الخاتمة

إلى هنا انتهى بحوله تعالى ما توفقتُ إلى جمعه من فهارس الجرائد والمجلات العربية التي ظهرت في الخافقَين قديمًا وحديثًا؛ ذلك ثمرة جهادٍ شاق طويت لأجله الشطر الأوفر من حياتي بين المطالعة والمراجعة والتنقيب، ويطيب لي الآن أن أقدم للخاصة والعامة نتيجة أبحاثي في هذه الحقبة الطويلة التي صرفتها في الدرس والكتابة والمراسلة بلا أدنى كلال؛ لأني كنت أجد في هذا العمل لذتي وبهجتي وفائدتي.

فأرفع آيات الحمد للعزة الصمدانية التي قيضت لي بلوغ هذه الأمنية في سبيل خدمة الصحافة والعلم والتاريخ؛ لأن مؤلَّفي جاء موسوعةً غنية بفوائدها جديرة بثقة المؤرخين واهتمام الباحثين، وهي تشتمل على كل ما ظهر في لغتنا الشريفة من الصحف مع أسماء منشئيها وتواريخ صدورها ومراكز نشرها في أقطار الشرق والغرب مذ تكوين الصحافة حتى نهاية السنة ١٩٢٩، هكذا يتسنى بعد الآن لحملة الأقلام أن يستندوا إلى هذه المراجع الراهنة في أبحاثهم عن الصحافة العربية وعن آداب مزاوليها وتطور أحوالهم السياسية والعلمية والاجتماعية عصرًا بعد عصر.

وقد بلغ مجموع الصحف مذ ظهور أول جريدةٍ عربية عام ١٨٠٠ حتى نهاية عام ١٩٢٩ (أي أثناء مائة وثلاثين عامًا) ثلاثة آلاف وثلاثًا وعشرين صحيفة، وقد سردت عناوينها بالأمانة والتفصيل كما يتأكد للقارئ اللبيب من مطالعة شتى الفهارس في مختلف البلدان، ومن المحتمل أن يكون قد فاتني ذكر بعض صحفٍ ما توقفت إلى إحرازها أو الوقوف على أسمائها بالرغم من أبحاثي الدقيقة ومراسلاتي المتواترة، فألتمس المعذرة لأن العذر من شيم الكرام والعصمة والكمال للإله المتعال.

ومن دواعي الافتخار أن القطر المصري كان سباقًا في مضمار الصحافة العربية إلى نشر الجريدتَين الأُوليَين اللتين قرأهما أبناء الضاد وهما: جريدة «التنبيه» صدرت بتاريخ ٦ كانون الأول ١٨٠٠ في الإسكندرية بعناية جيش الاحتلال الفرنسي، وجريدة «الوقائع المصرية» ظهرت بتاريخ ٣ كانون الأول ١٨٢٨ في القاهرة بأمر محمد علي باشا رأس العترة المالكة، ويعتبر وادي النيل في مقدمة جميع الأقطار من حيث وفرة عدد النشرات الدورية التي أنشأها المصريون في كل فن وبحث ومطلب، وإذا جاز لنا أن نقيس عدد الصحف المصرية بسائر الصحف العربية في العالم ألفينا القطر المصري من هذا القبيل يضارع بالتقريب مجموع بقية البلدان؛ لأنه وحده يشتمل على ١٣٩٨ صحيفة يقابلها ١٦٢٥ صحيفة في سائر الأمصار شرقًا وغربًا كما أوضحنا ذلك وكما سيتضح أيضًا في الإحصاءات التي سنأتي على ذكرها.

لكننا إذا اعتبرنا عدد الصحف في كل دولة بنسبة عدد سكانها ومساحة أرضها؛ فيكون لبنان أسبق جميع البلدان في ميدان الصحافة العربية؛ فإنه يحوي من السكان ثمانمائة وخمسين ألف نسمة طبقًا لإحصاء سنة ١٩٣٢، ومن الصحف أربعمائة وستًّا وعشرين صحيفة؛ أي أن لكل ألفَي نسمة صحيفةً واحدة في الجمهورية اللبنانية، بينما نرى غيرها من كبريات الدول العربية تُصيب فيها الجريدة الواحدة نحوًا من ستمائة ألف نسمة، يدل ذلك على ثقافة أبناء لبنان ومبلغ اهتمامهم بلغة عدنان وانصرافهم إلى تعزيزها على رغم تفشي اللغات الأوروبية في هذه البقعة الصغيرة من الديار الشامية.

ولما كنت قد أنجزت طبع الفهارس برمَّتها لم أرَ بدًّا من أن أردفها بإحصاءاتٍ مفيدة يتوق إلى مطالعتها كل صحافي ومؤرخ وباحث وأديب؛ لأنها تميط اللثام عن أمورٍ كثيرة تتعلق بصحافتنا كان يجهلها أبناء الضاد وعلماء الاستشراق من هواة العتائق والآثار، وليست غايتي من ذلك كله سوى تعزيز المعارف وتنشيط الأمة العربية في نهضتها الحديثة حتى تصبح في مستوًى واحدٍ مع سائر الأمم الراقية، وهذه الإحصاءات التي ألمعت إليها خليقة بالاعتبار وهي تنطوي على المواضيع التالية:
  • أولا: إحصاء عام للجرائد والمجلات العربية في كل بلد من البلدان شرقًا وغربًا مذ تكوين الصحافة حتى نهاية السنة ١٩٢٩.
  • ثانيًا: إحصاءٌ إجماليٌّ مبنيٌّ على التسلسل العددي لجميع الصحف العربية في خمسة أقطار المسكونة حتى نهاية سنة ١٩٢٩.
  • ثالثًا: إحصاءٌ إجمالي أساسه التسلسل الدولي بالنسبة إلى عدد الصحف العربية في الخافقَين مذ تكوين الصحافة العربية عام ١٨٠٠ حتى سلخ السنة ١٩٢٩.
  • رابعًا: إحصاءٌ إجمالي أساسه التسلسل العددي للصحف العربية في عواصم الدول وشهيرات المدن.
  • خامسًا: إحصاءٌ إجمالي لمنشئي الصحف العربية تبعا لأديانهم١ مذ تكوين الصحافة العربية عام ١٨٠٠ لغاية عام ١٩٢٩.

وفي الختام أنبِّه القراء الكرام إلى أني قدمت نشر الجزء الرابع على الجزء الثالث اضطرارًا، وسأنشر الجزء الثالث في أقرب وقت وأردفه بسائر الأجزاء التي نجز تأليفها حتى الجزء الثاني عشر، فأرجو من المؤرخين وذوي البحث أن يؤازروني بأدعيتهم ويمدوني بآرائهم ريثما يتم هذا العمل المفيد الذي قمت به خدمة للأمة والعلم، وإعلاء لشأن الصحافة والصحافيين.

١  أحصينا في هذا البيان عدد الصحافيين التابعين لكل من الأديان الثلاثة الكبرى ذات الكتب المنزلة وهي: الإسرائيلية والمسيحية والإسلامية؛ لأنها الأديان الرئيسية التي ينتمي إليها الصحافيون الناطقون بالضاد في جميع البلاد، وقد أهملنا فروع تلك الأديان حبًّا للاختصار؛ إذ اعتبرنا أتباع الفروع داخلين حتمًا في عداد الأصول. نقدم مثلًا على ذلك منشئي الصحف من الدروز؛ فإننا أحصيناهم في الدين الإسلامي، وإن كانوا يؤلفون فرقةً مستقلة في شرعها ومرجعها الديني، وقس عليهم الموارنة واليعاقبة والنساطرة والملكيين والأقباط والبروتستانت وغيرهم ممن تجمعهم الديانة المسيحية، وإن حرم أحدهم الآخر في بعض العقائد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤