تكوُّن الصحافة العربية
بزغت شمس الصحافة العربية في ختام القرن الثامن عشر بمدينة القاهرة، وكان ذلك على يد الحملة الفرنسية التي جاءَت وادي النيل بقيادة الجنرال بونابرت؛ الذي ارتقى بعد ذلك إلى العرش القيصري في فرنسا باسم نابليون الأول. وهكذا أُتيح لأمةٍ غريبة أن تُدخل هذا الفن الشريف إلى البلاد العربية مع سائر جراثيم التمدُّن الحديث.
وبقيت اللغة العربية محرومة من فوائد الصحافة حتى قيَّض الله لها بعد ٢٧ سنة عصرًا جديدًا من الفلاح بفضل محمد علي باشا الكبير رأس العترة الخديوية، الذي أنشأ «الوقائع المصرية» لحكومته، ثم رأَت الدولة الفرنسية أن تُصدِر جريدة في أملاكها بشمال أفريقيا تكون واسطة للتفاهم بينها وبين السكان الوطنيين؛ فأنشأت «المبشر» عام ١٨٤٧م في مدينة الجزائر عاصمة المغرب الأوسط.

ثم تنبَّه المسلمون المصريون إلى هذا الأمر الجلل؛ فنشروا في آخر الحقبة الأولى ثلاث صحف في القاهرة: إحداها «يعسوب الطب» سنة ١٨٦٥م لمحمد علي باشا البقلي، والثانية «وادي النيل» ١٨٦٦م لعبد الله أبي السعود، والثالثة «نزهة الأفكار» ١٨٦٩م لإبراهيم المويلحي ومحمد عثمان جلال، ونضيف إلى ذلك جريدة «نتائج الأخبار» التي صدرت بتونس في نواحي سنة ١٨٦٣م لمنشئها حسين المقدم.
وهناك صحفٌ أخرى، منها رسمية أُنشئت في بعض الولايات العثمانية أو التابعة لسيادة الباب العالي وهي: «الرائد التونسي» ١٨٦١ في تونس، ثم «سوريا» ١٨٦٥ في دمشق، وكذلك «لبنان» ١٨٦٧ في بيت الدين قاعدة جبل لبنان، و«الفرات» ١٨٦٧ في حلب، وأخيرًا «الزوراء» ١٨٦٩ في بغداد. ومنها علمية ظهرت كلها في بيروت وهي: «مجموع فوائد» سنة ١٨٥١ ومجلة «أعمال الجمعية السورية» ١٨٥٢ ومجلة «مجموع العلوم» سنة ١٨٦٨ للجمعية العلمية السورية. ومنها دينية صدرت قاطبةً في بيروت وهي: «أخبار عن انتشار الإنجيل» ١٨٦٣ ومجلة «النشرة الشهرية» ١٨٦٦ للمرسلَين الأميركان، وثالثتها «أعمال شركة مار منصور دي بول» للجمعية المعروفة بهذا الاسم. ومنها جدلية كمجلة «رجوم وغساق» ١٨٦٨ لرزق الله حسون في لندن.
يتضح مما سبق بيانه أنه ظهر في الحقبة الأولى سبع وعشرون صحيفة لم يزل ربعها حيًّا وهي: الوقائع المصرية والمبشر والرائد التونسي وسوريا ولبنان والفرات والزوراء، ويمكننا أن نضيف إليها صحيفةً ثامنة وهي «النشرة الأسبوعية» التي قامت على أنقاض «النشرة الشهرية».
وإذا راعينا نسبة عدد تلك الصحف إلى الممالك التي ظهرت فيها فيكون السبق في هذا المضمار للدولة العثمانية؛ فإنه صدر فيها وحدها ١٦ صحيفة، أما الباقي فيتوزع كما يأتي: خمس في مصر، واثنتان في تونس، وواحدة في الجزائر، واثنتان في فرنسا، وواحدة في إنكلترا. ومن الغريب أن بواكير هذه الصحف؛ أي «الحوادث اليومية» و«الوقائع المصرية» و«المبشر» ظهرت للوجود في البقعة الأفريقية دون سواها.