أخبار الصحف من منتصف القرن التاسع عشر إلى فتنة بر الشام سنة ١٨٦٠
(١) مجموع فوائد

مجلةٌ سنوية أنشأها المرسلون الأميركان ببيروت في غرة عام ١٨٥١ ونشروها في مطبعتهم الشهيرة على يد زعيمهم القس عالي سميث. وهي باكورة كل المجلات التي ظهرت باللسان العربي وأقدمها عهدًا على الإطلاق؛ فكانت مصدرةً بتقويم الشهور الشمسية والقمرية، ومباحثها تدور على الشئون الدينية والعلمية والتاريخية والجغرافية وسواها من المواضيع المفيدة. وعام ١٨٥٥ ظهر منها ثلاثة أجزاء ثم احتجبت فبلغ مجموع عدد صفحاتها ١٤٤ صفحة، وكان عالي سميث رجل اجتهاد وعلم وفضل، فإنه رتب أحوال المرسلين الأميركيين في سوريا، وأنشأ لهم المدارس العديدة وجهز مطبعتهم في بيروت بكل أدوات فن الطباعة الحديثة، وباشر مع الشيخ ناصيف اليازجي سنة ١٨٤٩ ترجمة الكتاب المقدس الذي أنجزه من بعده الدكتور كرنيليوس فان ديك، ولما حلَّت وفاته في ١١ كانون الثاني ١٨٥٧ رثاه خليل الخوري صاحب «حديقة الأخبار» بقصيدة نورد منها هذين البيتَين المنشورَين تحت الرسم السابق.
(٢) أعمال الجمعية السورية
أنشئت الجمعية السورية عام ١٨٤٧ في بيروت لنشر العلوم وتنشيط الفنون بين الناطقين بالضاد، وكان أعضاؤها من خيرة العلماء الوطنيين والأجانب الذين يُشار إليهم بالبنان، فمن الوطنيين نذكر: الشيخ ناصيف اليازجي، والمعلم بطرس البستاني، والدكتور ميخائيل مشاقة، وميخائيل مدور، وشكر الله بن نعمة الله خوري، وسليم دي نوفل، وميخائيل فرج الله، ونعمة ثابت، وأنطونيوس الأميوني. ومن الأجانب نخص بالذكر: القس عالي سميث، والدكتور كرنيليوس فان ديك، والقس وليم طمسن، والمستشرق منصور كرلتي، والدكتور يوحنا ورتبات، ويوسف كنفاغو، وتشرتشل بك. وفي ٦ كانون الثاني ١٨٥٢ أنشأت هذه الجمعية مجلةً باسمها وعهدت بكتابة مقالاتها إلى المعلم بطرس البستاني، وكانت مباحثها تشتمل على جميع المواد العلمية والفنية والتاريخية والتجارية والأدبية والفلكية والشرائع والاكتشافات والاختراعات العصرية وغير ذلك. وكان أكثر أعضاء الجمعية يساعدون المعلم بطرس في تحرير المجلة ويدوِّن كلٌّ منهم ما يكتبه بتوقيعه كالشيخ ناصيف اليازجي أحد مؤسسيها وغيره.
(٣) مرآة الأحوال
جريدةٌ أسبوعيةٌ سياسية أصدرها رزق الله حسون الحلبي سنة ١٨٥٥ أثناء حرب القرم بين الدولة العثمانية وروسيا، وهي أول صحيفةٍ عربية نشأت في عاصمة السلطنة وعاشت نيفًا وسنة، فكانت تنشر وقائع الحرب المذكورة وأشياءَ أخرى عن أحوال بلادنا السورية، لا سيما لبنان وبعلبك وحاصبيا وغيرها. وقد تضمنت فصولًا لا تخلو من تقبيح الأتراك والتنديد بأعمال الحكومة العثمانية؛ لأن حسون كان حرَّ الأفكار، طويل الباع في الإنشاء، مُرَّ الهجو في الشعر كالفرزدق، فصمم الباب العالي على إلقاء القبض عليه؛ ففر هاربًا إلى الروسية، فحكم عليه الأتراك حكمًا غيابيًّا بالإعدام. وقد نظم حينئذٍ بعض أبيات في الفخر خاطب بها دولة الأتراك، ونحن نورد منها هذين البيتَين اللذين رواهما لنا محمد باشا المخزومي:
(٤) السلطنة
عنوان جريدةٍ سياسية صدرت عام ١٨٥٧ في الآستانة لمنشئها المرحوم إسكندر شلهوب السوري الأصل. وهي ثانية الصحف العربية السياسية في عاصمة السلطنة وسائر الممالك العثمانية. وما كادت تظهر لعالم الوجود حتى عطَّلها صاحبها قبل بلوغها تمام السنة من عمرها، كما أفادنا أحد الأدباء من آل شلهوب. ومن غرائب الاتفاق أنه في ٢٠ آيار ١٨٩٧ ظهرت صحيفةٌ مصوَّرة كبرى في مدينة القاهرة عنوانها «السلطنة» واسم صاحبها «إسكندر شلهوب» أيضًا، وقد أراد الثاني بذلك إعادة مجد تلك الصحيفة القديمة، وإحياء ذكر مؤسسها الذي كان له نسيبًا، ومن أخصِّ رجال الفضل.
(٥) حديقة الأخبار
إنه سيطبع في مدينة بيروت بمطبعةٍ خصوصية مجموع حوادث عربي العبارة يحتوي على حوادث هذه البلاد وعلى الحوادث الخارجية مؤلَّفة ومترجَمة من أحسن وأعظم جرنالات الأوروبا، وعلى فوائدَ علميةٍ عامة وأحوالٍ متجربة ليكون نافعًا سائر طبقات الناس، وذلك بهمةٍ جمعيةٍ مؤلَّفة من أحذق وأنبه رجال البلاد المؤلِّفين والمترجمين والمصححين الذين ستشهر أسماؤهم فيما بعدُ لا سيما جناب عمر أفندي الأنسي الحسيني وجناب الشيخ ناصيف اليازجي، وابتداءُ العمل يكون حين ورود الفرمان العالي بعد أخذ الأسماء اللازمة لهذه العملية، فنلتمس من كل مهذب يرغب نفع البلاد أن يشرفنا بوضع اسمه في هذه القائمة، وثمن هذا المجموع مائة وعشرون غرشًا بالعام تُدفع عند استلام أول عدد، وهو يُطبع في كل أسبوع تحت إدارة كاتبه خليل الخوري واسمه الفجر المنير.
وكانت حديقة الأخبار المظهر الوحيد للرسائل العمومية والأنباء المفيدة وتنشيط الناس على إقامة المدارس وتعميم الزراعة وترويج الصناعة وتحسين التربية والأخلاق والعادات، وقد حافظت في جميع أدوار حياتها على مبدأ الاستقامة والعدل وحب النفع العام؛ ولذلك قرَّظها الأمراء والوزراء والعلماء شرقًا وغربًا بما تستحقه من المدح، كأمير الأمراء السيد حسين التونسي، والصدر الأعظم خير الدين باشا الشهير، ونذكر منهم السيد رينو أحد أعضاء المحفل العلمي الفرنسي ورئيس «الجمعية الآسيوية» وأستاذ اللسان العربي في باريس وحافظ المخطوطات الشرقية في مكتبة الدولة الفرنسية، فإنه تلا تقريرًا مطبوعًا أمام الجمعية المذكورة في ٢٩ حزيران ١٨٥٨ وخصصه بوصف «حديقة الأخبار» مشبهًا إياها بأعظم الجرائد الأوروبية، ثم ذكر ما كابده مُنشئها من العناء في تعريب الأوضاع المستحدثة في أوروبا وإيجاد ألفاظٍ عربية تقابلها وتؤدي معناها الحقيقي بكل أمانة، ومنهم السيد فليشر أحد أركان «الجمعية الشرقية الألمانية» وأستاذ اللغات الشرقية في كلية ليبسيك، فإنه تلا خطابين سنة ١٨٥٨ وسنة ١٨٥٩ على محفل هذه الجمعية ونشرهما باللغة الألمانية، وهما يتضمنان الثناء على أسلوب إنشاء حديقة الأخبار التي مثلها بلسان حال التمدن السوري.

وكان أكبر عضد في إنشاء هذه الصحيفة القديمة العهد رجلُ الفضل والشهامة ميخائيل بن يوسف مدور من أعيان بيروت وترجمان قنصلية فرنسا فيها؛ ولذلك قرَّظه خليل الخوري في العدد الخامس بما يأتي: «قد جعل بمساعدته حديقة الأخبار أن تزهر برياض الشام وتجري من ثغر بيروت زلالًا ترتشفه أبناء الوطن، وهي تكون مشروعًا يؤمَّل بواسطته تقدم ونجاح المعارف والتهذيب في هذه البلاد.» ولا غرو فإن ميخائيل مدوَّر من أعاظم نصراءِ الأدب.
ولما حضر فؤَاد باشا إلى سوريا سنة ١٨٦٠ خصص حديقة الأخبار بخدمة الحكومة واتخذها بمثابة جريدة نصف رسمية، وقد عُين لصاحبها بإرادةٍ سنية راتبٌ شهري قدره عشرون ليرةً عثمانية إعانةً على نشرها حتى ظهرت جريدة «سورية» الرسمية، وفي ١٣ آب ١٨٦٨ صدرت باللغتين العربية والفرنسية؛ لأن فرنقو باشا حاكم جبل لبنان جعلها الصحيفة الرسمية لحكومته بدلًا من جريدة «لبنان» الملغاة، وبمقابلة ذلك نال منشئها ثلاثين ليرةً عثمانية راتبًا شهريًّا، وكان يساعده في تحريرها أخوه سليم الخوري مع سليم بن ميخائيل شحادة وغيرهما من الأدباء، وبعد أن قطعت حكومة الجبل عن حديقة الأخبار راتبها الشهري استمر خليل الخوري على نشرها لحسابه إلى آخر أيامه وعهد بتحريرها إلى أخيه وديع.
وكانت حديقة الأخبار قد احتجبت عامًا كاملًا قبل وفاة مؤسسها لاعتلال صحته، فبقيت كذلك حتى أعاد نشرها صاحب الامتياز الثاني ومحررها بالاشتراك مع أخيه حنا الخوري، فأصدراها يومية في ١٨ كانون الأول ١٩٠٨ تيمنًا بافتتاح مجلس النواب للمرة الأولى بعد إعلان الدستور في السلطنة العثمانية، وقد ضمَّناها مقالاتٍ شائقة في السياسة والأخلاق، وفصولًا مفيدة في تأثير النساء وتهذيب البنات، وهي مأخوذة من كتابٍ مطول لصاحب الامتياز الثاني عنوانه «المرأة زهرة الآداب» لم يُطبع للآن. وفي ١٧ حزيران ١٩٠٩ توقف إصدار الحديقة لاختلالٍ طرأ فجأةً على آلة طباعتها، ثم عادت إلى الظهور من ١٥ تشرين الثاني ١٩١٠ إلى ٢٠ نيسان ١٩١١ ولم تزل محتجبة حتى اليوم. أما الذين تولوا تحرير «حديقة الأخبار» مع صاحبَي الامتياز فهم: ميخائيل مدور، ونقولا منسي، وسليم بن جبرائيل الخوري، وسليم شحادة، وسليم بن عباس الشلفون. وقد بلغ مجموع الأعداد التي صدرت منها منذ تأسيسها إلى حين احتجابها ٢٩٧٣ عددًا.


وقد أنعم السلطان محمد الخامس على وديع الخوري بخاتمٍ مرصَّع بالحجارة الكريمة تقديرًا لمساعيه في سبيل الصحافة والوطن. ومن مآثره الأدبية أيضًا ديوان شعر طُبع قسمٌ من قصائده في جريدتَي التقدم وحديقة الأخبار ومجلتَي الجنان والمقتطف. ومنذ بضعة أعوام شرع في تعريب رواية «تليماك» نظمًا، فحذا فيها حذو سليمان البستاني في تعريب «الإلياذة» للشاعر اليوناني هوميرس، وقد راعى فيه الأصل والمعنى كل المراعاة حتى جاءَت ترجمته من أحسن ما يُلقى بين أيدي المتأدبين وطلَّاب المدارس، ثم نظم تاريخًا شعريًّا مفصَّلًا عن الحرب العثمانية الإيطالية في طرابلس الغرب، وقد جعله قسمين؛ ينتهي أولهما بفاجعة بيروت في ٢٤ شباط سنة ١٩١٢ عندما أطلق عليها الإيطاليان قنابلهم، ويتضمن الثاني بقية حوادث الحرب.
(٦) عطارد
(٧) برجيس باريس
جريدةٌ سياسية نصف شهرية ظهرت بتاريخ ٢٤ حزيران ١٨٥٨ في مدينة باريس لمحررها الكونت رشيد الدحداح اللبناني ومديرها الأب فرنسيس بورغاد رئيس مدرسة القديس لويس، وكان رسم النسر الإمبراطوري الفرنسي يعلو عنوان هذه الجريدة، التي تُعد باكورة الصحف العربية بكبر حجمها وجودة حروفها وإتقان طبعها واتساع مواضيعها، وقد ذاعت شهرتها في الخافقَين، وأقبل الأدباء على الاشتراك فيها من كل الأقطار العربية، كما يتضح من أسماء وكلائها وأماكن بيعها المنشورة في صدرها إلى جانبَي العنوان؛ فكانت عبارتها فصيحة، ومباحثها مفيدة تتناول كل فن ومطلب. وقد قرَّظها بعض العلماء والشعراء الذين نذكر منهم الشيخ محمود قبَّادو التونسي إذ قال:
وفي سنتها الرابعة عرضت للكونت رشيد الدحداح أشغال مهمة مع باي تونس محمد الصادق باشا ألجأته إلى تسليم الجريدة للشيخ سليمان بن علي الحرائري الحسني التونسي من مشاهير كتَّاب ذاك العصر، فتولى هذا تحريرها حتى احتجبت في السنة الخامسة من عمرها، وقد نشر فيها كتاب «قلائد العقيان للفتح بن خاقان» ثم «سيرة عنترة» وطبعهما على حدة.
(٨) الجوائب
صحيفةٌ أسبوعيةٌ سياسية برزت في الآستانة بتاريخ شهر تموز ١٨٦٠ لمنشئها أحمد فارس الشدياق اللبناني، الذي كان ينشرها في المطبعة السلطانية. وقد أَرَّخ الحاج حسين بيهم البيروتي صدورها بهذه الأبيات:
ومنذ السنة العاشرة أنشأَ أحمد فارس مطبعةً خاصة بها، وجهزها بكل أدوات فن الطباعة؛ حتى صارت تُعدُّ من أشهر المطابع في السلطنة العثمانية. وقد انتشرت الجوائب انتشارًا عظيمًا في الشرق والغرب، ونالت شهرةً واسعةً لم تنلها جريدة سواها منذ ظهور الصحافة العربية حتى ذاك العهد؛ فكان يقرؤها سلاطين العرب وملوكهم وأمراؤهم وعلماؤهم في تركيا ومصر ومراكش والجزائر وتونس وزنجبار وجاوا والهند وغيرها. وقد ساعد السلطان عبد العزيز على توسيع نطاق هذه الجريدة لبثِّ فكر الخلافة النبوية بين المسلمين المنتشرين خارجًا عن الدولة العثمانية. وكان أحمد فارس يقبض كل سنة خمسمائة ليرةٍ عثمانية من السلطان المشار إليه؛ لهذه الغاية. وكان كلٌّ من إسماعيل باشا خديو مصر ومحمد الصادق باشا باي تونس ينفحه بمثل المبلغ المذكور لأجل خدمة أفكارهما وترويج مصالح بلادهما.
وفي شهر تموز ١٨٧٩ صدر الأمر بتعطيل الجوائب مدة ستة شهور؛ لامتناع مديرها من نشر مقالة أدرجتها جريدة «ترجمان حقيقت» التركية طعنًا في إسماعيل باشا الخديو، ومقابلتة تلك المقالة بمقالةٍ أخرى عنوانها «سفاهة الحقيقة» دفاعًا عن أمير مصر. وكانت الجوائب محقَّة بدعواها؛ إذ ليس من قانون يجبرها على نشر مقالة لم تُعطَ لها بصورةٍ رسمية، وللحاج حسين بيهم في تعطيل الجوائب حينذاك وإعادة نشرها بيتان نوردهما بالحرف الواحد:
وبهذه المناسبة أيضًا نظم كثيرٌ من الشعراء قصائد التهنئة لأحمد فارس بإعادة نشر جريدته، ونقتصر منها على ذكر الأبيات الثلاثة التي ختم بها حنا بك صعب قصيدته مخاطبًا صاحب الجوائب:
وسنة ١٨٨٢ قبض أحمد فارس من سفارة إنكلترا في الآستانة مبلغ ألف ليرةٍ إنكليزية حتى يطبع صورة المنشور الذي صدر من الباب العالي بإعلان عصيان عرابي باشا لإثارته نار الفتنة في وادي النيل؛ فكان ذلك سببًا لانكسار عرابي وسقوط اعتباره من عيون المسلمين عامةً والمصريين خاصةً.
وكانت الجوائب لا تخلو من المناظرات العلمية أو السياسية، بين صاحبها وبين أكبر علماء ذاك العهد؛ كالشيخ إبراهيم اليازجي، والكونت رشيد الدحداح، والشيخ إبراهيم الأحدب، والدكتور لويس صابونجي، والشيخ سعيد الشرتوني، والمعلم بطرس البستاني، ورزق الله حسون، ويوسف باخوس، وسواهم من أساطين الجهابذة. ومما يُعاب على أحمد فارس خلطه المناظرة العلمية بالمقاذعة، ثمَّ العدول عن البرهان إلى الطعن والذم والشتم، إلى ما شاكل ذلك مما يغضُّ من مقام العالم، ويحط من قدر الكاتب. وأقدم تلك المناظرات وأشهرها هي المناظرة اللغوية التي جرت بين جريدتَي الجوائب وبرجيس باريس؛ فاستفحل الأمر بهذا المقدار حتى توسط بينهما الشيخ العلامة عبد الهادي نجا الإبياري، فإنه أبدى حكمه في كراسة عنوانها «النجم الثاقب في المحاكمة بين البرجيس والجوائب» وكان كلامه فصل الخطاب، وعلى إثر ذلك نظم أحمد فارس قصيدته الدالية التي يقول فيها:
ولما مات الشيخ ناصيف اليازجي سنة ١٨٧١ رثاه أحمد فارس على صفحات الجوائب، وانتقده في معرض التأبين، وكان موضوع الانتقاد لفظة «فطحل» كأنها وردت في مقامات كتاب «مجمع البحرين» ساكنة الثاني وقد يكون ذلك غلطًا مطبعيًّا، فانتصر الشيخ إبراهيم اليازجي لأبيه على صفحات مجلة «الجنان» لبطرس البستاني، فحمل عليه أحمد فارس وقابله بكلامٍ جارح، فقام الشيخ إبراهيم وردَّ عليه ردًّا طويلًا بليغًا وضمنه بيتَين دلَّا على أدبه الجمِّ ونفسه الكبيرة:
ومن تلك المناظرات أيضًا أن الشيخ سعيد الشرتوني انتقد كتابًا لأحمد فارس يُسمى «غنية الطالب ومنية الراغب» في الصرف والنحو وحروف المعاني، ثم جمع هذه الانتقادات في كتاب سماه «السهم الصائب في تخطئة غنية الطالب» وطبعه سنة ١٨٧٤ في بيروت، وقد كبر هذا الأمر على صاحب الجوائب؛ فاستنجد الشيخين يوسف الأسير وإبراهيم الأحدب، فألَّف كلٌّ منهما ردًّا على الكتاب المشار إليه، ومع شدة ميلهما الى المستنجِد لم يسعهما أن يفرَّا في كثير من المواضع من الإقرار بصوابية الانتقاد، وقد وقفنا على قصيدة شائقة رثى بها الشيخ سعيد الشرتوني مُناظره أحمد فارس، نورد منها الأبيات الآتية:
وبعدما لعبت الجوائب دورًا مهمًّا في سياسة الشرق نُقلت إدارتها سنة ١٨٨٣ إلى عاصمة القطر المصري بحيث خلفتها جريدة «القاهرة» ثم جريدة «القاهرة الحرة» اللتان سيأتي ذكرهما. وكان احتجاب الجوائب قبل وفاة منشئها بأربعة أعوام. وقد جمع سليم بن أحمد فارس أنفَس ما نشرته هذه الجريدة من منثور ومنظوم، ثم طبعه في سبعة مجلدات سماها «كنز الرغائب في منتجات الجوائب». وكان سليم فارس الروح العاملة في هذه الجريدة الطائرة الصيت، وله اليد الطولى في تدبير شئونها وإدارة سياستها وتشغيل مطبعتها، وكانت المقالات الافتتاحية مدبجة ببراعة ومشتملة على أهم حوادث الكون.
(٩) نفير سوريا
يا أبناءَ الوطن!
إن الفظائع والمنكرات التي ارتكبها أشقياؤنا هذه السنة كسرت القلوب وأسالت الدموع، وعكرت صفاءَ الألفة وأضاعت حق الجوار، أَمَا تمالح الجاران؟ أَمَا شربتم ماءً واحدًا؟ أما تنشقتم هواءً واحدًا؟ أما رأيتم العقلاء ساعين في تشييد أركان الألفة ورفع منار العلم؛ رغبةً منهم في ارتقاء البلاد وسعادة العباد؟ اعلموا أنكم بعملكم المنكر قد أرجعتم الوطن إلى الوراء نصف قرن … إلخ إلخ. هدانا الله وإياكم إلى سواء السبيل.