كتلةٍ مظلمة، ولاحَت كبُقْعة تلوِّث أشعةَ الشمس الغاربة اللامعة. وجعَلَنا غروبُ الشمس المتعدد الألوان نشكُّ في البحر.١٠٠

أنشأ الليل الحديث يبرقش النجوم، وارتخت الأشرعة إذ هجرتها الريح. ثم إذا بصخبٍ عميقٍ ينزل من قِمَم الجبل، فكان أسوأَ تهديدٍ. وانبعث من الشاطئ الفسيح والقُنن الصخرية صوتُ أنين. وإذ ألهبت الريحُ الصاعدة الأمواجَ، أخذَت هذه اللجج تصعد عاليًا، وعندما اختفى القمر فجأة، واحتجبَت النجوم عن الأنظار، ورُفِع البحر وذهبت السماء، صار الليل مزدوجًا، وغشَّى الضباب الكثيف دياجير الظلام، وانسحب جميع الضوء، فارتبك البحر واكفهرَّ الجو. وفي الحال هبَّت الرياح من كل اتجاه، وهتكَت عُبابَ البحر، فانقلب من أعمق أعماقه إلى أعلى، واشتبكت الريح الغربية مع الشرقية في نضال، والجنوبية مع الشمالية. تستخدم كلٌّ منها أسلحتَها الخاصة في هجومٍ مميت؛ فأثارت البحرَ من أعماقه بينما انقضَّت دوَّامة هوائية على اللجج فملأتها بالزَّبَد. وأرسل أكويلو الاستروموني Strymonius Aquilo الثلوجَ العميقة في نوبات حلزونية، وأثار أوستير الليبي Libycus Auster رمالَ سورتيس Syrtes الساحلية،١٠١ فلم تَعُد تقاوِم النضالَ مع أوستير، وهبَّت نوتوس Notus مثقلةً بالغيوم، فملأت الأمواجَ بالمطر، بينما هاجَم يوروس Eurus الفجرَ وزلزَلَ الممالك الناباتية Nabataea regna والخلجان الشرقية. وماذا فعل كوروس Corus المتوحش إذ أخرج رأسَه من المحيط؟ مزَّقَ السماءَ كلها من أُسسِها، حتى لَيُخيَّل إليك أن الآلهة أنفُسَها تسقط من السماء المتهتِّكة، ولفَّ الدنيا فضاءٌ أسود. ناضَلَ الطوفان مع الريح، وزحزحت الريحُ الطوفانَ إلى الخلف. ولم يَعُد البحر يحتوي نفسه، واختلط المطر والأمواج مع المياه، وحتى نوبات الفرج هذه عجزت عن القيام بهدفها المروع؛ أن ترى على الأقل وتعرف الكارثةَ التي تهلكها. نزل الظلام ثقيلًا على عينَيها، وخيَّمَ الليل الجهنمي ﻟ «ستوكس» Styx الفظيع. بيْدَ أن النيران انفجرت خارِجة، وتألَّقَ وميضُ البرق المخيف من السُّحب الممزَّقة، وما أعظمَ لذة هذا الوميض المفزِع لأولئك البحَّارة المساكين! إذ طالما كانوا يُصَلُّون مبتهلين من أجل هذا النور.

ساعد الأسطول ذاته على تحطيم نفسه؛ إذ اصطدم الحيزوم بالحيزوم، والجانب بالجانب. فهذه سفينةٌ ازدردَتها الأعماق، وسحبَتها إلى الحضيض، ثم لفظَتها وتقيَّأَتها ثانيةً، وأعادَتها إلى البحر، إلى فوق. وتلك سفينةٌ غاصت بفِعل ثقلها، وأدارت أخرى جانبَها المهشَّم إلى الأمواج، وسفينةٌ غير هذه ابتلعَتها الموجة العاشرة.١٠٢ وهناك سفينةٌ طافية مضعضعة، جُرِّدت من كل زينتها، فما عاد فيها أشرعة ولا مجاذيف، ولا سارية مستقيمة تحمل سوق الأشرعة العالية، وإنما صارت حُطامًا عتيقًا تتقاذفه الأمواج فوق البحر الإيكاري Icarian. لم يُجْدِ العقل ولا المِرَان فتيلًا وقتذاك، واستسلمَت المهارة إلى الكارثة الدهياء. وإذ قبض الفزع على أعضاء البحَّارة، وقفوا مشدوهين وهجروا أعمالهم؛ فسقطَت المجاذيف من أيديهم، ودفع الخوف الفظيع أولئك المساكين إلى الصلاة، وطفق الطرواديون Troes والأغارقة Danai يتضرَّعون طالبين نفسَ الشيء من الآلهة. ماذا بوسع القَدَر القريب أن يفعل؟! حسد يوروس Pyrrhus أباه، وحسد أولوسيس Ulysses أجاكس، وحسد أتريديس الأصغر Atrides minor هكتور، كما حسد أجاممنون برياموس، واعتُبر كلُّ مَن رقد مقتولًا في طروادة مباركًا، وكذلك كلُّ مَن نال الموت بفعل الأسلحة، وكلُّ مَن حرسه المجد، وكلُّ مَن ضمَّته الأرض التي غزاها. فهل يحمل١٠٣ البحر والموج كلَّ مَن لم يجرؤ على فعل شيءٍ نبيل؟ وهل يغمر مصيرُ الجبان بواسلَ الرجال؟ أيجب أن يهزم الموت؟ فأيًّا كنتَ، من آلهة السماء، ولم تُشْفِ غليلَكَ متاعبُنا المريرة، فَلْتقنع ألوهيتك أخيرًا، فحتى طروادة نفسها قد بكَت على مصائبنا. أما إذا كانت كراهيتُك عنيدة، ولذَّ لك أن ترسل الجنس الإغريقي إلى حتفه، فلماذا تُهلِك معنا أولئك١٠٤ الذين هلكنا من أجلهم؟ هدِّئ البحر الثائر، يحمل هذا الأسطول أغارقة، ولكنه يحمل طرواديين أيضًا لم يستطيعوا الكلام بعد ذلك، إذ اغتصب البحر ألفاظَهم.

ولكن انظرن! كارثة فوق كارثة! تسلَّحَت بالاس بصاعقة جوف الغاضب، تحاوِل التهديدَ قدْرَ طاقتها، ليس بالرمح، وليس بالترس، ولا بثورة الجورجونة Gorgon،١٠٥ وإنما ببرق والدها وبالزوابع الجديدة التي تهبُّ في كافة أجواز الجو. حافَظَ أجاكس١٠٦ وحده على استمرار النضال غير خائف من العوادي. أمَّا ذلك الذي قصَّرَ الشراعَ بحبل الصاري المشدود، فتسلَّح بالبرق العنيف. سددت صاعقة أخرى، فقذفتها بالاس بكل قوتها، ساحبةً يدَها إلى الخلف مُحاكِية والدها. فنفذت الصاعقة خلال أجاكس وخلال سفينته، ومعهما جزء من السفينة، وحملت أجاكس. بعد ذلك لم يتحرَّك، بل ارتفع كصخرةٍ عاليةٍ محترقًا باللهب من البحر الملحي، وشق البحر الثائر بصدره مندفعًا خلال السيول، ومتشبِّثًا بيدَيه بسفينته المحطَّمة، ساحبًا اللهب معه، وأضاء ساطعًا وسط ظلام البحر، وأنار كل الأمواج. وأخيرًا بلغ صخرةً فصاح في غضب جنوني: «ما ألذَّ أن تهزم كل شيء، الطوفان واللهب، وتَدْحر السماء وبالاس والصاعقة والبحر! لم أهرب فزعًا من إله الحرب، وقاوَمتُ بذراعي وحدها كُلًّا من هكتور ومارس Mars، ولم تضطرني سِهامُ فويبوس إلى الانسحاب. هزمتُ مثل هؤلاء المحاربين مع جنودهم الفروجيين Phryges، فهل أتخاذل أمامك؟ تقذف سلاحًا آخَر بيدٍ ضعيفة. ماذا لو قذف هو نفسه؟»١٠٧ وعندما تمادى جنونه وكاد يقول أكثر من ذلك، رفع الأب نبتونوس Neptunus رمحَه الثلاثي الشعاب من أعماق لججه، وضرب الصخرة فكسرها، وفي أثناء سقوط أجاكس حمل معه الصخرة، وإنه لَيَرقدُ الآن وقد غلبَته الأرض والنار والأمواج.

أمَّا نحن البحَّارةَ الذين تحطَّمت سُفنُهم، فقد تحدَّانا دمارٌ أشدُّ سوءًا. هناك بقعة من الماء الضحل الخادع مليئة بالصخور الخشنة، حيث يُخفِي كافيريوس Caphereus الغادر قاعدتَه الصخرية تحت الأمواج المتحركة في دوَّامة، وقد ثار البحر وأزبد فوق الصخور، وماج الطوفان هناك مستمرًّا في جَزْره ومَده. ظهر رأس أرض داخل البحر، كثير الهوَّات السحيقة، يطل على البحر من كِلَا جانبَيه. وبوسعك أن تتعرَّف هناك على شواطئك البيلوبية Pelopis Oras. أما البرزخ Isthmus الممتد خلفه مقوسًا بأرضه الضيِّقة، فيمنع البحر الأيوني Ionia maria أن ينضمَّ إلى أمواج فريكسوس Phrixus. وهناك أيضًا لمنوس Lemnos الشهيرة بالجريمة١٠٨ وكالخيدون Calchedon وأوليس Aulis التي عوَّقت الأسطول مدةً طويلة. أمسك والد بالاميديس Palamedes هذه القمة، ورفع بيده اللعينة إشارةً ضوئية من تلك الذروة العالية، وبمشعل خداع أغرى الأسطولَ على الذهاب فوق تلك الصخور. عُلِّقتْ هناك السفن بعد أن أمسكَت بها الصخورُ المسنَّنة، فانكسر بعضها إربًا في المياه الضَّحْلة، وحُمِل مُقدم إحدى السفن بعيدًا، بينما اشتبك جزءٌ منها بالصخر، واصطدمت سفينةٌ بأخرى وهي تنسحب، فتحطَّمت كلتاهما وتَحطَّمْنا نحن. عندئذٍ خافت السفنُ البقاءَ بجوار اليابسة، واختارت البحار. وقُبَيْل الفجر، هدأت ثورةُ العاصفة، وإذ تم التكفير من أجل إيليوم، عاد فويبوس وأظهَرَ النهارُ المحزِن ما أحدَثَه الليلُ من دمار.
كلوتايمنسترا : هل أحزنُ أو أفرحُ لعودة سيدي؟ إنه لَيُفرِحني أن أراه ثانيةً في بيته، ولكني مضطرة إلى الحزن على الخسارة الفادحة التي مُنِيت بها مملكتُنا، وأخيرًا أيها الأب مزلزِل السماء العالية الرنين، أعِدْ إلى الأغارقة آلهتَهم القانعة، ودَعْ كل رأس يُتوَّج بأكاليل الاحتفال، دَعْ ناي تقديم الذبائح يُرسِل أنغامًا حلوة، وتسقط الذبيحة البيضاء عند المذابح العظمى.
ولكن انظر، ها هنا جَمْعٌ حزينٌ من النساء الطرواديات شعورُهن غيرُ مربوطة، بينما تتقدَّمهن جميعًا، بخطًى مزهوَّة، كاهنة فويبوس المجنونة، تهزُّ غصنَ الغار جالِب الوحي.

(تدخل جماعة من النساء الطرواديات بقيادة كاساندرا.)

كوروس النساء الطرواديات : يا للأسف! ما أشدَّ إغراءَ لعنةٍ خُصِّصت للبشر، أَلَا وهي حبُّ الحياة المقيت! رغم أن الملاذ من ويلاتهم مفتوحٌ على مِصراعَيه، ويدعو الموتُ التعساءَ بيدٍ سَخِيَّة، مَلاذًا هادئًا للراحة الأبدية. لا يعكِّر صَفْوَ الهدوء فيه خوفٌ ولا عاصفة الحظ الثائر، ولا صاعقة المرعد القاسي Flamma Tonantis. لا يخاف الهدوءُ العميق أيةَ مؤامَرة للمواطنين، ولا غضب الظافر المهدِّد، ولا أيَّ بحر مائجٍ تثيره الرياحُ العاصفة، ولا صفوفَ القتال الوحشي، ولا سحابةً دكناءَ تُثِيرها حوافرُ خيولِ فرقةٍ بربرية، ولا أُمَمًا تسقط بسقوطِ مُدنِها التام. وبينما تدمِّر اللُّهُبُ المعاديةُ الأسوارَ، لتندلع نيرانُ حربٍ شعواءَ جامحة، سيشقُّ طريقَه وسط كل هذه العوائق مَن يتجرَّأ، غير هيَّاب، على ازدراءِ الآلهة المتقلِّبة التي تستطيع التطلُّعَ إلى أخيرون Acheron المظلم، وإلى ستوكس المخيف، ومَن تواتيه الجرأة الكافية لإنهاء حياته، سيكون نِدًّا معادِلًا للملوك، ونِدًّا معادِلًا للآلهة السامية. ما أتعسَ ألَّا نعرف كيف نموت!
شاهَدْنا سقوطَ مملكتنا ليلةَ الموت تلك، عندما دَمَّرتِ أيتها النيران الدورية Dorici ignes بيوتَ داردانيا Dardania. لم تُهزَم في حرب، ولا بأسلحة، ولم تسقط بسِهام هرقل كما حدث في الزمن الماضي، ولم يتغلَّب عليها ابن بيليوس Peleus وثيتيس Thetis،١٠٩ ولا مَن يعزه بيليديس Pelides الصنديد، عندما أضاء بأسلحة مستعارة، وساق أبناء طروادة هاربين؛ إذ ظنُّوه أخيل Achilles Falsus، ولا عندما أبدَى غضبَه١١٠ بسبب حزنه،١١١ والنساء الطرواديات يلاحِظْنَه من فوق الأسوار، خائفاتٍ من هجومه السريع. لم تفقد وسطَ مِحَنها، مجْدَها المتوج، مجد احتمالها الغزْوَ في شجاعة، وقاوَمَت مدة عشر سنوات طوال، وقُدِّر لها أن تهلك بخيانةِ١١٢ ليلةٍ واحدة.

رأينا تلك الهدية المرموقة، الهائلة الحجم، وسحبنا هدية الإغريق المميتة بأيدينا الواثقة، وكثيرًا ما تعثَّرَ ذلك العملاق ذو الأقدام الصاخبة على عَتبة الباب، حاملًا بداخله الرؤساءَ والحرب. كان بوسعنا أن نردَّ عليهم خدعتَهم، فنجعل البيلاسجبين Pelasgi يسقطون بنفس خدعتهم، وكثيرًا ما صلصلت تروسُهم المحشورة، وطرقَت آذانَنا تمتمةٌ خافتة، عندما غمغم بوروس، قلَّما استسلم إلى رغبةِ أوليسيس الكثير الحِيَل.

لم يتخوَّف الشباب الطروادي أن يلمس الحبال القاتلة.١١٣ قاد أستواناكس Astyanax جماعات من نفس سنِّه. وهناك خُطِبت هي١١٤ إلى كومة الحريق التسالية. قادت هي الفتيات وقاد هو الفتيان، وجاءت الأمهاتُ بتقدمات النذور إلى الآلهة مسرورات. وتقدَّمَ الآباءُ إلى المحاريب مسرورين، وكل واحد لا يبدو إلا في منظر واحد في كافة أنحاء المدينة، وما لم نَرَه منذ جنازة هكتور، هو أن هيكوبا Hecuba كانت مبتهِجة. وعندئذٍ، أيها الحزن التعيس، علامَ ستبكي أولًا وأخيرًا؟! أعَلى الأسوار المَبْنيَّة بأيادٍ إلهية فدمَّرتها أيدينا؟ أعَلى معابدَ هُدمت فوق آلهتها؟ يفتقر الزمن إلى أن يبكي على مثل هذه الشرور. هناك أيها الأب العظيم تبكي النساء الطرواديات. رأيتُ، رأيتُ سيف بوروس في عنق الرجل العجوز، وقلَّما ابتلَّ بدَمِه القليل.
كاساندرا : كَفكِفْنَ دموعَكن التي تطلبنها طول الوقت، أيتها النساء الطرواديات، فإذا حزنتن، أنتن أنفسكن، على موتاكن بالأنين والنحيب، فإن خسائري ترفض كلَّ إسهام. إذن، فأوقِفْنَ حزنَكن على مصائبي؛ فأنا وحدي كافيةٌ من أجل نوائب بيتي.
الكوروس : ما أحلى أن نخلط الدموعَ بالدموع، وإن الأحزان لَأشدُّ إيلامًا إذا ما جرحَت في عزلة، بيْدَ أنه يلذُّ للمرء أن يبكي، وسط الجماعة، أحزانَ صديقه، كما أنه لا ينفع، مهما كنتِ قوية وباسلة وذات مِرَانٍ على المصائب أن تبكي مثلَ هذه البَلاوَى العظمى. لن تستطيع العندليب١١٥ الحزينة التي ترسل أناشيدَها من فوقِ غصن الربيع، ولا يستطيع صوتُ مزمار إيتوس Itys بأنغامه الدائمة التغير، ولا العصفورة١١٦ الجاثمة فوق الحصون البستونية Tectis Bistonis تكرِّر قصةَ آثام سيدها القاسي الخَفِيَّة؛ لن يستطيع كل هؤلاء بجميع نحيبهن العاطفي أن يبكين بيتَكِ. ولو أنشد كوكنوس Cycnus١١٧ الناصع البياض بنفسه نشيدَ احتضاره وسط البجعتَين البيضاوَين إستير Ister وتانايس Tanais، ولو بكَتِ الطيورُ المائية Alcyones على فقيدها كيكس Ceyx بين ثنيات الأمواج الخفيفة، فرغم عدم ثقتِهن، وثقْنَ مرةً أخرى، في جرأة، بالمحيط الهادئ، وتمتَّعْنَ بصغارهن في شوقٍ فوق عشٍّ مزعزع، ولو جرحَت الجماعة الحزينة التي تتبع الرجال المخنَّثين Molles Viros،١١٨ أذرعها مع ذراعَيكِ، تلك الجماعة التي أثارت نغماتُ الناي الجنونَ فيها فطفقْنَ يضربْنَ صدورَهن للأم المتوَّجة بالحصن،١١٩ كي يبكين على أتيس Attis الفروجية.
ليس لدموعنا مقياس يا كاساندرا، إذ فاقت آلامُنا كلَّ قياس.

ولكن لماذا تنزعين الخصلات المقدَّسة من رأسكِ؟ في اعتقادي أنه يجب على الأرواح التعيسة أن تبجِّل الآلهة.
كاساندرا : وإذا تغلَّبت محناتها على كل خوف، فلن أصالِح آلهةَ السماء بأية صلاة، ولا يجب عليهم أن يثوروا؛ لأنهم آذَوْني هنا. وقد أفْنَتْ ربَّةُ الحظ نفسُها جميعَ قُوَاها. أيُّ وطنٍ بقي لي؟ وأيُّ أب؟ وأيةُ أخت الآن؟ شربت المذابحُ١٢٠ والمقابر١٢١ من دمي. ماذا بقي من جَمْع الإخوة السعيد ذاك؟ ذهبوا جميعًا! لم يُترَك في القصر الخاوي سوى الشيوخ الحَزَانى، وفي جميع تلك الغُرف العديدة، يَرَون جميعَ النساء ما عدا الإسبرطية Lacaenam المترملة. فتلك التي كانت أُمًّا لعددٍ كبيرٍ من الملوك، ملِكة الفروجيين، هيكوبا، الوَفِيَّة للنيران الجنائزية المبرهنة على قوانين القَدَر الجديدة، قد تقمَّصت صورتها الوحشية،١٢٢ تنبح بجنون حول أسوارها المحطَّمة، وعاشت بعد طروادة وبعد ابنها، وزوجها ونفسها!
الكوروس : سكنت عروس فويبوس فجأة، فانتشرَت الصُّفْرةُ على خدَّيها، وسيطرَت الرجفة المستمرة على جميع هيكلها. وانتصبَت شعورها متوتِّرة، وارتفعت خصلاتُها الناعمة فزعًا، وعلا وَجِيبُ قلبها في تمتمةٍ خافتة، وزاغت لِحَاظُها حَيْرى، وبدَت عيناها غائرتَين نحو محجرَيهما. وسرعان ما حملقتا دون حَراك. وها هي الآن ترفع رأسَها في الهواء أعلى مما اعتادت من قبل، وتمشي بخطوات العظَمة، وتحاوِل الآن أن تفكَّ قيودَ شفتَيها المناضلتَين، وتحاول الآن عبثًا أن تضمَّها فوق ألفاظها، إنها كاهنةٌ مجنونة إذ تناضل ضد الإله.
كاساندرا : لماذا توخزينني، يا مرتفعات بارناسوس Parnassus المقدسة، بمناخس الإثارة من جديد، لماذا تجرِّدينني من حواسِّي؟ ابتعِدي! أي فويبوس، لم أَعُد مِلْكًا لك بعد الآن، أَطفِئ اللُّهُب المتغلغلة عميقًا في داخل صدري. من أجل مَن أتجوَّل أنا الآن مجنونة؟ ومن أجل مَن أهذي في جنون؟ الآن، وقد سقطت طروادة، ماذا بقي لي، أنا العرَّافة الزائفة؟
أين أنا؟ هرب النور اللطيف، وأعمَت الظلمةُ الكثيفة عينيَّ، وإذ دَفَن الدُّجَى السماء، فقد اختفت. ولكن انظرْنَ، ها هو النهار يتألَّق بشمسٍ مزدوجة، وترفع أرجوس مرتَين، قصرَين توءمَين! أرى غابات إيدا، هناك يجلس الراعي قاضيًا للمصائر وسطَ الربَّات القويات. اخشوه أيها الملوك، إنني أحذِّركم، خافوا ابن الحب المسروق،١٢٣ سيقلب ذلك اللقيط الريفي بيتَكم. ماذا تقصد هذه المرأة المعتوهة بالسيف المسلول في يدها؟ عن أي بطلٍ تبحث بيدها اليمنى؟ إنها إسبرطية في زِيِّها،١٢٤ ولكنها تحمل بلطةً أمازونية.١٢٥ وما هذا المنظر الآخر الذي يستخدم عينيَّ؟ هذا ملك الوحوش ذو العنق الفخور، قد سقط بمخلبٍ وضيع، إنه أسد أفريقي١٢٦ لحقَته عضَّاتٌ قاتلة من لبؤته الجريئة. لماذا تنادونني يا أشباح أقاربي، أنا الباقية الوحيدة على قيد الحياة من بيتي؟ أتبعك يا والدي، يا شاهِد العِيان على دفن طروادة، وأنت يا أخي يا مُعِين الفروجيين، وفزع الإغريق، لستُ أراك في العظَمة التي كانت لك في سابق العهد، أو بيدَيك ساخنتَين من إحراق السفن، وإنما ممزَّق الأعضاء، وقد جرحَت السيور الغائرة عميقًا، ذراعَيك. أتبعك، يا ترويلوس Troilus، الذي التقيت في عهدٍ مبكر مع أخيل، ليس وجهك معروفًا يا دايفوبوس Deiphobus،١٢٧ هدية زوجتك الجديدة،١٢٨ ما ألذَّ السير بجانب البرك الستوجية Stygios lacus! وما أحلى رؤية كلب تارتاروس Tartarus المتوحش، وممالك ديس Regna Ditis الجَشِع! اليومَ سيحمل قارب فليجيثون Phlegethon المظلِم أرواحًا ملكية،١٢٩ مهزومة وهازمة. أيها الأشباح، أتوسَّل إليكم، كما أن توسُّلي إليك أيها المجرى الذي يحلف به الآلهة، لن يكون بأقل من توسُّلي السابق؛ اكشفوا لمدة قصيرة غطاءَ ذلك العالم المظلِم، كي ينظر جَمْعُ الفروجيين ذوي الظلال، إلى موكيناي. انظروا، أيها الأرواح المسكينة، ها هي الأقدار Fata تستدير عائدةً على أعقابها.

تجدُّ الشقيقات القَذِرات، في السير قُدُمًا، شاهِراتٍ سياطَهن الدموية، ويحملْنَ في أيديهن اليسرى مشاعلَ نصف مُوقَدة، وقد انتفخَت أوداجُهن الشاحبة، وتحيط بخواصرهن الجوفاء ثيابُ الموت القاتمة، يردِّدْنَ صيحاتِ الليل المخيفة، وترقد عظامُ جسمٍ ضخم قد تعفَّنت لمدة طويلة في مستنقعٍ موحل.١٣٠ وانظرن! ذلك الرجل العجوز الفاني،١٣١ ينسى ظمَأَه فلا يعود يمدُّ يدَيه إلى المياه الساخرة، حزنًا على الميت١٣٢ القادم. أما الأب داردانوس Dardanus فيبتهج ويسير قُدُمًا بخُطًى ملكية.
الكوروس : الآن، قد أنهَكَ جنونُها الشارد نفسَه، وتسقط كما يسقط الثور أمام المذبح بركبتَين جاثمتَين، فيتلقَّى ضربةً سيئةَ النية، على رقبته. هيَّا بنا نرفع جسدَها. ولكن انظرْنَ! ها هو أجاممنون يُقبِل متوِّجًا رأسَه لآلهته بأكاليل النصر من أغصان الغار، وذهبت زوجته بفرحٍ لكي تقابله، ثم تعود موحِّدةً خطواتها مع خُطاه في تناسُق.

(يدخل أجاممنون، بعد أن قابَلَته ورحَّبت به زوجته التي تدخل معه، وتستمر في سيرها فتدخل القصر وحدها.)

أجاممنون : وأخيرًا، عدتُ سالمًا إلى بيت أبي. مرحبًا بكِ أيتها الأرض العزيزة! قدَّمَتْ إليكِ الغنائمَ أُممٌ بربرية كثيرة، وإليكِ خضعَت طروادة آسيا المزهوَّة، التي طالما بارَكَتها السماء. لماذا يُغمى على الكاهنة١٣٣ هناك فتسقط مترنِّحة برأسٍ مُرتخٍ؟ ارفعوها، أيها العبيد. ها هي ترى النورَ ثانيةً بنظرةٍ واهنة.
(إلى كاساندرا) استيقظي إلى الحياة! ها هو مَلاذُنا من ويلاتنا، الذي طالما اشتقنا إليه، هذا يومُ عيد.
كاساندرا : وكذلك كان يومَ عيد،١٣٤ في طروادة أيضًا.
أجاممنون : هيَّا بنا نركع أمام المذبح.
كاساندرا : أمام المذبح سقط والدي.
أجاممنون : هيَّا بنا نصلِّي معًا إلى جوف.
كاساندرا : جوف الهرقياني؟١٣٥
أجاممنون : أتظنين أنكِ تنظرين إلى إيليوم؟
كاساندرا : وإلى برياموس أيضًا.
أجاممنون : ليس هنا طروادة.
كاساندرا : أينما توجد هيلين،١٣٦ أظنه طروادة.
أجاممنون : لا تخافي أيةَ سيدة، رغم كونكِ عَبْدة.
كاساندرا : الحريةُ قريبةٌ مني.
أجاممنون : عيشي في أمان.
كاساندرا : الموتُ أمانٌ لي.
أجاممنون : ما من شيءٍ تخافينه.
كاساندرا : ولكن الكثير لك.
أجاممنون : ماذا يخاف الظافر؟
كاساندرا : ما لا يخافه.
أجاممنون : أسنِدوها، أيها العبيد الأمناء، حتى تنفض عنها الإله؛١٣٧ لئلا تُحدِث ضررًا ما في جنونها الوحشي. ولكني سأعبدك، أيها الأب، يا مَن تقذف بالرعد المخيف، وتَسُوق الغيوم، يا مَن تحكم النجوم والبلاد، يا مَن يحمل إليك الظافرون غنائمَهم في النصر، وأنتِ يا أخت سيدكِ القوي، جونو الأرجولية Argolica Iuno. سأعبدكما مبتهجًا بقطعان النذور، وبهدايا١٣٨ بلاد العرب، وبتقدمات المتوسِّل من الأمعاء.

(يخرج، ويدخل القصر.)

كوروس نساء أرجوس : أي أرجوس، المُشَرَّفة بمُواطِنيكِ النبلاء، أي أرجوس العزيزة لدى زوجة الأب رغم غضبها،١٣٩ تَبيَّنْتِ أبناء دائمي القوة، وجعلتِ عددَ الآلهة الفردي زوجيًّا.١٤٠ نال بطلكِ بأعماله الاثني عشر حقَّ اختياره للسماء. إنه هرقل العظيم، الذي من أجله١٤١ كُسِرَ قانون العالم، فضاعَف جوبيتر ساعات الليل النَّدِية، وأمَرَ فويبوس بأن يَسُوق عَرَبته المسرِعة ببطء، وأمَرَ فرقتَك بالعودة بأقدامٍ متمهِّلة، أي فويبوس الشاحب، أدار النَّجْم خطواته إلى الخلف، ذلك النَّجْم الذي يتغيَّر من اسمٍ إلى آخَر،١٤٢ وعجب من أن يطلق على هيسبيروس Hesperus اسم «نجم المساء». استيقظَت أورورا Aurora عند ساعة الفجر المعتادة، ولكنها عادت على أعقابها فوضعَت رأسَها وعنقها على صدر زوجها١٤٣ العجوز. أحسَّ شروقَ الشمس وغروبَها بمَوْلد هرقل، فإن بطلًا بهذه القوة لا يمكن أن يُولَد في ليلةٍ واحدة. من أجلك أيها الغلام، المقدَّر لك أن ترتقي السماء، وقفَت الدنيا الدوَّارة وسكنَت.
أحسَّ بقوتك أسد نيميا Nemea، الذي في سرعة البرق، وقد سحقَته ذراعاك العاتيتان، كما أحسَّ بكَ الظَّبْي الباراسي Cervaque Parrhasis المتلِف١٤٤ للحقول الأركادية Arcadiiagri. وخار الثور المتوحش خُوَارًا عاليًا، تاركًا حقولَ كريت. وتغلَّبَ على الهودرا Hydra الخصبة الموت، وأمر بإتلاف كل عنق يُولَد من جديد من عنقٍ سابق،١٤٥ وكذلك سحق الإخوة الثلاثة الملتصقين؛١٤٦ الثلاثة الوحوش ذوي الجسم الواحد، فقفز فوقَهم بهِرَاوته الساحقة. وأعطى القطيع الغربي إلى الشرق، غنيمة جيريون الثلاثي الأشكال. وساق القطيع التراقي١٤٧ الذي كان يُطعِمه ذلك الطاغية، ليس بعشب سترومون Strymonii gramine، ولا على ضفاف هيبروس Hebrus،١٤٨ وإنما لقَسْوته كان يُطعِم خيولَه المتوحشة دماءَ الأغراب، وكان دمُ سائقها١٤٩ آخِرَ ما خضَّبَ أشداقَها باللون الأحمر. أبصرَت هيبولوتي Hippolyte الغنيمة١٥٠ تُخطَف من حول صدرها، وسقط الطائر الاستومفالي Stymphalis من السحابة الممزَّقة في السماء العالية. وانكمشت من يدَيه الشجرةُ المحمَّلة بالثمار الذهبية؛ إذ لم تتعوَّد مثلَ ذلك القَطْف، وقفز الغصن في الهواء إذ جُرِّد من حِمْله. لم يسمع الحارس١٥١ البارد الذي لا ينام صوتَ المعدن المصلصِل إلا عندما كان ألكيديس Alcides المحمَّل بالأحمال الثقيلة يهمُّ بمغادَرة الغابة التي جُرِّدت من جميع ذهبها الأسمر. وإذ سُحِب كلبُ الجحيم إلى العالم العلوي بقيودٍ مثلَّثة، سكت ولم ينبح، مبتعدًا عن ألوان الضوء الذي لم يتعوَّده. سقط البيت١٥٢ الراقد تحت قيادتك، بيت داردانوس، وقاسى مرةً أخرى،١٥٣ فِعْلَ السِّهام المخوفة الجانب، وبقيادتك سقطَت طروادة في أيامٍ عددُها كعددِ السنين التي مكثتها.
كاساندرا (وحدها على منصة المسرح)١٥٤ : تتم فِعْلةٌ عظمى بالداخل مساوية لعَشْر سنواتٍ من الحرب. أواه! ما هذا؟ ارتفعي يا نفسي، وخُذِي جائزةَ جنونكِ، نحن قاهرون، قهرنا الفروجيين! هذا حسن! قامت طروادة ثانية! جررت معك موكيناي، يا أبتاه أثناء سقطتك، وتخاذَلَ قاهرُك! لم يسبق قطُّ أن قَدَّم جنونُ عقلي المتنبئ منظرًا واضحًا كهذا لعيني، أراه وأرى نفسي في وسطه، أتأمَّل فيه، وليس هو صورة مشكوكًا فيها تخذع بصري، دَعْني أُمعِن النظرَ فيه حتى أكتفي.
تُمَدُّ وليمةٌ داخل البيت الملكي، يجتمع حولها الضيوف، وإنها لَأشبهُ بآخِر وليمة للفروجيين. تتألَّق المقاعد بالأرجوان الطروادي،١٥٥ ويحتسي الضيوف خمرَهم من كئوس أساراكوس Assaracus القديمة الذهبية. انظرْنَ إنه يرقد هو نفسه،١٥٦ مرتديًا ثيابًا موشَّاة فوق سريرٍ مرتفع، وقد لبس فوق جسمه غنائمَ برياموس الجديرة بالفخر. تأمره زوجته بأن يخلع عنه أثوابَ عدوِّه ويرتدي بدلًا منها عباءةً نسجَتْها يداها المُولَعتان. إني لَأرتجفُ وترتعدُ نفسي لهذا المنظر! هل يقتل رجلٌ مَنْفي١٥٧ ملِكًا؟ أيقتل الزاني الزوجَ؟ أتَتِ الساعة الخَطِرة، سترى نهايةُ الوليمة دمَ السيد، وسيسقط الدمُ في الخمر. تسلِّمه العباءة القاتلة التي ارتداها إلى حتفه مقيَّدًا بغدر، ترفض الثنيات الواسعة المُحكَمة الإغلاق، خروجَ يدَيه وتكفِّن رأسَه. تطعن يُمنى نصف الرجل المرتعشة جنبَه، ولكنها لم تطعن عميقًا، ويقف وسط الضربة كرجلٍ مذهول، ولكنه كخنزير بريٍّ كثِّ الشعر، يناضل وسط الغابة لتخليصِ نفسِه رغم إحاطة الشبكة به، فيُحكِم بنضاله القيودَ حول نفسه، ويثور دون جدوى، يناضل كي يُبعِد عنه الثنياتِ التي تغشي بصرَه، والملتفَّة حوله من كل جانب. ورغم قيوده المحكَمة، فإنه يحاول الهجوم على عدوِّه. الآن تخطف تونداريس Tyndaris١٥٨ بلطةً ذاتَ حدَّين في ثورة جنونية، وكما يحدِّد الكاهن بعينه أعناقَ الثيران عند المذبح قبل أن يضرب، هكذا أيضًا، تارةً هنا وطورًا هناك، تسدِّد يدُها الآثِمةُ الضربةَ. لقد ناله!١٥٩ وتمت الفِعْلة! يتدلى الرأس الذي يكاد يكون مفصولًا، معلَّقًا بجزء بسيط، ويتدفَّق الدمُ هنا فوق الجذعِ العديم الرأس، وترقد هناك شفتاه المتأوِّهتان. ومع ذلك، فهما لا يكفَّان حتى الآن، إنه يهاجم الرجلَ الخالي من الحياة، ويظل يُقطِّع الجثة، أما هي فتساعده في طعناته. يشبه كلٌّ منهما قريبه في الجريمة؛ فهو ابن ثويستيس، وهي شقيقة هيلين. انظرْنَ! يقف تيتان بعد انتهاء عمل يومه، متردِّدًا؛ أيجري في طريقه أم في طريق ثويستيس.١٦٠

(يبقى بجانب المذبح.)

(تدخل إلكترا تقود أخاها الصغير أوريستيس.)

إلكترا : اهرب، أيها المنتقِم الوحيد لموت والدنا، اهرب وانْجُ من أيدي أعدائنا اللِّئام. تحطَّمَ بيتنا من أساساته، وسقطَت مملكتنا.
ولكن من ذلك الغريب القادم هناك يَسُوق عَرَبتَه بسرعة؟ تعالَ يا أخي، سأخبِّئك تحت ثوبي. لماذا تبتعد، أيها القلب الغبي؟ أتخاف الأغراب؟ إن وطننا هو الذي يجب أن نخافه. كُفَّ عن رَجْفة خوفك الآن يا أوريستيس، إنني أرى حمايةَ صديقٍ موثوقًا بها.

(يدخل ستروفيوس في عَرَبة، يصحبه ابنه بولاديس.)

ستروفيوس : أنا ستروفيوس، غادرتُ فوكيس وسأعود الآن إلى وطني بعد أن مجَّدَتني سعفةُ النخل الإليانية Elea palma. وسببُ مجيئي إلى هنا، هو أنني أريد أن أهنِّئ صديقي الذي سقطَت إيليوم مدحورةً بيده وسحقَتها عشرُ سنواتٍ من الحرب.

(يلاحظ اكتئابَ إلكترا.)

ولكن مَن هذه الواقفة هناك تروي وجهَها الحزين بالدموع، وترتجف خوفًا وقد غمرها الحزن؟ أعرف فيها واحدةً من البيت الملكي. إلكترا! أيُّ سببٍ للحزن يمكن أن يكون في هذا البيت الفَرِح؟
إلكترا : يرقد والدي مقتولًا بجريمة أُمي، وإنهما لَيبحثان عن الابن ليشارِكَ أباه مِيتتَه، وقد تبوَّأ أيجيسثوس العرشَ بالحب الآثِم.
ستروفيوس : يا للأسف! ما من سعادةٍ يَطُول مقامُها.
إلكترا : أستحلِفُك بذِكرى والدي، وبصولجانه المعروف لجميع العالم، وبالآلهة المتقلِّبة،١٦١ أن تأخذ هذا الصبي أوريستيس، وأن تخبِّئ السرقة المقدسة.
ستروفيوس : رغم أن أجاممنون المقتول يحذِّرني أن آخذ الحيطة، فسأواجه الخطر، وبكل سرورٍ سأسرقك يا أوريستيس. ينشد الحظ الحَسَن الثقة، وتقتضيها المحنة.

(يأخذ أوريستيس في العَرَبة.)

خذ هذا التاج،١٦٢ الذي ربحتُه في الألعاب، وزيِّن به رأسَك، وأمسِكْ غصنَ الظافر هذا١٦٣ في يدك اليسرى لتَقِي وجهَك بفرعه العظيم، وعسى أن تمنحَك هذه السعفة، التي هي هدية جوف البيسائي Pisaei Iovis ستارًا في الحال، وفألًا حسنًا. أما أنتَ يا بولاديس، الواقف كرفيق لترشد عَرَبة والِدك، فتعلَّم الثقةَ اقتداءً بأبيك. والآن، يا خيولي، التي شاهَدَت سرعَتها كلُّ بلاد الإغريق،١٦٤ اهربي من هذا المكان الغادر في فرارٍ مباشر.

(يخرجون في سرعةٍ عظيمة.)

إلكترا (تنظر خلفه) : انصرَف، وذهب، واختفت عربتُه بسرعةٍ طائشة من أمام بصري. والآن سأنتظر أعدائي وقد خلوتُ من الهموم، وسأُعرِّض نفسي للموت طائعةً مختارة.

(ترى كلوتايمنسترا مُقبِلة.)

ها هنا قاهرة سيدها القاتلة، ودلائل القتل على ثوبها الملطَّخ بالدم، ولا تزال يداها مضرَّجتَين بدمٍ حديثِ الإهراق، وتتجلى علاماتُ الجريمة في ملامحها الوحشية. سأذهب إلى المذبح. دَعِيني أنضم إلى مناديل رأسكِ١٦٥ يا كاساندرا؛ إذ أخشى مصيرًا مماثِلًا لمصيرك.

(تدخل كلوتايمنسترا.)

كلوتايمنسترا : يا عدوَّة أُمكِ، ويا أيتها البنت العاقَّة المتمردة، بأية عادةٍ تسعين، وأنتِ فتاة، إلى المجتمعات العامة؟
إلكترا : لأنني فتاة، تركتُ بيتَ الزُّنَاة.
كلوتايمنسترا : ومَن يُصدِّقكِ أيتها الفتاة؟
إلكترا : ابنتُكِ!١٦٦
كلوتايمنسترا : كوني أكثر رقةً مع أمكِ.
إلكترا : وهل تُعلِّمينني الصَّلاح؟
كلوتايمنسترا : إن لكِ روحَ الرجال، ذات قلبٍ منتفخ، غير أن المِحَن روَّضَته، وستتعلَّمين القيام بدور المرأة.
إلكترا : إذا قُيِّض لي ألَّا أخطئ، فالسيف يناسِب المرأة.
كلوتايمنسترا : وهل تظنين، أيتها المجنونة، أنكِ نِدٌّ لنا؟
إلكترا : لكما؟! أيُّ أجاممنون آخَر ذلك الذي لكِ؟ تكلَّمي بصفتكِ أرملة، فقد فارَقَ سيدُكِ الحياة.
كلوتايمنسترا : بصفتي ملِكة، سأُوقِف لسانَ البنت العاقَّة غير الخاضع لزِمام. وأمَّا الآن، فأخبريني بسرعة أين ابني؟ أين أخوكِ؟
إلكترا : هو بعيد عن موكيناي.
كلوتايمنسترا : أعِيدي إليَّ ابني الآن.
إلكترا : وأعِيدي إليَّ أبي.
كلوتايمنسترا : أين يختبئ؟
إلكترا : في أمانٍ وسلام، حيث لا يخاف ملِكًا حديثَ الصنع، هذا يكفي لأمٍّ مستقيمة.
كلوتايمنسترا : ولكنه قليل جدًّا لأُمٍّ غاضبة. ستموتين في هذا اليوم.
إلكترا : فَلْيكن هكذا بيدكِ هذه. سأترك المذبحَ إذا سرَّكِ أن تُغمِدي السيف في رقبتي. إنني أُقدِّم لكِ رقبتي، أو إذا أردتِ، كما يذبح الناسُ الشاة، فاقطعي عُنقي، فعُنقي المَحْنِيُّ ينتظر ضربتَكِ. الجريمة جاهزة، فيُمْناك ملطَّخة وملوَّثة بقتل زوج، ويطهِّرها دمي هذا.

(يدخل أيجيسثوس.)

كلوتايمنسترا : أنت شريكي بالتساوي في أخطاري وفي عَرشي. إن ابنتي تُهِين أمَّها في غير ما احترام، وتحافظ على بقاءِ أخيها مختبئًا.
أيجيسثوس : أيتها البنت المجنونة، أمسِكي لسانكِ الشرير عن الكلام، وكُفِّي عن النطق بألفاظٍ لا تروق أُذنَيْ أُمكِ.
إلكترا : أيُصدِر تعليماتٍ فاعلُ الجريمة الشنعاء، ذلك المولود بالإجرام، والذي لا يستطيع أبواه أنفسُهما أن يَذْكرا اسمه؛ ابن شقيقته وحفيد أبيه؟
كلوتايمنسترا : لماذا تتوانى يا أيجيسثوس في ضربِ رأسها الشرير بالسيف؟ دَعْها تقدِّم أخاها في الحال أو حياتَها.
أيجيسثوس : ستقضي حياتها محبوسةً في جُبٍّ صخري مُظلِم، وستَذوق كل صنوف التعذيب، وربما سترضى بأن تُعِيد ذلك الذي خبَّأته. فإذ تغدو عديمةَ الموارد، تتضوَّر جوعًا، ومريضة في الجُب، ومحبوسة في القاذورات، ومترمِّلة قبل أن تتزوَّج، ومَنْفِية، يحتقرها الجميع، ومحرومة من نور النهار؛ عندئذٍ ستخضع لقضائها، ولو بعد فوات الأوان.
إلكترا : امنحني الموت.
أيجيسثوس : لا يجب أن تحتجِّي ضد ما أمنحه، الطاغيةُ غير الماهر هو الذي يُعاقِب بالموت.
إلكترا : وهل هناك أسوأ من الموت؟
أيجيسثوس : نعم، الحياةُ إذا استغرقَت مدةً طويلة في الموت. أبعِدوا هذه الفتاة غير الطبيعية، أيها العبيد، احملوها بعيدًا عن موكيناي، واربطوها بالسلاسل في أقصى أركان المملكة، محبوسة في زنزانة حالكة الظلام، كي تؤدِّب حوائطُ السجن الفتاةَ الصعبة المِرَاس.

(تُجَرُّ إلكترا بعيدًا.)

كلوتايمنسترا (تشير إلى كاساندرا) : أمَّا تلك العروس الأسيرة، معشوقةُ الفِراش الملكي، فستُعاقَب بالموت. جُرُّوها كي تتبعَ الزوجَ الذي سلَبَتني إياه.
كاساندرا : كلَّا، لا تجرُّوني، بل سأتقدَّم مسيرَكم، أُسرِعُ لأكونَ أولَ مَن يحمل الأخبار لقومي الفروجيين؛ عن البحر المكسوِّ بحُطام السفن، وعن اغتصاب موكيناي، وعن قائد الألف قائد [كي يَلْقى مصيرًا مساويًا لويلات طروادة] مقتولًا بهدية امرأة؛ بالزنا، بالخديعة. خذوني بعيدًا، لن أتراجع، بل على العكس، سأشكركم الآن، الآن يلذُّ لي أن أعيش بعد طروادة، إنه حلو.
كلوتايمنسترا : ستموتين أيتها المخلوقة المجنونة.
كاساندرا : سوف يأتيكِ جنون، أنتِ أيضًا.١٦٧

ملحق: تحليل مقارن بين أجاممنون أيسخولوس وأجاممنون سنيكا

(١) الدراما الإغريقية: أجاممنون أيسخولوس

  • المقدمة: يَندب حارسٌ واقف على سقف القصر في أرجوس حظَّه، لما يلاقيه من مَشَقَّة في عمله المنعزِل، ويتمنَّى مجيءَ الوقت الذي تضيء فيه نارُ الإشارة من بعيد خلال ظلام الليل، كي يعرف بهذه الإشارة أن طروادة سقطَت، وأن أجاممنون في طريقه عائدًا إلى وطنه. وفجأةً يرى الضوءَ الذي طالما انتظره، فيقفز صائحًا صيحاتِ الفرح، ويُسرِع كي ينقل الخبرَ إلى الملِكة. وفي الوقت نفسه تَبْدر منه إشاراتٌ قاتمة لما كان يجري بداخل القصر، وما يجب عندئذٍ أن يَحُوطه الكتمان.
  • نشيد دخول الكوروس: ينشد كوروس مكوَّن من اثني عشر عجوزًا أرجوسيًّا أنشودةَ الحرب الطروادية. فيَصِفُون علاماتِ التنبؤ المُفرِحة التي خرج بها الإغريق في حملتهم الانتقامية. ويُبالِغون، بنوعٍ خاص، في التنديد بالحظ العسير الذي أجبَرَ أجاممنون على أن يضحِّي بابنته، ويُفلِتُ من ألسنتهم ذِكْرُ أحد البواعث التي أدَّت إلى مَقتل الملِك نفسِه.
  • الحلقة الأولى: تظهر كلوتايمنسترا في موكب فخم من حاملي المشاعل، وقد جعلت المدينة كلها تبدو في حلل الفرح، بينما يحترق بخورُ القرابين فوق جميع المذابح. يسأل الكوروس عن معنى كل ذلك؛ هل وصلَتها أنباءٌ من طروادة؟ فتُجِيب الملِكة بأنه قد بَلَغتْها أخبار في تلك الليلة نفسها، وتَصِف أخيرًا كيف أضاءَت إشارةُ النيران. وهكذا أخذَت الأخبار تقفز من مرتفعٍ إلى آخَر على طولِ الطريق من طروادة إلى أرجوس.

    «هذه برهان أكيد، وعلامة أخبركم بها الآن؛ إذ أرى سيدي قد أرسلها لي من طروادة.» وتُبدِي أملَها في ألَّا يفعل الظافرون شيئًا يُغضِب الآلهة، وهم في غَمْرة فرحهم، لئلا يَعُوق ذلك عودتَهم سالمين: «عسى أن يَسُود الخير، رغم جميع الصُّدَف المَحُوطة بالشكوك، إذ نلتُ الفرح العظيم.»

    حجبَت كلوتايمنسترا بهذه الألفاظ، تلك الرغباتِ الحقيقيةَ التي كان يَتُوق إليها قلبُها الغادر، وتبيَّن في الوقت ذاته المبدأُ الذي بموجبه سيُصِيب القدَرُ الإغريق.

    تَعمُّ الفرحة أفرادَ الكوروس عندما يسمعون الأخبار التي أذاعَتها كلوتايمنسترا، ويتأهَّبون للتغنِّي بمدح الآلهة، أثناء انصراف الملِكة ومَوْكبها.

  • أنشودة الكوروس الأولى: يتغنَّى الكوروس بمدح زوس Zeus، الذي أرسَلَ علاماتِ غضبه بسبب المَطالِب التي تكتنفها الشكوك، حتى «إن الآلهة لا تهتمُّ بالبشر الذين يَطَئُون نعمةَ الأشياء المقدَّسة تحت أقدامهم.»
    يَصِف الكوروس جريمةَ باريس Paris المخجِلة، وفاجعة مينيلاوس Menelaus الذي اعتُدِي عليه، واستجابة كافة الأغارقة لصيحته عندما طلَبَ الانتقام. غير أن الكوروس، بعد كل هذا، يشكُّ في صِدق هذه الأنباء المُفرِحة، فإذا برسولٍ يدخل حامِلًا أنباءً جديدة.
  • الحلقة الثانية: يَصِف الرسولُ للكوروس قصةَ سقوطِ طروادة بأكملها، عقابًا على جريرة باريس والأمَّة التي قبلَتْه عندَها. وفي الوقت عينه لا ينسى ما أصاب الإغريق من آلامٍ … تدخل كلوتايمنسترا يُحفِّزها ضميرُها الآثِم. فتَأمر الرسول بأن يخبر أجاممنون بالإسراع إلى وطنه، ويحمل إليه احتجاجها على ولائها المطلَق له: «التي لم تكسر ختمًا واحدًا له، طوالَ هذا الوقت الطويل.»

    يردُّ الرسول على أسئلة الكوروس، فيَصِف العاصفةَ العاتية التي حطَّمت الأسطولَ الإغريقي في رحلة العودة إلى الوطن.

  • أنشودة الكوروس الثانية: يُنشِد الكوروس أغنيةً يَصِف فيها هيلين بأنها لعنةٌ على الطرواديين: «السبب المقيت للنضال المقترَن بسفك الدماء.» والآن «عقوبة الفعلة المُخِلَّة بالشرف التي حدثت لصداقة الآلهة، ولزوس.»

    دفعَتْها طروادة، التي تُشبَّه بالرجل الذي يُربِّي شبلَ أسدٍ عديمَ الأذى وهو في غضاضة الإهاب، حتى إذا ما كبر وبلغ جرمه الكامل، «أبدى طبيعةَ آبائه»، وجلب الدمارَ على البيت الذي آواه.

  • الحلقة الثالثة: يُرَى أجاممنون مُقبِلًا في عَرَبته، يتبعه جيشٌ من جنوده وأَسْراه، فيرحِّب به الكوروس ملمِّحًا بإشارةٍ خفية إلى أن الأمور في أرجوس ليست على ما يرام. يتقدَّم أجاممنون بشكر الآلهة على نجاحه وسلامة عودته، ويَعِد بالتحقيق في شئون الوطن، عندما يحين الوقت المناسب.

    تدخل كلوتايمنسترا، وتسترسل في كلامٍ طويل، مرحِّبة بأجاممنون أعظمَ ترحيب، وتَصِف له ما قاسَته من أحزانٍ لطول غيبته وسطَ الأخطار، وتُعلِن وفاءَها المطلق له. وتفسِّر غيابَ أوريستيس بأنها عهدت به إلى ستروفيوس ملِك فوكيس ليُعنى به خلال تلك الأوقات العصيبة. وتختم كلامَها بصلاةٍ غامضة: «أي زوس، أَتْمِم لي جميعَ ما أطلب في صلاتي، وَلْتهتمَّ بالعناية بما ترغب في أن تعمله.»

    بعد أن يشير أجاممنون إلى كاساندرا، إشارةً موجَزة، ويَصِف المعامَلة الطيِّبة التي لاقَتها، يدخل إلى القصر بصُحْبة كلوتايمنسترا.

  • أنشودة الكوروس الثالثة: على الرغم من أن الكوروس يرى بعينَيه أن كل شيءٍ على ما يرام مع أجاممنون، وأنه عاد سالمًا إلى وطنه، يمتلئ إحساسًا بتنبُّؤات مُحزِنة عن شَرٍّ مُقيمٍ لا يستطيع له دَرْءًا.
  • أنشودة الخاتمة: تعود كلوتايمنسترا فتأمر كاساندرا، التي كانت لا تزال واقفةً في عربتها، بأن تنضمَّ إلى بقية العبيد المجتمِعين عند المذبح، غير أن كاساندرا تقف دون حَرَاك، ولا تهتم بكلام الملِكة، التي تنصرف وهي تقول: «لستُ أحتمل عارَ الكلام أكثر من هذا.»

    عند ذلك تنزل كاساندرا من عَرَبتها، وتنخرط في نحيبٍ وحشيٍّ يقطع القلوب، وتتنبَّأ للكوروس بواسطةِ بصيرتها الغريبة، التي تَعْلم الغيب، عن موت أجاممنون على يدي كلوتايمنسترا وأيجيسثوس، كما تتنبَّأ عن الطريقة التي تمَّت بها تلك الميتة … وتتنبَّأ أيضًا بالانتقام المقدَّر لأوريستيس بأن يُنزِله بالقاتِلَين. أمَّا مصيرها هي فواضِح، وتُعلِنه وهي تجتاز البابَ داخِلةً إلى القصر.

    ما هي إلَّا لحظة، حتى يسمع الكوروس صرخةَ موت أجاممنون، وأنه «ضُرِبَ ضربةً قاتلة». فتَخُور عزائمُ أفرادِ الكوروس. ويتباحثون بالإجماع على أفضل ما يجب عليهم فعله. وفي تلك اللحظة تأتي كلوتايمنسترا، بالثياب المخضَّبة بالدماء، يتبعها حرسٌ من الجنود، آتِيةً من القصر … تُرَى جُثَّتا أجاممنون وكاساندرا في داخل القصر من خلال الباب. تعترف الملكة وهي مغتبِطة بمقتل زوجها. يولول الكوروس بالنحيب على أجاممنون، ويتنبَّأ بأن الانتقام سوف ينزل بكلوتايمنسترا، بيْدَ أنها تحتقر نبوءتهم المهدِّدة. وفي النهاية يدخل أيجيسثوس، فيُعلِن أنه الرأسُ المدبِّر لهذا القتل انتقامًا لوالده ثويستيس، من أتريوس والِد أجاممنون، الذي ألحق الظلمَ المرير بثويستيس. فيلعنه الكوروس ويُذكِّره بأن أوريستيس لا يزال على قيد الحياة، وأنه سوف يأخذ بثأر والده.

(٢) تراجيديات سنيكا: أجاممنون سنيكا

  • المقدمة: بينما كان شبح ثويستيس آتيًا من المناطق السفلى، أخذ يتلو بواعثَ هذه المسرحية: كيف أساء أتريوس، والِدُ أجاممنون، معامَلتَه إلى أقصى حد، وكيف وعده وَحْي أبولو Apollo بأن ينتقم له ابنُه أيجيسثوس الذي أنجبَته له ابنته في جماعٍ محرَّم. يعلن ذلك الشبح، أنْ قَدْ آنَ أوانُ أيجيسثوس على القيام بالدور المقدَّر له.
  • نشيد دخول الكوروس: يشكو كوروس مؤلَّفٌ من نساء أرجوس، من تقلُّبات الحظ، ويوصي باستخدام الوسيلةَ الذهبية، كأفضل وسيلة إزاء ذلك.
  • الحلقة الأولى: لما أدركَت كلوتايمنسترا عظيمَ ذنبها، وخافت أن يعاقبها زوجُها عند عودته عقابًا صارمًا، على حياتها في الزنا مع أيجيسثوس، عقدَت النية على مضاعَفة الجريمة بجريمةٍ أخرى، فتقتل أجاممنون بمجرد عودته إلى وطنه. ثم أجبرها على هذا العملِ سلوكُه في مسألةِ ابنتها إيفيجينيا، وعدم وفائه لها أثناء غيابه الطويل، فتحاول المربية عبثًا طوالَ هذا المنظر أن تثنيها عن عزمها.

    إمَّا أن تُذعِن كلوتايمنسترا لنصيحةِ مُربيتها فترجع عن غرضها، وإمَّا أن تتظاهر باعتزام التراجُع لتختبر أيجيسثوس، الذي يدخل في تلك الآونة. وأخيرًا ينسحب المتآمِران ليدبِّرا خطةَ الجريمة التي اعتزما أن يقترفاها.

  • أنشودة الكوروس الأول: يتغنَّى الكوروس بمدح أبولو من أجل النصر في طروادة، كما يتغنَّى بمدح جونو Juno ومينيرفا Minerva وجوف Jove. وفي النهاية يرحِّب الكوروس بقدوم الرسول يوروباتيس Eurybates.
  • الحلقة الثانية: يعلن يوروباتيس قدومَ أجاممنون إلى كلوتايمنسترا. ويَصِف العاصفةَ الفظيعة التي هبَّت على الإغريق أثناء رحلة عودتهم إلى الوطن. وتبعًا لأمر الملِكة، تُعَدُّ الذبائحُ لتُقدَّم إلى الآلهة، كما تُعَدُّ مَأْدبة لأجاممنون الظافر. وأخيرًا تُرَى الأسيرات الطرواديات قادمات، وعلى رأسهن كاساندرا.
  • أنشودة الكوروس الثانية: يُنشِد كوروس الأسيرات الطرواديات قصةَ مصيرِ طروادة وسقوطها، بينما تنتاب كاساندرا نوباتٌ تنبُّئِيَّة، فتُفضِي بنبوءة القضاء المحلِّق فوق أجاممنون.
  • الحلقة الثالثة: يظهر أجاممنون ويقابل كاساندرا فتحذِّره من القضاء المعلن فوق رأسه، ولكنه لا يصدِّقها.
  • أنشودة الكوروس الثالثة: يتغنَّى كوروس نساء أرجوس، بمناسبة سقوط طروادة، بمدح هرقل Hercules، الذي احتاج القدَرُ إلى سِهامه لتدمير طروادة.
  • الخاتمة: إمَّا أن تقف كاساندرا حيث تستطيع أن ترى ما يجري داخل القصر، وإمَّا أن تتكلَّم بقوة التنبؤ فتُفضِي بمَقتل أجاممنون الذي يحدث في الداخل.

    تحثُّ إلكترا أوريستيس على الفرار قبل أن يقتله أيجيسثوس ووالدته. ولحُسْن الحظ يأتي ستروفيوس في عَرَبته، عائدًا لتوِّه بعد فوزه في الألعاب الأوليمبية. فتَعْهد إليه إلكترا بأخيها. أمَّا هي فتحتمي بالمذبح.

    بعد أن تتحدى إلكترا أمَّها وأيجيسثوس، وتهدِّدهما تُجرُّ إلى السجن والتعذيب. وتُقاد كاساندرا إلى القتل.

١  النص الإغريقي يقول: ثلاث «شيشات» Tris Hex، وهي علامة الحظ السعيد.
٢  مَثَل غير معروف الأصل، يُضرَب لوجوب الصمت. ويمكن مقارَنة هذا المَثَل بما ورد في الشذرة ١٧٦: «يحرس لساني مفتاح.»
٣  مينيلاوس وباريس ودايفوبوس Deiphobus.
٤  المعنى الحرفي لهذه الكلمة هو: «عديمة النار» أو «التي لن تحترق». وهذا إشارة مُقنَّعة إلى تضحية أجاممنون بابنته إيفيجينيا، وغضب كلوتايمنسترا، أو إلى خرق باريس لقوانين الضيافة الذي أثار غضبَ زوس.
٥  المعنى الحرفي للعبارة الإغريقية Sumphutos aiwv هو: «الحياة التي نَمَت معي» أو «مدى الحياة»، هنا، «الشيخوخة» كما يفهمها العلماء. قارِن تفسيرَ مسز باربولد Mrs. Barbauld هكذا: «الحياة! لقد كنا معًا زمنًا طويلًا.»
٦  أي اليد اليمنى.
٧  فسَّرَ شارح الحواشي، وتبعه هيرمان Hermann وآخَرون العبارةَ الإغريقية Laginan Gennan على أنها أسلوب متكلَّف لكلمة Lagwon التي يتفق فيها blabenta (قارِن العبارة الإغريقية Pasa genna … dwswn في مسرحية «نساء طروادة» سطر ٥٣١)، ويصير معنى كلمة phermata تبعًا ﻟ «هارتونج» Hartung هو «ذرية أرنب، حمل رَحِمُها المعوَّقة عن طريقها الأخير»؛ وتبعًا لهذه الترجمة، فإن معنى العبارة Loisthiwn Dromwn قد يصبح «طريقها الأخير» (نحو الولادة) أو حتى «مسابَقاتها المُقبِلة».
٨  أبولو، الذي يتوسَّلون إليه كي يمنع أخته أرتيميس من إتمام الجزء السيئ الطالع.
٩  أورانوس Uranus.
١٠  كرونوس Cronus.
١١  اعتاد الإغريق أن يقدِّموا السكائب في نهاية الوليمة: (١) لزوس وهيرا، أو للآلهة الأوليمبية عامة، (٢) للأبطال، (٣) لزوس المخلِّص، وبعد ذلك يأتي النشيد (Paean) الذي تبدأ بعده مناقَشةُ الآراء (Symposium).
١٢  أي الصخرة التي كان يحبها هيرميس؛ رسول الآلهة.
١٣  النص الإغريقي مُشَوَّه هنا.
١٤  اعتُبِر النور الذي أُوقِد فوق جبل إيدا هو البادئ أولًا والمنتهي أخيرًا. أما الضوء الآتي من جبل أراخنايوس فاعتُبِر البادئ أخيرًا والمنتهي أولًا.
١٥  هذه الفقرة التي تُقارَن فيها الحربُ بتاجر الذهب، مليئةٌ بالعبارات ذات المعنيَين: فكلمةُ Palantouchos معناها «ميزان» و«كفَّة الحرب»، وكلمة Purwthen تدل على التبر «المصفَّى» وعلى «حرق» جثث القتلى، وكلمة baru معناها «ثقيل» و«محزن»، وكلمة antenoros بمعنى «ثمن رجل» و«بدل الرجال»، وكلمة Lebetas معناها «جرار» و«قدور جنائزية».
١٦  أيْ تحمل ثيابُه دليلًا من الغبار والطين. قارِنْ هذا بوصف شكسبير للسير ولتر بلنت Sir Walter Blunt (في «هنري الرابع»)، إذ يقول: «ملوَّث بغبار كل أرض بين هولميدون ومَقَرِّنا هذا.»
١٧  الأبطال هم الأرواح المؤلهة لقدامى الملوك، وغيرهم من مشاهير الرجال. وقد وُضِعوا في «المستجيرات» (سطر ٢٥) ضمن القوى السفلى Chthonioi.
١٨  أيْ تماثيل الآلهة القائمة أمام القصر في مواجَهة الشرق.
١٩  فقصص الخير خاصة بالآلهة الأوليمبية. أما قصص الشر فخاصة ﺑ «الإرينويس» Erinyes (ربَّات الانتقام) (سطر ٦٤٥). ويترجم البعض هذه الفقرة بمعنى أن التكريم الواجب للآلهة ينبغي أن يُبعَد عن التلوُّث بذِكْر المَكارِه.
٢٠  «الراعي الشرير» هو العاصفة التي تَسُوق السفن كالأغنام بعيدًا عن طريقها.
٢١  لكلمة Kedos معنى مزدوج: «تخالف زواج» و«حزن».
٢٢  الكناية هنا تشبيه بالخمر المخفَّفة بالماء الكثير.
٢٣  و«دون أن يسمعوا توسُّلاتٍ من اللسان» — كما لو كان الأغارقة والطرواديون يشنُّون الحربَ بالكلام، أمام محكمةٍ بشرية — وإنما ببصيرة إلهية تدرك الأقدار الحقيقية لهذه القضية.
٢٤  الحصان الخشبي.
٢٥  تعتبر هذه الترجمة Homilias Katoptron بمعنى أن المرافَقة تكشف حقيقةَ أخلاق رفقاء الإنسان. وهناك ترجمة أخرى تعتبر Katoptron بمعنى ناقص — وفيها يناقض التشبيهُ الواقع — وتجعل Eidwilon وKatoptron وDokountas في تعارُض.
٢٦  جيرون هذا عملاق يُطلَق عليه هنا «ذو الأجسام الثلاثة»، ولكنه يُسمى عادةً «ذو الثلاثة الرءوس»، الذي طرد هرقل ثيرانَه عن إسبانيا.
٢٧  تدعو كلوتايمنسترا حسد الآلهة بخطابها الفَظ، بينما تتظاهر بأنها تسترحمهم.
٢٨  يفسِّر البعضُ هذه العبارةَ هكذا: «ولا تتذلَّلي إليَّ كما لو كنتُ أحدَ رؤساءِ البرابرة.»
٢٩  أي عندما تُنضِج حرارةُ الصيف العنب.
٣٠  معنى الفقرة الإغريقية (التي لم تُصحَّح تمامًا بصفةٍ مقبولة) هو أن وقتًا طويلًا قد مرَّ منذ أن احتجز غضبُ أرتيميس الأسطولَ الذي تحت إِمْرة أجاممنون، في أوليس، حتى إنه إذا صحَّ تنبؤ كالخاس بالشر، فلا بد أنه قد تمَّ منذ زمنٍ بعيد.
٣١  تجاهلت الصحة حدودها ولم تنفصل عن المرض إلا بخطٍّ فاصلٍ رفيع. والفكرة الكامنة هنا هي أن العلاج لو استُخدِم في الوقت المناسب فقد يُنقِذ الجسد.
٣٢  يُشَبَّه بيت أجاممنون المفعم بالنكبات، بسفينةٍ مشحونةٍ بأكثر مما تستطيع أن تحمل، فإذا لم يُخفَّف عنها جزءٌ من حمولتها، غرقت. ولما كان هناك التباسٌ بين الرمز والمدلول، قيل بجرأةٍ إن domos «تُغرِق هيكلَها».
٣٣  أيسكولابيوس Aesculapius الذي نسَفَته صاعقةُ زوس بسبب هذا الجُرْم.
٣٤  يوقف الأملُ الثائر زيادةَ التعبير عن التنبُّؤات، فبما أن القوى الإلهية تصطدم معًا أحيانًا، فقد يكون بالإمكان منْعُ مصير أجاممنون المنحوس بواسطةِ قضاءٍ أعلى، يأمر بإنقاذه من عواقبِ سفْكِه دمَ إيفيجينيا.
٣٥  احتفظتُ بصورة الاسم في كلٍّ من الإغريقية والعربية.
٣٦  هو هرقل الذي بِيعَ عبدًا إلى أومفالي Omphale ملِكة ليديا Lydia، بسبب قتله إيفيتوس Iphitus.
٣٧  ترى كاساندرا صورة أبولو، الحامي وقتَ الرحلات، بجانب الباب المؤدِّي إلى الطريق.
٣٨  أخذت كلمة Apollwm هنا من Appollumi بمعنى «يهلك» Nomen Omen. أهلَكَها الربُّ في المرة الأولى إذ منَحَها موهبةَ التنبؤ، دونما فائدة (سطر ١٢٠٩ وما بعده)، فصارت بها موضعَ السخرية في طروادة.
٣٩  تلاعُب بالاسم Klutaimnestra (mcdomai).
٤٠  مينيلاوس (قارِن السطرَ ٦٧٤)، أو أوريستيس.
٤١  المعنى الحرفي هو: «التي تستحق الرَّجْم».
٤٢  تعول تلك العندليب (سطر ١١٤٤) دون أن تَعِي معنى عويلها.
٤٣  أي اعتداء ثويستيس على أيروبي Aerope؛ زوجةِ أخيه أتريوس.
٤٤  الأمفيسباينا أفعى خرافية «تتحرك في كلٍّ من الاتجاهَين»؛ إلى الأمام وإلى الخلف. وقال تنيسون Tennyson: «إنها أمفيسباينا، تلدغ بكلا طرفَيْها.» مكرِّرًا بذلك وصف بليني Pliny.
٤٥  أيْ أبولو الساطع بصفته إلهَ الفجر.
٤٦  يفسِّر أوراتوس Auratus الكلمتَين Chronou Plewn بمعنى «أكثر مما للزمن» و«إلا من أجل الزمن».
٤٧  ما من تنقيحٍ عُمِل، حتى الآن لهذه الفقرة المشوَّهة الغامضة، يُمكِن أن نعتمد عليه تمامًا أو نقرظه. فقد تُرجِم النص على أساس قراءة echthrous phoneusin Tous emous، حيث phoneusin من عمل بوث Bothe، وأما الباقي فمنسوبٌ إلى ج. بيرسون J. Pearson.
٤٨  غيَّر بعضُ الناشرين هذه الفقرة إلى Skia tis an Preisthenes بمعنى: «بوسع المرء أن يُشَبِّهها بظل.» ففهموا كلمة «ظل» إما بمعناها الحرفي، أو بمعنى «رَسْم».
٤٩  إذا كان لا بد لأجاممنون الآن من أن يدفع الثمن عن جريمة والده إذ قتل أولاد ثويستيس، ويكفِّر بموته عن قتله إيفيجينيا، فإنه إنما يجازي بذلك آخَرين، بموتَين آخَرين (أيْ موت كلوتايمنسترا وأيجيسثوس).
٥٠  أجاممنون ومينيلاوس.
٥١  من الجلي أن كلمة بلايسثينيداي Pleisthenidae هنا مرادفة لكلمة أتريداي، واشتق هذا الاسم من بلايسثينيس Pleisthenes الذي يقول عنه بورفيري Porphyry في مؤلَّفه «الأسئلة» Questions إنه ابن أتريوس والوالد الحقيقي لأجاممنون ومينيلاوس، وإنه إذ مات صغيرًا وهو يعمل عملًا ماجدًا، قام الجد بتربية هذين الولَدَين، ومن ثَم أطلق عليهما «الأتريداي Atreidae».
٥٢  قد يكون معنى هذا الفراغ: «ووضع فوقها الأجزاء الأخرى. وإذ جلس والدي بعيدًا، أُعطِيَ هذه الصَّحْفة نصيبه من الوليمة.»
٥٣  أُطلِق على المجذفين في السطح السفلي، في السفينة ذات السطحَين، اسم Thalamitai، بينما يُسمَّى مجذِّفو السطح العلوي Zeugitai.
٥٤  لا يُوضَع لحصان جر العربات طَوْق، وإنما يُربَط إلى العربة تحت النير بجانب «العريش».
٥٥  يتذكَّر وليمتَه البَشِعة في نفس ذلك المكان.
٥٦  إكسيون Ixion.
٥٧  عمل سيسوفوس Sisyphus.
٥٨  كبد تيتيوس Tityus.
٥٩  تانتالوس Tantalus.
٦٠  كان قد قتله أبوه تانتالوس وقدَّم جسدَه طعامًا في وليمةٍ للآلهة.
٦١  مينوس.
٦٢  أي ثويستيس.
٦٣  أيْ أن ثويستيس عمل بإرشادِ وحْيٍ قرَّر أنه يستطيع الانتقامَ بهذه الوسيلة من ذُريةِ أتريوس.
٦٤  لن يكون فرعه من الأسرة هو الذي سيقاسي الآلامَ في هذه المرة.
٦٥  هذه السطور والسطور الباقية من هذه الفقرة موجَّهة إلى أيجيسثوس، كما لو كان حاضرًا.
٦٦  أيْ أن مجموعات النجوم الشمالية لا تغرب قطُّ وراء البحر.
٦٧  أيْ يقوم بها أحدُ أفراد البيت الملكي ضد فردٍ آخَر.
٦٨  ميديا Medea.
٦٩  أو هيلينا Helen.
٧٠  من انتقام أجاممنون.
٧١  من كاساندرا.
٧٢  أي ضد الشهوة.
٧٣  أي العقوبة.
٧٤  إيفيجينيا Iphidenia.
٧٥  أجاممنون.
٧٦  خروسيس Chryses، والد خروسايس Chryseis.
٧٧  كاساندرا، معشوقته الثانية.
٧٨  كالخاس Calchas.
٧٩  أيْ أن أجاممنون صدَّقه عندما طلب موت إيفيجينيا، ولم يصدِّقه عندما طلب إعادة بريسايس Briseis.
٨٠  بريسايس.
٨١  كاساندرا.
٨٢  أيْ يجب أن أنتقم من أجاممنون قبل أن ينتقم مني.
٨٣  أيْ أجاكس بن تيلامون Telamon، وليس أجاكس بن أويليوس Oileus المسمَّى «أجاكس الأصغر Ajax The Less».
٨٤  تحوَّل إلى بجعة بيضاء كالثلج.
٨٥  أيْ أن الانتقام لموت أجاممنون سيكون بنفس فظاعة الانتقام لفِعلة هيلين.
٨٦  أيْ سقوط طروادة.
٨٧  كاساندرا.
٨٨  أبولو.
٨٩  أي أنه في حالة مينيلاوس، لم يكن قلبه قد قسا ضد زوجته بدافع حب معشوقة أخرى، كما هي الحال مع أجاممنون.
٩٠  أيْ بيتك. حجبَت الشمس وجهَها في الظلام أثناء وليمةِ ثويستيس البَشِعة، كيلا ترى.
٩١  Matris Gyraiae.
٩٢  ديانا Diana.
٩٣  ديانا.
٩٤  نيوبي Niobe.
٩٥  فويبوس وفويبي Phoebe (ديانا).
٩٦  هيلين.
٩٧  أيْ عَرَبة أخيل Achilles التي جرَّت جثةَ هكتور.
٩٨  قُتل برياموس عند مذبح جوف الهرقياني (أيْ حامي الفناء Zeus Erkcios) في فناء قصره.
٩٩  أطلق على الدلفين هذا الاسم تخليدًا لذكرى قراصنة تورهيني Tyrrhene الذين حوَّلهم باكخوص Bacchus في غضبه، إلى دلافنة. انظر «أوديبوس Oedipus، سطر ٤٤٩ وما بعده».
١٠٠  هذه إحدى علامات الطقس العديدة.
١٠١  كثبان قليلة الارتفاع من الرمال فوق شاطئ أفريقيا الشمالي.
١٠٢  كانوا يعتقدون أن كل موجة عاشرة أشد الأمواج عُتُوًّا وأفظعها تدميرًا.
١٠٣  أيْ بسلام. فالمقابَلة هنا بين القوم الجنباء الذين اجتازوا البحر بسلام، وبين الشجعان الذين قُدِّر لهم أن يموتوا فيه، ويُلقوا بأرواحهم إلى غير رجعة.
١٠٤  أيْ أن الطرواديين الذين أُرسِلت العاصفة على الإغريق بسببهم، تبعًا للمفروض هنا.
١٠٥  أخذت مينرفا Minerva رأسَ الجورجونة المفزع من بيرسيوس، ووضعَته في صرة ترسها (الأيجيس Aegis).
١٠٦  أيْ أجاكس «الأصغر minor» ابن أويليوس Oileus، يذكِّرنا هذا المنظر بإنياذة فرجيل (الكتاب الأول، سطر ٤١ وما بعده).
١٠٧  من الجلي أن أجاكس كان سيُكمِل كلامه بقوله: «صاعقته، وعندئذٍ لن أخاف.»
١٠٨  أيْ بالنساء اللواتي قتلن جميعَ أزواجهن ما عدا هوبسيبولي Hypsipyle التي أنقذت أباها ثواس Thoas.
١٠٩  باتروكلوس Patroclus.
١١٠  أيْ على موت باتروكلوس.
١١١  أيْ بخدعة الحصان الخشبي.
١١٢  أيْ ضد أجاممنون.
١١٣  يمكن مقارَنة كل وصفٍ جاء بهذه الفقرة بالوصف الذي أورده فرجيل في إنياذته، وخصوصًا بالكتاب الثاني سطر ٢٣٩.
١١٤  بولوكسينا.
١١٥  الذي تحوَّلت إليه فيلوميلا Philomela.
١١٦  الخطاف hirundo الذي تحوَّلت بروكني Procne إلى صورته.
١١٧  يقصد بكوكنوس هنا «ذَكَر البجع»، وليس ابن نبتونوس الذي قتله أخيل، ثم تحوَّل إلى بجعة.
١١٨  كهنة كوبيلي Cybele.
١١٩  كوبيلي.
١٢٠  قُتل كلٌّ من أخيها بوليتيس Polites، وأبيها برياموس عند مذبح جوف الهرقياني. انظر الإنياذة، الكتاب الثاني، سطر ٥٢٦ وما بعده.
١٢١  قُتِلت بولوكسينا على قبر أخيل.
١٢٢  أيْ تحوَّلت إلى كلبة.
١٢٣  لا توجد بين هذه الألفاظ وبين العبارات السابقة أيةُ علاقة منطقية، وإنما هي تلميح غامض إلى أيجيسثوس.
١٢٤  كُشِف أمام بصيرتها عن الفِعلة التي تنوي كلوتايمنسترا أن تقوم بها.
١٢٥  Ferrum Amazonium.
١٢٦  Marmaricus leo.
١٢٧  انظر إنياذة فرجيل، الكتاب السادس، سطر ٤٩٤ وما بعده.
١٢٨  أيْ هيلين.
١٢٩  أيْ روحها وروح أجاممنون.
١٣٠  إذا كان سنيكا قد كتب السطور ٧٦٦–٧٦٨، فإما أن كانت في ذهنه إشارة معينة غير معروفة لنا، وإما أنه قصد مجرد إضافة تفاصيل بَشِعة إلى الصورة.
١٣١  تانتالوس.
١٣٢  أي موت أجاممنون، ابن حفيد تانتالوس.
١٣٣  أي كاساندرا.
١٣٤  انظر إنياذة فرجيل، أنشودة ٢، سطر ٢٤٩.
١٣٥  قُتل برياموس عند مذبح جوف الهرقياني (انظر الإنياذة: الكتاب الثاني، سطر ٥١٢ وما بعده).
١٣٦  أي امرأة شريرة زانية مثل هيلين. لم تكن هيلين في بلاد الإغريق وقتذاك. ومن الجلي أن الكلام هنا يشير إلى كلوتايمنسترا.
١٣٧  المعتقد أن كاساندرا كانت لا تزال تحت نفوذ أبولو.
١٣٨  Arabumque donis؛ أي البخور.
١٣٩  أي لدى جونو التي يثيرها باستمرار أبناء معشوقات جوف.
١٤٠  شرح فارنابيوس Varnabius هذه الحقيقة الغريبة هكذا: أضاف تأليه هرقل (الذي وافَقَت عليه جونو أخيرًا)، إلهًا إلى عدد الآلهة، ليس عدد الآلهة العظام الذين كانوا اثني عشر، وإنما عدد آلهة الدرجة الثانية (diis Communibus)، الذين كانوا ثلاثة: مارس، وبيلونا Bellona وفيكتوريا، فجعل عددهم أربعة، أيْ زوجيًّا بعد أن كان فرديًّا.
١٤١  أي من أجل ولادته. انظر مسرحية «جنون هرقل Hercules Furens»، السطور ٢٤ و١١٥٨.
١٤٢  أيْ أنه يُسمى أحيانًا لوكيفير Lucifer، وأحيانًا أخرى هيسبيروس، تبعًا لما إذا كان نجم صباح أو مساء.
١٤٣  تيثونوس Tithonus.
١٤٤  الخنزير الإيرومانثي Erymanthian.
١٤٥  كان من طبيعة الهودرا، أنه كلما قُطع منها رأس، نبت مكانه اثنان.
١٤٦  Geminosque fratres إشارة إلى الرجل المتوحش جيريون Geryon؛ إذ إن لفظة geminos هنا ترادف trigeminos.
١٤٧  Threicium gregem خيول ديوميديس Diomedes، طاغية تراقيا Thrace، التي تتغذى على لحوم البشر.
١٤٨  Fuminis Hebrive.
١٤٩  أي أن هرقل قدَّمَ ديوميديس لخيوله لكي تلتهمه.
١٥٠  الزنار الذهبي الشهير.
١٥١  التنين المخصص لحراسة التفاح الذهبي.
١٥٢  في عهد لاوميدون Laomedon.
١٥٣  ساعَدَت سِهام هرقل، في أيدي فيلوكتيتيس Philoctetes على سقوط طروادة في سقطتها الأخيرة إبَّان حكم برياموس.
١٥٤  إما أنها وقفت في المكان الذي يمكنها منه أن ترى داخل القصر، وتصف ما يدور بالداخل، أو أنها رأت ذلك بقوة موهبة الكشف عن بصيرتها.
١٥٥  Octro Iliaco.
١٥٦  أجاممنون.
١٥٧  أيجيسثوس.
١٥٨  أي كلوتايمنسترا، ابنة تونداريوس Tyndareus.
١٥٩  أي الجرح. استُعِير هذا التركيب (habet) من مباريات التجالد.
١٦٠  أي إلى الخلف كما حدث في مناسبة وليمة ثويستيس على أبنائه، هو نفسه.
١٦١  الذين قد يجلبون السقوط السريع عليك أيضًا.
١٦٢  إكليل من أغصان الزيتون.
١٦٣  من سعف النخل.
١٦٤  في الألعاب الأوليمبية.
١٦٥  أيْ دعيني أنضمُّ إلى تلك التي وضعت المناديل المقدَّسة على رأسها، واتخذت من ذبح الآلهة مَلاذًا يحميها.
١٦٦  أيْ لا أحد، بكل تأكيد؛ إذ إنني ابنتكِ.
١٦٧  تشير إلى جنون أوريستيس الذي سوف يقتل كُلًّا من أيجيسثوس وكلوتايمنسترا، فيما بعدُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤