مقدمة

ما كاد يصدر الجزآن الأول والثاني من تاريخ الصحافة العربية حتى أقبل على مطالعته علماء التاريخ وأرباب النهضة الأدبية من كل ناحية، فكان ذلك منشطًا لي على مثابرة القيام بهذا المشروع المفيد، بل أنساني ما بذلته في سبيله من المشاق الكثيرة والمعدات الوافرة والنفقات العظيمة والوقت الطائل مما لا يعلمه إلا الذين يعانونه.

لا يعرف الشوقَ إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها

وقد أفاضت صحف الأخبار والمجلات العلمية شرقًا وغربًا في إطرائه وبيان محاسنه وإظهار فوائده بعبارات أطلقت لساني بالشكر والثناء، ذلك فضلًا عن التقاريظ الشعرية والنثرية التي امتدحه بها فطاحل الشعراء ومشاهير حملة الأقلام من الناطقين بالضاد ما لو قصدت جمعه لتألَّف من ذلك كتاب مستقل بذاته، مع أن كل ما صدر حتى الآن لا يُعدُّ إلا زاوية في البنيان الذي يجب أن يشيده المؤرخ لصحافتنا الشريفة. وكما أن صحفنا العربية نقلت عنه فصولًا طويلة كذلك المستشرقون في أوروبا أنزلوه منزلة الاعتبار، وفسحوا لمديحه مجالًا في مجلاتهم العلمية ووضعوه بين أيدي تلامذتهم، وقد أخذ أحدهم في مدينة برلين يترجمه إلى اللغة الألمانية لفائدة بني جنسه المولَعين بدرس الآداب العربية.

تكلمت في الجزء الأول عن الحقبة الأولى (١٧٩٩–١٨٦٩) من تاريخ الصحافة العربية، وباشرت في الجزء الثاني أن أبحث عن الحقبة الثانية (١٨٦٩–١٨٩٢) فأوردت منها أخبار الصحافة العثمانية وصحافة أوروبا فقط، ولم يبقَ منها سوى ما يتعلق بشمال أفريقيا والهند وسائر الأقطار التي يدور عليها بحثنا الآن.

لما أقدمت على العمل في البداية شعرت بنفسي أهمية الموضوع وصعوبة مسالكه وكثرة ما يحول دون القيام به من العقبات، ولكن ما لاقيته من تنشيط أرباب هذه المهنة الجليلة حملني على مواصلة السعي لإتمام مشروعي الكبير رغمًا من الخسائر المادية التي لحقت به؛ لأن المصلحة العامة تعلو على المصلحة الخاصة، والمنافع المعنوية لا يلزم أن تقف في سبيلها العوائق المادية، ولي ملء الثقة بالصحافيين الكرام أنهم ينظرون بعين الرضى إلى هذا الأثر الذي يُخلِّد مآثرهم وأخبار صحفهم لإعلاء منار الأدب وتهذيب الأخلاق وإسعاد حال البلاد العربية وترقِّيها في معارج الحضارة، والله الموفق إلى الصواب في البدء والمآب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤