مؤرخو الصحافة العربية
-
(١)
لما كانت الصحافة العربية حديثة العهد لم يقم أحد بين الكتبة تحرَّى البحث عن تاريخها سوى في الآونة المتأخرة، وأول من شمَّر عن ساعد الجد لطرق هذا الباب كان هنري غلياردو قنصل فرنسا سابقًا في حيفا ونزيل بيروت حالًا، فإنه أثناء وجوده في منصب ترجمان لقنصلية دولته في القاهرة سنة ١٨٨٤م وضع تقريرًا مسهبًا في اللغة الفرنسية يتضمن تاريخ الصحف العربية التي تُنشر حينئذٍ في وادي النيل، ثم أضاف إلى أخبار كل جريدة ترجمة صاحبها وأمياله السياسية وأغراضه الذاتية. ولهذا التقرير نسختان مخطوطتان إحداهما في خزائن الوزارة الخارجية في باريز والثانية في الوكالة الإفرنسية بعاصمة الخديوية المصرية. هكذا أُتيح لأمة الفرنسيس أن يكون السبق لأحد أبنائها في وضع زاوية البنيان لتاريخ الصحافة العربية، كما أُتيح لها أن يكون تأسيس باكورة الصحف العربية على يد أحد أبطالها العظام الإمبراطور نابليون الكبير.
-
(٢)
أما أول الذين كتبوا بعده أخبار الصحافة من الناطقين بالضاد فكان جرجي زيدان الذي أنشأ مقالة ذات ثماني صفحات سماها «الجرائد العربية في العالم» ثم نشرها في العدد الأول للسنة الأولى من مجلة الهلال. وبعدما تكلم باختصار عن هذا الموضوع سرد أسماء الجرائد والمجلات التي ظهرت إلى سنة ١٨٩٢م، فبلغ مجموعها على روايته مائةً وسبعًا وأربعين صحيفة، ولولا حرصه على إحياء ذكرها لدخل كثير منها في خبر كان، وطمس عليها الزمان، وباتت في زوايا النسيان. غير أنه مع شدة تدقيقه فاتته أسماء صحفٍ شتى، إما سهوًا وإما لعدم وقوفه عليها؛ لقلة عناية الشرقيين قبله وعدم اهتمامهم بصيانة آثار الأقدمين، وذكر بعض جرائد لم نعرف لها اسمًا ولا رسمًا بين الصحف العربية كجريدة «تلمسان» في مدينة تلمسان من أعمال الجزائر، وإنما توجد جريدةٌ فرنسية لا عربية بهذا العنوان كما أفادنا أكثر من واحد من علماء تلمسان الخبيرين ولدينا نسخة منها. ثم ألَّف سنة ١٩١٠م نبذةً أخرى أوسع من الأولى عنوانها «تاريخ النهضة الصحافية في اللغة العربية»، وطبعها في الجزء الثامن للسنة الثامنة عشرة من مجلته المذكورة، وهنا أسهب الكاتب في البحث عن هذا الموضوع لا سيما فيما يتعلق بالصحافة المصرية التي نالت المقام الأعلى بين رصيفاتها في سائر الأقطار. وقد روى أن عدد الجرائد العربية التي صدرت في العالم من أول عهد الصحافة إلى ظهور المقالة المذكورة بلغ نحو ستمائة صحيفة، والحال أنها تبلغ أكثر من ضعفَي هذا العدد، كما يتضح من جدول الصحف في آخر كل جزء من هذا الكتاب. فكفى منشئ الهلال فخرًا أنه فتح السبيل لغيره لأجل التفتيش عن عتائق الصحافة ومهَّد لهم طريق معرفة أخبارها، ونحن أول من يعترف بفضله الواسع، ويُثني على حماسته العظيمة لإعلاء شأن الأدب وخدمة لسان العرب، كما سنبينه في المجلد الثاني من هذا الكتاب.
-
(٣)
وفي ١٣ آذار ١٨٩٣م نشر محمد كامل البحيري في العدد الأول من جريدته «طرابلس» نبذة ذات ثلاثة أعمدة ونيف، سرد فيها تاريخ نشأة الجرائد وفوائدها وعددها في العالم، فلما أتى على ذكر الصحف العربية منها جعل «حديقة الأخبار» في بيروت وجريدة «الرائد التونسي» في تونس أقدمهما عهدًا، مع أن الأولى تُحسب ثامنة الجرائد والأخرى تُعد الثانية عشرة بالنسبة إلى عدد الصحف التي أنشئت قبل كليهما وهي: أولًا «الحوادث اليومية»، ثانيًا «الوقائع المصرية»، ثالثًا «المبشر»، رابعًا «مجموع فوائد»، خامسًا «أعمال الجمعية السورية»، سادسًا «مرآة الأحوال»، سابعًا «السلطنة»، ثامنًا «حديقة الأخبار»، تاسعًا «عطارد»، عاشرًا «برجيس باريس»، حادي عشر «الجوائب»، ثاني عشر «الرائد التونسي»، ثم روى أن عدد الجرائد العربية التي صدرت إلى التاريخ المذكور يُقارب الأربعين، والحال أنه أكثر من ذلك بأضعاف بحيث كان يناهز المائتين بكل تأكيد.
-
(٤)
ونشر عبد الله الأنصاري أستاذ اللغة العربية في دار العلوم الخديوية بالقاهرة سنة ١٣١٢ هجرية/١٨٩٣م كتاب «جامع التصانيف المصرية الحديثة من سنة ١٣٠١ إلى سنة ١٣١٠ هجرية» في ٧٦ صفحة، فخصص منها تسع صفحات للصحف العربية التي نشأت في المدة المذكورة، كما أورد المستعرب مرتين هرتمان في كتابه The Arabic Press Of Egypt الذي سيأتي ذكره. غير أننا لم نطلع على كتاب الأنصاري لنبدي رأينا فيه.
-
(٥)
وفي فاتحة سنة ١٨٩٥م أصدر نجيب غرغور في الإسكندرية مجلة «العام الجديد» مستترًا تحت اسم «حاجب فضلي» وضمَّنها تاريخ أهم الجرائد المصرية مع تراجم أصحابها ورسومهم في إحدى عشرة صفحة، فجاء عمله المفيد فريدًا بل مبتكرًا في بابه، ثم كتب في ٢ كانون الثاني ١٩١٠م مقالةً ذات اثني عشر عمودًا عنوانها «الصحافة في ثلاثين عامًا» ونشرها على صفحات جريدة «الاتحاد المصري» بمناسبة دخولها في السنة الثلاثين من عمرها، وقد أورد فيها أخبار أهم الصحف التي برزت في مدينة الإسكندرية في الحقبة المذكورة، ثم ختمها بسرد أسماء الصحف التي أنشأها باسمه أو باسمٍ مستعار أو بالاشتراك مع غيره، وقد بلغ عددها تسع صحف بين جريدة ومجلة.
-
(٦)
وفي السنة ذاتها عوَّل ديمتري نقولا الدمشقي صاحب مجلة «الفكاهة» سابقًا في القاهرة على وضع تاريخ الصحافة، فاعتنى أولًا بجمع آثار الصحف العربية التي صدرت منذ نشأتها إلى ذاك التاريخ تمهيدًا للمشروع المذكور، فتوفَّق باجتهاده للحصول على أكثر الصحف القديمة والحديثة من أطراف الشرق والغرب، وما كاد يباشر العمل حتى اضطر إلى تركه لموانعَ خاصة، فكان ذلك داعيًا لأسف الأدباء الذين يعهدون بالعالم المشار إليه مقدرةً وكفاءةً لمثل هذا العمل الخطير.
-
(٧)
وفي السنة التابعة ظهر إعلان بتوقيع حكمت شريف باشكاتب المجلس البلدي في طرابلس الشام سابقًا ومنشئ جريدة «الرغائب» حالًا ينبئ بأنه باشر تأليف كتاب «الخرائد في الجرائد» خدمةً للآداب العربية وللهيئة الاجتماعية، وكان في نيته أن يجمع أسماء الصحف العربية والتركية والفارسية على ترتيب حروف المعجم، وقد كتب لنا أنه ضرب صفحًا عن متابعة العمل؛ لما كان يحول دون ذلك من المصاعب الجمة في عهد الاستبداد الحميدي.
-
(٨)
وسنة ١٨٩٩م نشر الدكتور مرتين هرتمان أستاذ اللغات الشرقية والآداب الإسلامية في برلين كتابًا سماه The Arabic Press Of Egypt في اللغة الإنكليزية، وضمنه تاريخ الصحافة المصرية حتى السنة المذكورة في ٩٤ صفحة بدقة يُشكر عليها، فبلغ عدد الصحف التي وصفها ١٦٨ بين جريدة ومجلة، قد استند في أكثرها إلى ما وقف عليه من المجاميع المحفوظة في دار الكتب الخديوية؛ ولذلك فاته ذكر جانبٍ كبير من الصحف التي لا أثر لها في المكتبة المشار إليها كما هو معلوم ولا في غيرها، وهذا النقص لا يقلِّل شيئًا من قدر الكتاب ولا يحطُّ من منزلة مؤلِّفه، وقد انتقده جرجي زيدان في مجلة «الهلال» مبينًا ما فيه من الحسنات والسيئات بما لا يوصف من العدل.
-
(٩)
وبتاريخ ٢٦ حزيران ١٨٩٧م نشر ميخائيل بن أنطون صقال الحلبي في مجلة «الأجيال» بالقاهرة مقالةً ذات أربع صفحات ضمَّنها وصف «الصحافة في القطر المصري» لذاك العهد بكل اختصار، ثم ألحقها بجدول يحتوي على أسماء الجرائد والمجلات وقسمها بحسب مواضيعها فبلغ عددها ٤٩ صحيفة، ورغمًا من كثرة اجتهاده فقد فاته ذكر بعض الجرائد إما سهوًا وإما لعدم وقوفه عليها، وأخطأ في تاريخ ظهور بعض الصحف كجريدة «الرائد المصري» التي جعل تأسيسها سنة ١٨٩٧م بدلًا من سنة ١٨٩٦م، والمؤيد سنة ١٨٩٠م بدلًا من ١٨٨٩م، والوطن سنة ١٨٧٨م بدلًا من ١٨٧٧م، والمحروسة سنة ١٨٧٧م بدلًا من ١٨٨٠م، والمقتطف سنة ١٨٧٧م بدلًا من ١٨٧٦م، والفلاح سنة ١٨٨٨م بدلًا من ١٨٨٥م، والفردوس سنة ١٨٩٨م بدلًا من ١٨٩٦م، والتوفيق سنة ١٨٩٦م بدلًا من ١٨٩٧م.
-
(١٠)
وقام بعده المستشرق الفرنسي أكليمنت هوار Clèment Huart ونشر سنة ١٩٠٢م كتابًا سماه Littèrature Arabe وأودعه فصلًا عن تاريخ الصحافة العربية عمومًا في سبع صفحات، فأصاب المرمى في جميع مباحثه كرجلٍ عاش بيننا واختبر أحوالنا ووقف على أسرار لغتنا وآدابنا.
-
(١١)
وفي السنة ذاتها ظهر في مدينة سان باولو من أعمال البرازيل كتاب «التحفة العامية» بقلم شكري الخوري صاحب جريدة أبو الهول المستتر تحت اسم «زيد» كما يتضح من الكتابة المطبوعة في أسفل رسم المؤلف، وفي آخره نبذة عنوانها «جرائدنا في البرازيل» تتضمن أخبار الصحف التي ظهرت في هذه البلاد من عام ١٨٩٦م مع أسماء أصحابها ومحرريها ورسومهم، وهي عبارة عن اثنتي عشرة صفحة بقطعٍ صغير.
-
(١٢)
وللمستعرب الفرنسي السيد ميرنت Mirante مدير جريدة «المبشر» الجزائرية نبذة عنوانها La Presse Pèriodique Arabe نشرها سنة ١٩٠٥م في الجزء الثالث من كتاب Actes du Xlve Congrès International des Orientalistes، إلا أننا لم نتوفق للوقوف عليه.
-
(١٣)
وللأب لويس شيخو اليسوعي منشئ مجلة «المشرق» كلامٌ مفيد عن الصحافة وعن تاريخ أشهر الصحافيين في كتابه المسمى «الآداب العربية في القرن التاسع عشر» حيث روى أمورًا متفرقة لم يروِها الذين سبقوه في هذا المضمار، غير أن مباحثه لا تتناول موضوع الصحافة بوجهٍ خاص، بل تشمل الكلام عن الآداب والأدباء بين الناطقين بالضاد في جميع البلاد.
-
(١٤)
وفي ١٠ كانون الثاني ١٩٠٧م كتب محمد صادق المحمودي في جريدته «المعارف» الصادرة بتونس لمعةً ذات ستة أعمدة عنوانها «تاريخ الجرائد» تتضمن مختصر أخبار الصحافة لا سيما التونسية منها، فجاءت روايته طبق المرام إلا في بعض أمورٍ تافهة كنسبته جريدة «المقطم» إلى القبط مع أن أصحابها سوريون، ومنها أيضًا قوله إن الشيخ سليمان الحرائري أصدر جريدة «برجيس باريس»، بينما أن مؤسسها كان الكونت رشيد الدحداح اللبناني الذي تركها للشيخ سليمان … وغير ذلك من الأغلاط.
-
(١٥)
ونشر L. Bouvat سنة ١٩٠٧ في مجلة Revue du monde Musulman المطبوعة في باريز مقالة عنوانها «الصحافة العربية التونسية» في ست صفحات، فأتى فيها على وصف الجرائد التي صدرت في إمارة تونس وتاريخها وبيان خطتها، غير أنه أهمل ذكر جانبٍ كبير منها كجريدة «المنتظر» و«سبيل الرشاد» و«لسان الحق» و«القلم» و«حبيب الأمة» و«ترويح النفوس».
-
(١٦)
ثم نشر L. Mercier في المجلة ذاتها بتاريخ شهر آذار ١٩٠٨م مقالةً فرنسية عن «الصحافة الإسلامية في مراكش» في ١٢ صفحة، فذكر أنها كانت حديثة العهد في السلطنة المشار إليها جاعلًا جريدة «لسان المغرب» لمنشئها فرج الله نمور سنة ١٩٠٧م باكورة الصحف العربية في تلك البلاد، ومن المعلوم أنه ظهر في مراكش قبل العهد المذكور أكثر من جريدة وأشهرها «المغرب» عام ١٨٨٨م لصاحبيها عيسى فرح وسليم كسباني اللبنانيين ثم «الاستقصا في المغرب الأقصى» سنة ١٩٠٠م لمحررها إبراهيم يزبك اللبناني أيضًا، ومنها جريدة «السعادة» سنة ١٩٠٥م وجريدة «الصباح» عام ١٩٠٦م لمحررهما وديع كرم اللبناني.
-
(١٧)
وفي ٢٠ حزيران ١٩٠٩م أنشأ جرجي باز مقالةً عنوانها «المجلات النسائية العربية» نُشرت في مجلته «الحسناء» في ثلاث صفحات ونيف، فذكر منها أربع عشرة مجلة طُبعت بأسرها في القاهرة والإسكندرية ما عدا مجلته المذكورة التي ظهرت في بيروت، لكن فاته التنويه ببعض مجلات نذكر منها: أولًا «الفردوس» لصاحبتها لويزا حبالين في القاهرة، والثانية «البرنسيس» لمنشئتها فطنت هانم في المنصورة، والثالثة «الزهرة» لصاحبتها مريم مسعد في الإسكندرية، والرابعة «مجلة ترقية المرأة» لمنشئتها فاطمة راشد في القاهرة، والخامسة «المودة» لسليم خليل فرح بالإسكندرية، ولجرجي باز مقالة أُخرى ذات ثماني صفحات عنوانها «الصحف والصحافيون» نشرها بتاريخ ٤ كانون الثاني ١٩٠٤م في مجلة «المحبة» البيروتية، وقد ألمع فيها إلى آداب الصحافة وتاريخها في العالم بعبارةٍ شائقة تدل على ذكاء منشئها، ودقة مباحثه، ورسوخ قدمه في صناعة التحرير، غير أنه جعل صدور «الوقائع المصرية» عام ١٨٣٠م بدلًا من ١٨٢٨م، ومثلها «حديقة الأخبار» عام ١٨٥٧م بدلًا من ١٨٥٨م.
-
(١٨)
ومنذ ٣١ آذار ١٩١٠م أخذ عيسى إسكندر المعلوف ينشر في مجلة «النعمة» التي تصدرها بطريركية الروم الأرثوذكس في دمشق مقالاتٍ متتابعة عن «الصحافة العربية» على الإطلاق، ومن مميزات مباحثه أنه بيَّن ما كانت عليه الصحافة في دورها الأول من الركاكة في التعبير، وما آلت إليه الآن من بلاغة الكلام والمعاني، ثم أورد على ذلك أمثلةً شتى وبراهينً دامغة تشير إلى ما عاناه من شدة التنقيب في مباحثه الصحافية، وقد أجاد غاية الإجادة فيما كتبه عن الدورَين الأول والثاني بحيث إنه أسهب في هذا الموضوع أكثر من جميع المؤرخين الذين سبقوه. ولما كان البحث في تاريخ الصحافة العربية من أصعب المباحث لخلوها من المصادر الموثوق بها؛ فلا عجب إذا فات صديقنا عيسى أفندي بعض حقائق نستأذنه بالإشارة إليها، وربك فوق كل ذي علم عليم.
فلقد رأينا في أبحاثهِ المفيدة أنه أهمل ذكر كثير من الصحف كجريدة «المبشر» المطبوعة في الجزائر وهي ثالثة الجرائد العربية في قدمة العهد، ونسب جريدة «أبو الهول» في باريز سنة ١٨٨١ للدكتور لويس صابونجي وهي ليست له كما أفادنا الدكتور المشار إليه، ثم جعل جريدتي «المخير» و«البستان» بين صحف الجزائر بدلًا من تونس ولم يُشر إلى أنهما كانتا تُطبعان بالحرف العبراني، ولما تشرَّفنا بزيارته سنة ١٩١١ في منزله بمدينة زحلة ألفتنا نظره إلى هذا السهو لأجل إصلاحه في طبعةٍ أخرى، وأحصى «العلم المصري» و«المنتقد» و«اليانصيب» و«الأرغول» وغيرها بين الجرائد المصرية في الدور الثالث مع أنها مجلات، وأخطأ في تاريخ ظهور صحفٍ شتى بحيث إنه قدَّم أو أخَّر بعضها على بعض كما يتضح بالمقابلة بين الجداول التي نشرها وبين الجداول التي نشرناها في هذا المجلد أو سننشرها في الأجزاء التالية، إنما كل ذلك لا يشوِّه على الإطلاق ما بذله من الدقة في التفتيش عن تاريخ الصحافة التي خدمها بكل أمانة قولًا وعملًا. ولعيسى أفندي مقالة نشرها في مجلة «الزهور» المطبوعة في القاهرة (سنة ١، عدد ٩، صفحة ٣٧٦)، وذكر فيها أن عدد الجرائد العربية بلغ ثمانمائة صحيفة، مع أنها كانت في ذلك العهد (أي سنة ١٩١١) لا تقل عن ألف وأربعمائة صحيفة أكثرها موجود عندنا وتحت يدنا.
-
(١٩)
وبتاريخ ٢٥ و٢٧ تشرين الأول ١٩١٠م نشرت جريدة «العلم» في القاهرة خطبةً عنوانها «مركز الصحافة في مصر والأدوار التي تعاقبت عليها في عهد الاحتلال الإنكليزي» في اثني عشر عمودًا، وهذه الخطبة ألقاها المحامي عبد الرحمن الرافعي في إحدى جلسات المؤتمر الوطني الذي عقده أحرار مصر سنة ١٩١٠م في مدينة بروكسل، وتتناول هذه الخطبة أخبار الصحافة المصرية بعد الاحتلال المذكور مع كل ما طرأ عليها من التقييد أو الحرية بأسلوبٍ حسن وإسهابٍ كامل، لكنَّ لهجته لا تخلو من المغالاة في ذم المحتلين.
-
(٢٠)
وفي شهر كانون الثاني ١٩١١ نشر السيد البشير الفورتي صاحب جريدة «التقدم» في تونس مقالة عن «تاريخ الصحافة التونسية» على صفحات جريدة «الهدى» النيويوركية، وهي ضافية الذيول كثيرة الفوائد كما أفادنا السيد محمد الجعايبي التونسي، ولكننا لم نقف عليها لنقوم بوصفها رغمًا مما بذلناه من السعي في هذا السبيل.
-
(٢١)
وفي غرة شباط ١٩١١ نشر الأب أنسطاس الكرملي في مجلة «المسرة» اللبنانية مقالة مسهبة تقع في ٣٨ صفحة عن «صحافة بغداد» فوصفها وصفًا صحيحًا لم تبقَ بعده زيادة لمستزيد، فإنه ذكر كل واحدة منها مبينًا ما فيها من الحسنات والسيئات بعين نقادة ونفس مجردة عن الغرض خدمةً للغة والتاريخ. ولا ريب في أن أدباء الزوراء يشكرون له هذا الصنيع، ويسعون في رقي جرائدهم التي أكثرها لا يعود بالافتخار على مدينتهم، التي كانت في القرون الغابرة مهدًا للمعارف والآداب العربية على عهد الخلفاء العباسيين.
-
(٢٢)
وفي ٧ شباط للسنة ذاتها وضع توفيق حبيب؛ صاحب مجلة «فرعون» ومنشئ جريدة «الإكسبرس» في القاهرة مقالة عنوانها «الصحافة القبطية» تقع في ١٤ صفحةً كبرى مخطوطة باليد، فأجاد وأفاد فيما كتبه عن صحف طائفته بلا محاباة ولا تحيز؛ لأنه أورد الحقيقة على علَّاتها مستهجنًا ما رآه في الصحف مما يستحق الذم ومستحسنًا منها ما يُوافق المدح، وقد اعتمدنا في أكثر ما قلناه عن الصحف القبطية على رواية هذا الكاتب المنصف المدقق.
-
(٢٣)
وفي ٢٩ تشرين الثاني ١٩١٢م كتب الطيب بن عيسى صاحب جريدة «المشير» بتونس نبذة في «تاريخ الصحافة التونسية» إجابةً لطلبنا، وهي ذات تسع صفحات تتضمن أخبار الصحف التي ظهرت في القطر المذكور باختصار وصدق ونزاهة وتدقيق، وقد ذكرها قاطبةً، وما فاته منها سوى الجرائد العربية المطبوعة بحرفٍ عبراني.
هذا ما أمكننا الاطلاع عليه من الكتابات المتعلقة بأخبار صحافتنا سواء كانت من قلم أبناء اللسان العربي أو الأجانب، وقد حملنا داعي البحث على إبداء رأينا الضعيف في كلٍّ من الكتابات المذكورة توصلًا للحقيقة لا تنكيتًا بأصحابها الأجلَّاء الذين سبقونا في هذا الميدان الوعر، وحاشا لنا أن نقصد في هذا العمل مسَّ حاساتهم أو الخفض من قدرهم؛ لأننا نعتقد فيهم صلاح النية والتجرد عن كل غاية في خدمة هذا الفن الشريف، وليس من منكر ما لهم من المساعي المشكورة في سبيل تعزيز شأن الصحافة التي تتحدث بفضلهم، وترفع لواء الثناء على منزلتهم الرفيعة في عالم الآداب.